(17) من مظاهر جبر الله لخاطر النبي والمسلمين يوم بدر بقلم الدكتور/ أحمد علي سليمان

(17) من مظاهر جبر الله لخاطر النبي والمسلمين يوم بدر ، بقلم الدكتور/ أحمد علي سليمان، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية – جمهورية مصر العربية.
(17) من مظاهر جبر الله لخاطر النبي والمسلمين يوم بدر ، بقلم الدكتور/ أحمد علي سليمان، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية – جمهورية مصر العربية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
(17) من مظاهر جبر الله لخاطر النبي والمسلمين يوم بدر
بقلم الدكتور/ أحمد علي سليمان
عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته… أكتب إليكم من إندونيسيا ودعواتي لكم لا تنقطع
يوم بدر هو علامة فارقة في تاريخ الإسلام، إنه يوم الشجاعةِ والجراءةِ والبسالةِ والجسارةِ.. أعز الله فيه أهلَ الحقِ على قلتهم، وخذل فيه أهلَ الباطلِ على كثرتهم..
* وقع هذا اليوم في السابع عشر من رمضان في العام الثاني من الهجرةـ، بين المسلمين بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم، وبين قبيلة قريش ومَن حالفها من العرب بقيادة عمرو بن هشام القرشي (المكنى بأبي جهل)، وهي أول معركةٍ من معارك الإسلام الفاصلة، وقد سُميت بهذا الاسم نسبةً إلى منطقة بدر التي وقعت المعركة فيها. وتسمى أيضا بيوم الفرقان، وببدر الكبرى
أراد المشركون أن يستخفوا بالمسلمين ويستفزونهم؛ فأمروا قافلتهم بأن تتخذ من حمى المدينةِ طريقًا لها، وكانت مِن قبل تتخذ ساحل البحر طريقًا لذهابها وإيابها.. فكان ذلك استخفافًا واستفزازًا واستباحةً لحرمة عاصمة المسلمين الوليدة ، بعد أن أخرجوهم من ديارهم، واستولوا على أموالهم، وتآمروا على قتل رسولهم (صلى الله عليه وسلم)..
فخرج المسلمون يريدون اعتراض هذه القافلة التي كان يقودها أبو سفيان بن حرب، وما كانوا يريدون قتالاً، ولكنَّهم أرادوا أن يحاصروها حصارًا اقتصاديًّا، ومن ثَمَّ يضربون المشركين في أعز شيء إليهم وهو المال، ولم يكن معهم إلا أربعون رجلاً فقط..
وهنا أيها القارئ الكريم يتبادر سؤال: كيف تغير وجه العملية من الحصار إلى القتال؟
* على الرغم من حصار المسلمين للقافلة، فإن أبا سفيان تمكن من الفرار بها، وأرسل رسولاً إلى قريش يطلب عونهم ونجدتهم، وأَخَذَ أبو جهل يُحَرِّض المشركين على قتال سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه، واستطاع أن يستنفر منهم نحو ألفٍ من المشركين، خرجوا لقتال النبي والمسلمين.. حينها تغير وجهُ العمليةِ تمامًا.. المسلمون يريدون حصارًا فقط.. والمشركون يريدون صداما وقتالاً، أرادوها حربًا ضروسًا لا هوادة فيها..
** وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال: هل قرر النبي (صلى الله عليه وسلم) خوض معركةَ بدر دون أن يستشير رأي أصحابه، مع أنه لو فعل ذلك ما كان عليه لوم لأنه معصوم مِنْ الخطأ ويوحى إليه، أم ماذا فعل..؟
* في هذا اليوم سنحت الفرصة للرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) لكي يُعَلِّم المسلمين درسًا غاليًا.. أراد أن يرسي فيهم قيمة من القيم العليا التي تُبنى عليها الأوطان، ومبدأ من المبادئ السامية وهو مبدأ الشورى..
فقال لهم: أشيروا على أيها الناس.
فوقف أبو بكر وعمر وقالا:ً خيرًا يا رسول الله.
ووقف المقداد بن عمرو وقال: “يا رسول الله امضي لما أراك الله، فنحن معك، والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن نقول لك: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون..”.
وكان هذا رأي قادة المهاجرين
** وماذا عن موقف الأنصار ؟
* أحبَّ النبي عليه الصلاة والسلام أن يعرف رأي قادة الأنصار، فقال أشيروا عليَّ أيها الناس، ففطن إلى ذلك قائدُ الأنصارِ وحاملُ لوائِهم سعدُ بن معاذ فقال: والله لكأنك تقصدنا يا رسول الله؟
قال: أجل.
فقال كلمات كتبها التاريخ بمداد من نور قال يا رسول الله: “قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئتَ به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودَنا ومواثيقَنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردتَ،
فوالذي بعثك بالحق لو استعرضتَ بِنَا هذا البحر فخضتَهُ لخضناه معك، ما تخلفَ منَّا رجلٌ واحدٌ،
وما نَكره أن تلقى بِنَا عدوا غدًا، إنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء، ولعل الله يريك مِنَّا ما تقر به عينُك…
يا رسول الله: سَالِم مَنْ شِئْتَ، وعادِى مَنْ شِئْتَ، وصِل حبال مَنْ شِئْتَ، واقطع حبال من شِئْتَ، وخُذْ مِنْ أموالِنا ما شِئْتَ، وابق لنَا مَا شِئْتَ،
والذي بعثك بالحق إن الذي تأخذه مِنْ أموالِنَا أحب إلينا مما تتركه لنا..”.
وعندئذ تهلل وجهُ النبي (صلى الله عليه وسلم) فرحًا وبشرًا وسرورًا؛ لأنه أيقن أنَّ التربيةَ قد أثمرت ثمراتها اليانعة..
كيف نظم النبي الكريم صفوف جيشه، وهو يعلم أنَّ ميزانَ القوى غير متكافئ؟
* شَرَعَ النبي (صلى الله عليه وسلم) في تنظيم صفوف جيش المسلمين وتجهيزه، وهو يعلم تماما أنَّ ميزانَ القوى بين الطرفين غيرُ متكافئ؛ فجيشُ المسلمين يتكون من ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً، ومعهم فرسان وسبعون بعيرًا فقط، وكان الثلاثة يتبادلون الركوبَ على بعيرٍ واحدٍ. حتى أنَّ النبي (صلى الله عليه وسلم) كان معه على بعيره: عليّ بن أبي طالب، وأبو لبابة، وأراد الصحابيان أن يركب الرسول (صلى الله عليه وسلم) مطلقًا، فقالا له: نحن نمشي عنك، فقال (صلى الله عليه وسلم): ما أنتما بأقوى مني؟ ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما) (أخرجه أحمد).
أما جيش المشركين فكان ثلاثة أضعاف جيش المسلمين وكان مجهزًا بالعدة والعتاد.. ولكنَّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) والمسلمين موقنون بأنِّه لا عبرةَ بكثرة العدد والعدة والعتاد إذا كان معهم مَنْ لا يغفل ولا ينام..
من مظاهر إكرام الله لنبيه وأهل بدر وجبر لخواطرهم:
أخذ النبي (صلى الله عليه وسلم) يحث المسلمين على القتال، ويبث فيهم الصبرَ والثباتَ، وتضرع إلى مولاه قائلاً: (إنهم حُفاةٌ فاحمِلْهم، اللهم ! إنهم عُراةٌ فاكْسُهُم، اللهم ! إنهم جِياعٌ فأَشْبِعْهُم..) (أخرجه أبو داود). فاستجاب الله -عز وجل- لاستغاثة نبيه (صلى الله عليه وسلم) فغشي النعاسُ المسلمينَ ليلةَ المعركةِ، أمنة منه؛ وحتى يستريحوا مما نالهم من جهد السفر وعناء السير والتجهيز.. فأصبحوا كالأسود الضارية في ساحة الوغى.
وهنا أيها السادة أصدرت الله أوامرَه إلى السماء لتنـزل ماءها؛ لكي يتطهروا، ولكي تلبد الأرض تحت أقدام المسلمين، وليذهب عنهم رجس الشيطان ووسوسته، وفي ذلك يقول مولانا سبحانه وتعالى: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ) (الأنفال:11)، وكانت هذه إشارات وبشارات من الله تعالى لنبيه ولأهل بدر بالنصر المبين.
وفي الصباح بدأت المعركة ببعض المبارزات، ثم اشتدت، وحمى وطيسها.. ولكنَّ الله -عز وجل- أيَّدَ عبادَه المؤمنين، وبَثَّ الرعبَ في قلوب أعدائهم.
والرسول (صلى الله عليه وسلم) متشبث بحبال السماء، متضرع إلى الله جلَّ في علاه.
وأبو بكر يقول له: هوِّن عليك يا رسول الله، إنَّ الله منجز لك ما وعد،
ويستيقظ النبي (صلى الله عليه وسلم) من إغفائة ويقول: (أبشر يا أبا بكر) فيقول: مثلك لا يبشر إلا بخير يا رسول الله
فقد استجابة الله تعالى لدعاء نبيه والمؤمنين وجاء الإمداد الملائكي للمؤمنين يوم بدر، يقول تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ) (الأنفال:9).
وهكذا تغيرت مجريات الأمور تمامًا، وتغير وجه المعركة، ورَّد الله كيدَ المشركين في نحورهم.. وكان النصر للمسلمين من رب العالمين، يقول تعالى: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال:17)، حتى قال أبو جهلٍ لعبد الله بن مسعود (رضي الله عنه): لقد كُنَّا نرى سيوفًا تهوي علينا ولا نرى من يضربنا، فقال: إنهم ملائكة الله يا عدو الله.
وهكذا هُزمت دولةُ الشركِ، ورجع المسلمون بنصرٍ مظفرٍ من رب العالمين، وهامة عالية، وسطع نورُ الإسلامِ، ودخل الناسُ في دين الله أفواجًا..
أيها الأخ الكريم *نتعلم من هذه الذكرى أنَّ النصرَ مع الصبرِ، وأنه لا عبرة بعدد عدونا وعدته وعتاده إذا كان معنا الله.. وبث الأمل في قلوب المستضعفين في كل مكان، وأنَّ الظالم لابد له مِنْ نهاية، وأنَّ المظلوم لابد وأن ينال حقه، ونتعلم الدعاءَ والضراعةَ واللجوءَ إلى الله جلَّ في علاه في أوقات الشدة والرخاء.. ونتعلم القيادة الحقيقية من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما رفض عرض صاحبيه لأن يمشيا ويركب هو، رغبة في الأجر والثواب وتعليما لأمته من بعده.
* وهكذا استطاع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يرسي قيمة من القيم العليا البانية للمجتمعات وهي قيمة الشورى؛ لأننا إذا أخذنا وطبقناها، بها تحققت خيريتنا التي وصفنا الله تعالى بها، وصرنا خيرَ أمةٍ أخرجت للناس؛ ذلك لأن نظرية الشورى التي أرساها النبي (صلى الله عليه وسلم) في يوم بدر وفي غيره وبصورة مُبكِّرة من عمر الإسلام، تؤكد أهميتها البالغة في حياة الأمم والشعوب باعتبارها من القيم العليا التي تبني عليها الأوطان المتحضرة، وقد كرَّم الله الشورى بأن خصص لها سورة منفردة في كتابه العزيز، ومارسها النبي (صلى الله عليه وسلم) نظريًّا وطبقها عمليًّا؛ لأن الشورى لا تأتي إلا بالخير ولا تنتج إلا خيرًا..
اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا الصِّيَامَ وَالقِيَامَ وَصَالِحَ الأَعْمَالِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ… اللَّهُمَّ أَدْخِلْ عَلَيْكُمْ وَعَلَى أَهْلِيكُمْ وَأَنْجَالِكُمْ وَأَحْفَادِكُمْ وَذَرَارِيكُمْ أَجْمَعِينَ الفَرَحَ وَالسُّرُورَ وَالحُبُورَ، وَالسَّعَادَةَ العَامَّةَ التَّامَّةَ الكَامِلَةَ الشَّامِلَةَ الدَّائِمَةَ المُسْتَقِرَّةَ المُسْتَمِرَّةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ… نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ لَنَا وَلِأَوْلَادِنَا، وَلِمُجْتَمَعِنَا وَلِشَعْبِنَا.
اللَّهُمَّ احْفَظْ مِصْرَ شَرْقَها وَغَرْبَها، شِمالَها وَجَنوبَها، طُولَها وَعَرْضَها وَعُمْقَها، بِحارَها وَسَماءَها وَنِيلَها، وَوَفِّقْ يا رَبَّنا قِيادَتَها وَجَيْشَها وَأَمْنَها وَأَزْهَرَها الشَّرِيفَ، وَعُلَماءَها، وَاحْفَظْ شَعْبَها، وَبِلادَ المُحِبِّينَ يا رَبَّ العالَمِينَ.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبارِكْ على سَيِّدِنا وَمَوْلانا مُحَمَّدٍ، وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
خادم الجناب النبوي
خادم الدعوة والدعاة د/ أحمد علي سليمان
عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية
واتس آب: 01122225115 بريد إلكتروني: [email protected]
متابعة الصفحة الرسمية، وعنوانها: (الدكتور أحمد علي سليمان)؛ يضمن لك كل جديد
https: //www.facebook.com/drahmedalisoliman/
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف