وزير الأوقاف خلال خطبة الجمعة من مسجد ” الجامع الكبير” بمدينة أسوان: ما لم يتراحم الناس عند الجوائح فمتى يتراحمون ومتى يتعظون؟
وزير الأوقاف خلال خطبة الجمعة من مسجد ” الجامع الكبير” بمدينة أسوان:
الزكاة فريضة ثابتة وعدم إخراجها من الكبائر
ويجوز إخراج الزكاة في علاج الفقراء أو توفير اللقاح لهم
ويجوز تعجيل الزكاة بل يستحب عند الكروب والنوائب
وما لم يتراحم الناس عند الجوائح فمتى يتراحمون ومتى يتعظون؟
وفي المال حق فوق الزكاة وهو الواجب الكفائي والصدقات
في إطار المتابعة الميدانية للعمل الدعوي بالمديريات الإقليمية ومشاركة في احتفال محافظة أسوان بعيدها القومي ألقى معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف خطبة الجمعة بمسجد ” الجامع الكبير” بمدينة أسوان ، اليوم الجمعة 15 / 1 / 2021م ، بعنوان: “فريضة الزكاة وأثرها في تحقيق التوازن المجتمعي” ، بحضور معالي الدكتور /خالد العناني وزير السياحة والآثار ، وسيادة اللواء / أشرف عطية محافظ أسوان ، وفضيلة الشيخ/ جابر طايع رئيس القطاع الديني ، والدكتور / مصطفى وزيري رئيس المجلس الأعلى للأثار ، وأ.د/ أحمد غلاب رئيس جامعة أسوان ، والدكتور/ محمد عزت مدير مديرية أوقاف أسوان ، وعدد من القيادات التنفيذية والدعوية بالمحافظة، مع مراعاة الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية اللازمة والتباعد الاجتماعي.
وفي بداية خطبته أشار معاليه إلى أن أفضل الزكاة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح ، مصداقًا لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) : “جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ فَقالَ: أَما وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأنَّهُ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الفَقْرَ، وَتَأْمُلُ البَقَاءَ، وَلَا تُمْهِلَ حتَّى إذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كانَ لِفُلَانٍ” ، وأن الزكاة فريضة محكمة و هي فريضة ثابتة وعدم إخراجها من الكبائر ، فهي الركن الثالث من أركان الإسلام بعد الشهادتين والصلاة ، وهذا ما علمنا إياه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في قوله عندما بعث سيدنا معاذ بن جبل (رضى الله عنه) إلى اليمن :”إنَّكَ سَتَأْتي قَوْمًا أهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ، فَادْعُهُمْ إلى أنْ يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لكَ بذلكَ، فأخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّهَ قدْ فَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لكَ بذلكَ، فأخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّهَ قدْ فَرَضَ عليهم صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِن أغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ علَى فُقَرَائِهِمْ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لكَ بذلكَ، فَإِيَّاكَ وكَرَائِمَ أمْوَالِهِمْ، واتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ؛ فإنَّه ليسَ بيْنَهُ وبيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ ” .
وحذر القرآن تحذيرًا شديدًا من كنز المال وعدم إخراج زكاته فهو حق الله وحق الفقراء ، وما نحن إلا مستخلفون عليه ، فالمال مال الله وما نحن إلا مستخلفون عليه ، قال تعالى محذرا من كنز المال وعدم إخراج زكاته ” وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ”
كما أشار معاليه إلى أن الأيام بين الناس دول ، فغني اليوم قد يكون فقير الغد ، وفقير اليوم قد يكون غني الغد؛ هكذا الأيام ، يوم لك ويوم عليك ، مصداقًا لقول الحق سبحانه : ” وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ” ، فالمال من نعم الله التي امتن بها على عباده ، فيقول رب العزة سبحانه : ” وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّه “.
وفي ذلك يقول القائل :
اﻟﻨﺎﺱ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻟﻮﻓﺎﺀ ﺑﻬﻢ
ﻭﺍﻟﻌﺴﺮ ﻭﺍﻟﻴﺴﺮ ﺃﻭﻗﺎﺕ ﻭﺳﺎﻋﺎﺕٌ
ﻭﺃﻛﺮﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻮﺭﻯ ﺭﺟﻞٌ
ﺗُﻘﻀﻰ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻩ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﺣﺎﺟﺎﺕُ
ﻻ ﺗﻘﻄﻌﻦ ﻳﺪ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻋﻦ ﺃﺣﺪٍ
ﻣﺎ ﺩﻣﺖ ﺗﻘﺪﺭ ﻭﺍﻷﻳـﺎﻡ ﺗﺎﺭﺍﺕُ
ﻭﺍﺫﻛﺮ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺻﻨﻊ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﺫ ﺟﻌﻠﺖ
ﺇﻟﻴﻚ ﻻ ﻟﻚ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺣﺎﺟـــﺎﺕُ
ﻗﺪ ﻣﺎﺕ ﻗﻮﻡ ﻭﻣﺎ ﻣﺎﺗﺖ ﻓﻀﺎﺋﻠﻬﻢ
ﻭﻋﺎﺵ ﻗﻮﻡ ﻭﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻣﻮﺍﺕُ
ومع ذلك رتب الشرع الحنيف الثواب العظيم على الإنفاق من مال الله الذي استخلفنا الله عليه فقال سبحانه : ” آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ”
ويقول سبحانه : “تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”.
ثم أجاب معاليه عن بعض الأسئلة التي تدور بخُلد بعض الناس الخاصة بالزكاة وإخراجها ومنها : هل في المال حق سوى الزكاة؟ وأجاب معاليه أن نعم ، في المال حق فوق الزكاة وهو الواجب الكفائي والصدقات ، وفي ذلك يقول (صلى الله عليه وسلم) : “ما آمن بي من بات شبعانَ و جارُه جائعٌ إلى جنبِه و هو يعلم به” ، فإطعام الجائع وكساء العاري ومداواة المريض من فروض الكفايات حتى لو كانت من الصدقات الزائدة بعد الزكاة.
وإجابة على من يقول هل يجوز إخراج الزكاة لعلاج الفقراء ، أو توفير اللقاحات والأمصال لهم أو لأبنائهم سواء في كورونا أو في غيره ، أجاب معاليه أن نعم ، يجوز إخراج الزكاة في علاج الفقراء أو توفير اللقاح لهم ، بل هو من أولى أولويات الزكاة ، فدفع المرض من أولى الأولويات وبخاصة في النوازل ، قال تعالى : ” إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ” ، وبما أن الفقراء هم في مقدمة المستحقين للزكاة فعلاجهم أولى لأن دفع المرض أهم من دفع الجوع . علاج الفقراء من أولى الأولويات في الزكاة ، ويجوز أن يكون هذا في شكل لقاح للفقراء وأبنائهم .
وفي إجابته عن جواز تعجيل الزكاة قبل حلول الحول أجاب أن نعم يجوز ، وهذا دليل على سماحة النفس مع الله والناس ، وعلى كرمه مع الله والخلق ،وأكد معاليه أن تعجيلها في أوقات النوازل والكروب والأزمات مستحب ، وذلك لتفريج كُرب المكروبين ، فمن سمحت نفسه بتفريج الكروب من الصدقات ومن باب فروض الكفايات ، ومن لم تسمح نفسه جاز أن يُعجل بالزكاة ، وهذا وقت ينبغي على الناس فيه التراحم والتكافل ، فإن لم يتراحم الناس في أوقات المحن والنوازل والشدائد والكروب فمتى يتراحمون؟ ، ومن لم يتعظ بتخطف الموت لبعض أهله ولأصدقائه ولأقاربه فلا واعظ له.
واختتم معاليه الخطبة بتهنئة أهالي أسوان بعيدهم القومي ، وأن ما لمسناه من بناء مستمر ، حتى في أحلك الظروف والأوقات ، يؤكد أن مصر محفوظة بحفظ الله (عز وجل) ، وأنها رغم كل الصعوبات الاقتصادية التي تحيط بالعالم كله ، تبني وتُعمر في كل يوم ، وفي كل المجالات.