(20) القِيمُ العُليا التي أرْساها النبيُّ العظيمُ في فَتح مكَّة بقلم الدكتور/ أحمد علي سليمان
عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية أكتب لحضراتكم من جاكرتا

(20) القِيمُ العُليا التي أرْساها النبيُّ العظيمُ في فَتح مكَّة بقلم الدكتور/ أحمد علي سليمان عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية أكتب لحضراتكم من جاكرتا.
(20) القِيمُ العُليا التي أرْساها النبيُّ العظيمُ في فَتح مكَّة بقلم الدكتور/ أحمد علي سليمان عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية أكتب لحضراتكم من جاكرتا.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
(20) القِيمُ العُليا
التي أرْساها النبيُّ العظيمُ في فَتح مكَّة
بقلم الدكتور/ أحمد علي سليمان
عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية
أكتب لحضراتكم من جاكرتا:
أرسَى النبيُّ (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وآلِه وسلَّمَ) في فَتح مكَّة مجموعةً من القيَم العليا، والتي تعدُّ من المعالمِ الأساسية في دستور الأخلاق النَّبوية، ومنها:
قيَمُ الإعداد، والتَّخطيط الاسْتراتيجي، والتنظيم، واسْتثمار الوقت المناسب، والظَّرف المناسب، واخْتيار الرجُل المناسب في المكانِ المناسب.
تَرسيخُ قيمَة التواضع والتَّغافل عن قَسوةِ أهل مكة؛ حيث دخلَ مكةَ مُتواضعًا، وبَعيدًا عنِ الكِبر والغرور، حيث طأطأ رسولُ الله (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وآلِه وسلَّمَ) رأسَه خضوعًا وتواضعًا لله، وشكرًا له (جلَّ وعلا)، حين رأى ما أكرمَه اللهُ به من الفَتح المبين، ولم يتسلَّلْ إلى نفسِه ما يأخذُ الفاتحين من الغرور والاستِكْبار، بل دخلَ مكة فاتحًا مُتبتِّلًا لله، برًّا رحيمًا، جوادًا كريمًا، سمحًا رؤوفًا، عفوًّا عطوفًا.
تكريمُ كبيرِ القوم، وإنزالُ الناس منازلهم، حيث كرَّم النبي (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وآلِه وسلَّمَ) أبا سفيان، حيث قالَ (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وآلِه وسلَّمَ): (مَن دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهو آمِنٌ…)([() أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.]).
حقنُ الدِّماء، وإخمادُ الصِّراعات القديمة، وتَرسيخُ قيمة التسامح، حيث قالَ (عليه الصلاة والسلام): (… وَمَن أَلْقَى السِّلَاحَ فَهو آمِنٌ، وَمَن أَغْلَقَ بَابهُ فَهو آمِنٌ…)([() أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.]).
التَّأكيدُ على قيمةِ المساواة بين البَشر، وتَرسيخُ التَّعددية، وقبولُ الآخر، حيث أمرَ النبيُّ الكريم (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وآلِه وسلَّمَ) بلالَ بن رباح (رضي الله عنه) بإطلاقِ الأذان بصوتِه النَّدي من فوق الكعبة، بيدَ أنَّ بعضَ أهل مكة استهزؤا منه، فقال بعضُهم: ألم يجدْ محمد غيرَ هذا الغراب الأسود مؤذنًا؟!([ () يقول ابن عباس (رضي الله عنهما): لما كان يوم فتح مكة أمر النبي (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ) بلالًا حتى علا على ظَهر الكعبة فأذَّن، فقال عتاب بن أسيد بن أبي العيص: الحمد لله الذي قبض أبي حتى لا يرى هذا اليوم. قال الحارث بن هشام: ما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنًا؟!. وقال سهيل بن عمرو: إن يردِ اللهُ شيئًا يغيِّره. وقال أبو سفيان: إني لا أقول شيئًا أخاف أن يخبر به ربُّ السماء، فأتى جبريل النبي (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ) وأخبره بما قالوا، فدعاهم وسألهم عما قالوا، فأقرّوا، فأنزل الله تعالى هذه الآية (راجع: تفسير الإمام القرطبي).])، فأنزلَ اللهُ تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: 13)؛ ليُساوي بين الناس، ويُعلنَ أنَّ أساسَ المفاضلة ومِعيارَها التقوى والعمل الصالح.
تَرسيخُ الأمنِ النَّفسي والجسدي، واعتبارُ أنَّ المسجد- وهو بيتُ الله تعالى- بوتَقةٌ لأمنِ الناس وأمانِهم الحسّي والمعنوي.
أداءُ الأمانة لأصحابها مَهما كانوا، حيث ردَّ النبيُّ (عليه الصلاة والسلام) مفاتيحَ الكعبة إلى سادنِها (عثمان بن طلحة الداري وأخيه شيبة)، وأبْقاها في ذريَّتِهما، وستَظلُّ في ذُريتِهما خالدةً تالدةً لا ينزعُها منهم إلا ظالم.
التأكيدُ على قيمةِ الوفاء، حيث ضربَ أروعَ الأمثلة في الوفاء لزوجته السيدة خديجة (رضي الله عنها) ولأصحابِ الفَضل عليه، إذ رفضَ (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ) أنْ ينزل في بيت أحدٍ من أهلِ مكة، وأقيمَتْ له خيمةٌ في الْحَجونِ- وهو مكان في أعلى مكة- بجوار مَقابر أحبابه؛ ليؤسِّسَ لقيمَةِ الوفاء لأحبابه وأصحابِ الفَضل عليه، ويؤكد عليها.
العَفو عند المقْدرة، والصَّفحُ المبين عن أهلِ مكة الذين ناصبوه وأصحابَه العَداءَ والإيذاء، وجعلَ هذا اليوم (يومَ فتحِ مكة) يومًا مشهودًا للرحمة والمرحمة والتراحم.
جبرُ خاطِر الأنصار، والاعترافُ بفَضلهم، وتَرسيخُ قيمة نِسبة الفضل لأصحابِه وإعلائه وإعلانه، فلمّا عفا النبيُّ (عليه الصلاة والسلام) عن أهل مكَّة، وأكرمَ كبيرَهم، وأنزلَ الناس منازلهم، وشرعَ في الحوار معهم، ظنَّ الأنصارُ أنَّ رسولَ الله سيَتركهم حينئذ؛ حيث قال الأنْصَارُ: “أَمَّا الرَّجُلُ فقَدْ أَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بعَشِيرَتِهِ، وَرَغْبَةٌ في قَرْيَتِهِ…”، وذلك لأنهم خافوا أنْ يُؤثِرَ الْمُقامَ في مكة على الْمُقامِ بِالمدينةِ، فَحمَلَهم شدَّةُ مَحبَّتِهم لِلنَّبيِّ (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ) وكراهةُ مُفارقَتِه، على هذا الكلام، فنزَلَ الوحيُ على رسول اللهِ (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ) فَأبْلَغَه بما قالوا، فَأخبرَهمُ النَّبيُّ (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ) بِقولِهم، ثُمَّ قال لهم: ألَا فما اسْمي إذًا؟! وكرَّرها ثلاثَ مرَّاتٍ، ثُمَّ قال: أنا محمَّدٌ، عبدُ اللهِ ورسولهُ، هاجْرَتُ إلى اللهِ وإليكم، أي: إِنِّي هاجْرتُ إلى اللهِ وإلى دِيارِكم لِاستيطانِها. فلا أَترُكُها ولا أرجِعُ عَن هِجرتي الواقعةِ لِلهِ تعالى… بل أنا مُلازِمٌ لكم، فَالْمَحيَا مَحْياكم والْمَماتُ مَمَاتُكم، أي: لا أَحيا إلَّا عندَكم ولا أموتُ إلَّا عندكم، فَبيَّنوا عُذرَهم وحلَفوا بِاللهِ أنَّهم ما قالوا هذا إلَّا “ضَنًّا” بِاللهِ ورسولِه، أي: بُخلًا بما آتانا اللهُ مِن كرامةٍ؛ وجود رسولِ اللهِ (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وآلِه وسلَّمَ) بينهم([() أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، وفي الحديث دَلالةٌ على البُخْلِ بِالعلماءِ وَالصُّلحاءِ، وعدَمِ الرِّضا بِمُفارقتِهم.]).
تَرسيخُ قيمةِ المواطنة، حيث ضربَ النبيُّ العظيم (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وآلِه وسلَّمَ) أروعَ الأمثلة في ذلك؛ عندما حافظَ على مكَّة، وعلى أهلها، وعلى حياة الناس، كلِّ الناس، بغضِّ النَّظر عن دينهم، حيث أعلنها مُدوِّية في سمع الزمان: ومن دخلَ دارَه فهو آمن، ومَن ألقى السلاحَ فهو آمن؛ منعًا للاحتكاك، وحتى لا تُستثار النَّعراتُ القديمة، ودعا إلى المكْثِ في البيوت، وأعلنَ أيضًا (ومَن أغلق بابَه فهو آمنٌ) وهي دعوةٌ صَريحة وذكيَّة للنجاة والهدوء والسلام والتَّسامح في أحلَكِ الأوقات.. ذلك أنَّ البيت هو بَوتقةُ الأمن والأمان، وهو أساسُ النجاة في المحَن وفي غيرها، فعنْ عُقبة بنِ عامر الجهني (رضي الله عنه) قال: قلتُ يا رسولَ اللهِ ما النَّجاةُ قال: (أمسِكْ عليكَ لسانَكَ، وليسعْكَ بيتُك، وابكِ على خطيئتِكَ)([() أخرجه الإمام الترمذي في سننه.]).
وهكذا كان فتحُ مكَّة صفحةً جديدة، وأنموذجًا مباركًا ومُلهمًا للدنيا كلها؛ للحفاظِ على الأنفس والأرواح والممْتلكات، وأسَّسَ لمناجم القيَم العليا التي من شأنها أن تُسهمَ في إحداثِ الصلاح، والفلاح، والرَّشاد للكون والحياة، ولبني الإنسان، بِبَركةِ خيرِ الأنام ومِسْك الختام؛ سيدنا محمد (عليه الصلاة وأتمُّ السلام).
فاللهمَّ وَضِّئنا بأخلاقِه العظيمة، وحقِّق أمانينا برؤيتِه وزيارته ونَيْل شفاعته، والحمدُ لله في بدءٍ وفي ختم، وصلَّى اللهُ على سيدنا ومولانا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلَّم.
اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا الصِّيَامَ وَالقِيَامَ وَصَالِحَ الأَعْمَالِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ… اللَّهُمَّ أَدْخِلْ عَلَيْكُمْ وَعَلَى أَهْلِيكُمْ وَأَنْجَالِكُمْ وَأَحْفَادِكُمْ وَذَرَارِيكُمْ أَجْمَعِينَ الفَرَحَ وَالسُّرُورَ وَالحُبُورَ، وَالسَّعَادَةَ العَامَّةَ التَّامَّةَ الكَامِلَةَ الشَّامِلَةَ الدَّائِمَةَ المُسْتَقِرَّةَ المُسْتَمِرَّةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ… نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ لَنَا وَلِأَوْلَادِنَا، وَلِمُجْتَمَعِنَا وَلِشَعْبِنَا.
اللَّهُمَّ احْفَظْ مِصْرَ شَرْقَها وَغَرْبَها، شِمالَها وَجَنوبَها، طُولَها وَعَرْضَها وَعُمْقَها، بِحارَها وَسَماءَها وَنِيلَها، وَوَفِّقْ يا رَبَّنا قِيادَتَها وَجَيْشَها وَأَمْنَها وَأَزْهَرَها الشَّرِيفَ، وَعُلَماءَها، وَاحْفَظْ شَعْبَها، وَبِلادَ المُحِبِّينَ يا رَبَّ العالَمِينَ.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبارِكْ على سَيِّدِنا وَمَوْلانا مُحَمَّدٍ، وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
خادم الجناب النبوي
خادم الدعوة والدعاة د/ أحمد علي سليمان
عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية
واتس آب: 01122225115 بريد إلكتروني: [email protected]
متابعة الصفحة الرسمية، وعنوانها: (الدكتور أحمد علي سليمان)؛ يضمن لك كل جديد
https: //www.facebook.com/drahmedalisoliman/
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف