د . محمد داود يكتب : أوهام زيدان حول حادثة الفيل
كعادته يُطلُّ علينا الروائي يوسف زيدان بفرقعة إعلامية جديدة، غير أنه جاوز الحد هذه المرة، حتى بلغ به الأمر أن يتهكم على ما جاء في سورة الفيل، التي تؤكد مجيء أبرهة بالفيل لهدم الكعبة، مستخدمًا أقيسة فاسدة ليس لها قبول إلا في خيالاته، ويتعجب من مسير الفيل من اليمن إلى مكة كل هذه المسافة ليهدم أبرهة به الكعبة التي من السهل أن تهدمها «شوية ميه» على حد تعبيره!!
ثم يختم افتراءه متعجبًا من موقف السعودية وغضبها من قصف الحوثيين للكعبة بصاروخ، طارحًا سؤالًا غاية في السذاجة:
«السعودية زعلانة ليه على قصف الحوثيين للكعبة، وبتتصدى للصاروخ ليه ما تسيبه وهو هينفجر لوحده»؟!!!.
# ومن جهتنا سنرد على هذه المزاعم بأسلوب علمي هادئ، نتبع فيه العلم والمنطق ودلائل التاريخ، الحجة بالحجة والدليل بالدليل:
أولا : الذي لم ينتبه إليه يوسف زيدان – متغافلًا عن عمد أو غير عمد- أن الفيلة كانت تستخدم قديمًا كآلة قوية في الحروب والمعارك؛ أما بالنسبة للمعارك الحربية فعليه معرفة الآتي:
• أنه في عهد الملك الأمازيغي (جوبا الثاني) قد تم صك العديد من العملات التي تبين صورة فيل يرتدي خوذة حربية.
• هذا فضلًا عن أنه قد تم استخدام الفيلة في الحروب التاريخية التي وقعت بين مملكة قرطاج وإمبراطورية روما.
• وكذلك ما ذكر في مصادر تتحدث عن عام 242 ق.م، عندما قام الرومان بغزو جزيرة صقلية وفشلوا في السيطرة على الأفيال التي تركها القرطاجيون في الجزيرة.
• وكذلك المعركة التي استعمل فيها القائد الشهير «حنبعل» الفيلة الأفريقية لقطع جبال الألب والبرانس؛ ليغزو إيطاليا خلال الحرب البونيقية الثانية (218 – 201 ق.م)؛ وكذلك معركة الجسر (13هـ) التي كانت بين المسلمين والفرس، وقد استخدم فيها الفرس الأفيال.
فكيف يستغرب زيدان أن يستخدم أبرهة الحبشيُّ الفيلَ في هدم الكعبة؟!
• إن المشاهِد للأفلام الأجنبية التي تتعرض للأحداث التاريخية، وتتحدث عن العصور القديمة، يجدها تجسد المعارك مستخدمة الفيلة كأداة من أدوات الحرب في هذه العصور.
ومن ثم فإن نَقْل هذه الفيلة لم يكن بالشيء العسير على الجيوش في ذلك الوقت، بل قد قطعت بها مسافات طويلة، ومنها ما حُمل على السفن البحرية.
ثانيًا: إذا كان الأمر كذلك، وأصبح من الثابت لدينا أن الفيلة كانت تستخدم في الحروب؛ فإن التساؤل المستحق هنا: هل تم ذكر حادثة أبرهة الحبشي والطيور الأبابيل في أية وثائق تاريخية؟
نقول: جاء في دائرة المعارف الإثيوبية أن أبرهة بدأ حملته على مكة في عام 547م، وأنه تم شحن الفيل من إثيوبيا… ثم تذكر أن القصة وردت في القرآن في سورة الفيل، وأن هزيمة أبرهة على حدود مكة كانت نتيجة لرعبٍ أصاب الفيلة، وأنه تم تسمية العام بعام الفيل .. وأنه تم التعبير عن ذلك في لوحة موجودة في كنيسة Dabra Salam.
ثالثًا: الذي يخفى على يوسف زيدان ولم ينتبه إليه أيضًا أن أي شخص عندما يتجه لقتال أعدائه، أو هدم بناء عظيم لهم، يحاول بكل ما أوتي من قوة أن يجمع كل قواه ضد الطرف الآخر، بصرف النظر عن قوته وضعفه، حتى لا يجد أية مقاومة، ويكون الأمر محسومًا ابتداء، وحتى يعلم العرب مدى قوة أبرهة الحاكم المهيب الذي يريد أن يوصل إليهم رسالة شديدة اللهجة بأنهم مهما بنوا كعبتهم مرة ثانية بعد أن يهدمها فإن باستطاعته أن يهدمها بأفياله العتية.
رابعًا: هل يعلم يوسف زيدان أن الفيل يستطيع أن يتكيف في غذائه مع مختلف الأعشاب؛ فهو يأكل 64 نوعًا نباتيًّا. وتستطيع الفيلة أن تتحمل العطش مدة ثلاثة أيام، ويمكنها قطع مسافة 80 كيلو مترًا بحثًا عن الماء، وتبلغ سرعة تنقل الفيل نحو 5 ـ10كيلو مترات/ساعة، وعندما يغضب تبلغ سرعته 40 كيلو مترًا/ساعة؟!
فهل بعد ذلك يمكن أن نقول: كيف للفيل أن يقطع مسافة 1000 كيلو؟!
خامسًا: لم يكن أبرهة يقصد بهدم الكعبة هدمَ ذلك البناء الحجري، إنما أراد أن يهين العرب في هدم رمز من رموزهم، بصرف النظر عن قوته وضعفه.
سادسًا: ثم إن لفظ (شوية ميه) الذي أطلقه يوسف زيدان لا ينطلي على الصبية؛ إذ كيف تَهْدِمُ (شوية ميه) بناءً كالكعبة التي اهتم بها العرب؛ فبالغوا في تقويتها قدر إمكانهم لما لها من مكانة في قلوبهم، فقد كان الأمر عبارة عن سيول عاتية، وليس (شوية ميه) كما يتوهم زيدان، تلك السيول الطبيعية التي لا تستطيع قوةٌ إيقافها، وخير شاهد على ذلك من التاريخ نفسه هدم مملكة سبأ الذي ذكره الله تعالى في محكم آياته، ومن يرجع إلى كتب التاريخ يجد أن مملكة سبأ قد هدمت بسيل العرم، وقد كانت مملكة كاملة، ولم تكن مجرد بناء.
سابعًا: إن عبارة «للبيت ربٌّ يحميه» ليست قرآنًا ولا حديثًا نبويًّا، وإنما صدرت من عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف حين خلت مكة من قوة تستطيع مواجهة القوة القادمة بالفيلة، فقال معبرًا عن أنه لم يبق لنا سبيل ولا قدرة لحماية البيت، ولم يَعُد في وسعنا إلا التضرع لرب البيت. أما نحن في عصرنا الحالي فقد أصبح عدد المسلمين لا يحصى، ويجب عليهم ألا يتخاذلوا عن نصرة بيت الله، طالما كان في استطاعتهم حمايته، بعكس عبد المطلب الذي لم يكن له ولا لأهل مكة حينئذٍ حول ولا قوة.
فهل فهمت أيها العبقري واتضح لك البيان؟ أم ما زلت في غيك وظلامك الفكري غارقًا فيه لأذنيك؟!
وَمَــا يَعْقِلُهَــا إِلَّا الْعَالِمُونَ .. وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ…فاعتبروا يا أولي الأبصار .