مفتي أستراليا د. إبراهيم أبو محمد في افتتاح مؤتمر الوقف الثاني بكانبرا الوقف يرسم بسمة الأمل على الشفاة البائسة.. و حماية وحصانة لمصادر الخير من الذوبان والتآكل
كتب : أحمد نورالدين
افتتح السيد بوب كار وزير خارجية أستراليا السابق اول امس مؤتمر الوقف الثاني بالعاصمة الأسترالية كانبرا, حضر الافتتاح كل من وفد الأمانة العامة للأوقاف بدولة الكويت برئاسة السيدة إيمان الحميدان، ووفد البنك الإسلامي للتنمية برئاسة الدكتور عبد الله ولد محمد، ومؤسسة أوقاف أستراليا برئاسة الشيخ عبد السلام زود، و نبيل آل صالح سفير المملكة العربية السعودية في أستراليا ومنطقة الباسفيك، وعلي باش ممثل السفارة الكويتية ، ومحمد عبد الله الجابر القائم بأعمال السفارة القطرية ، وممثل السفارة الماليزية محمد خيري زين العابدين.
وفى الكلمة الافتتاحية قال فضيلة الدكتور إبراهيم أبو محمد مفتي أستراليا أن أستراليا حكومة وشعبا هي “كما عهدناها نصيرا للحرية والكرامة، ودوحة للسلام والأمان والعدل، وساحة مفتوحة الآفاق ترسم بحرف العطاء المضئ بسمة الأمل على كل الشفاه البائسة”, إن المسلمين عموما، وبشكل مخصوص في القارة الأسترالية يتطلعون من خلال مؤتمر الوقف الثاني، إلى أمل ورجائين اثنين: الأمل فى أن نستفيد كجالية في مجتمع المهجر من وجود مجموعة من الباحثين النابهين بيننا اليوم وهو وجود يشكل لنا ثراء فقهيا وثقافيا يفتح نوافذ أمام الفكر الإسلامي في المهجر ليساهم ويجدد ويضيف.
وأما الرجاء الأول: فهو أن تكون لأستراليا يد طولى في هذا العمل الإنساني، الذى تبشرون به، وتسافرون من أجله، تعريفا به، وشرحا لمقاصده السامية، ودعوة إليه، وانتشارا للوعى به ونشر ثقافته, أما الرجاء الثانى فهو: أن تكون رحلتكم ذات البعد الإنسانى في توسيع دوائر الخير في الناس والأشياء، فاتحة لخير إضافي، تشهد لنا نحن كأبناء لكم في استراليا، كما تشهد لكم كأهل لنا في الوطن الأم بأن الإسلام وأهله وأبناءه في الداخل والخارج وحيثما حلوا أو ارتحلوا يحملون للناس جميعا رحمة الله للعالمين وأن وجودهم حيثما كانوا إضافة أخلاقية وحضارية.
وأهم من ذلك كله أنها تحقق جزءا من شهادتنا على الناس كما تشهد لنا أمام الملك الديان بأننا قصدنا بهذا العمل وجهه تعالى وكنا نتحلى بشرف في القصد وسمو في الغاية وحنو بالعطف والاهتمام على خلق الله وعياله.
وأضاف مفتي أستراليا: “بعيدا عن تعريف الوقف بأنه هو حبس الأصل وتسبيل المنفعة فإنه يمثل حماية وحصانة لمصادر الخير من الذوبان والتآكل، كما أنه يرشد ويمنع ما أسميه “فوضى الإحسان” من هدر الأصول وضياع المصادر الرئيسة لروافد ذلك الخير، وفي ذات الوقت يحمي تصرفات القائمين على هذا الخير من عشوائية العطاء الذي لا يخضع ليس فقط للمراقبة والضبط والحساب، وإنما أيضا للتنمية والتطوير وتدوير المنافع، ومن ثم يحقق هذا الوقف ضمان الوعي المصاحب لسعي أهل الخير في الاستمرار والديمومة بترشيد الأداء وشكر النعمة”.
وعن الإحساس بالنعمة ووجوب شكرها قال: ” وللنعمة لسان تخاطب به ربها فتقول: يا رب، أبقنى في بيت فلان فإنه كلما رآني فرح بي وشكرك عليَّ، بينما تقول نعمة أخرى يا رب أخرجنى من بيت فلان فإنه كلما رآني لم يفرح بي ولم يشكرك عليَّ.. والوقف يمثل أعلى درجات الإحساس بالنعمة وأرقى أنواع الشكر عليها بضمان دوامها واستمرار خيرها”.
وذكّرّ فضيلة الداعية الدكتور إبراهيم أبو محمد ببعض الحقائق عن الوقف فقال:
أولا الوقف مظهر من مظاهر الوعي بواجب الوقت، ولكنه بجانب ذلك يعكس بصيغة عملية بُعدا جديدا هو إدراك القيادات الإسلامية لأهمية مساحة الفعل الأهلي في تنشيط وتوجيه الاستثمار في الإنسان علما وتنمية وأخلاقا وحضارة, كما أنه يعكس رغبة أولى العزم من أهل الخير وأولي العلم معهم في استرداد جزء صغير من المشروع التجديدي الكبير لأمتنا، والوقف جزء أصيل فيه وهو مشروع الإقلاع الحضارى المتعثر من خارجه تارة، والمحبط والمخذول من داخله تارة أخرى.
ثانيا: العمل على تعميم الوقف وتشجيع انتشار ثقافته في العصر الحديث يمثل مدخل صدق في تقديم حلول عملية لكثير من مشاكل الناس وتطوير وتنمية حياتهم كما أنه دليل على تحرر العقل المسلم والخروج به من نفق إدمان التنظير والوقوع في أسره والاكتفاء به، إلى تجسيد قيم العطاء المنظم وتحقيق الحلم على أرض الواقع.
ثالثا: الوقف بمفهومه ومضمونه الإسلامي يعكس في ظاهره وبين ثناياه وجه القيم الإسلامية، وهي قيم إنسانية وحضارية رفيعة المستوى، يمكنها أن تكون وسيلة حيوية لخطاب دعوى، نتجاوز به نحن المسلمون الدعوة بالمقال على المنابر والصحف والفضائيات إلى مساحة الدعوة بالحال والدخول بها إلى حياة الناس وتغيير واقعهم.
رابعا: رأس المال في مشروع الوقف ليس هو المادة أو المال فقط، وإنما هو الوعي الذى وحّد الفكر والوجدان تجاه المخاطر التى تتعرض لها أجيال المسلمين وممتلكاتهم ومصادر الخير لديهم.
ورأس المال في مشروع الوقف هو قدرة العاملين فيه على تفعيل إرادة الخير لدى جماهير المسلمين وذلك بصياغة وطرح مشروعات حيوية، تحفظ علي الناس عقائدهم وأعراضهم وكرامتهم وتحمي عزتهم كبشر وعباد لله مما يسببه الفقر من امتهان وما تدفعهم الحاجة إليه من التفريط فيما يجب أن يحفظ وأن يصان.
رأس المال في هذا المشروع هو إعادة اكتشاف قدرة العقل المسلم وتفعيل إرادته وتوجيه قدرته التنظيمية تجاه الفعل الحضاري، لا ليثبت فقط أنه موجود وقادر وإنما لينافس في الفعل الحضاري والإنساني وليثبت أن المسلمين كانوا ولا زالوا في العطاء قادة وفي الخير سادة.
ولذلك فالتمويل الحقيقي والأهم في هذا المشروع هو التمويل الأخلاقى والروحي والفقهى قبل الدولار واليورو.
وأشار الدكتور أبو محمد إلى أنه انطلاقاً من الشعور بالمسؤولية والقيام بالواجب تجاه الأجيال القادمة في أستراليا من مسلمين وغير مسلمين جاءت الضرورة الملحة لضمان طرق مستديمة تدعم المشاريع الخيرية التي ترجع بالنفع على المجتمع لاسيما في مجالات الصحة والتعليم والتنمية المجتمعية وذلك من خلال تأسيس أوقاف أستراليا وتم إطلاقها رسميا شهر أغسطس 2015م.
و أن أوقاف أستراليا تهدف للارتقاء بالقطاع الثالث وتعزيز دوره في نشر مفهوم التكافل الاجتماعي الذي من شأنه أن يؤمن الترابط بين جميع أفراد المجتمع وخلق جو من الرحمة والألفة بينهم وذلك بتلبية احتياجات الفئات المعسرة والإرتقاء بالمستوى العلمي والصحي لتلك الفئات.
ولفت إلى أن مشروعات الوقف تتجلى فيها قدرة عقلية الفقيه الباحث وعقلية الاجتماعي المخطط.
عقلية الفقيه الباحث حين تضع الضوابط وتحدد الأسوار لمساحة الحركة، ليس فقط في الاستجابة لقبول التحدي في تغيير الواقع المؤلم، وإنما في القدرة على تجنب الصدام بمنظومات سائدة اجتماعية واقتصادية وأحيانا سياسية وسيادية معا وهي ليست من صنعك.
إن التحدى الكبير هنا أيضا يكمن في القدرة على تطويع تلك المنظومة والاستفادة منها، وخلق فرص الاستثمار في القدر المتاح، وتوسيع دوائره طولا وعرضا وعمقا, طولا في النشاط الدؤوب الجاد والإصرار عليه، وعرضا في الإضافة الأخلاقية والحضارية التى تعكس طبيعة القيم الإسلامية في التعامل مع المال كسبا وإنفاقا واستثمارا وتنمية, وعمقا في الإبداع بصياغة النموذج الأخلاقي بوسائله الطاهرة الشريفة، وعرضه على الناس بأساليب عصرية تحمى الجهد والكسب، وتصر على الإطار الاخلاقي لمالية المسلم مهما كان إغراء الكسب الملوث.