عاجل

في كلمته أمام مؤتمر “حوار حول مكافحة التطرف والعنف” بطوكيو .. وكيل الأزهر: مصر تخوض حربًا شرسة ضد قوى التطرف والإرهاب نيابةً عن العالم

أكد فضيلة أ.د/ عباس شومان ، وكيل الأزهر؛ أن المؤسسات المعنية في مصر – التي أعتز وأفتخر بالانتماء إليها – تعي الأسباب التي أدت إلى ظهور عصابات التطرف والإرهاب ، وتضع تلك الأسباب نُصْبَ أعينها؛ مشدّدًا خلال كلمته التي ألقاها فجر اليوم في مؤتمر “حوار حول مكافحة التطرف والعنف في الشرق الأوسط”، الذي يُعقد حاليًّا في طوكيو، على أن مصر تبذل جهودًا مضنية وغير مسبوقة على المحاور الفكرية والأمنية والتنموية والاجتماعية – وغيرها من المحاور – من أجل التصدي لتلك الظاهرة اللعينة واستئصال هذا الشر المستطير الذي ابتُليَ به العالم في الآونة الأخيرة؛ فعلى المسار الفكري يعمل الأزهر الشريف حثيثًا على تفنيد شبهات الجماعات المتطرفة، وتفتيت فكرها، وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي دلّستها وحرَّفتها عن معانيها الصحيحة، وذلك من خلال هيئاته التقليدية وآليّاته المُستحدَثة، ومنها: مرصد الأزهر باللغات الأجنبية الذي يرصد فكر الجماعات المتطرفة ويكشف زيفه ويردّ عليه باللغات المختلفة، ومركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية الذي يجيب عن أسئلة الشباب ويزيل الشُّبَه التي تلتبس عليهم باستخدام وسائل الاتصال والتواصل الحديثة، ومنها أيضًا مركز الأزهر للترجمة الذي يتولى ترجمة المؤلفات التي تكشف الفكر المتطرف وتقدم حلولًا لاستئصال شأفته، ويعمل كذلك على ترجمة المؤلفات التي تبيّن حقيقة الإسلام وموقفه من التطرف باللغات الأجنبية الحية في العالم، وفي مجال التعليم: قام الأزهر بتطوير المناهج التعليمية لتواكب العصر ومستجداته، واستحدث مقررات جديدة تحثّ على المواطنة والعيش المشترك وقَبول الآخر، وتُفنّد شبهات المتطرفين وتصحح المفاهيم التي دلّسوها على الناس، بالإضافة إلى الجهود الدعوية والتوعوية داخل مصر وخارجها من خلال (قوافل السلام) التي تجوب العالم شرقًا وغربًا. 

كما أكد وكيل الأزهر أن مصر تخوض حربًا شرسة ومواجهة حقيقية ضد قوى التطرف والإرهاب على المستوى الأمني، فلعلكم تتابعون الجهود الأمنية والعسكرية التي تقوم بها قوات الجيش والشرطة المصرية الباسلة، ومن أبرزها (العملية الشاملة سيناء ٢٠١٨م) التي تدكّ معاقل الإرهابيين في سيناء التي هي جزء من قارة آسيا التي تقع فيها اليابان التي نجتمع على أراضيها اليوم، وهذه العمليات العسكرية تشنّها القوات المصرية نيابةً عن القارّة، بل العالم أجمع، في مواجهةٍ هي الأقوى في تاريخ التصدي للإرهاب والتطرف بغيةَ استئصاله واقتلاعه من جذوره. 

نَصّ كلمة وكيل الأزهر

  بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أرسله ربه رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه ومَن تبع هداه إلى يوم الدين.

السيدات والسادة حضور هذا المؤتمر الموَقَّر، أحييكم بتحية الإسلام الذي أشرُف وأعتز بالانتماء إليه، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وبعد:

فيطيب لي في البداية أن أنقل لحضراتكم جميعًا تحيات فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، وتمنياته لكم بالتوفيق والسداد لتحقيق ما تنشدونه من وراء هذا المؤتمر الذي يواكب الجهود المضنية للمؤسسات المعنية التي تتصدى فكريًّا وتوعويًّا لهذا الشر المستطير الذي ابتُليَ به العالم في الآونة الأخيرة، وعلى رأس هذه المؤسسات مؤسسة الأزهر الشريف، تلك المؤسسة العلمية العالمية العريقة التي تحمل على عاتقها مهمة بيان أحكام شريعة الإسلام السمحة، وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي يَنسُبها المتطرفون كذبًا وزورًا إلى ديننا الحنيف، ويتخذونها مسوِّغًا لارتكاب جرائم هو منها بَراء.

 

واسمحوا لي أن أعرب عن سعادتي الغامرة لمشاركتي في هذا الملتقى الفكري الراقي، قادمًا إليكم من جمهورية مصر العربية بلد السلم والسلام والأمن والأمان، الذي يمثل نموذجًا يُحتذى في العيش المشترك والتعايش السلمي بين شركاء الوطن مسلمين ومسيحيين، في أرقى صور المواطنة التي نسعى حثيثًا ليفيد منها بلدان العالم قاطبةً، وخاصة الدول متعددة الديانات والثقافات.

 

الحضور الكريم:

إن ديننا الإسلامي الحنيف – شأنه شأن سائر الديانات السماوية – يرفض التطرف والغلو بكل أشكاله وصوره، ويدعو إلى الوسطية والاعتدال فكرًا وسلوكًا، وليس هذا مجرد كلام تنظيري محض، بل هو تعاليم ومبادئ قرآنية نتعبّد بها إلى الله عز وجل؛ حيث يقول ربنا في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه آمِرًا رسوله – صلى الله عليه وسلم – بانتهاج أسلوب الرفق واللين في دعوة الناس ومخاطبتهم: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، ويقول سبحانه ناهيًا عن إكراه الناس وإجبارهم على اعتناق الإسلام: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ).

 

وليس هذا فحسب، بل إننا نحن المسلمين مأمورون بقَبول الآخَر المختلِف في الدين وحُسْن معاملته، ومنهيون عن ظلمه واضطهاده ما لم يعادينا أو يحاربنا؛ حيث يقول ربنا عز وجل: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).

 

ومن ثَمّ؛ فإن اختلاف الدين ليس مانعًا من التعايش السلمي بين الناس، وليس سببًا للعداء أو الصراع بين البشر، وإنما يُتخذ ذريعةً من قِبَل أصحاب المآرب الخاصة – سواء مسلمون أو غير مسلمين – لتحقيق أهدافهم الخبيثة.

 

وعليه، فإنه يمكن رد تطرف وغلو بعض أتباع ديننا الإسلامي فكرًا وسلوكًا إلى بعض الأسباب التي نعرضها بإيجاز في النقاط الآتية:

أولًا: الفهم الخاطئ لبعض النصوص الدينية الذي ينتج عن عدم امتلاك المؤهلات والأدوات العلمية المُتَّفَق عليها للبحث في النصوص والجَمْع بينها واستنباط الأحكام الشرعية منها.

 

ثانيًا: اجتزاء النصوص، وتأويلها بعيدًا عن المراد منها، وفصلها عن سياقها الموضوعي والتاريخي، وعدم مراعاة أن بعض النصوص – وخاصة نصوص القتال – تعالج حالات معينة، كحالات وقوع عدوان خارجي من قوى طامعة معتدية، وهي نصوص خاصة بصد العدوان ورد كَيد المعتدي، ولا يجوز إخراجها عن سياقها والإيهام بأنها تنطبق على المخالفين في الدين ولو كانوا مواطنين غير معادين، فالقتال في شريعة الإسلام إنما شُرع لرد الاعتداء وليس للاعتداء على الآمنين وإن كانوا مخالفين في الدين.

 

ثالثًا: تدليس الجماعات المتطرفة للمفاهيم والمصطلحات الشرعية بتفسيرها بما يتفق وتحقيقَ أهدافهم الخبيثة، كادّعاء صيغة معينة للحكم تتمثل في نظام الخلافة الإسلامية الذي كان سائدًا في القرون الأولى من تاريخ الإسلام، قبل أن تُستبدل بهذا النظام أنظمةُ حُكْمٍ حديثة تتنوع بين مَلَكية وأميرية وسلطانية ورئاسية، وكلها أنظمة مقبولة في شريعتنا، ولا يوجد في شرعنا ما يدل على لزوم نظام حكم معين، فمسألة الحكم من أمور السياسة التي تخضع لما يوافق رغبات الناس وما يستقرون عليه فيما بينهم.

 

رابعًا: العاطفة الدينية لدى أتباع الدين، مما يجعل بعضهم ولا سيما الشباب ينخدع بما يروج له المتطرفون من مفاهيم خاطئة وما يرفعونه من شعارات برّاقة تُظهر هؤلاء المتطرفين في صورة حُماة الشريعة والمدافعين عن الدين.

 

خامسًا: قصور المناهج التعليمية المقررة في المدارس والمعاهد والجامعات عن معالجة ظاهرة التطرف معالجةً وافية ترصد أسبابها، وتُبيِّن خطورتها، وتتتبّع شبهاتِ المتطرفين وتُفَنِّدها، وتُصَحِّح المفاهيم التي لَبَسوها على الناس.

 

سادسًا: غياب دور الأسرة التربوي والتوجيهي والرقابي؛ نظرًا لانشغال الوالدين بالسعي على توفير متطلبات الحياة، وتلبية حاجات الأسرة المادية خاصة في ظل وضْعٍ اقتصادي صعب في بعض الدول، ممّا يُفسِح المجال للمتطرفين لاستقطاب النشء في غفلةٍ من الوالدين؛ حيث يقوم المتطرفون بملء الفراغ التربوي والتوجيهي والإرشادي الذي كان ينبغي أن يكون حصريًّا للأُسر والمؤسسات التعليمية والدعوية المعتبرة.

 

سابعًا: انتشار الفقر والجهل والمرض والبطالة بين كثير من الناس في كثير من المجتمعات، فضلًا عن تَفَشّي عوامل الإحباط وانسداد الأفق والشعور بالظلم والتهميش بين الشباب، ممّا يجعلهم صيدًا سهلًا للوقوع في براثن الجماعات المتطرفة التي تحاول استغلال معاناتهم من خلال وعدهم بالنعيم المقيم في الدنيا والحور العين والجنة الموهومة في الآخرة.

 

ولما كانت المؤسسات المعنية في بلدي مصر – الذي أعتز وأفتخر بالانتماء إليه – تَعي هذه الأسباب جيدًا وتضعها نُصْبَ أعينها؛ فإنها تبذل جهودًا مضنية وغير مسبوقة على المحاور الفكرية والأمنية والتنموية والاجتماعية – وغيرها من المحاور – من أجل التصدي لتلك الظاهرة اللعينة واستئصال هذا الشر المستطير الذي ابتُليَ به العالم في الآونة الأخيرة؛ فعلى المسار الفكري يعمل الأزهر الشريف حثيثًا على تفنيد شبهات الجماعات المتطرفة، وتفتيت فكرها، وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي دلّستها وحرّفتها عن معانيها الصحيحة، وذلك من خلال هيئاته التقليدية وآلياته المستحدثة، ومنها مرصد الأزهر باللغات الأجنبية الذي يرصد فكر الجماعات المتطرفة ويكشف زَيفه ويرد عليه باللغات المختلفة، ومركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية الذي يجيب عن أسئلة الشباب ويزيل الشُّبَه التي تلتبس عليهم باستخدام وسائل الاتصال والتواصل الحديثة، ومنها أيضًا مركز الأزهر للترجمة الذي يَتَوَلّى ترجمة المؤلفات التي تكشف الفكر المتطرف وتُقدِّم حلولًا لاستئصال شأفته، ويعمل كذلك على ترجمة المؤلفات التي تُبَيِّن حقيقة الإسلام وموقفه من التطرف باللغات الأجنبية الحَيّة في العالم، وفي مجال التعليم: قام الأزهر بتطوير المناهج التعليمية لتواكب العصر ومستجداته، واستحدث مقررات جديدة تحثّ على المواطنة والعَيش المشترَك وقَبول الآخَر، وتُفَنِّد شبهات المتطرفين وتصحح المفاهيم التي دلّسوها على الناس، بالإضافة إلى الجهود الدعوية والتوعوية داخل مصر وخارجها من خلال (قوافل السلام) التي تجوب العالم شرقًا وغربًا.

أما على المستوى الأمني، فلعلكم تتابعون الجهود الأمنية والعسكرية التي تقوم بها قوات الجيش والشرطة المصرية الباسلة، ومن أبرزها (العملية الشاملة سيناء ٢٠١٨م) التي تدكّ معاقل الإرهابيين في سيناء التي هي جزء من قارة آسيا التي تقع فيها اليابان التي نجتمع على أراضيها اليوم، وهذه العمليات العسكرية تشنها القوات المصرية نيابةً عن القارّة، بل العالم أجمع، في مواجهةٍ هي الأقوى في تاريخ التصدي للإرهاب والتطرف بغيةَ استئصاله واقتلاعه من جذوره.

 

وهناك جهودٌ حثيثة تُبذل على المستويين الاجتماعي والتنموي، بمشاركة مؤسسات المجتمع المدني، من أجل القضاء على البطالة والفقر، ومنها المشروعات القومية كمشروع قناة السويس الجديدة، ومشروع استصلاح أكثر من مليون فدان، ومشروع الضبعة النووي، وبرامج التكافل الاجتماعي التي تقوم عليها المؤسسات المعنية، وفي مقدمتها وزارة التضامن الاجتماعي، وبيت الزكاة والصدقات المصري الذي يرأسه فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر.

 

وفي ختام كلمتي الموجزة هذه، أتمنى لهذا المؤتمر الموَقَّر التوفيق والسداد، والخروج بتوصيات عملية ونتائج ملموسة ترسم خارطة طريق لمحاصرة التطرف واستئصال شأفته ومعالجة أسبابه، ليعمّ العالَمَ الأمنُ والسلامُ الذي أذهبه التطرف والإرهاب، الذي كلّف العالم ما يصعب حصره من الأنفس والأموال، فضلًا عمّا خلفه من دمارٍ إنساني وتَراجُعٍ حضاري.

شكرًا لكم أيها السادة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أ.د/ عباس شومان وكيل الأزهر

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »