مقالات وأراء

وزير الأوقاف .. الشهامة والنبل

النبل قيمة عظيمة وكذلك الشهامة والمروءة ، والنجدة والإغاثة ، وفضلًا عن كون هذه الصفات قيمًا إسلامية نبيلة فإنها من أهم السمات التي عُرف بها العربي الأصيل ، ويطيب لي أن أختار بعض المواقف وأول ما أختار من هذه المواقف المفعمة بالشهامة والمروءة والنبل، ما كان من سيدنا موسى (عليه السلام) عندما ورد ماء مدين فوجد امرأتين ضعيفتين لا تستطيعان السقيا حتى يصدر الرعاء ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى:” وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ” تدفعان غنمهما أو إبلهما ، وقد آثر النص القرآني حذف المفعول هنا ليسلط الضوء كله على الفعل والفاعل ، على الشهامة والمروءة ، فبغض النظر عما كانت تذودان أو تسقيان وعما سقى لهما ، فإنه كان من الفتاتين ذود حيث لا تستطيعان أن تزاحما الرعاة الأقوياء ، وكان من موسى مروءة وشهامة تمثلت في سقيه لهما ، حيث رآهما (عليه السلام) متأخرتين وتذودان غنمهما أو إبلهما وهنا توجه موسى (عليه السلام) إليهما في منتهى الأدب والشهامة معًا قائلا : “ما خطبكما” أي ما شأنكما وما الذي يدفعكما إلى التأخر عن السقيا ، قالتا : “لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ” ، وما أن عادت الفتاتان إلى أبيهما وقصتا عليه القصص حتى طلب والداهما لقاءه (عليه السلام) : ” فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ”.

     وموقف آخر يسجله التاريخ بحروف من نور فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال : جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال : إني مجهود ، فأرسل (صلى الله عليه وسلم) إلى بعض نسائه فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء ، ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك ، حتى قلن كلهن مثل ذلك : لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء ، فقال (صلى الله عليه وسلم) : “من يضيف هذا الليلة رحمه الله؟” فقام رجل من الأنصار فقال : أنا يا رسول الله. فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته : هل عندك شيء؟ قالت : لا ، إلا قوت صبياني قال : فعلليهم بشيء ، فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج وأريه أنَّا نأكل ، فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السراج حتى تطفئيه ، قال: فقعدوا وأكل الضيف فلما أصبح غدا على النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال : ” قد عجب الله (عز وجل) من صنيعكما بضيفكما الليلة” .

        وهذا الحطيئة يصور ملحمة من ملاحم النبل والكرم ويُعد من مضارب المثل في سخاء النفس وإكرام الضيف ، فيقول :

وَطاوي ثَلاثٍ عاصِبِ البَطنِ مُرمِلٍ       
بِتيهاءَ لَم يَعرِف بِهـــا ساكِـــنٌ رَسمـا
رَأى شَبَحــاً وَســـــطَ الظَلامِ فَراعَـهُ
فَلَمّـــا بَدا ضَيفـــاً تَسَــوَّرَ وَاِهتَمّــــــــا
وَقالَ اِبنُهُ لَمّــــــــــا رَآهُ بِحَــــــــــيرةٍ
 أَيا أَبَتِ اِذبَحنــــي وَيَسِّر لَهُ طُعمــا
وَلا تَعتَـــــذِر بِالعُدمِ عَلَّ الَّذي طَـرا
يَظُـــنُّ لَنـــا مالاً فَيوسِعُنــــــــا ذَمّــــــا
فَرَوّى قَليــــــلاً ثُـــمَّ أَجحَـــمَ بُرهَــةً
وَإِن هُــــوَ لَم يَذبَح فَتاهُ فَقَد هَمّــا
فَبَينــا هُمــا عَنّــَت عَلـى البُعدِ عانَـةٌ
قــد اِنتَظَمَت مِن خَلــفِ مِسحَلِها نَظمــا
عِطاشاً تُريدُ الماءَ فَاِنســابَ نَحوَهـا
عَلى أَنَّهُ مِنها إِلـــــى دَمِهــــا أَظمـــا
فَأَمهَلَهـــــــا حَتـّى تَرَوَّت عِطاشُهــــــا
فَأَرسَلَ فيها مِن كِنانَتِــــهِ سَهمـــــــــا
فَيا بِشـرَهُ إِذ جَـرَّهــــا نَحــــوَ قَومِـــهِ
وَيا بِشرَهُم لَمّا رَأَوا كَلمَهــا يَدمـــى
فَباتَوا كِراماً قَد قَضوا حَقَّ ضَيفِهِــم
فَلَـم يَغرِموا غُرماً وَقَد غَنِمــوا غُنمــا
وَباتَ أَبوهُم مِـن بَشاشَتِـــــــهِ أَبــــــاً
لِـــضَيفِهِـمُ وَالأُمُّ مِــن بِشرِهــــا أُمّــــا

        فما أعظم هذه الثقافة ، وما أعظم هذا النبل ، وما أحوجنا إلى استعادة هذه القيم ، وما تربينا ونشأنا عليه من ضرورة إحترام الكبير ، وإكرام الصغير ورعاية الضعيف والمريض واليتيم وحسن معاملة النساء ، وكذلك إرشاد الضال وإغاثة الملهوف ، وتقديم العون لكل من يحتاج إليه ومراعاة الآداب العامة في الطرقات والمنتديات العامة ووسائل المواصلات ، إذ يفسح الصغير للكبير ويجلسه ويكرمه ، ويعني الناس باحترام المرأة وتقديرها ، ومراعاة ذوي الاحتياجات الخاصة والمسابقة في إكرامهم .

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »