مفاتيح الجنان بذكر صفات عبـــاد الرحـمن : الدرس الرابع الحـــلـــــــم والعفو ، للشيخ عمر مصطفي
مفاتيح الجنان بذكر صفات عبـــاد الرحـمن : للشيخ عمر مصطفي ، 4 رمضان 1444 هـ – 26 مارس 2023م
الدرس الرابع
الحـــلـــــــم والعفو
العناصر
أولاً : مقابلة السيئة بالحسنة
ثانياً : من أسماء الله الحليم ويحب الحلم
ثالثاً : مواقف من حلمه صلي الله عليه وسلم
رابعاً : وصية النبي صلي الله عليه وسلم
لتحميل الدرس بصيغة word
لتحميل الدرس بصيغة word
الموضوع
الحَمْدُ لله الدَّاعي إلى بابه، الهادي من شاء لصوابِهِ، أنعم بإنزالِ كتابِه، فيه مُحكم ومتشابه، فأما الَّذَينَ في قُلُوبهم زَيْغٌ فيتبعونَ ما تَشَابَه منه، وأمَّا الراسخون في العلم فيقولون آمنا به، أحمده على الهدى وتَيسيرِ أسبابِه، وأشهد أنْ لا إِله إلاَّ الله وحدَه لا شَريكَ له شهادةً أرْجو بها النجاةَ مِنْ عقابِه، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أكمَلُ النَّاس عَملاً في ذهابه وإيابه ، اللهم صلي عليه وعلي آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين . أما بعد :
أولاً : مقابلة السيئة بالحسنة
عباد الله : هذه الليلة الربعة ومع الصفة الثانية لعباد الرحمن ألا وهي الحلم والعفو ومقابلة السيئة بالحسنة ، قال الله تعالي : (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا )(63)(الفرقان). هذا حالهم مع الناس وخاصة أهل الجهل والسفه ، قالوا قولاً يسلمون فيه من الإثم ، ويسلمون فيه من اللوم ، ويسلمون فيه من سوء العاقبة ، لا يردون السيئة بالسيئة وإن كان هذا حقهم ويقدرون عليه ، ولكنهم لا يشغلون أنفسهم بالرد علي الجهال والسفهاء ، والجهل المقصود ليس ضد العلم ولكن ضد الحلم ، فالجاهل قد يكون متعلماً ، لكنه جاهل في نفسه سىء الخلق ، غلب هواه عقله .
قال تعالي : (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) (الرعد). أي يدفعون الجهلَ بالحلم والأذى بالصبر.(صفوة التفاسير).
وقال تعاليً : ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96)(المؤمنون). أي ادفع إِساءتهم بالصفح عنهم وتجمَّل بمكارم الأخلاق ، قال تعالى : مُرْشِدًا إِلَى التِّرْيَاقِ النَّافِعِ فِي مُخَالَطَةِ الناس وهو الإحسان إلى من يسيء إليه لِيَسْتَجْلِبَ خَاطِرَهُ، فَتَعُودُ عَدَاوَتُهُ صَدَاقَةً وَبُغْضُهُ مَحَبَّةً، فقال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ}، وَهَذَا كَمَا قال: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وبينه عدوة كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.(تفسير بن كثير).
(وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)(فصلت). ولا تستوي الحسنة ولا السيئة أي لا تكون الحسنة كالسيئة ولا السيئة كالحسنة ، ادفع بالتي هي أحسن: أي ادفع أيها المؤمن السيئة بالخصلة التي هي أحسن كالغضب بالرضى، والقطيعة بالصلة ، كأنه ولي حميم: أي كأنه صديق قريب في محبته لك إذا فعلت ذلك.(أيسر التفاسير).
ثانياً : من أسماء الله الحليم ويحب الحلم
قال تعالي :(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)(البقرة). {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه غَفُور} لِمَنْ يَحْذَرهُ {حَلِيم} بِتَأْخِيرِ الْعُقُوبَة عَنْ مُسْتَحِقّهَا.(تفسير الجلالين). فلا يعجل بالعقوبة علي عباده مع قدرته علي عقابهم ، بل يصفح عنهم ويغفر لهم إذا استغفروه ولا يقطع الرزق عنهم ، قال تعالي : (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)(فاطر).
والله يحب الحلم ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَشَجِّ أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ: ” إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ “(صحيح مسلم ).
ومع حبه تعال للمتصف بهذه الصفة يؤيده وينصره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ»(صحيح مسلم). ( «وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ» ) أَيْ: مِنْ عِنْدِهِ (ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ) أَيْ: مُعِينٌ لَكَ عَلَيْهِمْ وَدَافِعٌ عَنْكَ أَذَاهُمْ (مَادُمْتَ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ: مَا ذَكَرْتَ مِنْ إِحْسَانِكَ وَإِسَاءَتِهِمْ. (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح).
ثالثاً : مواقف من حلمه صلي الله عليه وسلم
عن عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه قال : كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ، ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ»(صحيح البخاري).
إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَى نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) فِيهِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْحِلْمِ وَالتَّصَبُّرِ وَالْعَفْوِ وَالشَّفَقَةِ عَلَى قَوْمِهِمْ وَدُعَائِهِمْ لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ وَالْغُفْرَانِ وَعُذْرِهِمْ فِي جِنَايَتِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَهَذَا النَّبِيُّ الْمُشَارُ إِلَيْهِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَدْ جَرَى لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ هَذَا يَوْمَ أُحُدٍ.(شرح مسلم للنووي).
و عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزّوَجَلَّ»(صحيح مسلم ).
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلاَمٍ ، قَالَ : إِنَّ اللَّهَ لَمَّا أَرَادَ هُدَى زَيْدِ بْنِ سَعْنَةَ ، قَالَ زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ : مَا مِنْ عَلاَمَاتِ النُّبُوَّةِ شَىءٌ إِلاَّ وَقَدْ عَرَفْتُهَا فِي وَجْهِ مُحَمَّدٍ حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ ، إِلاَّ اثْنَتَيْنِ لَمْ أَخْبُرْهُمَا مِنْهُ ، يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ ، وَلاَ يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عليه إِلاَّ حِلْمًا ، فَكُنْتُ أَلْطُفُ لَهُ إِلَى أَنْ أُخَالِطُهُ ، فَأَعْرِفُ حِلْمَهُ مِنْ جَهِلِهِ ، قَالَ زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ : فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا مِنَ الْحُجُرَاتِ وَمَعَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ كَالْبَدَوِيِّ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ بِقربى قَرْيَةِ بَنِي فُلاَنٍ قَدْ أَسْلَمُوا وَدَخَلُوا فِي الإِسْلاَمِ ، وَكُنْتُ حَدَّثَتْهُمْ إِنْ أَسْلَمُوا ، أَتَاهُمُ الرِّزْقُ رَغَدًا ، وَقَدْ أَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ ، وَشِدَّةٌ ، وَقُحُوطٌ مِنَ الْغَيْثِ ، فَأَنَا أَخْشَى يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ الإِسْلاَمِ طَمَعًا ، كَمَا دَخَلُوا فِيهِ طَمَعًا ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بِشَيْءٍ تُعِينُهُمْ بِهِ فَعَلْتَ ، فَنَظَرَ إِلَى رَجُلٍ إِلَى جَانِبِهِ أُرَاهُ عَلِيًّا ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ مَا بَقِيَ مِنْهُ شَىءٌ ، قَالَ زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ : فَدَنَوْتُ إِلَيْهِ ، فَقُلْتُ : يَا مُحَمَّدُ هَلْ لَكَ أَنْ تَبِيعَنِي تَمْرًا
مَعْلُومًا فِي حَائِطِ بَنِي فُلاَنٍ إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا ، فَقَالَ : لاَ يَا يَهُودِيُّ وَلَكِنْ أَبِيعُكَ تَمْرًا مَعْلُومًا إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا وَلاَ نسَمِّي حَائِطَ بَنِي فُلاَنٍ ، قُلْتُ : نَعَمْ ، فَبَايَعَنِي ، فَأَطْلَقْتُ هِمْيَانِي فَأَعْطَيْتُهُ ثَمَانِينَ مِثْقَالاً مِنْ ذَهَبٍ فِي تَمْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا ، فَأَعْطَاهَا الرَّجُلَ ، وَقَالَ : اعْدِلْ عَلَيْهِمْ وَأَعنهُمْ بِهَا ، قَالَ زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ : فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ مَحَلِّ الأَجَلِ بِيَوْمَيْنِ ، أَوْ ثَلاَثٍ ، خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ ، وَعُثْمَانُ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَلَمَّا صَلَّى عَلَى الْجَنَازَةِ ، وَدَنَا مِنْ جِدَارٍ لِيَجْلِسَ أَتَيْتُهُ ، فَأَخَذْتُ بِمَجَامِعِ قَمِيصِهِ وَرِدَائِهِ ، وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ بِوَجْهٍ غَلِيظٍ ، فَقُلْتُ لَهُ : أَلاَ تَقْضِينِي يَا مُحَمَّدُ حَقِّي ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُكُمْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَمُطْلٌ ، وَلَقَدْ كَانَ لِي بِمُخَالَطَتِكُمْ عِلْمٌ ، وَنَظَرْتُ إِلَى عُمَرَ وَإِذَا عَيْنَاهُ تَدُورَانِ فِي وَجْهِهِ كَالْفُلْكِ الْمُسْتَدِيرِ ، ثُمَّ رَمَانِي بِبَصَرِهِ ، فَقَالَ : يَا عَدُوَّ اللهِ أَتَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ مَا أَسْمَعُ ، وَتَصْنَعُ بِهِ مَا أَرَى ؟
فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَوْلاَ مَا أُحَاذِرُ فَوْتَهُ لَضَرَبْتُ بِسَيْفِي رَأْسَكَ ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَى عُمَرَ بِسُكُونٍ وَتُؤَدَةٍ وَتَبَسَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا عُمَرُ أَنَا وَهُوَ كُنَّا أَحْوَجَ إِلَى غَيْرِ هَذَا ، أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الأَدَاءِ ، وَتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ اتباعةِ ، اذْهَبْ بِهِ يَا عُمَرُ فَأَعْطِهِ حَقَّهُ وَزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ مَكَانَ مَا رُعْتَهُ ، قَالَ زَيْدٌ : فَذَهَبَ بِي عُمَرُ فَأَعْطَانِي حَقِّي وَزَادَنِي عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، فَقُلْتُ : مَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ يَا عُمَرُ ؟ قَالَ : أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَزِيدَكَ مَكَانَ مَا رُعْتُكَ ، قَالَ : وَتَعْرِفُنِي يَا عُمَرُ ؟ قَالَ : لاَ ، فَمَا دَعَاكَ أَنْ فَعَلْتَ بِرَسُولِ اللهِ مَا فَعَلْتَ وقلت له ما قلت؟ قُلْتُ : يَا عُمَرُ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَلاَمَاتِ النُّبُوَّةِ شَىءٌ إِلاَّ وَقَدْ عَرَفْتُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ إِلاَّ اثْنَتَيْنِ لَمْ أَخْبُرْهُمَا مِنْهُ ، يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ ، وَلاَ يزِيدُهُ بشِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلاَّ حِلْمًا ، فَقَدْ أُخْبِرْتُهُمَا ، فَأُشْهِدُكَ يَا عُمَرُ أَنِّي قَدْ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا ، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا ، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا ، وَأُشْهِدُكَ أَنَّ شَطْرَ مَالِي فَإِنِّي أَكْثَرُهَا مَالاً صَدَقَةٌ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ، قَالَ عُمَرُ : ، أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ فَإِنَّكَ لاَ تَسَعُهُمْ ، قُلْتُ : ، أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ ، فَرَجَعَ عُمَرُ ، وَزَيْدٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ ، فَقَالَ زَيْدٌ : أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ . وَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَتَابَعَهُ وَشَهِدَ مَعَهُ مَشَاهِدَ كَثِيرَةً ، ثُمَّ تُوُفِّيَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ مُقْبِلاً غَيْرَ مُدْبِرٍ ، رَحِمَ اللَّهُ زَيْدًا.(المعجم الكبير للطبراني).
رابعاً : وصية النبي صلي الله عليه وسلم
عباد الرحمن لا يشغلون أنفسهم بالتوافه ويضيعون أعمارهم فيها بل منشغلون بما ينفعهم في الآخرة ، منشغلون بوصية النبي صلي الله عليه وسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِنِي، قَالَ: «لاَ تَغْضَبْ» فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: «لاَ تَغْضَبْ»(صحيح البخاري).
بين كل فعل وردة فعل توجد مسافة من الوقت في هذه المسافة تتحد شخصيتك ، لا تعش حياتك بنظام (أوتوماتيكي) بحيث تكون ردود أفعالك هي هي نفسها لا تتغير التي تعودت عليها منذ الصغر وسع المسافة واستغلها في التفكير في رد فعلك واجعل قرارك مبني علي مبادئك علي عقلك لا علي مزاجك وهواك ، لا يستطيع أحد أن يغضبك أو يحزنك أو يحبطك دون أذن منك .
أغلظ رجل لعمر بن عبد العزيز وهو خليفة المسلمين فقال أردت أن يستفزني الشيطان بسبب السلطان فأنال منك ما تناله مني غدا لا والله .
وعن ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الحُرِّ بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وَكَانَ القُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ، كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا»، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ: يَا ابْنَ أَخِي، هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأَمِيرِ، فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ، قَالَ: سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «فَاسْتَأْذَنَ الحُرُّ لِعُيَيْنَةَ فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ»، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: هِيْ يَا ابْنَ الخَطَّابِ، فَوَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الجَزْلَ وَلاَ تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ الحُرُّ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، وَإِنَّ هَذَا مِنَ الجَاهِلِينَ، «وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ»(صحيح البخاري).
اللَّهُمَّ ارزقْنا تِلاوةَ كتابِكَ حقَّ التِّلاوة، واجْعَلنا مِمَّنْ نال به الفلاحَ والسَّعادة. اللَّهُمَّ ارزُقْنا إقَامَةَ لَفْظهِ ومَعْنَاه، وحِفْظَ حدودِه ورِعايَة حُرمتِهِ ، اللَّهُمَّ ارزقْنا تلاوته على الوجهِ الَّذِي يرْضيك عنَّا. واهدِنا به سُبُلَ السلام. وأخْرِجنَا بِه من الظُّلُماتِ إلى النُّور. واجعلْه حُجَّةً لَنَا لا علينا يا ربَّ العالَمِين. اللَّهُمَّ ارْفَعْ لَنَا به الدَّرجات. وأنْقِذْنَا به من الدَّرَكات. وكفِّرْ عنَّا به السيئات. واغْفِر لَنَا وَلِوَالِديِنَا ولجميعِ المسلمينَ برحمتكَ يا أرْحَمَ الراحمين. وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه راجي عفو ربه عمر مصطفي