مصائر الأمم، لوزير الأوقاف
عندما نتحدث عن مصائر الأمم وما أدى إلى سقوط الدول الكبرى عبر تاريخ البشرية الطويل نجد أن الظلم والطغيان والعتو والاستكبار والاستعلاء والشذوذ عن مناط الفطرة الإنسانية السوية كان أبرز عوامل هذا السقوط ، ففي شأن قوم عاد الذين طغوا في البلاد ، فكان طغيانهم سبب سقوط دولتهم ، يقول الحق سبحانه وتعالى : “فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنصَرُونَ” ، ويقول سبحانه في شأن قارون وفرعون وهامان: “وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ” .
وأما قوم سيدنا لوط (عليه السلام) فقد انحرفوا عن جادة الطريق إلى منحنى الرزيلة والشذوذ ، حيث يقول الحق سبحانه : “وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ” .
وأما قوم سيدنا شعيب (عليه السلام) فكانوا يطففون الكيل والميزان ويبخسون الناس حقوقهم وأشياءهم ، حيث يقول الحق سبحانه على لسان سيدنا شعيب (عليه السلام) مخاطبا قومه: ” أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأوَّلِينَ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ وَمَا أَنتَ إِلا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ السَّمَاءِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ” ، ومن يتتبع عوامل سقوط الدول يجد أن كل من طغى وتجبر واستعلى واستكبر كانت نهايته الخراب والدمار ، وأن كل من انحرف عن طريق الجادة شذوذًا عن الفطرة السوية ، أو أكلا لأموال الناس بالباطل قد لقى المصير نفسه ، على شاكلة ما أصاب قوم عاد أو قوم نوح أو قوم هود أو قوم لوط أو قوم صالح أو قوم شعيب .
ونستطيع أن نؤكد أن كل الحضارات التي لم تقم ولم تبن على القيم والأخلاق حضارات كان مآلها الزوال والسقوط ، وحملت عوامل هدمها وسقوطها في أساس بنائها وأصل وقيامها.
فشتان ما بين السياسة النظيفة التي تبنى على الحكمة والعقل والعدل وعدم الجور وعدم الاعتداء وعدم الاستخفاف بالآخر أو الاستقواء عليه ، وبين السياسات التي تقوم على الانتهازية والمكر والخداع والكيد للآخرين والتدبير لهم , والعمل على تحطيمهم وتدميرهم وإسقاط دولهم أو إنهاكها أو تفتيتها وتمزيقها.
فقد يكسب أصحاب المكر والخداع جولة لكنهم لا يبنون دولة ، بل إنهم حتما سيسقطون دولهم آجلاً أو عاجلاً ، لأن الإنسان على مستوى الأفراد والدول يمكن أن يخدع بعض الناس لبعض الوقت لكنه لا يمكن أن يخدع كل الناس كل الوقت .
إن الدول العريقة في الحضارة هي تلك الدول التي تحترم نفسها وبنفس القدر تحترم الآخر ، تحترم كل تعهداتها وكل التزاماتها ، لا تعتدي على الآخرين ولا تتآمر عليهم ولا تكيد لهم ، بل يكون لديها القدرة على التحمل والامتصاص وبما لا يأخذ من كرامتها أو استقلال قرارها الوطني .
ولا شك أن التقاليد السياسية شأن المعطيات الحضارية أمور تراكمية تبنى عبر الأزمان وتتوارثها أجيال خلف أجيال , شأن حضارتنا الراسخة الضاربة في أعماق التاريخ لأكثر من سبعة آلاف عام.