سر الإنتصارات في رمضان بقلم الشيخ خالد الشعراوي
( سر الإنتصارات في رمضان )
إن كثيراً من الإنتصارات العسكرية الإسلامية كانت في رمضان ، من غزوة بدر الكبرى مروراً بفتح مكة وعين جالوت وانتهاءاً بالعاشر من رمضان 1393هـ السادس من أكتوبر 1973م .
ولو ربطنا بين النصوص لظهر لنا سر هذه الإنتصارات في شهر رمضان .
فعن ابن عباس أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال (وَاعْلَمْ أنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ) رواه أحمد والبيهقي
فربط النبي – صلى الله عليه وسلم – هنا بين النصر والصبر .
وعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:( شَهْرُ الصَّبْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ) رواه أحمد والنسائي
فبين النبي – صلى الله عليه وسلم – هنا أن شهر رمضان هو شهر الصبر .
فنستنتج من هاتين المقدمتين أن النصر في شهر الصبر في شهر رمضان ، ولولا الإطالة لسردنا الفتوحات والانتصارات في هذا الشهر الكريم.
و ذلك لأن المسلم ينتصر على نفسه في هذا الشهر المبارك بمنعها من شهواتها المحرمة وبحملها على الطاعات ،فهو يرى الطعام والشراب و الزوجة أمامه فلا يمنعه منها إلا الله .
وقد ذُكر أن العلماء في حرب العاشر من رمضان السادس من أكتوبر قد أفتوا بجواز الفطر للجنود ليكون أقوى لهم في المعركة ، ولكن كثيراً منهم
أبى إلا أن يصوم وقالوا : إما أن نفطر على أرض سيناء محررة مطهرة أو نفطر في الجنة مع الشهداء والصديقيين والنبيين.
وحقق الله لهم الحسنيين فمنهم من أفطر في الجنة مع أبيه وسيده حمزة بن عبد المطلب ومنهم من أفطر على أرض سيناء وكلاً وعد الله الحسنى.
إنهم حقاً جند مصر خير جنود الأرض والذين جعلهم الله سيف الإسلام ودرعه على طول التاريخ الإسلامي ولا يزالون وسيظلون هكذا إن شاء الله
فإذا انتصر الإنسان على نفسه انتصر على أعداءه لأن النفس أقوى عدو يواجهه المرأ ، وقد سمى النبي – صلى الله عليه وسلم – جهاد النفس الجهاد الأكبر ، وسمى جهاد الاعداء الجهاد الأصغر ، وقال إبراهيم بن علقمة لقوم جاءوا من الغزو: قد جئتم من الجهاد الأصغر فما فعلتم في الجهاد الأكبر؟ قالوا: وما الجهاد الأكبر؟، قال: جهاد القلب) .أي هوى النفس .
وقال الشّاعر:-
يا من يجاهد غازيا أعداء دي … ن الله يرجو أن يعان وينصرا
هلّا غشيت النّفس غزوا إنّها … أعدى عدوّك كي تفوز وتظفرا
مهما عنيت جهادها وعنادها … فلقد تعاطيت الجهاد الأكبرا
* والسر الثاني أن الله –تعالى- مع المتقين حال القتال يثبتهم ويؤيدهم وينصرهم كما في قوله (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِين ) . التوبة 36
وجعل الله ميراث الأرض والعاقبة بعد الصول والجول للمتقين فقال – سبحانه- (…قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) الأعراف 128
وشهر رمضان شهر تتحق فيه أعلى درجات التقوى بتحقيق الصيام والقيام وتلاوة القرآن فتصفو القلوب ويزداد تعلقها بعلام الغيوب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة 183
فالصيام أقصر الطرق لتحقيق التقوى ، و التقوى تحقق معية الله لأهلها فينصرهم ويؤيدهم .
فاللهم انصرنا على أعدائنا واجعل بلدنا مصر آمنة مطمئنة سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين
الشيخ / خالد الشعراوي
أوقاف القليوبية