كَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا بقلم الشيخ خالد الشعراوي
كَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا
**********************************
هناك ارتباط وثيق بين العلم بالشئ والصبر عليه ، فلا يصبر أحد على أمرٍ إلا إذا علم هذا الأمر علماً محيطاً به ، وعلى قدر احاطتك بالشئ على قدر صبرك عليه .
والمؤمن يصبر على الطاعة لعلمه بما له عند الله بطاعته، ويصبر على المعصية لعلمه بما عليه من عذاب منها
فالعلم والإحاطة بالحقيقة تعين الإنسان على الصبر والتحمل.
وإن سيدنا موسى – عليه السلام – لم يستطع أن يصبر مع الخضر- عليه السلام- لعدم إحاطته بخبر ما فعله الخضر من أمور ، وقد قال له في أول الامر- كما قال الله قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا
الكهف: ٦٧ – ٦٨. فبين أن علة عدم استطاعته الصبر هي عدم احاطته بخبر وعلم ما سيقع من أحداث في الرحلة .
والمرأة السوداء التي كانت تُصرع وتتكشف وجاءت إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تطلب منه أن يدعو لها بالشفاء لأنها لا تصبر على هذا الألم ، فلما أعلمها أنها إن صبرت لها الجنة وإن شاءت دعا لها فشفاها الله ، فاختارت الصبر على المرض والألم لما علمت أن آخر صبرها الجنة .
روى البخاري ومسلم عن عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ لِي، قَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَكِ» قَالَتْ: أَصْبِرُ، قَالَتْ: فَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللهَ أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا).
ولما مر النَّبِيَّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على آل ياسر وهم يُعذبون في الله عذاباً لا تقوم له الجبال الرواسى ، ورآهم في شدة ومشقة ينهار أمامها الحديد الصلب ، فأراد أن يقوي عزيمتهم، ويصقل صبرهم، ويمد أرواحهم بفيض رباني يجعلها تحلق في فضاء العطاء ، وتهيم في سماء سناء الفناء ، ناسيةً آلامها وأوجاعها وتعبها، فأعلمهم وأخبرهم بما لهم عند الله -تعالى – جزاءَ صبرهم وتحملهم فقال لهم : (اصْبِرُوا آلَ يَاسِرٍ مَوْعِدُكُمُ الْجَنَّةُ) رواه الطبراني ورجاله ثقات
وورد أن امرأة كانت تسير في الطريق فعثرت في حجر فقُطع إصبعها فضحكت ،فلما سألوها عن سبب ضحكتها مع المصيبة قالت : حلاوة الأجر أنستني مرارة الألم .
فإن أردت الصبر على أمرٍ أو على امرئٍ فأحط به خبرا ، وانظر في مآلاته ، واسبر أغواره ، واكتشف أسراره.
فاللهم أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين .
الشيخ / خـالــد الـشـعــراوي
أوقاف القليوبية