أخبار مهمةشهر رمضان المباركعاجلمقالات وأراء

مفاتيح الجنان بذكر صفات عبـــاد الرحـمن: صيانة الدماء ، للشيخ عمر مصطفي

مفاتيح الجنان بذكر صفات عبـــاد الرحـمن ، للشيخ عمر مصطفي ، 14 رمضان 1444 هـ – 5 إبريل 2023م

الدرس الرابع عشر

صيانة الدماء

العناصر

أولاً : للدماء حرمــــة عظيمة في الإســـــلام

ثانياً: ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما

ثالثاً :  حرمة كل ما يفضي إلي سفك الدماء

لتحميل الدرس بصيغة word 

لتحميل الدرس بصيغة pdf 

الموضوع

 

الحَمْدُ لله الدَّاعي إلى بابه، الهادي من شاء لصوابِهِ، أنعم بإنزالِ كتابِه، فيه مُحكم ومتشابه، فأما الَّذَينَ في قُلُوبهم زَيْغٌ فيتبعونَ ما تَشَابَه منه، وأمَّا الراسخون في العلم فيقولون آمنا به، أحمده على الهدى وتَيسيرِ أسبابِه، وأشهد أنْ لا إِله إلاَّ الله وحدَه لا شَريكَ له شهادةً أرْجو بها النجاةَ مِنْ عقابِه، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أكمَلُ النَّاس عَملاً في ذهابه وإيابه ، اللهم صلي عليه وعلي آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين . أما بعد :

أولاً : للدماء حرمة عظيمة في الإسلام

عباد الله : مازلنا مع صفات عباد الرحمن ، وما زلنا نعيش في رحاب القرآن الكريم ، مع هذه الطائفة الراضية المرضية ، الذين أثني الله عليهم في كتابه ، وذكرهم نموذجاً يحتذي ، ويقتدي به .

ووقفنا في أوصافهم عند قول الله تعالي : {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} (الفرقان68).

ومع صفة أخري من صفاتهم وهي صيانة الدماء ، علم عباد الرحمن ما للدماء من حرمة فصانوها .

عباد الله : الدماء لها حرمة عظيمة عند الله تعالي  ، لذلك  ذكر الله كبيرة القتل  بعد الشرك مباشرة في كثير من الآيات، قال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا } (الفرقان:68 ).

وتأمل هذا الوعيد لو فتشت في القرآن الكريم كله لن تجد وعيداً كهذا الوعيد في سورة النساء في قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (النساء:93) .

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ: لاَ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا.(صحيح البخاري).

وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: «إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأُمُورِ، الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا، سَفْكَ الدَّمِ الحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ»(صحيح البخاري).  (ورطات) جمع ورطة وهي الشيء الذي قلما ينجو منه أو هي الهلاك. (لا مخرج) لا سبيل للخلاص منها. (سفك الدم الحرام) قتل النفس المعصومة. (بغير حله) بغير حق يبيح القتل.( شرح وتعليق د. مصطفى ديب البغا علي صحيح البخاري). وعن أَبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ، إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا، أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا»(سنن أبي داود).

وعَن عَبدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَتْلُ مُؤْمِنٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا)(السنن الكبري للنسائي). إن الدنيا عظيمة في نفوس الخلق، فزوالها يكون عندهم عظيمًا، على قدر عظمتها، وقتلُ المؤمن أعظم من زوالها.(شرح سنن النسائي).

وقال رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إِذَا أَمَّنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ فَأَنَا بَرِيءٌ مِنَ الْقَاتِلِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا “(السنن الكبري للبيهقي). (من أمن رجلاً على دمه) عقد له أماناً (فقتله) بعد الأمان (فأنا بريء من القاتل) لأن الله أوجب الوفاء بالعهود والأمان عقد ذمة (وإن كان المقتول كافراً) فإن كفره لا يبيح نقض أمانه.(شرح الجامع الصغير).

ولما كانت الدماء لها هذه الأهمية وهذه المكانة عند الله وعند رسوله صلي الله عليه وسلم كانت أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة، قَالَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ»(صحيح مسلم). (أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء) فيه تغليظ أمر الدماء وأنها أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة وهذا لعظم أمرها وكثير خطرها وليس هذا الحديث مخالفا للحديث المشهور في السنن (أول ما يحاسب به العبد صلاته) لأن هذا الحديث الثاني فيما بين العبد وبين الله تعالى وأما حديث الباب فهو فيما بين العباد].(تعليق عبدالباقي علي مسلم). وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” يَجِيءُ (أي المقتول)  مُتَعَلِّقًا بِالْقَاتِلِ تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي؟ “(السنن الكبري للنسائي).فالدماء لها حرمة عظيمة عند الله وعند نبيه صلي الله عليه وسلم فعلينا أن نحفظها ونصونها .

ثانياً :ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما

عباد الله : الله سبحانه وتعالي حرم الاعتداء علي الأنفس حتي ولو كانت نفسك التي بين جنبيك ، فأنت ملك لله ، فمن أعطاك الحق في قتل نفسك ، قال الله تعالي :{ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا }(29)(النساء).

لا يقتل كل واحد منكم نفسه، وهذا ما يفعله المنتحر ولا يقتل نفسه إلا إنسان وجد نفسه في ظرف لا يستطيع في حدود أسبابه أن يخرج منه ، ونقول له: أنت نظرت لنفسك كإنسان معزول عن خالق أعلى، لكن المؤمن لا يعزل نفسه عن خالقه ،  فساعة يأتيه ظرف فوق أسبابه ولا يقوي عليه فعليه أن يفكر: وهل أنا في الكون وحدي؟ لا، إن لي ربّاً. وما دام لي رب فأنا لا أقدر وهو سبحانه  يقدر، وهنا يطرد فكرة الانتحار؛ لأن المنتحر هو إنسان تضيق أسبابه عن مواجهة ظروفه فيقتل نفسه.

وإن فائدة الإيمان أنه ساعة يأتي ظرف عليك وتنتهي أسبابك تقول: إن الله لن يخذلني وهو يرزقني من حيث لا أحتسب، ويفتح لي أبواباً ليست في بالي ،كذلك من فقد أسبابه فعليه أن يخفف الأمر على نفسه فلا ييأس.

 فَلِمَ تقتل نفسك؟ وهل أنت من وهبت الحياة لنفسك؟ لا، ولذلك فواهب الحياة هو الذي يأخذها.(تفسير الشعراوي).

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا»(صحيح البخاري).

 والتردّى معناه التعرض للهلاك والمراد منه  هنا أن يتهور الإنسان فيرمي نفسه من جبل ، قلت: لما كان الإنسان بصدد أن يحمله الضجر والحنق والغضب على إتلاف نفسه ويسول له الشيطان أن الخطب فيه يسير وهو أهون من قتل نفس أخرى حرم قتلها عليه وإذا لم يكن لصنيعه مُطالب من قبل الخلق فالله يغفر له ، أعلم النبي صلى الله عليه وسلم المكلفين أنهم مسئولون عن ذلك يوم القيامة ومعذبون به عذابًا شديدًا وأن ذلك في التحريم كقتل سائر النفوس المحرمة (الميسر في شرح مصابيح السنة).

ثالثاً :  حرمة كل ما يفضي إلي سفك الدماء

عباد الله : لقد سد النبي صلي الله عليه وسلم كل الطرق والأبواب التي تؤدي إلي سفك الدماء ، ولو كان السفك دون القتل كذلك لوكان الأمر محتملاً وليس واقعاً في الحقيقة ، كل ذلك خشية أن يقع  الإصابة بمكروه، ولعلّ الشيطان يُعينه، وينزع في يده، فيقع المحذور، ويَقترب منه.

فعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لاَ يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلاَحِ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي، لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ، فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ»(صحيح البخاري).

وعن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أيضاً  أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : «مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ»(صحيح مسلم).

(لأبيه وأمه) فيه تأكيد حرمة المسلم والنهي الشديد عن ترويعه ، وتخويفه والتعرض له بما قد يؤذيه ، وقوله صلى الله عليه وسلم وإن كان أخاه لأبيه وأمه مبالغة في إيضاح عموم النهي في كل أحد سواء من يتهم فيه، ومن لا يتهم وسواء كان هذا هزلا ولعبا أم لا  ، لأن ترويع المسلم حرام بكل حال ، ولأنه قد يسبقه السلاح ، ولعن الملائكة له يدل على أنه حرام .(شرح مسلم للنووي).

وعَنْ جَابِرٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُتَعَاطَى السَّيْفُ مَسْلُولًا»(سنن أبي داود).

لأنه إذا كان مسلولاً لا يؤمن أن يحصل عن طريق الخطأ أن يجرح أحدهما أو يسقط على رجله ما دام أنه مسلول، ولكنه إذا كان مغمداً يؤمن من وراء أن يباشر حده الأجسام، فيتعاطى السيف مغمداً بحيث إنه لو مس بشره لا يؤثر فيه.( شرح سنن أبي داود).

ومَرَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ فِي الْمَسْجِدِ  أَوْ فِي مجْلِسِ يَسُلُّونَ سَيْفًا بَيْنَهُمْ ، يَتَعَاطَوْنَهُ بَيْنَهُمْ غَيْرَ مَغْمُودٍ، فَقَالَ: ” لَعَنَ اللهُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ، أَوَ لَمْ أَزْجُرْكُمْ عَنْ هَذَا؟ فَإِذَا سَلَلْتُمُ السَّيْفَ، فَلْيَغْمِدْهُ الرَّجُلُ، ثُمَّ لِيُعْطِهِ كَذَلِكَ ” (مسند أحمد)، فعلينا جميعاً أن نصون الدماء ولا نتعرض لها اقتداء بعباد الرحمن ، وامتثالاً لأمر الله تعالي وأمر رسوله صلي الله عليه وسلم .

 اللَّهُمَّ ارزقْنا تِلاوةَ كتابِكَ حقَّ التِّلاوة، واجْعَلنا مِمَّنْ نال به الفلاحَ والسَّعادة. اللَّهُمَّ ارزُقْنا إقَامَةَ لَفْظهِ ومَعْنَاه، وحِفْظَ حدودِه ورِعايَة حُرمتِهِ ، اللَّهُمَّ ارزقْنا تلاوته على الوجهِ الَّذِي يرْضيك عنَّا. واهدِنا به سُبُلَ السلام. وأخْرِجنَا بِه من الظُّلُماتِ إلى النُّور. واجعلْه حُجَّةً لَنَا لا علينا يا ربَّ العالَمِين. اللَّهُمَّ ارْفَعْ لَنَا به الدَّرجات. وأنْقِذْنَا به من الدَّرَكات. وكفِّرْ عنَّا به السيئات. واغْفِر لَنَا وَلِوَالِديِنَا ولجميعِ المسلمينَ برحمتكَ يا أرْحَمَ الراحمين. وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

كتبه راجي عفو ربه عمر مصطفي

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »