سلسلة فقه الصيام ، الدرس الرابع والعشرون: حكم إخراج القيمة في زكاة الفطر ، للدكتور خالد بدير

سلسلة فقه الصيام ، الدرس الرابع والعشرون: حكم إخراج القيمة في زكاة الفطر ، للدكتور خالد بدير
لتحميل الدرس بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الدرس بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الدرس كما يلي:
(سلسلة فقه الصيام) الدرس الرابع والعشرون: حكم إخراج القيمة في زكاة الفطر
زكاة الفطر فرضت طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، ومقدارها صاع من القمح، أو الشعير، أو التمر، أو الزبيب، أو الأقط، أو الأرز، أو الذرة أو العدس أو اللوبيا أو الفاصوليا أو نحو ذلك مما يعتبر قوتاً . فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:” كُنَّا نُخْرِجُ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ ” . ( متفق عليه واللفظ لمسلم).
والصاع أربعة أمداد ؛ والمد حفنة بكفي الرجل المعتدل ؛ يعنى أربع حفنات زكاة فرد واحد ؛ ويقدر بحوالي 2 كيلو ونصف من الأرز تقريباً .
ولو عمدنا إلى صاع مصنوع عند الحداد وملأناه من جميع الحبوب والبقوليات سالفة الذكر؛ لاختلف الوزن لهذا الصاع تبعاً لثقل الحب وخفته من نوعٍ لآخر ؛ وأيضاً لاختلف السعر من سلعة لأخرى ؛ فليس الصاع من الزبيب كالصاع من الدقيق أو الأرز في الوزن والسعر وهكذا .
وإن دار الإفتاء المصرية حينما أقرَّت زكاة الفطر هذا العام 2025م بــــ 35 جنيهاً ؛ فإنها عمدت إلى الحد الأدنى لأقل سعر من الحبوب والبقوليات سالفة الذكر ؛ وهو القمح .
وللأسف الجميع يتمسك بالحد الأدنى ويترك الحد الأقصى أو الأوسط ؛ وإذا كان الله قد وسع عليك فعليك أن تخرج من أجود الأشياء وأنفسها ؛ ولا تنظر إلى الدون؛ « فإن الله عز وجل يحب معالي الأمور ، ويكره سفسافها » ( الحاكم والطبراني). ولماذا ترضى بالحد الأدنى في زكاة الفطر مع سعتك وغناك ؛ ومع ذلك تطلب الفردوس الأعلى من الجنة ؟!!!
والأصل في جميع الزكوات أن تخرج من جنسها؛ فالمال يخرج مال؛ والبهائم تخرج منها؛ …….وهكذا
ولكن أجاز جمع من الفقهاء العدول من الأصل إلى القيمة في كل الزكوات ومنها زكاة الفطر .
وممن أجاز إخراج القيمة في زكاة الفطر من الصحابة – رضي الله عنهم-: ” عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله بن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم جميعًا ” ( انظر: عمدة القاري).
وممن قال بذلك من التابعين والسلف – رضي الله عنهم-: طاووس بن كيسان ؛ والإمام سفيان الثوري ؛ وعمر بن عبد العزيز وغيرهم . ومن الفقهاء الإمام أبو حنيفة النعمان.
والقول بجواز إخراج القيمة في زكاة الفطر –وغيرها-، مذهب الإمام البخاري- يرحمه الله – قال ابن رشد : ” وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم ، لكن قاده إلى ذلك الدليل “. ( فتح الباري).
ومن أجل ذلك عقد الإمام البخاري -يرحمه الله- في صحيحه، في كتاب الزكاة باباً بعنوان: (باب العَرْض في الزكاة ) والعرض : أي القيمة . وذكر تحته أربعة أحاديث تدل على جواز إخراج القيمة في الزكاة مطلقًا، ثم قاس عليها زكاة الفطر. ومن أبرز هذه الأحاديث حديث معاذ بن جبل- رضي الله عنه-.
قال الإمام البخاري: قَالَ طَاوُسٌ قَالَ مُعَاذٌ، -رَضِيَ الله عَنْهُ-، لأَهْلِ الْيَمَنِ : ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ، أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ ؛ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لأَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ بِالْمَدِينَةِ”.
وهذا الحديث يدل على جواز إخراج القيمة في زكاة الزروع؛ لأن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- كان أعلم الناس بالحلال والحرام، وقد بين له النبي ﷺ لما أرسله إلى اليمن ما يصنع، وقد طلب من أهل اليمن أن يدفعوا قيمة مقدار زكاة زروعهم من الشعير والذرة ثيابًا ؛ مراعيًا في ذلك مصلحة الأغنياء والفقراء معًا، ولو كان ذلك التصرف من معاذ خلاف الصواب وقاله برأيه لرده النبي ﷺ إلى الصواب. ويقاس على جواز إخراج القيمة في زكاة الزروع زكاة الفطر.
بل إن الإمام ابن تيمية نفسه – وهو المرجع الأصلي عند السلفيين – أجاز إخراج القيمة للمصلحة والحاجة .
فقال في مجموع فتاويه: ” وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل فلا بأس به “.
كذلك أجاز إخراج القيمة الأزهر الشريف ؛ ودار الإفتاء المصرية ؛ ومجمع البحوث الإسلامية .
ومما سبق يتبين لنا بجلاء جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر؛ وذلك لما يلي:
أولًا: أنه عمل بعض الصحابة والتابعين، ومذهب الإمام أبي حنيفة النعمان، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد بن حنبل، ورأي ابن حبيب من المالكية، وشهاب الدين الرملي من الشافعية، والإمام ابن تيمية من الحنابلة، وهو مذهب الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-، واختيار الإمام أبي جعفر الطحاوي من الحنفية وغيرهم كما سبق.
ثانيًا: أنه بإخراج القيمة في زكاة الفطر يتحقق الهدف من فرضيتها، وهو إغناء الفقير والمسكين وذوي الحاجة؛ فالإغناء يحصل بدفع القيمة كما يحصل بدفع الطعام.
ثالثًا: مراعاة مصلحة الفقير، وذلك أن إخراج القيمة يمكّنه من قضاء متطلباته من غذاء ودواء ودفع إيجار مسكن، وغير ذلك من متطلبات أولاده.
رابعًا: مراعاة التيسير على الناس الذين يدفعون الزكاة وخاصة الذين يسكنون في المدن الصناعية، أو أهل الحضر.
خامسًا: أنه تطورت ظروف المعيشة والحياة المنزلية، فأصبح الناس الآن في المدن والقرى والكفور وغيرها لا يطحنون القمح ولا يخبزونه بعد انتشار الأفران الآلية.
سادسًا: حماية الفقراء من استغلال بعض التجار؛ فقد تلاحظ في بعض الدول العربية التي تتمسك بإخراج الحبوب في زكاة الفطر، أن الفقراء يعرضون عليهم زكواتهم من الحبوب فيشترونها منهم أو يبدلونها لهم ببعض السلع الغذائية بسعر بخس، فيكون التاجر هو المستفيد من التقيد بإخراج الحبوب في زكاة الفطر، حيث يبيعها للمزكِّي بسعر ما، ويشتريها أو يستبدلها للفقير بسعر أقل. ( انظر : الشريعة الإسلامية وعلومها – أ.د / رضا عبد المجيد المتولي ) .
والخلاصة : أن من أخرج حبوباً فقد أخذ بظاهر النص ؛ وأن من أخرج القيمة فقد راعى مصلحة الفقير ولا ننكر عليه !!
والله أعلم،،،،
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
____________________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
و للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع
و للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف