مصر والسودان واقع جديد، لوزير الأوقاف
أستطيع أن أؤكد من خلال زيارتي لجمهورية السودان الشقيقة أننا أمام واقع جديد في العلاقات بين الدولتين , وأن المصالح المشتركة للشعبين الشقيقين هي ما يرسم ملامح هذا الواقع الجديد , سواء في مجالات التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي , أم في مجالات التأهيل والتدريب , أم في مجالات الفكر والثقافة , أم في مجالات مواجهة التطرف والإرهاب, أم في ميدان الحفاظ على الهوية العربية الإسلامية المشتركة , في ضوء نبذ العنف وإعلاء قيم التسامح الديني والمفهوم الصحيح للحضارة الإسلامية التي تظل بظلالها الوارفة أبناء الوطن جميعًا على أرضية المواطنة الكاملة والحقوق والواجبات المتبادلة , سواء بين المواطنين بعضهم وبعض , أم بين المواطنين وبين الدولة , مع العمل على إعلاء قيمة الدولة الوطنية والانتماء للوطن , ثم السعي معًا إلى وحدة الصف العربي في ضوء الإحساس بالمصير المشترك ومدى التحديات التي تتهدد دول المنطقة وبخاصة العربية منها .
وفي إطار زيارتي للسودان لمستُ روحًا جديدة تتسم بالحميمية الشديدة , والحرص على بناء جسور ثقة متينة وراسخة مع الشقيقة مصر التي ينظر إليها الأشقاء السودانيون على أنها الشقيقة الكبرى , وأنها أمُّ الدنيا التي تسطع شمسها ويُضيئ قمرها أرجاء وادي النيل شماله وجنوبه , بل إنه ليضيئ كل الورى , على حد قول شاعرنا وشاعرهم الشاعر السوداني محمد سعيد العباس:
بهرتْ بثاقب نورِها كلَّ الورى |
مِصْرٌ، وما مصرٌ سوى الشمسِ التي |
أسعــى لطيبةَ أو إلى أُمِّ القُـرى |
ولقد سعيـــــتُ لهـــا فكنتُ كأنمـــا |
هـــذا الجمــالُ تَلفُّتـــاً وتَحيُّــرا |
وبقيتُ مأخـوذاً وقيّـــدَ ناظــــري |
واليـومَ عدتُ به صباحاً مُسْفِــرا |
فارقتُها والشَّعرُ في لــون الدجــى |
وكأنّهــا واللهِ أحــــلامُ الكــــرى |
لم أنسَ أيامي بها وقـَــدِ انقضــتْ |
للناس عن مصرٍ حديثـاً يُفتــرى |
كذب الذي ظـنّ الظنـــونَ فزفّهــا |
حُسْنـاً فهـام بــه، وآخـرُ لا يــرى |
والناسُ فيكِ اثنان شخصٌ قد رأى |
ولا شك أن الجهود المثمرة التي قامت بها حكومتا البلدين في الفترة الأخيرة قد أثمرت روحًا جديدة , وأن فتح المعابر البرية على الحدود بين الدولتين الشقيقتين سيسهم في خلق واقع جديد في مجال التجارة البينية وخلق مزيد من فرص العمل أمام شباب وأبناء الدولتين , وخلق شراكات استثمارية جديدة وبخاصة في مجال التجارة والزراعة , حيث تُعد السودان ومازالت مهيأة لأن تكون أهم سلة للغذاء العربي , وينبغي التفكير الجاد في تكوين شركات إنتاج وتصنيع زراعي مشتركة تسهم في تحقيق طفرة اقتصادية كبيرة وتوفير عدد من السلع الرئيسية والصناعات الغذائية والمتكاملة , نظرًا لما تمتلكه السودان الشقيقة من مساحات زراعية شاسعة شديدة الخصوبة مع وفرة في المياه وسهولة في الري , وما تمتلكه مصر من مهارات وخبرات فنية , سواء في مجالات الاستزراع , أم في مجالات التصنيع الزراعي وما يتبعه من تجفيف أو تغليف أو تعليب أو تصدير , كما أننا في حاجة مُلحّة إلى تكوين كيانات أو مجالس أعمال مشتركة , وإذا كنا نسعى إلى تكوين مجالس أعمال وكيانات اقتصادية وغرف تجارية مشتركة مع الشرق والغرب فمن باب أولى أن ننظر إلى الأشقاء والعمق الاستراتيجي في دول حوض النيل , وأن نبدأ على الفور في تشكيل جمعيات رجال الأعمال وسيدات الأعمال وشباب الأعمال المشتركة بين بلدينا الشقيقين , وأن تلقى هذه الكيانات دعم حكومتي مصر والسودان , ونحن على ثقة في استعداد كل من الحكومتين لهذا الدعم غير المحدود , إيمانًا بأن المردود الاقتصادي والاستراتيجي والجيوسياسي سيكون واسعًا وغير محدود , نظرًا لما تمثله كل من الدولتين من عمق استراتيجي للدولة الأخرى .
وبما أن الفكر والثقافة خير داعم للتلاقي بين الأمم والشعوب يجب التفكير جديًا في هذا التواصل الفكري والثقافي على كل المستويات .
وفيما يخص شأن الأوقاف والخطاب الديني فقد بدأنا بالفعل من خلال المشاركة في المؤتمرات والمسابقات وإيفاد بعض الدعاة إيفادًا دائمًا أو خلال شهر رمضان المعظم , حيث صدّقنا بالفعل على إيفاد ثلاثة عشر عالمًا من علماء وزارة الأوقاف المصرية لإحياء شهر رمضان المعظم في الجوانب الدعوية بمختلف أرجاء السودان , كما قررنا تزويد الأشقاء في الأوقاف السودانية وفي عدد من المؤسسات العلمية والثقافية والفكرية بمطبوعات وزارة الأوقاف المصرية والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية , وبخاصة في مجالات الكتب المترجمة , ونفكر جديًا ونتباحث معًا حول عقد مؤتمرات علمية وفكرية وثقافية مشتركة في العمق الإفريقي بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين ومصالح أشقائنا الأفارقة , لنبني معًا جسورًا من الثقة , وذلك بتنسيق كامل ومن خلال وزارتي الأوقاف والخارجية بالدولتين الشقيقتين , ومن خلال التواصل والحوار البناء بما يسهم في تحقيق حياة أفضل وفرص أرحب لجميع شعوب القارة .