د . سيد نافع يكتب : العدة والإعجاز العلمي
لماذا شرع الله تبارك وتعالي العدة للمطلقات والمتوفي عنهن أزواجهن ؟ وما المقصود بفترة العدة ؟ وهل للعدة أهمية من الناحية العلمية وهل يمكن تجاوزها لتقدم العلوم وامكانية الكشف المبكر عن الحمل إذا كان المقصد الوحيد منها هو استبراء الرحم وعدم خلط الأنساب؟
من المهم فهم الحكمة من تشريع العدة , أولاً التشريع الإسلامي أحل تعدد الزوجات للرجال وزواج المطلقات والمتوفي عنهن أزاوجهن للنساء وفق ضوابط إحتراماً لمبدأ تحسين نوعية الحياة وحق الإنسان في أن يحيا حياة شريفة عفيفة وبالتالي كان الحل في زواج المطلقات والمتوفي عنهن أزواجهن لكن أعطي الإسلام لهن الفرصة للمراجعة في حال الطلاق وبالتالي اقتضت الحكمة تشريع مدة العدة لاستعادة التوازن النفسي بعد المحن التي تعرضن اليها من طلاق أو وفاة إذا رغبن في بدأ حياة جديدة وهذة الفترة مهمة لحدوث التوازن النفسي كما أعطي للمطلقة الفرصة للرجوع الي حياتها الأولي وزوجها الأول بمنعها من الزواج في فترة العدة فقد تصفي الأمور وتعود المياة الي مجاريها حفاظاً علي الأسرة فقد تكون هذه الفترة وهذا البعد سبباً في اصلاح العلاقة وبالتالي لا يمكن تجاوز هذه الفترة حتي لو أمكننا الكشف المبكر عن الحمل بالتحليل والأشعات بالإضافة الي كونه تشريع ألهي لا يمكن تجاوزه لكن هنا نحاول نفهم مقاصده وحكمته .
ثانياً جاءت العدة لتكون فترة سكون بين حياة ماضية وحياة قادمة استبراء للأرحام حتي لا تختلط الأنساب , كما أن فترات العدة جاءت في القرآن بعدة صيغ ومدد مختلفة ومن المهم فهمها لنري أن القرآن العظيم تعرض الي كل الاحتمالات واضعاً أمامنا كل حالات الدورة الشهرية بدءاً من عدم الحيض وهذا ليس للقاصرات فقط وإن قال به كثير من الناس فقد يتأخر الحيض عن سن البلوغ وقد لا يأتي مطلقاً لأسباب مرضية كثيرة وقد يأتي لفترة وينقطع كذلك دون وجود حمل ، ثم ذكر حالات انتظام الدورة فجاءت العدة بالقروء ، وجاءت حالات انقطاع الطمث نتيجة لبلوغ سن اليأس , ووضع القرآن في الاعتبار الفرق بين الطلاق وبين الوفاة بفارق بسيط في المدة فكانت أطول مدة للعدة في حالات الوفاة لأنه يفترض في هذه العلاقة الصحة وعدم وجود خلافات ومشاكل نفسية بين الأزواج وبالتالي كانت المدة أربعة أشهر وعشرة أيام ولذلك حكمة نوردها لاحقاً ، أما في حالات الطلاق فجاءت المدة بالقروء وهي ثلاثة وهي أقل قليلاً من سابقتها لاعتبار أن الطلاق لا يأتي فجأة تسبقة خلافات ومشاكل تؤثر علي العلاقة السوية لكن في كل الأحوال المدة كافية للتأكد من خلو الرحم من الحمل ، فثلاثة قروء تعني ثلاث طهرات متتالية ولا تحسب فترة الطهر التي حدث فيها الطلاق وبالتالي فترة الطهر هذه التي لا تحسب قد تصل الي 23 يوم ومدة الثلاث دورات حوالي 86 يوم في حال انتظام الدورة فيكون المجموع حوالي 106 يوم بفارق حوالي 21 يوم عن عدة المتوفي عنها زوجها 128 يوم وقد يقل أو يطول هذا الفارق في حال عدم انتظام الدورة وبالتالي قد يزول الفارق وقد يكون عدة المطلقة أطول من المتوفي عنها زوجها وبالتالي ليس الأمر مرتبط بحب أو كره كما هو شائع فالمدة تكاد تكون متقاربة, يقول تعالي ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّة ) الطلاق مهم لفظ وأحصوا العدة وهي لأصحاب الشأن وليس للزوجة فقط وسنوضح لاحقاً
1- عدة المطلقة ثلاثة قروء : يقول تعالي : ( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) ) البقرة
2- عدة الأرملة التوفي عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام : ويقول تعالي وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) البقرة
3- في حال الحمل لكل منهما : يقول تعالي ( وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) الطلاق هذا التشريع الذي فرق بين حالات الحمل الظاهر فعبر عنها بأولات الأحمال وبين من لم يظهر عليها علامات الحمل فشرع لكل منهما مدته وفق الغرض والحكمة من تشريع العدة ، فالمرأة التي بدي عليها الحمل مدتها أن تضع حملها وبالتالي تنقضي عدتها بانتهاء حملها ولها أن تتزوج بعد ذلك مباشرة
4- والمرأة بعد انقطاع الطمث واللائي لم يحضن لأي سبب ثلاثة أشهر وليس زواج القاصرات فقط وإن حدث في أزمنة سابقة فلعدم الحيض أسباباً مرضية كثيرة ( وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ) تشير الآية الكريمة من لم يأتيها الحيض وهن ( َاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ) وليس المقصود به زواج القاصرات فلا يوجد في الشرع الحث علي ذلك ولا الأمر به ، فقد كان عرفاً سابقاً والعرف هو أحد فروع التشريع ما لم يكن خطأ ويتعارض مع نص ، والأعراف لا تسن ولا تفرض فهي متغيرة ومختلفة باختلاف الزمان والمكان ، وفي هذه الحالات نجد المدة ثلاثة أشهر فقط لقلة الاحتمال في وجود حمل فلا حمل بدون حيض وخصوبة المرأة مرتبطة بالحيض وانتظامه ، أما بالنسبة لزواج القاصرات وإن تم وتعارف عليه في السابق فهو عرف لا يتنفق مع عرفنا الحالي وما تعارف عليه الناس هو تشريع قال تعالي ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) ) الأعراف
أما الآن فقد تعارف الناس علي عدم جواز ذلك لأسباب نفسية وصحية وتغير ظروف المجتمع ودخول الإناث في مجال التعليم وفي شتي مناحي الحياة وأهل الاختصاص في ذلك هم أهل العلوم الطبية والنفسية والاجتماعية وقد أجمعوا علي عدم جواز ذلك ، فلا يجوز أن يكون هذا ملزماً ولا يجوز تضمينه في الشريعة وهذا فهم خاطئ للشريعة ، والشريعة لا تعارض المصلحة والعرف فأينما كانت المصلحة فثم شرع الله .