أخبار مهمةعاجلمقالات وأراء

مقال بعنوان: البيان في الحكمة من تخصيص شعبان بالصيام، للدكتور خالد بدير

مقال بعنوان: البيان في الحكمة من تخصيص شعبان بالصيام، للدكتور خالد بدير .

لتحميل المقال بصيغة word أضغط هنا

لتحميل المقال بصيغة pdf أضغط هنا

ولقراءة المقال كما يلي: 

 استقبلنا شهراً عزيزاً  كريما علينا ألا وهو شهر شعبان، ونحن نعلم جميعاً أن الرسول – صلى الله عليه وسلم -كان يجتهد في شعبان ويخصه بأعمال دون غيره من الشهور، ومن أهم هذه الأعمال اختصاص شهر شعبان بالصيام، مما أثار انتباه الصحابة إلى ذلك . فعن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ! قَالَ: ” ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ “(النسائي بسند حسن).

 فكان يصوم من شعبان ما لا يصوم من غيره من الشهور، بل إن بعض الروايات صرحت بصيامه كله.

ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : ” مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ “، وزاد البخاري في رواية: ” كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ “

فشعبان وقع بين شهرين عظيمين رجب ورمضان، فرجب من الأشهر الحرم ، ورمضان خير الشهور على الإطلاق، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ، ما الحكمة من تخصيص الرسول- صلى الله عليه وسلم – شهر شعبان بالصيام ؟!!

 وإنه من الواجب علينا أن نبحث وندقق حول العلة التي من أجلها كان يفعل النبي – صلى الله عليه وسلم – ذلك، حتى نقتدي به في أقواله وأفعاله، وبالنظر  في الأحاديث السابقة وأقوال العلماء نجد أن ذلك يرجع إلى حكم أربعة ، حكمتان ذكرا في حديث أسامة السابق، وحكمتان ذكرهما العلماء، وهاك البيان والله المستعان وعليه التكلان:

الحكمة الأولى: غفلة الناس

فكثير منا يهتم بشهر رجب ورمضان لفضلهما، ويغفل عن شعبان ويعتبره راحة وهدنة، فقد بيَّن النبي الأمين – صلى الله عليه وسلم – أن شهر شعبان شهر يَغفلُ عنه الناس، ” ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ “، فقول النبي – صلى الله عليه وسلم – ذلك يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان الشهر الحرام وشهر الصيام اشتغل الناس بهما عنه فصار مغفولاً عنه، والكيس من الناس الذي يغتنم غفلتهم، فيفوز بالقبول عند مولاه اقتداءً بنبيه ومصطفاه، وإذا غفل الناس عن شعبان، لم يكن للمؤمنين أن يغفلوا عنه، فإن المؤمنين مُقْبِلون دوماً على ربهم، لا يغفلون عن ذكره، ولا ينقطعون عن عبادته، فلذلك هم دائماً وقوف ببابه، يلذون بجنابه, عزهم في الانكسار والتذلل له، لذَّتُهم في مناجاته, حياتهم في طاعته وعبادته، ويزدادون طاعة وعبادة في مواسم الطاعات، ويتعرضون للنفحات لعل الله أن يرزقهم الجنات، وينجيهم من اللفحات، ويزدادون طاعة وعبادة كذلك في وقت الهرج, وحين يغفل الناس ينبغي للمؤمنين أن يكونوا في شأن غير شأن الناس, الذين هم أهل الغفلة، كما قال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ: “المؤمن في الدنيا كالغريب، لا يجزع من ذلها، ولا ينافس في عزِّها، له شأن وللناس شأن”.

 فعلى المؤمنين في وقت الغفلة أن يزدادوا قرباً وطاعة لله تعالى، وهذا ما كان يَحثُّ عليه النبي – صلى الله عليه وسلم -، واعلموا أن العمل وقت الغفلة محبوبٌ لله تعالى, لذا حثَّ عليه – صلى الله عليه وسلم -، فاستحب النبي – صلى الله عليه وسلم – القيام وسط الليل وقت غفلة الناس، فقد أخرج الترمذي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لبعض أصحابه: “إن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن” ، فهذا الوقت هو وقت نوم الناس وغفلتهم, فإذا قام المؤمن لرب العالمين ليفوز بجنة النعيم, فلا يستوي هو ومن آثر الوسادة على العبادة, وكما قيل: “من أراد الراحة، تَرَكَ الراحة “، فهؤلاء هم السابقون الذين قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم: «سبق المفردون». ثم عرفهم بقوله: «الذاكرون الله كثيراً والذاكرات». ( رواه مسلم) قال المناوي رحمه الله: “المفردون: أي المنفردون المعتزلون عن الناس، من فرد إذا اعتزل وتخلى للعبادة، فكأنه أفرد نفسه بالتبتل إلى الله تعالى.”(فيض القدير). فهؤلاء لما ذكروا الله وقد غفل غيرهم كان السبق لهم.

 ولذلك جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي والنسائي وأحمد عن أبى ذر رضي الله عنه: “ثلاثة يحبهم الله: قوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يُعْدَلُ به، نزلوا فوضعوا رءوسهم , فقام أحدهم يتملقني ( يتضرع إليَّ بالثناء والدعاء ) ويتلوا آياتي، وقوم كانوا في سرية فانهزموا فتقدم أحدهم فلقي العدو فصبر حتى قتل، وذكر أيضاً قوماً جاءهم سائل فسألهم فلم يعطوه فانفرد أحدهم حتى أعطاه سرا .”، فهؤلاء الثلاثة انفردوا عن رفقتهم بمعاملة الله سراً بينهم وبينه فأحبهم الله، فكذلك من يذكر الله في غفلة الناس أو من يصوم في أيام غفلة الناس عن الصيام كصيام شعبان الآن.

 وفى يوم أخَّر النبي – صلى الله عليه وسلم – العشاء إلى ثلث الليل فقال كما عند البخاري:”ما ينتظرها- يعنى العشاء- أحد من أهل الأرض غيركم”، وكأنه – صلى الله عليه وسلم – يقول لصحابته: هذه الصلاة التي تُصلُّون إنما أنتم الذين تصلونها في الدنيا كلها، حال غفلة الناس عن الله تعالى، ففي هذا الشهر الذي يغفل فيه الناس، عليك أخي الكريم أن تكون أنت المقبل حال فرار الناس، والمتصدق حال بخلهم وإحجامهم وحرصهم…، والصائم حين فطرهم، والقائم حال نومهم وغفلتهم…والذاكر لله تعالى حين إعراضهم، فإن هذا سبب لمحبة الله تعالى لك، إذ كلهم في غفلة عن الله وأنت مع الله.

وفي قوله: “يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان” إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه إما مطلقا أو لخصوصية فيه لا يتفطن لها أكثر الناس؛ فيشتغلون بالمشهور عنه ويفوتون تحصيل فضيلة ما ليس بمشهور عندهم ، وفيه دلالة ظاهرة على فضيلة العمل في وقت غفلة الناس لأنه أشق على النفوس، وأفضل الأعمال أشقها على النفوس؛ ولاشك أن النفوس تتأسى بما تشاهده من أحوال أبناء الجنس، فإذا كثرت يقظة الناس وطاعاتهم، كثر أهل الطاعة لكثرة المقتدين لهم، فسهلت الطاعات, أما إذا لم يكن ثم معين صعبت الطاعة على النفس وصار أجرها أعظم ، وفيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة ، وفي هذا إشارة إلى فضيلة التفرد بذكر الله في وقت من الأوقات لا يوجد فيه ذاكر له، ولهذا ورد في فضل الذكر في الأسواق ما ورد من الحديث المرفوع والآثار الموقوفة حتى قال أبو صالح: إن الله ليضحك ممن يذكره في السوق، وسبب ذلك أنه ذكر في موطن الغفلة بين أهل الغفلة.

واعلم – رعاك الله – أن مما يضاعف ثوابه في شدة الحر من الطاعات: الصيام لما فيه من ظمأ الهواجر، ولهذا كان معاذ بن جبل عند احتضاره يتأسف على ما يفوته من ظمأ الهواجر وكذلك غيره من السلف، ولما أصيب ابن عمر رضي الله عنه قال : ما تركت خلفي شيئاً من الدنيا آسى عليه غير ظمأ الهواجر وغير مشي إلى الصلاة ، وقد ورد أن الصديق رضي الله عنه كان يصوم في الصيف ويفطر في الشتاء ، وقد وصى الفاروق رضي الله عنه عند موته ابنه عبد الله فقال له: عليك بالصيام في شدة الحر في الصيف، وكانت عائشة رضي الله عنها تصوم في الحر الشديد، وكان مجمع التيمي – رحمه الله – يصوم في الصيف حتى يسقط، وكانت بعض الصالحات تتوخى أشد الأيام حراً فتصومه فيقال لها في ذلك ، فتقول: إن السعر إذا رخص اشتراه كل أحد، وفيه إشارة إلى أنها لا تؤثر إلا العمل الذي لا يقدر عليه إلا قليل من الناس لشدته عليهم، وهذا من علو الهمة، وقد كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: صوموا يوماً شديداً حره لحر يوم النشور، وصلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور، وآثار الصحابة والتابعين في ذلك كثيرة لا يتسع المقام لذكرها.

إن أيام عمرنا تتصرم , وساعات حياتنا تنقضي .. فقدم لنفسك صالحاً قبل حلول ساعة الأجل , وهذا الغنيمة بين يديك , ولئن كان النهار طويلاً والحر شاقاً في هذه الفترة فأنت ترجو الراحة الأبدية في جنات الخلود ..

وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد:

 منها: أنه يكون أخفى، وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل، لا سيما الصيام، فإنه سر بين العبد وربه، ولهذا قيل: إنه ليس فيه رياء، وقد صام بعض السلف أربعين سنة لا يعلم به أحد، كان يخرج من بيته إلى سوقه ومعه رغيفان فيتصدق بهما ويصوم، فيظن أهله أنه أكلهما ويظن أهل السوق أنه أكل في بيته، وكانوا يستحبون لمن صام أن يظهر ما يخفي به صيامه. فعن ابن مسعود: أنه قال: ” إذَا أَصْبَحْتُمْ صِيَامًا فَأَصْبِحُوا مُدَّهَنِينَ” (مصنف ابن أبي شيبة).( ومعنى مدهنين: أي على المرء أن يخفى آثار مشقة الصيام عليه لإخفاء الصيام نفسه بالطبع، فيدهن شعره ويهذبه ويتعطر ويتكحل حتى لا يظهر عليه غبرة الصيام)؛ وقال قتادة: يستحب للصائم أن يدهن حتى تذهب عنه غبرة الصيام.

ومنها: أنه أشق على النفوس: وأفضل الأعمال أشقها على النفوس وسبب ذلك أن النفوس تتأسى بما تشاهد من أحوال أبناء الجنس فإذا كثرت يقظة الناس وطاعاتهم كثر أهل الطاعة لكثرة المقتدين بهم فسهلت الطاعات، وإذا كثرت الغفلات وأهلها تأسى بهم عموم الناس فيشق على نفوس المستيقظين طاعاتهم لقلة من يقتدون بهم فيها، ولهذا المعنى قال النبي – صلى الله عليه وسلم – عن أمته في آخر الزمان : “للعامل منهم أجر خمسين منكم إنكم تجدون على الخير أعوانا ولا يجدون” وقال: “بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء” وفي رواية قيل: ومن الغرباء: قال: “الذين يصلحون إذا فسد الناس”.

وفي صحيح مسلم من حديث معقل بن يسار عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “العبادة في الهرج كالهجرة إليَّ، “وخرجه الإمام أحمد ولفظه: “العبادة في الفتنة كالهجرة إليَّ”، وسبب ذلك أن الناس في زمن الفتن يتبعون أهواءهم ولا يرجعون إلى دين فيكون حالهم شبيهاً بحال الجاهلية؛ فإذا انفرد من بينهم – حين غفلة الناس – من يتمسك بدينه ويعبد ربه ويتبع مراضيه ويجتنب مساخطه كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مؤمناً به متبعاً لأوامره مجتنباً لنواهيه.

ومنها: أن المنفرد بالطاعة عن أهل المعاصي والغفلة قد يدفع البلاء عن الناس كلهم فكأنه يحميهم ويدافع عنهم.

الحكمة الثانية: ترفع فيه الأعمال إلى الله

 ففي حديث سيدنا أسامة ” وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ “

فالنبى – صلى الله عليه وسلم – يحرص وقت رفع العمل أن يكون في أحسن حالٍ مع الله، إذ تأتي الملائكة فتجده صائماً قائماً ، فإذا كان الواحد منا يستحى أن يراه ولى أمره أو رئيسه أو مديره وهو على معصية أو في وضعٍ غير لائق، فمن باب أولى أن يكون في أتقى وأنقى وأصفى حال مع الله، ولا سيما حين رفع التقرير السري السنوي إليه سبحانه وتعالى.

ورفع الأعمال إلى رب العالمين على ثلاثة أنواع:- رفع يومي, ورفع أسبوعي, ورفع سنوي.

فالنوع الأول:أن تُرفع الأعمال إلى الله تعالى رفعاً عاماً كل يوم ( رفعاً يومياً )

  1. فيرفع إليه عمل النهار في أول الليل وذلك في ( صلاة العصر).
  2. ويرفع إليه عمل الليل في أول النهار وذلك في ( صلاة الفجر ).

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: ” يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ، كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ.”(متفق عليه)، وعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ: ” إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ .”(مسلم) ، لذلك كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يؤكد على هاتين الصلاتين لأن عمل اليوم يرفع فيهما إلي الله تعالى.

النوع الثاني: رفع الأعمال إلى الله تعالى يومي الاثنين والخميس( رفعاً أسبوعياً )

 وهذا عرض خاص غير العرض العام كل يوم، فترفع أعمال الأسبوع في يومي الاثنين والخميس.

ولذلك كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يحب أن يصوم الإثنين والخميس لأن الأعمال ترفع فيهما، فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده:”أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان أكثر ما يصوم الاثنين والخميس، فقيل له: ( أي سُئل عن ذلك ) ، قال: إن الأعمال تُعرض كل اثنين وخميس فيُغْفَر لكل مسلم ، أو لكل مؤمن ، إلا المتهاجرين، فيقول أَخِّرهما”، وعند الترمذي بلفظ:”تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحبُّ أن يُعْرض عملي وأنا صائم”

وكان إبراهيم النخعي يبكى على امرأته يوم الخميس وتبكي إليه، ويقول: اليوم تُعْرَض أعمالنا على الله عز وجل.

النوع الثالث:هو رفع الأعمال إلى الله تعالى في شعبان ( رفعاً سنوياً ):

فترفع أعمال السنة في شهر شعبان كل عام، كما في حديث أسامة السابق، “وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم.” ، وفي رواية أخرى عنه كما عند البيهقي في شعب الإيمان بسند حسن أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ” شعبان بين رجب وشهر رمضان، تغفل الناس عنه، تُرْفع فيه أعمال العباد، فأحب أن لا يرفع عملي إلا وأنا صائم”.

وحيث إن رجب من الأشهر المحرمة، ورمضان من الشهور المعظمة، فإن الناس يجتهدون فيهما، فإذا ما جاء شعبان ترك الناس العبادة، وفتح الشيطان لهم باب التسويف، فيُحدِّث أحدهما نفسه فيقول: سأجتهد في رمضان، وسأبدأ أول ليلة من رمضان…وسأتوب عما أنا فيه… وسأفعل!!, فيفتح لهم الشيطان باب التمنِّي والأمل، حتى يقعدهم عن العمل في شعبان، ويَدْخُلُ عليهم رمضان وهم خائبون، وينصرف عنهم وهم خاسرون، ويُمنِّيهم الشيطان أنهم في العام القادم سيُعوِّضون.

وكأن ابن آدم من كثرة ما أمدّ له الشيطان في الأمل، وأنساه بغتة الأجل, وأنساه قرب الموت والرحيل، وكأنه بمأمن أن ينتقل إلى الرب الجليل، وأنه راحل إليه، وأنه واقف بين يديه سبحانه وتعالى؛ فصار في غفلة عن الطاعة؛ ويتبع هوى نفسه الطمَّاعة !!

وقول النبي – صلى الله عليه وسلم -:”وهو شهر تُرْفَع الأعمال فيه إلى رب العالمين, فأحبُّ أن يرفع عملي وأنا صائم” فهذا أدعى لقبول العمل. وقد يقول قائل لم خص شهر شعبان برفع الأعمال مع أنه ليس نهاية العام الهجري؟!!

أقول : إذا كان العام الهجري ينتهى في ذى الحجة، والعام الميلادي ينتهي في ديسمبر، والعام المالى ينتهى فى يونية، فإن العام التشريعى عند الله ينتهى في شعبان، لأنه بدأ في رمضان حينما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يتعبد في غار حراء وجاءه جبريل وأقرأه،  وكان ذلك في رمضان، ويدل على ذلك قوله تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (البقرة : 185)، وقوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ }، فشهر شعبان نهاية العام التشريعى، لذلك كان النبي يحرص على صيامه لأن عمله يرفع فيه إلى الله، ورفع الأعمال إلى الله تعالى مع كونه صائماً أدعى إلى القبول عند الله تعالى، وإذا كان النبي يحرص على ذلك وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فحري بنا – ونحن أكلتنا الذنوب – أن نتأسى بنبينا – صلى الله عليه وسلم – بالمسارعة إلى ذلك وأن نكون على أتقى قلب رجلٍ واحد!!!

الحكمة الثالثة: أن شهر شعبان مقدمة وتمرين وتمهيد لرمضان

  فصيام شعبان كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل قد تمرن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط، ولذلك نزل القرآن والأوامر والنواهي تدريجياً حتى لا توجد على الناس مشقة، قال تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} (الفرقان: 32) ، وعن عَائِشَةَ قَالَت:”إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنْ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا ، وَلَوْ نَزَلَ لَا تَزْنُوا لَقَالُوا لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا”( البخاري)، ولذلك فإن الشخص الذي لم يصم ولا يوماً من رمضان حتى رمضان الثاني، فإن خبر رؤية هلال رمضان يكون عليه كالصاعقة، وكأنه كلف بنقل جبلٍ وما هو بناقله، ولننزل إلى أرض الوقع قليلاً لنضرب لكم مثالاً ثم نعود إليكم: لو أن أحدكم لديه ماكينة أو آلة واحتاجت إلى صيانة كاملة وأوصاه المهندس أن يشغلها تدريجياً ( يعنى عملية تليين ) ثم شغلها عشر ساعات متتاليات فإنها ستكسر فوراً، فكذلك حال الصيام لابد فيه من التدرج والتمرين، ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن ، فعن أنس قال: كان المسلمون إذا دخل شعبان انكبوا على المصاحف فقرءوها وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان، وقال سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء، وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القراء ، وكان عمرو بن قيس إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن.

الحكمة الرابعة: أن شهر شعبان كسُنَّةٍ قبلية لرمضان

إن شهر شعبان سنة قبلية ونافلة لرمضان؛ كما أن الستة أيام من شوال سنة بعدية، فصيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم، وأفضل التطوع – كما قال العلماء- ما كان قريباً من رمضان قبله وبعده، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، وهي تكملة لنقص الفرائض ، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده ، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة؛ فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بَعُد عنه.

ولما كان صوم رمضان لا بد أن يقع فيه تقصير وتفريط, وهضم من حقه وواجبه ندب إلى صوم شعبان وستة أيام من شوال, جابرة له, ومسددة لخلل الذي يقع فيه، فجرى صيام هذه الأيام مجرى سنن الصلوات التي قبلها وبعدها جابرة ومكملة.

فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ ” إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ بِصَلَاتِهِ فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلُ بِهِ مَا نَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ”(أبوداود والنسائي والترمذي وحسنه)

فلو صلينا الظهر – مثلاً – فإن الدرجة التي يحصل عليها كل واحد منا تختلف عن الآخر تماماً، وهذا راجع إلى خشية العبد وتقواه لربه، والنسبة المئوية الناقصة تكمل من النوافل، ورسولنا – صلى الله عليه وسلم – يصور ذلك فيقول: “إنَّ العبدَ لَيصلِّي الصَّلاةَ ما يُكتُبُ لَهُ منْها إلَّا عُشرُها، تُسعُها، ثمنُها، سُبعُها، سُدسُها، خمسُها، ربعُها، ثلثُها نصفُها”( أحمد وأبوداود والبيهقي بسند صحيح). وقس على ذلك سائر الأعمال كما في الحديث .

نخلص من ذلك أن النبي – صلى الله عليه وسلم -كان يجتهد في شعبان ويصومه كله لحكم أربعة:-

 الأولى: غفلة الناس.

 والثانية: ترفع فيه الأعمال إلى الله.

 والثالثة: أن شهر شعبان مقدمة وتمرين وتمهيد لرمضان.

 والرابعة: أنه كسنة قبلية لرمضان.

ألا فلنسارع إلى الله، ونجد ونجتهد، فمن جد وجد، ومن زرع حصد، كما قال أبو بكر البلخي: شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع ، فمن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان؟! وها قد مضى رجب فما أنت فاعل في شعبان ؟!!

مضى رجب وما أحسنت فيه — وهذا شهر شعبــان المبارك

فيا من ضيع الأوقات جـهلاً — بحرمتها أفق واحـذر بوارك

فسوف تفارق اللذات قـسراً — ويخلي الموت كرهاً منك دارك

تدارك ما استطعت من الخطايا — بتوبة مخلص واجعـل مدارك

على طلب السلامة من جحيم — فخير ذوي الجرائم من تدارك

نسأل الله أن يبارك لنا في رجب وشعبان وأن يبلغنا رمضان؛ وأن يجعلنا من العالمين العاملين !!!

                كتبه : خادم الدعوة الإسلامية

د / خالد بدير بدوي

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »