وزير الأوقاف : الحديث في الشأن العــام دون إدراك يعرض أمن الوطن للخطر
ويجب على من يتصدى للحديث في الشأن العام إدراك معنى كل كلمة يقولها .
وعليه أن يدرس الواقع والمتاح دراسة جيدة .
والحديث في الشأن العام ليس كلأ مباحا .
والحديث في الشأن العام الديني دون مؤهلات أشد خطورة .
والشأن العام هو ما يتجاوز شواغل الفرد و حاجاته الشخصية إلى شواغل المجتمع وقضاياه الكلية .
صرح د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف
بأن الشأن العام هو ما يتجاوز شواغل الفرد واهتماماته الشخصية إلى شواغل المجتمع واهتماماته وقضاياه العامة ، سواء أكانت سياسية أم اقتصادية ، أم ثقافية ، أم أخلاقية وقيمية ، أم اجتماعية، أغم رياضية ، مما يتصل بقضايا الوطن الكبرى داخليًّا أو خارجيًّا .
فالشأن العام يعني القضايا ذات الاهتمام المشترك بين جملة المواطنين أو عمومهم أو غالبيتهم ، وكلما زاد مستوى الوعي بين أبناء المجتمع بقيمة الشأن العام وخطورته زاد التعاون والتكاتف والترابط من أجل حماية الوطن والحفاظ عليه والوفاء بحقوقه ، فتتحقق للمجتمع قوة البنيان الواحد ، وشعور الجسد الواحد الذي حثنا عليه نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم) ، حيث قال : “المؤمن لِلْمؤْمن كالبُنْيان يَشُدُّ بَعْضُه بَعْضا، وشَبّك بين أَصابعه” وقال (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”.
على أنَّ من يتصدى للحديث في الشأن العام عالمًا كان ، أو مفتيًا ، أو سياسيًّا ، أو اقتصاديًّا ، أو إعلاميًّا ، لا بد أن يكون واسع الأفق ثقافيًّا ومعرفيًّا فيما يتعرض له أو يتحدث عنه ، وأن أي إجراء فقهي أو إفتائي أو فكري أو دعوي أو إعلامي لا بد أن يضع في اعتباره كل الملابسات المجتمعية والوطنية والإقليمية والدولية المتصلة بالأمر الذي يتحدث فيه أو عنه ، حتى لا تصدر بعض الآراء الفردية المتسرعة في الشأن العام دون دراسة وافية ، أو دون دراسة أصلًا ، بما يصادم الواقع أو يتصادم مع القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية ، مما يسبب ضررًا بالغًا أو غير بالغ على وطنه ودولته ، سواء أكان ذلك عن قصد وسوء طوية أم عن تسرع وقِصَر نظر.
فقد أمرنا ديننا بالوفاء بالعهود والمواثيق والعقود ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى في محكم التنزيل : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ”، فهذه الآية الكريمة عامة ، تشمل كل العقود ، والعهود ، والالتزامات التي يلتزم بها الإنسان مع غيره ، ويقول نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم) : “الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ ، إِلاَّ شَرْطًا حَرَّمَ حَلاَلًا ، أَوْ شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا” .
كما أن الحديث في الشأن العام يحتاج إلى التخصص الدقيق والخبرة الكافية لدى المتحدث فيه أو عنه ، سواء أكان تناولًا للأبعاد السياسية ، أم الأمنية ، أم الاقتصادية ، أم الاجتماعية ، أم الدينية ، لا أن يجعل الإنسان من نفسه خبيرًا ومحللًا لكل شئون الدول دون دراسة وافية أو مؤهلات كافية ، فهذا الأمر جد خطير.
فالحديث في الشأن العام دون وعي وإدراك تامّين يمكن أن يعرض أمن الوطن الفكري أو العام للخطر ، سواء أكان ذلك عن تعمد وقصد أم عن غفلة أم جهالة أم سبق لسان ، لمن لا يملكون أنفسهم ولا ألسنتهم ولا سيما أمام الكاميرات وتحت الأضواء المبهرة ، فلا ينبغي أن يكون الحديث في الشأن العام كلأً مباحًا لمن يعلم ومن لا يعلم .
ولا شك أن الحديث في الشأن العام يتطلب بالضرورة إدراك المتحدث لمفهوم المصلحة العامة وتقدّمها على المصلحة الخاصة ، بل تقدُّم المصلحة الأعم نفعًا على الأخص ، وإدراك الموازنة والترجيح بين دفع المفاسد وجلب المصالح ، وأن دفع المفسدة العامة مقدم على جلب المصلحة العامة ، وأنه قد تُحتَمل المفسدة الأخف تحققًا للمصلحة الأهم والأعم ، ونحو ذلك مما لا يدركه سوى أهل الخبرة والاختصاص في كل علم وفن ومؤسسة ممن تتوافر لهم كامل المعلومات المعينة على اتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب.