خطبة الجمعة القادمة 26 نوفمبر 2021م “ركائز الأمن المجتمعي” ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 26 نوفمبر 2021م : “ركائز الأمن المجتمعي” ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ: 21 ربيع الآخر 1443هـ – الموافق 26 نوفمبر 2021م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 26 نوفمبر 2021م ، “ركائز الأمن المجتمعي” : للدكتور محروس حفظي.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 26 نوفمبر 2021م ، للدكتور محروس حفظي : “ركائز الأمن المجتمعي” ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 26 نوفمبر 2021م ، للدكتور محروس حفظي : “ركائز الأمن المجتمعي” ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة ، للدكتور محروس حفظي : “ركائز الأمن المجتمعي” : كما يلي:
(1) نعمةُ الأمنِ من أجلِّ النعمِ .
(2) الأمنُ المجتمعيٌّ مطلبُ الأنبياءِ، ونعمةُ أهلِ الجنةِ .
(3) ركائزُ تحقيقِ الأمنِ المجتمعيِ .
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة ، للدكتور محروس حفظي : “ركائز الأمن المجتمعي” : كما يلي:
الحمدُ للهِ حمدًا يوافي نعمَهُ، ويكافىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِك، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أما بعدُ ،،،
(1) نعمةُ الأمنِ مِن أجلِّ النعمِ:
إنّ نعمَ اللهِ على العبادِ كثيرةٌ، وآلاؤهُ عليهم عظيمةٌ قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾، لكنَّ أعظمَ النعمِ على الإطلاقِ نعمةُ الأمنِ والأمانِ فبها يُعبدُ اللهُ في أرضهِ، وبها تُحفظُ الدماءُ، وبها تُصانُ الأعراضُ أنْ تُنتهكَ، والأموالُ أنْ تُسلبَ، والأرضُ أنْ تُغتصبَ، وهكذا كلُّ طاعةٍ أو عبادةٍ مردُّهَا في الأساسِ إلى نعمةِ الأمنِ، ولذا قدمَها السياقُ القرآنيُّ على طلبِ الرزقِ والمنافعِ الماديةِ فقال عزّ مَن قائل: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ ، وقال أيضًا: ﴿وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً﴾ ؛ لأنّه بالأمنِ يحصلُ الاستقرارُ الذي هو سببُ البناءِ والتعميرِ في الأرضِ، وانظر في حال أيّ بقعةٍ من أرجاءِ المعمورةِ إذا نُزِعَ الأمنُ منها، وحلَّ الخوفُ مكانَها كيف حالُهَا من الخرابِ والبوارِ والكسادِ في شتّى مجالاتِ الحياةِ، والإنسانُ قد يُفتحُ عليه من أبواب الخيرِ والبرِّ، لكنه يفقدُ عنصرَ الأمنِ والأمانِ فلا يهنأُ ولا يستلذُّ بهذه النعمةِ، ولذا عدَّ رسولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مَن يملكُ هذه النعمةَ بأنّه حازَ الخيرَ والشرفَ كلَّه، وجمعَ الفضلَ وزيادةً قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «مَنْ أَصْبَحَ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ طَعَامُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بحذافيرِها» . (الترمذيُّ وابنُ ماجه) .
فمتى بلغَ المجتمعُ مستوى عاليًا من الاستقرارِ والسكينةِ وعدمِ وجودِ أيّ نوعٍ من أنواعِ المخاوفِ حينها يصبحُ هذا المجتمعُ آمنًا قادرًا على أداءِ مسؤولياتِهِ التي خُلِقَ من أجلِها كما قال تعالى في كتابهِ العزيزِ: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾، وقال أيضًا: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾
(2) الأمنُ المجتمعيُّ مطلبُ الأنبياءِ، ونعمةُ أهلِ الجنةِ:
إنّ نعمةَ الأمنِ مطلبُ الأنبياءِ والصالحين بل والخلقِ أجميعن فها هو سيدُنَا يوسفُ عليه السلامُ يطلبُ من والديهِ دخولَ مصرَ مخبرًا باستتبابِ الأمنِ بها قال تعالى: ﴿فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ﴾ ، وما صارتْ مصرُ مركزَ توزيعِ الغلالِ للبلادِ المجاورةِ لها، ومحطَّ كلِّ غريبٍ إلا بانتشارِ الأمنِ المجتمعيِّ فيها، وعليه تَفرَّغَ أهلُهَا للعملِ والزراعةِ ومواصلةِ الليلِ بالنهارِ لتحقيقِ هدفهِم وبناءِ بلدهِم، ولذا جاء إخوتُه عليه السلامُ طالبين الحنطةَ من أهلِ مصرَ قال تعالى: ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ﴾
ولما ضربَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أروعَ الأمثلةِ في العفوِ والصفحِ عن أهلِ مكةَ يومَ فتحِهَا أرشدَهُم إلى ما ينالون به الأمنَ المجتمعيَّ فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ» . (مسلم) .
ومن أجلِّ النعمِ التي يكرمُ اللهُ بها أهلَ دار كرامتهِ، وسكانَ جنتهِ نعمةُ الأمنِ المجتمعيِّ قال تعالى: ﴿ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ﴾ وقال أيضًا: ﴿يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ﴾، وقال سبحانَهُ: ﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ ولتحقيقِ عنصرِ الأمانِ فيها جمعَ اللهُ المؤمنَ بأهلهِ ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾
لقد جمع اللهُ لأهل الجنةِ بين النعمِ الماديةِ المتمثلةِ في الأكلِ والشربِ والحورِ العينِ، وبين النعمِ المعنويةِ المتمثلةِ في صفاءِ القلبِ من الغلِّ والحسدِ ﴿وَنَزَعْنا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ﴾، وراحةِ البالِ والطمأنينةِ والشعورِ بالأمانِ من خلال اجتماعهِ بزوجهِ وولدهِ؛ لأنّ المؤمنَ إذا فَقَدَ إحدى هذه النعمِ لم يحصلْ له تمامُ كمالِ النعمةِ.
وقد كان يدعو نبيُّنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربَّهُ أنْ يرزقَهُ الأمنَ حين يُمسِي وحين يُصبحُ، فعن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ يَدَعُ هَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي، وَحِينَ يُصْبِحُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي، وَاحْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي» . (النسائي وابن ماجة) .
(3) ركائزُ تحقيقِ الأمنِ المجتمعيِّ:
*طلبُ الرزقِ وحسنُ العملِ، ونبذُ العجزِ والكسلِ:
أوجبَ اللهُ علي البشريةِ العملَ، والسعيَ في الأرضِ طلبًا لإعمارِها، وتحقيقًا لجلبِ الأمنِ والطمأنينةِ على أهلِها فقال تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها﴾، وفي سبيل ذلك ذلَّلَ اللهُ له الصعابَ، وسخرَ له كلَّ الممكناتِ قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾
ومَن يستقرءْ القرآنَ الكريمَ يجدْ أنّ اللهَ جمعَ بين الإيمانِ والعملِ فلا يغني أحدهُمَا عن الآخرِ قال تعالى:
﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ﴾، وقال أيضًا: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾ .
ويُقاسُ أمانُ المجتمعاتِ وتقدمُهَا بقدرِ ما هي عليه من العملِ والإنتاجِ، ولذا وجهنَا القرآنُ إلى العملِ عقبَ الفراغِ من العباداتِ حتى لا تتخذ مجالًا للكسلِ والنومِ والقعودِ عن طلبِ لقمةِ العيشِ فقال تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، وأرشدَنَا نبيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى حسنِ التوكلِ على اللهِ فقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا» . (الترمذيُّ وابنُ ماجه) .
فلا يستقلَّ الإنسانُ أو يقللَ أو يذمَّ حرفةً أو صنعةً ما، فقد باشرَ جميعُ الأنبياءِ صناعاتٍ وحرفٍ مختلفةٍ، ورسولُنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رعَى الغنمَ لأهلِ مكةَ، وكذا موسى وعيسى عليهما السلامُ كانا راعيين، والصحابةُ كان منهم التاجرُ والصانعُ والمزارعُ … الخ، قال الإمامُ القرطبيُّ: (وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ كَانَ يَصْنَعُ الدُّرُوعَ، وَكَانَ أَيْضًا يَصْنَعُ الْخُوصَ، وَكَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَكَانَ آدَمُ حَرَّاثًا، وَنُوحٌ نَجَّارًا وَلُقْمَانُ خَيَّاطًا، وَطَالُوتُ دَبَّاغًا، وَقِيلَ: سَقَّاءً، فَالصَّنْعَةُ يَكُفُّ بِهَا الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ عَنِ النَّاسِ، وَيَدْفَعُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ الضَّرَرَ وَالْبَأْسَ، وَفِي الْحَدِيثِ:”إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُؤْمِنَ الْمُحْتَرِفَ الضَّعِيفَ الْمُتَعَفِّفَ وَيُبْغِضُ السَّائِلَ الْمُلْحِفَ”.) أ.ه
*التحذيرُ من الإسرافِ والتبذيرِ:
أمرنَا الإسلامُ بالاعتدالِ في كلِّ شيءٍ، وأنْ ننهجَ المنهجَ الوسطَ فقال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾، والخطابُ هنا يرتفعُ القرآنُ أنْ يوجّهَ للمؤمنين فقط، فخاطبَ جميعَ البشرِ، ولذا قِيل: القرآنُ لخَّصَ الصحةَ والاقتصادَ في هذه الآيةِ الكريمةِ، بل جعل القرآنُ الترشيدَ صفةً من صفاتِ عبادِ اللهِ فقال: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ ، وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ، وَلَا مَخِيلَةٍ» . (سنن النسائي) .
وقد أرشدَنا دينُنَا الحنيفُ كيف نصرفُ ما تبقى لدينا من طعامٍ وغيرِه بأنْ نُعطيَهُ مَن يستحق أو نضعَهُ للحيوان في أماكنَ لا يُداسُ فيها ولا يُهانُ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَبِيتُ وَجَارُهُ إِلَى جَنْبِهِ جَائِعٌ» . (الحاكم وصححه ووافقه الذهبي) .
وقد حذر القرآنُ من كفران النعمةِ بعدما يُعطاها الإنسانُ فلا يُؤدي شكرَها، فعليه إذًا أنْ يُسخرَها في الطاعةِ وفيما ينفعُ البشر قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ﴾، وقال: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾، وما قصةُ مملكةِ سبأٍ إلا أكبرُ شاهدٍ على ذلك .
*المحافظةُ على صحةِ الفردِ والمجتمعِ من العدوى، وانتشارِ الأمراضِ:
المسلمُ يوقنُ أنّ المرضَ ابتلاءٌ من اللهِ تعالى، لكنْ مع ذلك عليه أنْ يأخذَ بالأسبابِ، ويقي نفسَهُ وأسرتَهُ مما يضرُّهُ، أو يذهبُ صحتَهُ، فيختارُ الأكلَ الذي يتناسبُ مع جسمهِ، والرياضةَ التي تتناسبُ مع وقتهِ، وكما قيل: «الصحةُ تاجٌ على رؤوسِ الأصحاءِ لا يراها إلا المرضى»، وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ» . (البخاري) .
وقد بيَّنَ رسولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّه يحرمُ على المسلمِ أنْ يلحقَ الضررَ والأذىَ بغيرِه بأيّ وسيلةٍ أو طريقةٍ فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَضَى أَنْ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» . (ابن ماجه) .
*سيادةُ القانونِ:
عندما يسودُ القانونُ في بلدٍ من البلادِ يطمئنُّ أهلُها، ويهدأُ بالُهُم، ويشعرُ كلُّ فردٍ في المجتمعِ بأنّه في مأمنٍ من أيِّ متجاوزٍ يتطاولُ على مالهِ أو حياتهِ أو عيالهِ، وليس من الغريبِ أنْ نجدَ أنّ المجتمعاتِ والدولَ التي يسودُ فها القانونُ ينتشرُ فيها الأمنُ والاستقرارُ، فالبشرُ بلا قانونٍ أشبهُ بالحيواناتِ التي تعيشُ بالغابات، بل أضلُّ سبيلًا؛ إذ الحيواناتُ قد يحكمُهَا بعض القوانينِ فيما بينها، لذا قال سيدُنا عثمانُ بن عفانٍ رضي اللهُ عنه: «إنّ اللهَ ليزعْ بالسلطانِ ما لايزعْ بالقرآنِ» .
وقد شرعَ اللهُ العقوباتِ المختلفةَ في الإسلامِ كي يزجرَ ويرتدعَ الإنسانُ عن أنْ يؤذيَ أخاهُ الإنسان، ولذا وجهنَا نبيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى وجوبِ ذكرِ الْفَاجِرِ بِمَا فِيهِ للتحذيرِ مِنْهُ حتى يعيشَ الناسُ آمنينَ مطمئنينَ في أوطانِهم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَرْعَوْنَ عَن ذكرِ الْفَاجِرِ حَتَّى يعرفَهُ النَّاسُ إذكروه بِمَا فِيهِ يحذرهُ النَّاسُ» . (الطبراني في الكبير) .
*التكافلُ الاجتماعيُّ:
من مقوماتِ المجتمعِ الآمنِ وجودُ التعاطفِ والتواددِ بين أعضائهِ، كلُّ فردٍ فيه ينظرُ إلي أخيهِ الإنسان يسددهُ بالنصيحةِ إذا كان محتاجًا لها، ويقدمُ له المالَ عند الحاجةِ، ويعرضُ عليه خدماتهِ كلما ألمتْ به مصيبةٌ، تلك صفةُ المجتمعِ الإنسانيِّ في توادهِ و تراحمهِ كالجسدِ الواحدِ يعضدُ بعضُه بعضًا، وهكذا يشعرُ الإنسانُ أنّه ليس وحدَهُ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» . (مسلم) .
وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . (مسلم) .
*التسامحُ ونبذُ العنفِ، ونشرُ الوعيِ، وحفظُ العقولِ مما يفسدُهَا:
أمرَنا دينُنا بالتسامحِ، والعفوِ عند المقدرةِ، وإقالةِ العثرةِ والزلةِ، وقبولِ العذرِ، وغفرانِ الذنبِ، والرفقِ بعبادِ اللهِ وجعلَ ثمنَ الرفقِ بالآخرين الرحمةَ الإلهيةَ التي تنزلُ عليه يوم القيامةِ قال تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ﴾ ، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا؟» قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «مَنْ لَا يَقِيلُ عَثْرَةً وَلَا يَقْبَلُ مَعْذِرَةً وَلَا يَغْفِرُ ذَنْبًا أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا؟» قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَنْ لَا يُرْجَى خَيْرُهُ وَلَا يُؤْمَنُ شَرُّهُ» . (الحاكم وصححه) .
كما رغبَنا في الرفقِ والبعدِ عن التشددِ حتى لا يصبح المجتمعُ عرضةً للتطرفَ والمغالاةِ فعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ قَالَهَا ثَلَاثًا» . (مسلم) .
وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» . (مسلم) .
لقد بالغ الإسلامُ في نبذِ العنفِ حتى في النظرةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَظَرَ إِلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ نَظْرَةً يُخِيفُهُ بِهَا أَخَافَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . (شعب الإيمان) .
وما انتشرَ الفهمُ الخاطئُ تجاهَ نصوصِ القرآنِ والسنةِ إلا بسببِ تغييبِ العقولِ، وعدمِ الفهمِ السديدِ لمقاصد الشريعةِ، وهل كُفِّرَ الناسُ، وأريقتْ الدماءُ، وقُتِلَ الأبرياءُ، وخُفرت الذممُ بقتلِ المستأمنين، وفُجِّرت البقاعُ إلا بهذه المفاهيمِ المنكوسةِ؟!!، وقد جعل اللهُ أمانَ ذلك بالرجوعِ إلى أهل الاختصاصِ والاستنباطِ كلٌّ في فنِّهِ ومجالهِ قال تعالى: ﴿وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ وقال أيضًا: ﴿فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ .
نسألُ اللهَ جلّ وعلا أنْ يأمنَنا في أموالِنا وأهلِينا، وأنْ يحفظَ بلادَنا، وأنْ يستعملَنا في خدمةِ دينِنا ووطنِنا، وأنْ يوفقَ ولاةَ أُمورِنا لما فيه نفع البلادِ والعبادِ .
كتبه: د / محروس رمضان حفظي عبد العال
عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر الشريف
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف