مقالات وأراء

د. أم كلثوم عثمان الحضيري تكتب : الطفل العربي بين الإضطراب النفسي وضياع الحقوق


إن ما يحدث من أحداث في كثير من الدول العربية التي شهدت ثورات ما يسمى بالربيع العربي , والتي لا زالت هذه الدول تتخبط لعدم تحديد مسارها الصحيح الناتج من الصراع على السلطة , قد شكلت أحداثاً درامية , وخاصة فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان . فبعد انهيار الدولة , واسقاط أنظمة الحكم نتج عنه نتائج سلبية في غاية الخطورة , خلقت صراعات داخلية بين طوائف المجتمع الدينية والسياسية والاقتصادية , في كل من ليبيا وسوريا واليمن والعراق , فحدثت انتهاكات خطيرة في حقوق الإنسان , وأكثر هذه الانتهاكات هو انتهاك حقوق الطفل العربي , الذي أصبح ضحية هذه الحروب البشعة , والفوضى المزعجة التي حدثت بعد اندلاع الثورات العربية . وقبل الحديث عن معاناة الطفل العربي النفسية والاجتماعية , نشير إلى الحقوق التي وضعها الله سبحانه للطفل من خلال الآيات التي جاءت في القرآن الكريم . حقوق الطفل في القرآن الكريم : فقد كرم الله الإنسان وجعله خليفة في الأرض , وما دام كذلك , فلا بد أن ينال العناية والرعايا في طفولته حتى يصيح إنسانا سويا صالحا لمجتمعه وقادرا على تعمير هذه الأرض , لذا وضع الله حقوقا لطفل لا يمكن لأحد تجاوزها , ويمكن أن نسميها بالحقوق السماوية للطفل . –441

أول هذه الحقوق , أن يكون له أبوين صالحين : قال تعالى ﴿ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 3]. وقال أيضا ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [النور: 26]. –

وثاني الحقوق حقه في الحياة : فقد ذكر الله تعالى في كتابه آيات كثيرة عن حق الطفل في الحياة , ومنها قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 31]. وقال أيضا : ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ا[ لتكوير: 8-9] وفي آيه أخرى , يتحدث فيها عن حق الأنثى في الحياة , في قوله تعالى﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [ النحل: 58-59 ] –

وثالث الحقوق , حقه في الرضاعة : ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُtumblr_mxqolbnl711rf7scvo1_1280ودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 233]. –

والحق الرابع من حقوق الطفل في القرآن الكريم , حق الأب في الإنفاق عليه : قال تعالى ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى * لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾” [الطلاق: 6-7]. –

الخامس حقّ الطفل في التّربية والإرشاد: في قوله تعالى ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ ( لقمان: 13 )–

الحق السادس في المحافظة على مال الطفل اليتيم : في قوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً﴾ [النساء:10] وبذلك يكون الله تعالى قد وضع أسسا صحيحة لبناء الإنسان السليم , بدنيا ونفسيا , ويعيش حياة اجتماعية مستقرة بعيدة عن النزاعات والاضطرابات التي يمكن أن تغير من سلوكه .

الطفل العربي ضحية الربيع العربي : وفق ما أعلنته الأمم المتحدة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان : إن للطفولة الحق في رعاية والحماية والمساعدة الأزمة لتتمكن من القيام بمسؤولياتها داخل المجتمع , وأن يعيش في جو من السعادة والرفاهية والمحبة والتفاهم . لكن ما نراه في الوقت الحالي , وفي عالمنا العربي , لا يرتجم ما أعلنته الأمم المتحدة , حيث نرى الطفل العربي يعيش في أزمة شديدة وهو يشهد كل الأحداث والصراعات الضاربة , فيجد نفسه بين الإضطرابات النفسية , وبين الحروب التي لا يعلم كيف بدأت , و لماذا , ولمن . فالحروب لا تنتج سوى الدمار والموت , والحالات النفسية للكبير والصغير , وتقتل الطفولة البريئة , التي غاب فيها اللعب والمرح , وقضت طوال فترة الأحداث تشاهد مناظر مفزعة , وتشاهد كيف يبتلع الموت الأهل والأقارب , مما سيسبب لهم أثار نفسية شديدة لا يمحوها الزمن . فالطفل العربي في ليبيا وسوريا والعراق واليمن , بعد ما كان كل شيء جميلا ومشرقا, أصبح طفلا يائسا حزينا , مفزوعا من كل شيء حوله , فلا طعم للحياة ليعيشها, حتى أنه لم يصل إلى إدراك الحياة , لم يعد العيد عيداً , ولا اللعب والمرح صار له مذاق, بل أصبح كل ما حوله أصوات الرصاص , ولهيب النيران واعمدة الدخان , وبيوت مهدمة , والغام مفجرة , وخيم عزاء منصبة , ودموعاً تتباكى على من فقدت, فاصبح الطفل بين اليتيم والمهجر, والمصاب , وربما يكون قتيلا . وأكثر الأطفال التي تعاني الأزمة , هم أطفال المخيمات , فهم يواجهون معاناة كارثية بكل معنى الكلمة , من قلة الطعام والمياه الغير نظيفة , والبرد الشديد في فصل الشتاء , وقلة الكهرباء والتدفئة , مما سيؤدي به إلى أعرض نفسية وجسمية وخيمة , لا أحد يعلم عقباها.

فقد تحدثت بعض الإحصائيات عن 15 مليون طفل يُعانون من آثار الحروب والصراعات الطائفية، أغلبهم في البلدان العربية والإسلامية ,7 مليون طفل تأثروا بالصراع الدائر في العراق، و تعرض 7,3 مليون طفل سوري لأبشَع الانتهاكات , وصرَّح المدير التنفيذي لليونيسيف آنتوني ليك عن سنة 2014 قائلاً: “كانت هذه سنة مدمِّرة لملايين الأطفال، قُتل الأطفال وهم على مقاعد الدراسة، أو وهم نيامٌ على أسِرَّتهم، تعرَّضوا لليُتم والخطف والتَّعذيب والتجنيد والاغتصاب وللبيع كعبيد . ويعد الاغتصاب والعنف الجنسي من أخطر أنواع الأسلحة في الحروب , فقد تعرضن الكثير من الفتيات للإغتصاب , وأصبن بأمراض جسدية ونفسية تلازمهن مدى الحياة . فعلا فالطفل العربي هو أكثر الأطفال عرضة للعنف والتوتر الداخلي نتيجة الحروب القائمة في وطنه , التي لا يعرف عنها شيئا , ولا يعرف لما هو يتألم , ولما حدث كل هذا الموت الذي يحوم رائحته حوله , فليس له القدرة على الاستيعاب لما يجري من حوله , فأصبح ضحية الصراعات الطائفية والحزبية التي لم يجني منها شيئا , بل جعلته فاقدا للوطن , وفاقد للأهل , وفاقدا لكل سبل الحياة . ستظل هذه المشاعر دفينة داخله تؤثر عليه في مراحل متقدمة من عمره, ويظل الجيل الذي نجا من هذه الصراعات يحمل في داخله اضرابات نفسية لا حصر لها, وتظل ذاكرته مليئة بمناظر جثث القتلى ودماء الجرحى الذين سقطوا أمامه , وأكثر هذه الأمراض التي ستصاحبهم هو مرض الخوف(الفوبيا) , حيث أن الأطفال سيخافون من أي شيء يذكرهم بمعاناتهم , كالأصوات العالية الناتجة عن التفجيرات والمدفعية , وسيصيبهم الرعب من صوت الطائرات لأنها ستذكرهم بالطائرات التي تصدر أصوات القنابل , فيصاب من خلالها الطفل بخوف ورهبة , واكتئاب شديد , وصعوبة في التركيز , وعدم النوم , والأحلام المزعجة , والتبول لا إرادي , كما سينتج أيضا سلوكيات عدوانية تجعله يمارسها نتيجة العنف الذي شاهده في الأحداث .

كما تظهر المشاعر المخزنة في العقل , ويبدأ العقل ألا واعي بترجمتها في تصرفات الطفل , فنجد الطفل يميل إلى اللعب بالمسدسات , أو يلعب مع أطفال آخرين على شكل معارك تخوض بين فريقين , أو يقوم برسم طائرات وقنابل , أو أشخاص يتقاتلون في الحرب , بالإضافة إلى اكتساب مشاعر العنف والكراهية والشك فيمن حوله .

إن الحروب والصراعات لا تدمر المدن فحسب , بل تدمر النفوس , والأطفال أكثر ضحايا هذه الحروب , لأنهم فقدوا فيها طفولتهم الجميلة , وبراءتهم الصادقة . فيجب مساعدة الأطفال على تجاوز هذه الصدمات , بدعمهم وتشجيعهم , وبث الطمأنينة والسلام في نفوسهم , وتوفير كل ما يحتاجونه من أشياء مادية أو معنوية, ومحاولة إخراجهم من ضغوط الحرب , وذلك بتوفير الجو الملائم لممارسة هواياتهم ورغباتهم , وخلق نوع من الفرح والبهجة عن طريق الأنشطة الترفيهية , والمهرجانات التي تجعلهم يتناسوا كل أهوال الصراعات داخل وطنهم  .

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »
error: Content is protected !!