وزير الأوقاف يكتب: مسجد التسامح
في صحبة الزملاء الأعزاء وزراء الثقافة والصحة والسياحة والطيران والهجرة والسيد اللواء / خالد فودة محافظ جنوب سيناء ونخبة من علماء ورجال الدين الإسلامي والمسيحي ومن الأدباء والمثقفين والفنانين والمبدعين وشيوخ قبائل جنوب سيناء وأهلها من البدو والحضر على حد سواء قضينا سويعات هامة في مدينة سانت كاترين بعبقها التاريخي ، حيث صلينا الجمعة في مسجدها المبارك مسجد الوادي المقدس ، في الوادي المقدس ، في أرض سيناء المباركة ، كما صلينا ركعتي الضحى في مسجد يطيب لي أن أطلق عليه مسجد التسامح ، حيث يقع المسجد في قلب دير سانت كاترين كرمز من أهم رموز التسامح الديني في أرض التسامح سيناء في بلد التسامح مصر الكنانة ، مهد الحضارات وملتقى الأديان حيث يلتقي تسامح الماضي بتسامح الحاضر ، فحضارة عمقها وعبقها أكثر من سبعة آلاف عام لم تعرف في تاريخها الاعتداء على الآخر أو غمطه حقوقه ، إنما قامت دائمًا على قبول التنوع والتعايش مع الآخر وإكرام الضيف ، حتى في عهود الفراعنة حيث استقبل ملك مصر أو عزيز مصر آنذاك أهل الشام واقتسم معهم لقمة العيش ، حينما كانت تأتي قوافلهم إلى مصر لتعود محملة بالزاد والطعام ، وهو ما حكاه القرآن الكريم عن إخوة يوسف حين جاءوا إلى مصر طلبًا للزاد والطعام حيث يقول الحق على لسانهم : “فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ” ، وما كان من يوسف عليه السلام حين قال لأبويه وإخوته ومن قدم معهم من أهل الشام ” ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ ” .
وعلى هامش الرحلة يمكن أن نسجل خواطر هامة من أهمها ما حكاه لي بعض بدو المنطقة بفطرتهم النقية وغيرتهم عن قداسة المنطقة ومدى احترامهم لها وإحساسهم بقدسيتها ، وهو ما جعلنا نتفاعل وبشدة معهم ونشعر بما يشعرون به تجاهها ” فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ” ، ومنها لقاؤنا بكبير أساقفة دير سانت كاترين الذي رحب بنا وبوجودنا ترحيبًا كبيرًا ، وفي دقائق معددوة قضيناها معًا في صالون استقبال كبار الزوار بالدير دار الحديث حول المشتركات الإنسانية في الشرائع السماوية ، وإجماع الأديان على احترام إنسانية الإنسان وآدميته كونه إنسانًا دون تمييز على أساس الدين أو الجنس أو اللون أو العرق ، وحق كل إنسان في الحياة الكريمة ، غير أن وقت الجمعة كان قد داهمنا فاضطررنا إلى اختصار الحديث ، وهو ما أكد كبير الأساقفة أننا في حاجة إلى مزيد من هذا الحوار الإنساني الروحي الهادف ، الذي يجمع ولا يفرق ، فدعوناه إلى زيارتنا في مكتبنا بالقاهرة ، وانصرفنا جميعًا سعداء بهذا التسامح آملين في حوار أوسع ، وفي مزيد من نشر قيم التسامح وثقافة التسامح على كل بقعة من ظهر البسيطة ، لينعم الناس جميعًا بحياة آمنة مستقرة بعيدًا عن مطامع البشر ومحاولات بعضهم توظيف الأديان في غير ما أنزلت له وشرعت لأجله.