مقالات وأراء

عبر وفوائد من الإبتلاءآت والشدائد ، للشيخ كمال السيد المهدي

((عبر وفوائد من الإبتلاءآت والشدائد))
الإبتلاء سنة كونية قال تعالى( الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ )..
هذا الإبتلاء قد ينظر إليه البعض من الناس على أنه شر ولكن قد يكون العكس فقد يكون فيه الخير فكما يقال قد يكون الخير كامناً في الشر..
وقال تعالى (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)..
وقال تعالى(فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً ويَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)..
ولنا العبرة في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام وزوجته السيدة سارة.
فلما أخذ الجبار سارة من إبراهيم عليه السلام كان في طــي تلك البلية أن أخدمها هاجر ، فولدت إسماعيل لإبراهيم عليهما السلام ، فكـان من ذرية إسماعيل خاتم النبيين ، فأعظم بذلك من خير كان في طى تلك البلية..
وقد يكون هذا الإبتلاء حب من الله للعبد فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط). رواه الترمذي
!! وأكمل الناس إيمانا أشدهم إبتلاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلباً اشتد به بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة) . أخرجه الإمام أحمد وغيره.
فاقتضت حكمة الله اختصاص المؤمن غالباً بنزول البلاء تعجيلاً لعقوبته في الدنيا أو رفعاً لمنزلته أما الكافر والمنافق فيعافى ويصرف عنه البلاء. وتؤخر عقوبته في الآخرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد) رواه مسلم.
***هذا الإبتلاء وهذه الشدائد لها فوائد:–
!! أولها:(( تكفيرالذنوب ومحو السيئات)) :-
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من شيء يصيب المؤمن حتى الشوكة تصيبه إلا كتب الله له بها حسنة ، أو حطّت عنه بها خطيئة) رواه مسلم
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: (مَا يَزَالُ البَلَاءُ بِالمُؤْمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) رواه الترمذي، وقال علي -رضي الله عنه-: “لولا مصائب الدنيا، لوردنا الآخرة من المفاليس”…
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا أراد بعبد خيراً عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبد شراً أمسك عنه حتى يوافي يوم القيامة بذنبه)..
فالابتلاء للمؤمن نعمة من ربه يلقيها عليه ليمحصه وينقيه ويزيل عنه بصبره عليه ورضائه بقضائه، ما قد يكون في صحيفته من الذنوب والآثام، حتى يأتى يوم القيامة بصحيفة بيضاء نقية لا يرى فيها إلا الخير، ولا يخلو إنسان من الذنوب الصغيرة ، لذلك كان بعض السلف يسألون الله الابتلاء، لينالوا جزاء الصبر عليه…
قال تعالى: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) ، بينت الآية ما أعده الله للمبتلين الصابرين، بجانب تكفير الذنوب ومحوها،
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلاءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ . رواه الترمذي
!! ثانيها:_(( سببٌ في دخول الجنة)) : لا تُنال الجنة إلا بما تكرهه النفس، كما في الحديث: (حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ)
! والنبي صلى الله عليه وسلم قال للمرأة التي تُصرَع: (إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ)
فعن عطاء بن أبي رباح قال قال لي ابن عباس ألا أريك امرأة من أهل الجنة قلت بلى قال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي قال إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك فقالت أصبر فقالت إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف فدعا لها..
وفي الحديث القدسي: (إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ، عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الجَنَّةَ)، فالبلايا والأمراض والأحزان من أسباب دخول الجنة.
قال تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)
!!! ثالثها:_ ((معرفة العدو مِن الصديق)) .
وصدق القائل:
جــزى الـلـه الـشدائـد كل خـير * عرفت بها عدوي من صديقي
! ففي الشدائد والإبتلاءات تظهر معادن الناس ولنا في أبي بكر الصديق رضي الله عنه الأسوة في وقوفه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشدائد فلقد ضحى بماله ونفسه ووطنه فداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكلنا يعلم ما حدث في الهجرة النبوية الشريفة فأبوبكر كان يتمنى أن يرافق رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلته مع كونه يعلم خطورتها ويعلم أنه سيكون مطلوبا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وربما يقتل…
ولا شكَّ أنه كعامَّة الناس له ظروف تحكم حياته، ولا شكَّ أنه تاجر، وأنه أب، وأنه زوج، وأنه ابن، وأنه.. وأنه.. لا شكَّ أن عنده أمورًا كثيرة تعوقه كبقية البشر؛ ولكنه رضي الله عنه كان لا يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدة أبدا..
ولذلك لما جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بالهجرة
كان أول ما شغل الصديق رضي الله عنه هو السؤال عن صُحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلة الهجرة، فلمَّا بشَّره الرسول صلى الله عليه وسلم بالصحبة كان ردُّ فعل الصديق رضي الله عنه عجيبًا إذ إنه بكى من شدَّة الفرح
! تقول عائشة رضي الله عنها: “فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ يَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ”..
وفي طريق الهجرة جعل أبوبكر يمشي ساعة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وساعة خلفه حتى فطن له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : ” يا أبا بكر ، ما لك تمشي ساعة بين يدي وساعة خلفي ؟ ” فقال : يا رسول الله ، أذكر الطلب فأمشي خلفك ، ثم أذكر الرصد ، فأمشي بين يديك ، فقال : ” يا أبا بكر ، لو كان شيء أحببت أن يكون بك دوني ؟ ” قال : نعم ، والذي بعثك بالحق ، ما كانت لتكون من ملمة إلا أن تكون بي دونك ، فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر : مكانك يا رسول الله ، حتى أستبرئ لك الغار ، فدخل واستبرأه حتى إذا كان في أعلاه ذكر أنه لم يستبرئ الحجرة ، فقال : مكانك يا رسول الله ، حتى أستبرئ الحجرة ، فدخل واستبرأ ، ثم قال : انزل يا رسول الله ، فنزل ،
فالشدائد تظهر الصديق الحقيقي من الصديق المزيف الذي لا تجده معك في الشدة
وصدق القائل :
إِنَّ اَخاكَ الحَقّ مَن كانَ مَعَك
**وَمَن يَضِرُّ نَفسَهُ لِيَنفَعَك
وَمَن إِذا ريبَ الزَمانُ صَدَعَك**
شَتَّتَ فيكَ شَملَهُ لِيَجمَعَك..
!!!! رابعها :_(( الإخلاص لله في الدعاء والعبادة))
!! ففي وقت الشدة يرجع الإنسان إلى ربه ويخلص له في العبادة والدعاء لعلمه أنه لا كاشف للسوء إلا الله فقد أخبر الله -عز وجل- عن المشركين أنهم إذا ركبوا الفلك وجاءتهم ريح عاصفة، أخلصوا الدعاء لله، والله ينجيهم ببركة هذا الإخلاص المؤقت، وهو يعلم أنهم سيعودون للشرك مرة ثانية..
!!فعن مصعب بن سعد عن أبيه ـ رضي الله عنهما ـ قال : ” لما كان يوم فتح مكة أمَّن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الناس إلا أربعة نفر وامرأتين، وسماهم ..” ، وكان منهم عكرمة بن أبي جهل .. فهرب وذهب إلى البحر ليأخذ سفينة وينطلق بها إلى اليمن ، إلا أن الله ـ عز وجل ـ شاء له الهداية فأسلم ..
يقول سعد : ” .. وأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم عاصف فقال أصحاب السفينة لأهل السفينة : أخلصوا فان آلهتكم لا تغني عنكم شيئا هاهنا ، فقال عكرمة : لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص ، ما ينجيني في البر غيره ، اللهم إن لك عليَّ عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيه آتي محمدا فأضع يدي في يده ، فلأجدنه عفوا كريما ، قال : فجاء فأسلم ..”(أبو داود)..
وهناك العديد من الفوائد كفتح باب التوبة والذل والانكسار بين يدي الله. وتقوية صلة العبد بربه.وتذكر أهل الشقاء والمحرومين والإحساس بالآمهم..
ونكتفي بهذا القدر سائلين الله جل وعلا أن يحفظنا وإياكم من كل سوء وأن يكشف الغمة عن الأمة…
!! كتبه: كمال السيد محمود محمد المهدي إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف المصرية

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »