خطب شهر يوليو 2023م – ذو الحجة ومحرم
الشباب بين الحقوق والواجبات ، خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير ، بتاريخ: 23 ربيع الآخر 1441هـ – 20 ديسمبر 2019م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير : الشباب بين الحقوق والواجبات :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير : الشباب بين الحقوق والواجبات ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير : الشباب بين الحقوق والواجبات ، بصيغة pdf أضغط هنا.
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير : الشباب بين الحقوق والواجبات : كما يلي:
عناصر خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير : الشباب بين الحقوق والواجبات :
العنصر الأول: مكانة الشباب في الإسلام
العنصر الثاني: صور مشرقة لشباب حول الرسول صلى الله عليه وسلم
العنصر الثالث: شبابنا المعاصر بين الحقوق والواجبات
المقدمة: أما بعد:
الشباب بين الحقوق والواجبات
العنصر الأول: مكانة الشباب في الإسلام
عباد الله: إن الشباب في كلِّ زمان ومكان – وفي جميع أدوار التاريخ إلى زماننا هذا – عماد أُمة الإسلام وسِرُّ نَهضتها، ومَبعث حضارتها، وحاملُ لوائها ورايتها، وقائدُ مَسيرتها إلى المجد والنصر .
إن الإسلام لَم ترتفع في الإنسانية رايتُه، ولَم يمتدَّ على الأرض سُلطانه، ولَم تَنتشر في العالمين دعوته؛ إلاَّ على يد هذه الطائفة المؤمنة التي تَربَّت في مدرسة النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – وتخرَّجت في جامعته الشاملة؛ فالشبابُ مرحلةُ القوة والنشاط والطاقة والطموح الوهاج…والشباب متعَلَّق آمال الأمة، وأبو المعجزات، هو مرحلةُ العطاء المثمر، وروضُ الإبداع المزهر، وبستانُ النضارة والفتوة، واللياقة والقوّة؛ والشباب هو الذي يتمناه الصغيرُ، ويتحسّر على فراقه الكبيرُ، فتراه يقول في مرحلة الشيخوخة:
فيا ليت الشبابَ يعودُ يوماً ………..فأُخبرَه بما فعل المشيبُ
لذلك يقول الإمام أحمد بنُ حنبل: “ما شبّهت الشباب إلا بشيء كان في كمي فسقط”.
ومما يدل على كون مرحلة الشباب هي أفضل مراحل العمر، هو أن الله سبحانه وتعالى عندما يجازي الناس يوم القيامة، يجعل أهل الجنة شباباً لا يهرمون أبداً؛ وذلك من كمال السعادة؛ كما أن راحة الحياة وبهجتها غالباً ما تكون في مرحلة الشباب، فهي مرحلة يتطلع إليها الصغير، ويتمناها الكبير، ولذا فقد بكى عليها الشيوخ وتغنى بها الشعراء.
الشبابُ يذكّرنا بفتيةٍ أمنوا بربهم فزادهم هدىً، وبفتىً حطم أصنام الضلال بيده، وبنبيٍّ رأى برهانَ ربه فاعتصم عن الفحشاء، وبإنسانٍ آتاه الله الحكم صبياً…فأخذ كتاب ربه بقوة الشباب، وحكمة الشيوخ… وبشابٍ في الثامنة عشرة من عمره ولاه النبيّ صلى الله عليه وسلم أميراً.
ومن الاهتمام بعنصر الشباب نجد ما يبينه الرسول صلى الله عليه وسلم من مكانة الشباب الذي ينشأ على طاعة الله سبحانه وتعالى، فهذا الصنف من الشباب لهم مكانة عالية عند الله سبحانه وتعالى حيث ينجيهم من الضيق والكرب الذي يلحق الناس يوم القيامة ؛ فيظلهم الله سبحانه وتعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
” سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ …. “( متفق عليه ) قال ابن حجر رحمه الله: “خص الشاب لكونه مظنَّة غلبة الشَّهوة لما فيه من قُوَّة الباعث على متابعة الهوى، فإنَّ ملازمة العبادة مع ذلك أشَدُّ وأَدلّ على غلبة التَّقْوَى”.
أحبتي في الله:
إن من ينظر إلى أعمار جميع الأنبياء يجد أنهم بعثوا في ريعان شبابهم ؛ فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم نزلت عليه الرسالة وهو ابن أربعين سنة ؛ وقد ذكر القرآن الكريم وصف المرحلة العمرية ( الشباب ) لبعض أنبيائه في القرآن الكريم؛ فقال في حق يحي عليه السلام : {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا }(مريم: 12)؛ وقال في حق يوسف عليه السلام: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} ( يوسف: 22).
وقال في حق موسى عليه السلام :{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (القصص: 14).
وقال في حق إبراهيم عليه السلام:{قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ }(إبراهيم: 60) ؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما بعث الله نبيناً إلا شاباً ، ولا أوتى العلم عالم إلا وهو شاب ) (رواه ابن أبي حاتم ، وذكره ابن كثير في تفسيره لهذه الآية).
وقد يقول قائل: لماذا الحديث عن الشباب ؟!!
أقول: إن الشباب يتميز بخصائص لا توجد في غيره ، ومن أهمها :
1- أن فترة الشباب هي المرحلة التي يتمتع فيها الإنسان بكامل قواه الجسدية ، فهو قد تعدى مرحلة الصعود ( الطفولة ) ولم يبدأ مرحلة الانحدار (الشيخوخة) . وقد قيل قديماً: أن الطفولة قوةٌ لا عقل لها؛ وأن الشيخوخة حكمةٌ لا قوة لها، والشباب يجمع الاثنين القوة والحكمة، ويشير القرآن الكريم إلى أن مرحلة الشباب هي مرحلة القوة التي يعيشها الإنسان بين مرحلتي ضعف، كما في قوله سبحانه وتعالى:
{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} ( الروم : 54).
2- أن الشباب هم رجال الغد ، وآباء المستقبل ، وعليهم مهمة تربية الأجيال القادمة ، وإليهم تؤول قيادة الأمة في جميع مجالاتها .
3- في صلاح الشباب صلاح للأمة ، وفي فسادهم فساد لها ، لأنهم هو القوة المتحركة في المجتمع.
4- أن الشباب لم يكتمل نضجه بعد ، فهو قابل للتشكل والتغير ، فإن كان توجيهه إلى الخير قبله ونفع الله به ، وإن كانت الأخرى فالدمار مصيره ، وقد قيل :
وينشأ ناشئ الفتيان منا………… على ما كان عوده أبوه
ويذكر الله تعالى قصة فتية أهل الكهف :{ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } (الكهف: 13) ، قال ابن كثير رحمه الله تعالى : فذكر الله تعالى أنهم فتية ، وهم الشباب ، وهم أقبل للحق ، وأهدى للسبيل من الشيوخ الذي قد عتوا ، وانغمسوا في دين الباطل ، ولهذا كان أكثر المستجيبين لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم شباباً ، وأما الشيوخ من قريش فعامتهم بقوا على دينهم ، ولم يسلم منهم إلا القليل . أ هـ .
فالشباب هم أكثر الناس تأثراً وأسرعهم استجابة، بخلاف الشيوخ الذين في الغالب يتمسكون بمعتقداتهم ويؤثرون موروثاتهم، ولو تبين لهم الحق فيما يدعون إليه. قال تعالى:{ بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)} ( الزخرف)
عباد الله:
نحن إذا ما أردنا للأمة الرقيَّ في كافة مجلات الحياة فلنبدأ من الشباب فإن الشباب همُ عدةُ الأمة، وهم أملُ الحاضر، ورجال المستقبل، وسيكون منهم: القائدُ والحاكم، والوزير والقاضي والمعلم ُوالعامل, والمربي لمن يأتي من الأجيال، إذاً فتربية الشباب ليست هينةً ولا سهلة، وإنما تحتاج إلى متابعة دقيقة من الآباء والمربين والمسؤولين، ومن الواجب أن يبدأ الآباءُ والمربون في إعداد الشباب منذ الطفولة، ويجب أن يستمر هذا الإعدادُ إلى أن يشتد عودُ الطفل، ويبلغَ مرحلة النضوج الفكري والعملي.
العنصر الثاني : صور مشرقة لشباب حول الرسول صلى الله عليه وسلم
أيها المسلمون: إن من ينظر إلى حملة الإسلام الأوائل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يجد أن أكثرهم كانوا شباباً، قام عليهم الدين، وحملوه على أكتافهم حتى أعزهم الله ونصرهم. فهذا الصديق رضي الله عنه لم يتجاوز السابعة والثلاثين ، وهذا عمر رضي الله عنه لم يتجاوز السابعة والعشرين ، وهذا عثمان رضي الله عنه لم يتجاوز الرابعة والثلاثين ، وعلي رضي الله عنه لم يكن تجاوز العاشرة ، وكذلك بقية العشرة رضي الله عنهم :
طلحة بن عبيد الله لم يتجاوز الرابعة عشر ، والزبير بن العوام لم يتجاوز السادسة عشرة ، وسعد بن أبي وقاص لم يتجاوز السابعة عشرة ، وسعيد بن زيد لم يتجاوز الخامسة عشرة ، وأبو عبيدة لم يتجاوز سبعاً وعشرين ، وعبد الرحمن بن عوف لم يتجاوز الثلاثين . وكذلك عبدالله بن مسعود، ومصعب بن عمير، والأرقم بن أبي الأرقم، وخباب، ومعاذ وعشرات غيرهم، بل مئات كانوا شباباً.( راجع سيرهم في كتاب : الإصابة لابن حجر رحمه الله ، وغيره ).
شباب الإسلام:
إليكم نماذجَ وصوراً خالدة مشرقة من مواقف أصحاب القدوة من الشباب في التاريخ؛ وكيف أسهموا في بناء الحضارة الإسلامية؛ لتعرفوا جيدًا كيف تحمَّل هؤلاء في سبيل الدعوة إلى الله الأذى الأكبر، وكيف ذاقوا في الإسلام صنوفَ الاضطهاد، فما وَهَنوا وما ضَعُفوا، وما استكانوا، بل ظلوا مجاهدين مثابرين إلى أن حقَّق الله على أيديهم الفتح المبين والنصر المؤزَّر؛ وذلك في جميع مجالات الحياة.
ففي مجال القضاء : عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: “بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم – إِلَى الْيَمَنِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَبْعَثُنِي وَأَنَا شَابٌّ أَقْضِي بَيْنَهُمْ وَلَا أَدْرِي مَا الْقَضَاءُ؟! قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ قَلْبَهُ وَثَبِّتْ لِسَانَهُ» قَالَ: فَمَا شَكَكْتُ بَعْدُ فِي قَضَاءٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ.”( أبو داود وابن ماجة بسند صحيح).
فاعتمد النَّبِـي صلى الله عليه وسلم على عَلِيٍّ؛ وهو شاب في منصب من أخطر المناصب وهو القضاء بين الناس؛ لما لهذا المنصب من الجهد والبحث المتواصل عن الحقائق، وتعلم الفقه والعلوم التي بها يقضي بين الناس ولا يتأتى هذا إلا على يد شاب عاقل قوى التحمل رابط الجأش.
وفي مجال الصبر والثبات:
فإن صحابة رسول الله قد أعدُّوا للصبر والابتلاء نفوسًا مؤمنة صامدة، وقلوبًا مُطمئنَّة بذِكر الله.
فها هو بلال بن رباح – رضي الله عنه – المؤمن الصابر قد تلقَّى في سبيل الله ألوانًا من العذاب وأصنافًا من البلاء، فكلما اشتدَّت عليه وطْأَة الألَم، ووُضِعَت على بطنه الحجارة الثقيلة في وَهَج الظهيرة المُحرق، ازدادَ إيمانًا، وهتَف من الأعماق: أحدٌ أحدٌ، فردٌ صمدٌ.
وهذا مصعب بن عُمير – رضي الله عنه – أسلَم مع الأوَّلين الأوائل في دار الأرْقم بن أبي الأرقم، وكتَم إسلامه خوفًا من أُمِّه وقومه، ولَمَّا كشَفوا أمره أخَذوه، فحَبَسوه وعذَّبوه، فلم يَزَل محبوسًا معذَّبًا، حتى خرَج إلى أرض الحبشة في الهجرة الأولى، ثم رجَع مع المسلمين حين رجعوا؛ وقُتِل – رضي الله عنه – في غزوة “أُحد” شهيدًا، فلم يجدوا شيئًا يُكَفِّنونه فيه سوى بُردة، فكانوا إذا وضَعوها على رأسه، خرَجَت رجلاه، وإذا وضعوها على رِجليه، خرَج رأسه، فقال لهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:
” اجْعَلوها على ما يلي رَأْسه، واجعلوا على رِجليه من الإذْخِر ” ( رواه مسلم ). وقد وقَف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على هذا الفتى وهو مقتول مُسجًّى في بُردة، فقال له والدموع تتَرقرق من عينيه: ” ما رأيتُ بمكة أحسنَ لِمَّة، ولا أرقَّ حُلَّة، ولا أنعمَ نعمة – من مصعب بن عُمير”،(مستدرك الحاكم) وقرأ عليه قوله تعالى: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً } [الأحزاب: 23].
وفي مجال الجهاد والدفاع عن الإسلام ورسول الإسلام صلى الله عليه وسلم:
أكتفي بذكر هذا الموقف الذي يرويه لنا الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه حيث يقول: بينا أنا واقفٌ في الصفِّ يومَ بدرٍ ، فنظرتُ عن يميني وعن شمالي ، فإذا أنا بغلامينِ من الأنصارِ ، حديثةٌ أسنانهما ، تمنيتُ أن أكونَ بين أضلعٍ منهما ، فغمزني أحدهما فقال :
يا عمِّ هل تعرفُ أبا جهلٍ ؟ قلتُ : نعم ، ما حاجتكَ إليهِ يا ابنَ أخي ؟ قال : أُخْبِرْتُ أنَّهُ يَسُبُّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، والذي نفسي بيدِهِ ، لئن رأيتُهُ لا يُفارقُ سوادي سوادَهُ حتى يموتَ الأعجلُ مِنَّا ، فتعجبتُ لذلك ، فغمزني الآخرُ ، فقال لي مثلَها ، فلم أَنْشِبْ أن نظرتُ إلى أبي جهلٍ يجولُ في الناسِ ، قلتُ : ألا ، إنَّ هذا صاحبكما الذي سألتماني ، فابتدراهُ بسيفهما ، فضرباهُ حتى قتلاهُ ، ثم انصرفا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فأخبراهُ ، فقال :
أيكما قتلَهُ . قال كلُّ واحدٍ منهما : أنا قتلتُهُ ، فقال : هل مسحتما سيفيْكما ؟ قالا : لا ، فنظرَ في السيفيْنِ ، فقال : كلاكما قتلَهُ ، سلَبُهُ لمعاذِ بنِ عمرو بنِ الجموحِ . وكانا معاذَ بنَ عفراءَ ومعاذَ بنَ عمرو بنِ الجموحِ .” ( البخاري ومسلم). بينما عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يُحدّث نفسه بما يُحدّثها به ، ويتمنّى أن لو كان بين أضلع وأقوى وأجلد منهما ، إذ فاجآه بالسؤال ! والسؤال عمّن ؟ عن عدو الله ! عن أبي جهل حيث بلغهما أنه سب النبي صلى الله عليه وسلم !!!
فأين أنتم ممن تطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! وأين أنتم ممن سب سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام ؟! إن أمتنا بحاجة إلى ( معاويذ ) !
وفي مجال العلم أقول: إذا ذُكر العلم ذُكر ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، لذا كان عمر رضي الله عنه يجلسه معه ومع أكابر الصحابة، ويستشيره في الأمر إذا أهمه، ويقول: غص غواص»؛ وهذا معاذ بن جبل يقول عنه أبو سلمة الخولاني: دخلت مسجد حمص، فإذا فيه نحو من ثلاثين كهلاً من الصحابة، فإذا فيهم شاب أكحل العينين، براق الثنايا ساكت، فإذا امترى القوم، أقبلوا عليه، فسألوه، فقلت: من هذا؟ قيل: معاذ بن جبل، فوقعت محبته في قلبي»( سير أعلام النبلاء).
بل حثهم صلى الله عليه وسلم على تعلم اللغات الأخرى؛ فعَنْ زيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وأنا ابن إحدى عشرة سنة. فأَمَرَنِي أَنْ أَتَعَلَّمَ لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ كِتَابِ يَهُودَ قَالَ إِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي قَالَ فَمَا مَرَّ بِي نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى تَعَلَّمْتُهُ لَهُ قَالَ فَلَمَّا تَعَلَّمْتُهُ كَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَى يَهُودَ كَتَبْتُ إِلَيْهِمْ وَإِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ قَرَأْتُ لَهُ كِتَابَهُمْ»( أبو داود والترمذي وصححه).
وفي مجال العبادة:
وفي إطار عناية الرسول صلى الله عليه وسلم بالشباب النابغة من فهم عميق بخصائص هذه المرحلة في مجال العبادة؛ نجد النبي صلى الله عليه وسلم لا يغفل عن ضبط حماسهم وتوجيههم إلى ما يتناسب وطبيعة أعمارهم؛ فنجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفق على الشاب عبدالله بن عمرو بن العاص عندما أخذه حماس الشباب في قراءة القرآن كاملاً كل ليلة، فلما علم بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قال له مشفقاً عليه:
“إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَطُولَ عَلَيْكَ الزَّمَانُ ، وَأَنْ تَمَلَّ ، فَاقْرَأْهُ فِي شَهْرٍ , فَقُلْتُ: دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي ، قَالَ: فَاقْرَأْهُ فِي عَشْرٍ , قُلْتُ: دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي ، قَالَ: فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ , قُلْتُ: دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي , فَأَبَى. “(أحمد والنسائي وابن ماجة بسند صحيح). “ولقد عَمَّـرَ عبدالله بن عمـرو طويلا، ولمّا تقدمـت به السـن ووَهَـن منه العظـم، كان يتذكر دائما نُصْـحَ الرسول فيقول: يا ليتني قبلـت رُخصـة رسـول اللـه ” ( سير أعلام النبلاء ).
وقس على ذلك جميع مجالات الحياة وبناء الحضارة الإسلامية والتي قامت بسواعد الشباب من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.
أيها الإخوة الكرام: هذا غيض من فيض، وفي سيرة سلفنا الصالح من الشباب ما يجل عن الحصر، ولكن حسبنا من القلادة ما أحاط بالعنق، وعلى شبابنا وناشئينا الاهتمام والعناية بهذه السيرة المباركة واتخاذهم قدوة؛ حتى يلحقوا بركبهم وينهلوا شيئًا من بركاتهم التي حلت عليهم بفضل جهادهم وعبادتهم، وعلمهم.
العنصر الثالث: شبابنا المعاصر بين الحقوق والواجبات
عباد الله: تعالوا بنا في هذا العنصر لنقف مع حضراتكم حول الشباب بين الحقوق والواجبات ؛ فالشباب لهم حقوق على أهليهم ومجتمعهم ووطنهم ؛ وكذلك عليهم واجبات لأهليهم ومجتمعهم ووطنهم ؛ ولنبدأ بالحقوق وهي كثيرة :-
منها: حق التنشئة والتعليم والتوجيه: فالشباب في حاجة إلى التنشئة القويمة والتعليم الصحيح ؛ والتوجيه إلى كل نافع ومفيد ؛ وهذا واجب على الأسرة والمجتمع والقائمين على العملية التعليمية ؛ ولنا القدوة في نبينا صلى الله عليه وسلم الذي علم الصحابة في المدرسة المحمدية صحيح الدين وأخلاقه ؛ حتى حملوا مشاعل النور إلى العالم كله ؛ فقد ضرب النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لنا المثل والقدوة في التربية والتعليم والتوجيه، فعن ابن عباس قال كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومًا فقال:
” يا غلامُ ، إني أعلِّمُك كلماتٍ : احفَظِ اللهَ يحفَظْك ، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك ، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك ، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ” ( أحمد والترمذي وصححه ).
وعن عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ: كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” يَا غُلَامُ: سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ” فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ. ( البخاري ) .
أيها المسلمون:
عليكم توجيه شبابكم وصبيانكم وأولادكم توجيهاً إسلامياً رشيداً؛ فقد كان كبار الصحابة رضي الله عنهم يهتمون بالشباب، ويجالسونهم ويصاحبونهم، ويعلمونهم مكارم الأخلاق، ويزرعون فيهم العمل للإسلام، ويُحملونهم ما يليق بهم من المهمات.
فقد رأى عمرو بن العاص رضي الله عنه قوما نَحَّوْ فتيانهم عن مجلسهم فوقف عليهم وقال: ما لي أراكم قد نحيتم هؤلاء الفتيان عن مجلسكم؟! لا تفعلوا، أوسعوا لهم وأدنوهم وحدثوهم وأفهموهم الحديث؛ فإنهم اليوم صغار قوم ويوشكون أن يكونوا كبار قوم، وإنا قد كنا صغار قوم ثم أصبحنا اليوم كبار قوم. وكان عُرْوَةَ بن الزبير رضي الله عنهما يَجْمَعُ بَنِيهِ فيقول: يا بَنِيَّ تَعَلَّمُوا فَإِنْ تَكُونُوا صِغَارَ قَوْمٍ فَعَسَى أن تَكُونُوا كِبَارَ آخَرِينَ؛ وما أَقْبَحَ على شَيْخٍ يُسْأَلُ ليس عِنْدَهُ عِلْمٌ.
قارنوا هذا الاهتمام البالغ بالشباب من السلف الصالح بتقصيرنا في حق الشباب، وقارنوا بين شباب الصحابة وبين شباب اليوم !!
ومنها: حق اختيار الصحبة الصالحة :
فيجب على الآباء وكل القائمين على أمر الشباب أن يختاروا لهم الرفقة الصالحة ؛ لأن الصاحب ساحب والقرين بالمقارن يقتدي؛ وقد حث الإسلام على صحبة الصالحين والأخيار، وحذر من صحبة الأشرار، وفي الحديث الصحيح: ” لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طعامك إلا تقي “. ( أبو داود والترمذي بسند حسن )؛ وفي تخير الأصحاب الصالحين للأبناء حماية لهم من الوقوع في الانحراف والبعد بهم عن مزالق السوء ومهاوي الردى. ولقد أحسن من قال:
واختر من الأصحاب كل مرشد ……………… إن القرين بالقرين يقتدي
فصحبة الأخيار للقلب دواء تزيد للقلب نشاطاً وقوى، وصحبة الأشرار داء وعمى تزيد للقلب السقيم سقماً.
ومنها: تمكين المواهب والقدرات : فإن شبابنا لديهم مواهب وقدرات متميزة ؛ ولابد من توجيه هذه المواهب واستخدامها استخداماً صحيحاً ؛ وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع صحابته الكرام؛ حيث يوجد لكل واحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ميزة وخصيصة برز فيها هو وطائفة معه, وقد لا توجد في فرد أو أفراد آخرين؛ وعلى أساس المواهب والقدرات والطاقات صنف الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة حسب تخصصاتهم ومواهبهم واتجاهاتهم وقدراتهم وكفاءاتهم وطاقاتهم في كل مجالات الحياة.
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ قَالَ : أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ ، وَأَشَدُّهُمْ فِي دِينِ اللَّهُ عُمَرُ ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ ، وَأَقْضَاهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ.” (سنن ابن ماجة) ؛ وهذا كله شاهد على:
عبقريته وحكمته صلى الله عليه وسلم في تقديم المواهب والكفاءات والطاقات كلٌ في تخصصه، وفيه دعوة للأمة إلى أن تحذو حذوه في حسن التخطيط والتدبير وإتقان العمل واتخاذ أفضل الأسباب وتقديم الكفاءات مع الاعتماد على الله مسبب الأسباب أولاً وآخراً .
فعلى الشاب الجد والاجتهاد في العمل من أجل إعمار البلاد وتقدمها ونهضتها ؛ فمن طلب العلا سهر الليالي؛ وإذا كان الوطن أعطاه حقوقه من تربية وتعليم وحماية ؛ فعليه أن يرد له الجميل ؛ وأن يعرف ما لوطنه وولاة أمره من الحق ، فهو بلد الإسلام الذي ولد فيه ، وعلى أرضه نشأ ، وأن عليه لولاة أمره الطاعة في المعروف ، وليحذر أن يكون آلة يستخدمها الأعداء لهدم الأمة من داخلها ، والإفساد في الوطن .
أما عن واجبات الشباب تجاه أهله ووطنه ومجتمعه فكثيرة : –
منها: مواجهة الأفكار الهدامة والمتطرفة : فعلى الشباب أن يكونوا حذرين من الأفكار الهدامة حتى ولو كان ظاهرهاً الصلاح والإصلاح؛ فلا يقبلوا فكرة إلا بعد عرضها على العلماء والأساتذة المتخصصين حتى لا يقعوا فريسة في أيدي دعاة الباطل؛ لأن مما يذهب بأمن الناس انتشار المفاهيم الخاطئة حيال نصوص القرآن والسنة، وعدم فهمهما بفهم السلف الصالح، وهل كُفِّر الناس وأريقت الدماء وقُتل الأبرياء وخُفرت الذمم بقتل المستأمنين وفُجِّرت البقاع إلا بهذه المفاهيم المنكوسة؛ والأفكار المتطرفة المعكوسة؟!!
فعلى الشاب أن يعرف دينه ، ويمتثله في سلوكه وعمله ، ويكون على قناعة تامة به ، ولا يلتفت لأقوال الحاقدين والمشككين ، وليعلم أن دينه أفضل دين ، وعليه أن يسخر ما أودعه الله من قوة ونشاط في خدمة هذا الدين .
يا شباب الإسلام: إياكم وهذه الدعوات الخطيرة التي تدعو إلى التكفير والتفجير، واعلموا أن من أعظم الواجبات الرجوع لأهل العلم الموثوق بعلمهم فيما يُشكل عليكم لأن الله جعلهم هداة مهتدين؛ ونسأل الله أن يجتث هذه الأفكار الدخيلة من بيننا!!
ومنها: اتخاذ القدوة العملية :
وذلك بأن يتخذ الشباب القدوة من نبينا صلى الله عليه وسلم ؛ فهو القدوة العملية لجميع الأمة؛ كما على شبابنا الذين نريدهم اليوم، أن يقتدوا بشباب الصحابة رضي الله عنهم، ويسيروا على نهجهم، ويهتدوا بهديهم، عملاً وسلوكاً وحياةً وكفاحاً وإنتاجاً وبناءً… حتى تشرقَ شمسُ عزّتنا وكرامتنا من جديد.
” يقول عبدالله ابن مسعود رضى الله عنه: من كان منكم متأسياً فليتأس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأقومها هدياً، وأحسنها حالاً، اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم .” (تفسير القرطبي) .
ومنها: التحلي بروح الأمل والتفاؤل: وذلك بأن يتحلى الشباب بالغد المشرق ؛ والفأل الحسن ؛ بعيداً عن اليأس والقنوط والكآبة؛ ولنا القدوة في الأنبياء عليهم السلام ؛ فهذا يعقوب – عليه السلام – يغيب عنه أحب الأبناء إليه أكثر من أربعين عاماً ؛ ومع ذلك يخاطب أبناءه بروح متفائلة خلدها القرآن فقال:{يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } (يوسف: 87). ويعود إليه يوسف مرة أخرى كما سجل ذلك القرآن الكريم .
وهذا خاتم الأنبياء والمرسلين – صلى الله عليه وسلم :
في جميع غزواته يبعث في نفوس صحابته الكرام الأمل والتفاؤل والغد المشرق؛ ففي غزوة بدر يبعث فيهم روح النصر والأمل بقوله: ” سيروا وأبشروا ، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين ؛ والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم؛ ثم قال: هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله – ووضع يده بالأرض – وهذا مصرع فلان غدا إن شاء الله . قال عمر: فوالذي بعثه بالحق ما أخطأوا الحدود التي حدها رسول الله صلى الله عليه وسلم.” ( سيرة ابن هشام).
وفي غزوة الأحزاب اشتدت صخرة في حفر الخندق لم يستطع الصحابة حفرها ؛ فيأتي – صلى الله عليه وسلم – يضربها ثلاث ضربات بمعوله؛ ويخبر – متفائلاً – بفتح أعظم البلاد .
وهكذا – أيها المسلمون – كانت حياة الأنبياء كلها أمل وتفاؤل:
ولم يستسلموا للمصائب أو النوائب أو الابتلاءات أو غير ذلك من شدائد وصعاب!! فهلا اقتدينا بهم – عليهم السلام – ؟!! { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}. (الممتحنة: 6).
كما أرشدنا الحبيب – صلى الله عليه وسلم – إلى الأمل والتفاؤل؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ ؛ وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ “. (أحمد بسند حسن ). فإذا أردتم حياة سعيدة فعليكم بالأمل والتفاؤل؛ وما أجمل مقولة الزعيم الراحل مصطفى كامل: لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس!!
ومنها: استثمار الأوقات في النفع:
فيجب على الشباب الشعور بقيمة الوقت واستغلاله في كل نافع ومفيد لشخصه ووطنه ومجتمعه؛ حتى لا يغبن في ضياع الوقت ويضيع هباءً منثوراً ؛ ويسأل عنه في الآخرة ؛ فتكون الخسارة مضاعفة: ضياع الوقت في الدنيا بلا فائدة ؛ والسؤال عنه في الآخرة ؛ فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهما؛ قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
“نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ ” [البخاري ] ومعنى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ) أيْ الذي يُوَفَّقُ لذلك قليلٌ فقد يكون الإنسانُ صحيحاً، ولا يكون متفرِّغاً لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيًا، ولا يكون صحيحاً ، فإذا اجتمعا – الصحةُ والفراغُ – فغَلَبَ على الإنسان الكسلُ عن الطاعة فهو المغبونُ، والغبنُ أنْ تشتريَ بأضعافِ الثمنِ، وأنْ تبيعَ بأقَلّ مِن ثمنِ المِثْلِ .
أيها الشباب:
أنتم مسئولون عن أوقاتكم وشبابكم يوم القيامة، فعن معاذ بن جبل أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ” لنْ تَزُولَ قَدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسْأَلَ عن أَرْبَعِ خِصالٍ عن عُمُرِهِ فيمَ أَفْناهُ ؟ وعَنْ شَبابِه فيمَ أَبْلاهُ ؟ وعَنْ َمالِهِ من أين اكْتَسَبَهُ وفيمَ أنْفَقَهُ ؟ وعَنْ علمِهِ ماذا عمِلَ فيهِ .” [ الترمذي بسند حسن]. وعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ (رضى الله عنه)قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
” اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ “[ النسائي والبيهقي والحاكم وصححه].فهذه الأحاديث تشير إلى أهمية الوقت في حياة الشباب؛ لذلك فلابد من الحفاظ عليه وعدم تضييعه في أعمال قد تجلب لنا الشر وتبعدنا عن طريق الخير, فالوقت يمضي ولا يعود مرة أخرى.
ومنها: دوام التحلي بالعبادة والقيم الأخلاقية:
فعلى الشاب أن يكون دائم الارتباط بالله تعالى ، من خلال أداء الصلاة في وقتها ، وكثرة الذكر والدعاء ، والاستعانة به في جميع الأمور ، والتوكل عليه ، والمحافظة على الأوراد المشروعة كأذكار الصباح والمساء ، والدخول والخروج ، والركوب ، ونزول المكان…. وغير ذلك . وأن يحافظ على رجولته ، ويتجنب كل ما من شأنه أن يضعفها من ميوعة وتكسر ، وتشبه بالنساء ، وغير ذلك .
أحبتي في الله: إن في الشباب قوة دافعة، وعزيمة ماضية، وحركة دائبة، فإن لم تستثمر فيما يعود على الناس بالخير رجعت بالشر على الشباب أنفسهم، وعلى المجتمع بأسره؛ حتى نُقل عن جمع من الصحابة والحكماء قولهم: الشباب شعبة من الجنون.
لذلك جاء في الحديث:
” إن الله يعجب من الشاب ليست له صبوة ” ( أحمد والطبراني بسند حسن) أي: ليس له ميل إلى الهوى باعتياده للخير، وقوة عزيمته في البعد عن الشر، وهذا عزيز نادر فلذلك قرن بالتعجب؛ وذلك لأن الغريزة تنازع الشباب، وتدعوهم إلى الشهوات والشيطان يزينها لهم، فعدم صدور الصبوة من الشاب هو من العجب العجاب.
وبعد؛ فهذه هي حقوق الشباب وواجباتهم ؛ فليعرف كل منا ما له من حق فلا يأخذ أكثر منه ؛ وما عليه من واجب فلا يقصر فيه ؛ وبذلك تستقيم القلوب والأبدان؛ ويعلو البنيان؛ وترتفع الأركان؛ ونسعد برضا الرحمن!!
نسأل الله أن يحفظ شبابنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن؛ ويعصمهم من الخطأ والزلل ؛ ويهديهم إلي الطريق المستقيم .
الدعاء،،،،، وأقم الصلاة،،،،،
كتب الشباب بين الحقوق والواجبات : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
__________________________
للإطلاع علي قسم خطبةالجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعةالقادمة باللغات