الأوقاف
مديرية أوقاف اسيوط تعقد (7 ) ندوة علمية الاثنين حول موضوع “جريمة الفتوى بغير علم”
بتوجيهات كريمة من معالي الأستاذ الدكتور أسامة السيد الأزهري، وزير الأوقاف، وبرعاية الدكتور محمود سعد شاهين، وكيل وزارة الأوقاف بأسيوط، وتحت إشراف الشيخ محمد عبد اللطيف محمود، مدير عام الدعوة والمراكز الثقافية بالمديرية، ومتابعة الشيخ أحمد كمال علي، رئيس الإرشاد الديني بالمديرية.
نظمت مديرية أوقاف أسيوط سلسلة ندوات علمية اليوم الاثنين الموافق 25 نوفمبر لعام 2024م بعد صلاة المغرب، تحت عنوان: “جريمة الفتوى بغير علم”، والتي استهلت بالآية الكريمة: “وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ” (النحل: 116).
حاضر في هذه الندوات نخبة من أساتذة جامعة الأزهر بأسيوط، حيث تناولوا واحدة من أخطر القضايا التي تواجه الأمة الإسلامية اليوم، وهي التجرؤ على الفتوى بغير علم. هذا الموضوع، الذي يعد من قضايا العصر الملحة، يجسد خطراً حقيقياً يهدد استقرار المجتمعات وسلامة العقيدة، حيث يؤدي القول بغير علم إلى إفساد الدين والدنيا على حد سواء.
إن الفتوى ليست مجرد رأي عابر، بل هي بيانٌ لحكم الله في المسائل الدينية والشرعية، وهي من الأمور العظيمة التي تتطلب علماً راسخاً وفهماً عميقاً للنصوص الشرعية ومقاصد الشريعة. وقد بين الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم خطورة القول على الله بغير علم، فقال تعالى: “فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” (النحل: 43)، مما يدل على أن الفتوى هي أمانة عظيمة، لا يجوز أن يتصدى لها إلا من كان على دراية واسعة بعلوم الشريعة.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التسرع في الفتوى بغير علم، فقال: “إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا” (رواه البخاري). وهذا الحديث الشريف يوضح أن انتشار الفتاوى الباطلة يؤدي إلى ضلال الناس وابتعادهم عن منهج الله القويم.
إن جريمة الفتوى بغير علم تتسبب في نشر الفوضى الفكرية بين المسلمين، حيث تظهر الفتاوى المتضاربة التي تُوقع الناس في الحيرة والشك، وتؤدي إلى انتشار البدع والمعتقدات الفاسدة. كما أنها تُسهم في تفكك المجتمعات وإثارة الفتن، حيث يستغل بعض الجاهلين بالعلم الشرعي الدين لتحقيق مكاسب شخصية أو خدمة لأغراض مشبوهة، مما يؤدي إلى تشويه صورة الإسلام أمام العالم.
وقد تناول المحاضرون في الندوات أمثلة عديدة من التاريخ الإسلامي ومن الواقع المعاصر على خطورة الفتوى بغير علم، مبينين أن هذه الظاهرة ليست جديدة، بل كانت موجودة على مر العصور، إلا أنها تفاقمت في زماننا بسبب سهولة الوصول إلى المنصات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبح بإمكان أي شخص أن يدعي العلم ويفتي في أمور الدين دون أن يمتلك المؤهلات اللازمة لذلك.
وأكد المحاضرون على أهمية الرجوع إلى العلماء المتخصصين والمؤسسات الدينية الموثوقة عند الحاجة إلى الفتوى، مشيرين إلى الدور الكبير الذي تقوم به وزارة الأوقاف ومديرياتها في توعية الناس بخطورة هذه الظاهرة من خلال تنظيم الندوات والمحاضرات، ونشر العلم الشرعي الصحيح بين أفراد المجتمع. كما دعوا إلى ضرورة تفعيل الرقابة على من يتصدرون للفتوى بغير علم، وتوعية الناس بخطورة الانسياق وراء هؤلاء المدعين.
إن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة مليئان بالتحذيرات من القول على الله بغير علم، ومن ذلك قوله تعالى: “قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ” (الأعراف: 33). وهذه الآية الكريمة تجعل القول على الله بغير علم في مرتبة واحدة مع الشرك به، مما يبرز خطورة هذه الجريمة على الفرد والمجتمع.
وفي ختام الندوات، شدد الحاضرون على ضرورة أن يتحلى المسلم بالتقوى والورع، وألا يقول في دين الله بغير علم، مستشهداً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار” (رواه البخاري ومسلم). فالفتوى بغير علم ليست مجرد خطأ عابر، بل هي جرم عظيم يستوجب العقاب في الدنيا والآخرة.
إن هذه الندوات العلمية التي نظمتها مديرية أوقاف أسيوط تأتي في إطار الجهود المستمرة التي تبذلها الوزارة للتصدي للظواهر السلبية التي تهدد المجتمع، وتذكير الناس بأن العلم أمانة، وأن التجرؤ على الفتوى بغير علم هو تعدٍ على حدود الله وتضليل للناس. ونسأل الله أن يوفق علمائنا ومؤسساتنا للقيام بدورهم في حماية الأمة من الفتن والشبهات، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
إتبعنا