خطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة خطبة الأسبوع ، خطبة الجمعة القادمة، خطبة الاسبوع، خطبة الجمعة وزارة الأوقاف

خطبة بعنوان: تذكير الأنام بمنزلة العلم وأخلاق العلماء في الإسلام د/خالد بدير

خطبة بعنوان: تذكير الأنام بمنزلة العلم وأخلاق العلماء في الإسلام  

 لتحميل الخطبة 

خطبة-بعنوان-تذكير-الأنام-بمنزلة-العلم-وأخلاق-العلماء-في-الإسلام word

خطبة-بعنوان-تذكير-الأنام-بمنزلة-العلم-وأخلاق-العلماء-في-ال  pdf

عناصر الخطبة:

العنصر الأول: منزلة العلم والحث عليه في الإسلام

العنصر الثاني: حرص السلف الصالح على طلب العلم (صور ونماذج مشرقة)

العنصر الثالث: العالم قدوة للآخرين بأخلاقه وسلوكه

     المقدمة:                                                            أما بعد:

العنصر الأول: منزلة العلم والحث عليه في الإسلام

اهتم الإسلام بقيمة العلم أيما اهتمام، ولقد بلغت عناية الله عز وجل بنا لرفع الجهل عنّا أن كان أول ما نزل من الوحي على نبينا أعظم كلمة هبط بها جبريل هي قوله تعالى:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}(العلق:1) ؛ وأمرُ الله عز وجل في أول آية نزلت من القرآن دليل واضح على أهمية العلم في تكوين عقل الإنسان وفي رفعه إلى المكانة السامية، فلا يستوي عند الله الذي يعلم والذي لا يعلم، فأهل العلم لهم مقام عظيم في شريعتنا الغراء، فهم من ورثة الأنبياء والمرسلين، يقول الله تبارك تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (الزمر: 9).

ويرفع الله الذي يطلب العلم والذي يعمل به كما يشاء، قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة: 11) أي يرفع الذين أوتوا العلم من المؤمنين بفضل علمهم وسابقتهم درجات أي على من سواهم في الجنة. قال القرطبي: “أي في الثواب في الآخرة وفي الكرامة في الدنيا، فيرفع المؤمن على من ليس بمؤمن والعالم على من ليس بعالم” .

ولشرف العلم أباح الله لنا أكل الصيد الذي صاده الكلب المعلم، وإذا صاده كلب غير معلم لا يؤكل:{يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة:4] ؛ هذا في عالم الكلاب، رفعه الله درجة عن أقرانه بالعلم فما بالك بمن تعلم الكتاب والسنة؟!

ويبلغ من فضل العلم أنه يرفع قدر أناس ليس لهم حسب ولا نسب فوق كثير من الأكابر ؛ كما ثبت في الصحيح من حديث الزهري عن أبي الطفيل: أن نافع بن عبد الحارث أمير مكة خرج واستقبل عمر بن الخطاب بعسفان، فقال له عمر: من استخلفت على أهل الوادي؟ قال: استخلفت عليهم ابن أبزى، فقال عمر: ومن ابن أبزى؟! فقال: رجل من موالينا، فقال عمر: استخلفت عليهم مولى؟ فقال: إنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض، فقال عمر: أما إن نبيكم  قد قال: “إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين.”

وكما قيل:

          العلم يرفع بيتا لا عماد له        والجهل يهدم بيت العز والشرف

وقد لعن الرسول الدنيا بمن فيها إلا من انتسب لشرف العلم عالما كان أو متعلما، فعن أبي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ ، وَهُوَ يَقُولُ :” الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا ، إِلاَّ ذِكْرَ اللهِ ، وَمَا وَالاَهُ ، أَوْ عَالِمًا ، أَوْ مُتَعَلِّمًا.” ” (السلسلة الصحيحة للألباني)، وكما قيل: كن عالما أو متعلما ولا تكن الثالث فتهلك.

عباد الله.. ما هو أفضل من أن يستغفر لك الحوت في البحر والدواب وحتى النمل تستغفر لطالب العلم؟ ما هو أفضل من أن تضع الملائكة أجنحتها لك إذا سلكت سبيلاً في طلب العلم سواء كان في درس تذهب إليه أو في كتاب تشتريه لتفتحه وتقرأ فيه؟ أي فضل عظيم هو ذاك وفَّره الله عز وجل لطلبة العلم الشرعي الذين يتعلمون الكتاب والسنة، والأحاديث في ذلك كثيرة!!

فعَن أبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ يَقُولُ:”مَن سَلَكَ طَرِيْقَاَ يَبْتَغِي فِيْهِ عِلْمَاً سَهَّلَ اللهُ لهُ طَرِيْقَاً إلى الجَنَّة وإنَّ المَلائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ العِلْمِ رِضَاً بِما يَصْنَعُ وَإنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغفِرُ لهُ مَن في السَّمواتِ ومَن في الأرضِ حَتَّى الحِيْتَانُ في المَاءِ وفَضْلُ العَالِمِ عَلى العَابِدِ كَفَضلِ القَمَرِ على سَائِرِ الكَوَاكِبِ وإنَّ العُلَماءِ وَرَثَةُ الأنبِيْاءِ وإنَّ الأنبِيْاءَ لمْ يُوَرَثُوا دِيْناراً ولا دِرْهَمَاً وَإنَّما وَرَّثُوا العِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أخَذَ بِحَظٍ وَافِرٍ”( رواه أبو داود والترمذي)

ومع أن الإسلام حرم الحسد إلا أن الشارع أباحه في مجال العلم، فعَنْ ابنِ مَسْعودِ رضيَ الله ُ عنهُ قال: قالَ رسول اللهِ صلى اللهُ عليْهِ وسلَمَ:”لا حَسَدَ إلاَّ في اثنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاه اللهُ مَالاً فسَلَّطَهُ عَلى هَلَكتِهِ في الحَقَّ ورَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الحِكْمَةَ فَهُوَ يَقضِي بِها وَيُعَلِمُّها”(متفق عليه)، وغير ذلك من الأحاديث التي لا يتسع المقام لذكرها وأنت بها خبير.

أحبتي في الله: إن الله لم يقصر الأجر على العلماء في حياتهم؛ بل امتد الأجر بعد موتهم وإلى قيام الساعة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ” إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ” (الترمذي وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ؛ قلت: الإمام البخاري – مثلا – مات من قرون، ومع ذلك عدَّادُ الحسنات يَعُدُّ له إلى قيام الساعة، فمن نحن بجانب البخاري؟!!

ويحضرني قول الإمام الشافعي رحمه الله:

قد مات قوم وما ماتت مكارمهم        وعاش قوم وهم في الناس أموات

نعم يا إمامنا الشافعي، فكل من يطعن أو يشكك في هؤلاء الأعلام فهو ميت حقيقة لا حكما، بل لا يستحق الحياة.

وما أجمل قول سيدنا على بن أبي طالب رضي الله عنه:

ما الفخــــر إلا لأهل العلم إنهم *** على الهدى لمن استهدى أدلاء

وقدر كل امرئ ما كان يحسنه *** والجاهـلون لأهل العـلم أعداء

فـفـز بعلم تعش حيـاً به أبــدا *** الناس موتى وأهل العلم أحياء

أحبتي في الله: لم يقتصر اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالحث على تعليم اللغة العربية فحسب؛ بل أمر بتعلم اللغات الأخرى؛ وثبت أنه أمر زيد بن ثابت بتعلم اللغة السريانية ليتولى أعمال الترجمة والرد على الرسائل، وروي أنه تعلم بأمر منه صلى الله عليه وسلم العبرية والفارسية والرومية وغيرها، فعنه رضي الله عنه قال: «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم لـه كلمات من كتاب يهود، قال: إني والله ما آمن يهود على كتابي, قال فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته لـه, فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم, وإذا كتبوا إليه قرأت لــه كتابهم» ( رواه أحمد وأبو داود والحاكم وغيرهم وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح)، فأصبح الفَتَى زيدُ بنُ ثابتٍ تَرْجُمانَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وأصبحت اللغة سلاحا له يدافع به عن الإسلام والمسلمين، وكما قيل:( من تعلم لغة قوم أمن مكرهم )

ولم تقتصر عنايته صلى الله عليه وسلم بتعليم هذه الفنون والعلوم للرجال فحسب, إنما اعتنى أيضا بتعليم النساء العلم والكتابة, فعن الشفاء بنت عبدالله قالت: «دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة، فقال لي: ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة» (أبوداود).

وجملة القول, فإن ما تقدم هو قليل من كثير ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن عنايته بالمسألة العلمية, تعلما وتعليما, أقوالا وأعمالا, مما يبرز اهتمامه الفائق بولاية العلم والتعليم.

 

العنصر الثاني: حرص السلف الصالح على طلب العلم (صور ونماذج مشرقة)

عباد الله: أسوق لكم صورا ونماذج مشرقة من حرص السلف الصالح على طلب العلم، وسأترك لكم التعليق والتعقيب عليها، لتقارنوا بين حالهم والإمكانيات والأدوات الكتابية التي عندهم وبين ما نحن فيه من تقدم علمي وتكنولوجي!!

قيل لبعضهم: بما أدركت هذا العلم؟ قال: بالمصباح والجلوس إلى الصباح.

ورئي مع الإمام أحمد العالم الجليل محبرة وقلم فقيل له: أنت إمام المسلمين ولا زلت تحمل المحبرة وتكتب؟! فقال الإمام أحمد: “مع المحبرة إلى المقبرة.”

وكان الفتح بن خاقان وزير المتوكل، ناصر السنة، -رحمه الله- يحمل الكتاب في كُمه أو في مكان آخر من ثيابه، فإذا قام من بين يدي المتوكل لبعض حاجاته -لقضاء حاجة أو للصلاة- أخرج الكتاب فنظر فيه وهو يمشي، حتى يبلغ الموضع الذي يريده، ثم يصنع مثل ذلك في رجوعه، إلى أن يأخذ مجلسه، فإذا أراد المتوكل القيام لحاجة، أخرج الكتاب من كمه أو من موضعه الذي هو فيه، وقرأه في مجلس المتوكل إلى حين عوده.

وليس هذا فحسب؛ بل إن ساعات الأكل لقوام حياتهم ومعاشهم كانت ثقيلة عليهم، فقد سألوا الخليل بن أحمد الفراهيدي – رحمه الله -: ما هي أثقل الساعات عليك؟ قال: ساعة آكل فيها.

 وكَانَ دَاوُدُ الطَّائِيُّ يَشْرَبُ الْفَتِيتَ وَلَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: بَيْنَ مَضْغِ الْخُبْزِ وَشُرْبِ الْفَتِيتِ قِرَاءَةُ خَمْسِينَ آيَةً «كتاب المجالسة وجواهر العلم»

وعن أبي الوفاء ابن عقيل  يتحدّث عن نفسه فيقول :” أنا أقصر بغاية جهدي أوقاتَ أكلي، حتّى أختار سَفَّ الكعك وتحسّيه مع الماء على الخبز ؛ لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ ! توفُّراً على مطالعةٍ أو تسطير فائدةِ لم أدركها فيه !!”

فالله أكبر ما أشد الفناء في العلم عنده؟! وما أوقد الغيرة على الوقت لديه؟!

قلت متعجباً: أثقل ساعات عليه ساعة الأكل؛ مع أنه مباح وواجب لقوام الحياة وحفظ النفس؛ وما يتوصل به إلى الواجب فهو واجب، فكيف حالنا ونحن نُضَيِّعُ أوقاتنا في الفراغ والحرام وأمام المسلسلات والأفلام وعلى القهاوي والطرقات، وعلى النت والمعاكسات؟!!

أعود إلى سلفنا الصالح فأقول: كان عبيد بن يعيش يقول: “أقمت ثلاثين سنة ما أكلت بيدي بالليل، كانت أختي تلقمني وأنا أكتب الحديث”

وعن ابن أبي حاتم صاحب الجرح والتعديل يقول: “كنا في مصر سبعة أشهر لم نأكل فيها مرقة، كل نهارنا مقسم لمجالس الشيوخ وبالليل النسخ والمقابلة، فأتينا يوما أنا ورفيق لي شيخا، فقالوا: هو عليل، فرأينا في طريقنا سمكة أعجبتنا فاشتريناها؛ فلما صرنا إلى البيت حضر وقت مجلس فلم يمكنا إصلاح هذه السمكة ومضينا إلى المجلس، فلم نزل حتى أتى على السمكة ثلاثة أيام وكادت أن تتغير فأكلناها نيئة، لم يكن لنا فراغ أن نشوي السمك. ثم قال: “إن العلم لا يستطاع براحة الجسد”(سير أعلام النبلاء)

هكذا كان حرص العلماء على طلب العلم على الرغم من الشدة التي تقابلهم.

ويحكى أن الشيخ شمس الدين الأصبهاني من حرصه على العلم وشحّه بضياع أوقاته, أنه كان يمتنع كثيرا من الأكل, لئلا يحتاج إلى الشرب, فيحتاج إلى دخول الخلاء, فيضيّع عليه الزمان.

يااااااااالله!!!!!!!!!!! كم نضيع من الساعات في الحرام!! إذا كانوا حريصين على الوقت في طعامهم وشرابهم ويعتبرونه مضيعةً فكيف بنا؟!!  ياااااالله؟!!! لطفك بنا يا رحمن.

يقول ابن عقيل الحنبلي تلميذ الحافظ الخطيب البغدادي:” إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة أو مناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي وأنا منطرح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره، وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في الثمانين، أشدّ مما كنت أجده وأنا ابن عشرين سنة.” (ذيل طبقات الحنابلة) فانظر كيف يستغل وقت طعامه وراحته في إعمال فكره فيسطره بعد قضاء حوائجه الشخصية؟!!!

ويقول عبد الرحمن ابن الإمام أبي حاتم الرازي ” ربما كان أبي يأكل وأقرأ عليه، ويمشي وأقرأ عليه، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه، ويدخل البيت في طلب شيء وأقرأ عليه ” فكانت ثمرة هذا المجهود وهذا الحرص على استغلال الوقت كتاب الجرح والتعديل في تسعة مجلدات وكتاب التفسير في مجلدات عدة وكتاب السند في ألف جزء.

لهذا فتح الله لهم قلوباً غلفا وأعيناً عمياً وآذاناً صماً!!! فإذا كنت تريد اللحاق بهم فاعمل عملهم ؛ فالله يسر لك سبل العلم والتقنيات الحديثة ما لم يصل إليه أحدهم، ومع كل ذلك أقول: لا يصل إليهم أحدكم!!! أليس كذلك؟!!!

فيا أيها المعرضون عن طلب العلم ! ما هو عُذركم عند الله ، وأنتم في العافية تتمتعون !؟ وماذا يمنعكم منه وأنتم في أرزاق ربكم ترتعون !؟ أترضون لأنفسكم أن تكونوا كالبهائم السائمة !؟ أتختارون الهوى على الهدى والقلوب منكم ساهية هائمة !؟ أتسلكون طرق الجهل وهي الطرق الواهية ، وتَدَعُون سُبُل الهدى وهي السُّبُل الواضحة النافعة !؟

أما علمتم : أنَّ الاشتغال بالعلم مِن أَجَّلِ العبادات، وأفضل الطاعات والقربات ، ومُوجِبٌ لِرِضَى رَب الأرض والسماوات . ومجلس علم تَجلِسُهُ خيرٌ لك مِن الدنيا وما فيها ، وفائدة تستفيدها وتنتفع بها لا شيء يزنها ويساويها !؟ فاتقوا الله عباد الله ، واشتغلوا بما خلقتم له من معرفة الله وعبادته.

العنصر الثالث: العالم قدوة للآخرين بأخلاقه وسلوكه

يجب على العالِم أن يعمل بما يعلم أو يقول، حتى تؤتي الموعظة ثمارها، وإلا  كانت هباءً منثوراً لا وزن لها ولا تأثير.

ولقد ذم الله هؤلاء بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ،كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}( الصف 2 ، 3)، قال الشيخ السعدي -رحمه الله- في تفسيره: ” أي: لِمَ تقولون الخير وتَحُثُّونَ عليه، وربما تَمَدَّحْتُم به وأنتم لا تفعلونه، وتَنهون عن الشر وربما نزهتم أنفسكم عنه، وأنتم متلوثون به ومتصفون به، فالنفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قوله فعله، فاقتداؤهم بالأفعال أبلغ من اقتدائهم بالأقوال المجردة “.

وعن أسامة بن زيد قال: سَمِعْتُ  رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ؛ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ؟! أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ؟! قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ” ( متفق عليه )

قال مالك بن دينار رحمه الله ” إن العالم إذا لم يعمل بعمله زلت موعظته عن القلوب كما تزل القطرة عن الصفا”، وقال الحسن البصري – رحمه الله – : ” العالم الذي وافق علمه عمله ، ومن خالف علمه عمله فذلك راويه سمع شيئاً فقاله” . وقال الثوري : ” العلماء إذا علموا عملوا ، فإذا عملوا شُغِلوا … ) . وقال : ” العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل”، ويقول الشاطبي ” إذا وقع القول بيانا فالفعل شاهد له ومصدق”

أحبتي في الله: لقد فطن الغرب إلى أهمية القدوة في بناء الأفراد والأمم والحضارات، واعتبروا هدم القدوة هدما للحضارة كلها. يقول أحد المستشرقين: إذا أردت أن تهدم حضارة أمة فهناك وسائل ثلاث هي:

  1. اهدم الأسرة. 2. اهدم التعليم. 3. أسقط القدوات.

* لكي تهدم الأسرة: عليك بتغييب دور (الأم) اجعلها تخجل من وصفها بـ”ربة بيت”

* ولكي تهدم التعليم: عليك بـ (المعلم) لا تجعل له أهمية في المجتمع وقلل من مكانته حتى يحتقره طلابه.

* ولكي تسقط القدوات: عليك بـ (العلماء والآباء) اطعن فيهم قلل من شأنهم، شكك فيهم حتى لا يسمع لهم ولا يقتدي بهم أحد.

فإذا اختفت (الأم الواعية)، واختفى (المعلم والأب المخلص)، وسقطت (القدوة)؛ فمن يربي النشء على القيم؟!

عباد الله: يجب على العالم أن يحقق في نفسه ما يريد أن يحققه في الآخرين، ويكون مثالاً يقتدى به في مكارم الأخلاق؛ فيتعهد نفسه بالرعاية ويمتاز بالشفافية، ويتحرى الصدق في المواقف، والإخلاص في النية، وما لم يستمد قادة الدعوة ومربوها نورهم من مشكاة النبوة، وأخلاقهم من أخلاق النبوة، ويصبحوا كالصحابة نجوما يهتدي بهم في ظلمات هذه الأيام فإن دعوتهم ستبقى ناقصة.

هذا المعلم أو هذا الأساس – القدوة – الذي هو من أهم أسس التربية والذي لن يفيدنا كثيرا إلا بعد أن نراه مطبقا بالفعل متحليا بمكارم الأخلاق؛ ويفيدنا أكثر أن نراه مطبقا في أعلى صوره، لأن ذلك سوف يعطينا فكرة عملية عن المدى الذي يمكن أن يبلغ إليه هذا العنصر لنقيس به جهدنا إليه في كل مرة ونحاول المزيد.

وهناك حكمة تقول: فعل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل لرجل، ومعناها: أن الأفعال أقوى تأثيراً من الكلام. فلو أن رجلا فعل موقفا أخلاقيا يدل على الأمانة مثلاً سيكون أقوى بشدة في آلاف الناس من ألف محاضرة يلقيها إنسان عن الأمانة.

وأما حين يكون العالم هو أول الهادمين، بما يلحظه الناس من فرق بين ما يقوله وما يعمله ، وبما يرونه من مفارقات بين أوامره المثالية معلما ومربيا، وتصرفاته المغايرة لأقواله وأوامره، فهذا يدل فساد علاجه.

والمؤمن لا يخالف قوله فعله، وهو الذي يبدأ بنفسه أولاً فيحملها على الخير والبر، ليكون بذلك الأسوة الحسنة والقدوة المثلى لمن يدعوهم ، وليكون لكلامه ذلك التأثير في نفوس السامعين الذين يدعوهم ، بل إنه ليس بحاجة إلى كثير عندئذ ، فحسْبُ الناس أن ينظروا إلي واقعه وسلوكه ، ليروا فيهما الإسلام والإيمان حياً يمشي أمامهم على الأرض وليشعّ بنوره على من حوله ، فيضيء الطريق للسالكين ، وتنفتح عليه العيون ويقع في القلوب ، فيحمل الناس بذلك على التأسي والإتباع .. فهو يدعو بسلوكه وواقعه قبل أن يدعو بقوله وكلامه.. ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير أسوة ، فقد كان عليه الصلاة والسلام إذا أمر الناس بأمر كان أشد الناس تمسكاً به ، وكان يحمل أهل بيته على ذلك قبل أن يدعو غيرهم .

وما أعظم ذنب أولئك الذين يصدون عن دين الله ويقفون حجرة عثرة أمام الدخول فيه والتمسك بأحكامه ؛ لأنهم بسلوكهم ذاك ينفّرون الناس من الدين، وتنطلق الألسنة المتبجحة لتقول : انظروا إلى فلان .. إنه يدعونا إلى شيء ويخالفنا إلى غيره ، ولو كان ما دعونا إليه حقاً لاتبعه وتمسك به ؟ فيتركون – عندئذ – الدين ، بسبب سلوكه ذاك !!

كيف يحافظ الناس على الصلاة وإمامهم لها من المهملين؟! كيف يحثهم على أداء صلاة الفجر مع الجماعة وهو عنها من المتكاسلين؟ متى يتعلم الناس الصدق في القول والوفاء بالوعد، وهو يكذب ويخلف؟ متى يعي الناس حرمة الغش ويغش في بيعه وشرائه ومعاملاته؟ ومن هذا الذي سيكرم جاره، وإمامه وجاره متلاحيان متخاصمان؟! كيف ينهى الناس عن الحرام وهو أول الآكلين؟!!

كم يتحملون من أوزار الذين تابعوهم في سلوكهم ذاك، إذ أنهم حملوهم على المخالفة والإثم بالإيحاء والقدوة العملية السيئة، ولولاهم ما وقعوا في ذلك ، فهم الذين سنَّوا هذه السنة السيئة فكان عليهم إثمهم وآثام من اتبعهم فقد : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم : « مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ ».

وما أجمل الحكمة التي أجراها الله تعالى على لسان أبي الأسود الدؤلي، عندما قال :

يا أيها الرجل المعلم غيره … هلا لنفسك كان ذا التعليم

تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى … كيما يصح به وأنت سقيم

ابدأ بنفسك فانهها عن غيها … فإن انتهت عنه فأنت حكيم

لا تنه عن خلق وتأتي مثله … عار عليك إذا فعلت عظيم

ولله در ابن الجوزي وهو يقول كما في صيد الخاطر:” ولقد تاب على يدي في مجالس الذكر أكثر من مائتي ألف، وأسلم على يديَّ أكثر من مائتي نفس؛ ولقد جلست يوماً فرأيت حولي أكثر من عشرة آلاف ما فيهم إلا من قد رق قلبه، أو دمعت عينه، فقلت لنفسي: كيف بك إن نجوا وهلكت: فصحت بلسان وجدي: إلهي وسيدي إن قضيت عليَّ بالعذاب غداً فلا تعلمهم بعذابي صيانة لكرمك لا لأجلي، لئلا يقولوا عذَّب من دل عليه”.

فأعوذ بالله أن أذكركم وأنساه وان أكون جسراَ تعبرون به إلى الجنة واقع أنا في النار.

عباد الله: هناك مصيبة كبيرة –  كما عبر أحد الشعراء – استشرت في المجتمع؛ وهي: أنك كما كلمت أحدا أو نصحته يقول: والله عارف، عارفين كل حاجة. يرد عليهم الشاعر بقوله:

إن كنت لا تدري فتلك مصيبة       ولو كنت تدري فالمصيبة أعظم

ومن أجمل ما قيل في ذلك: الرجـــــــــال أ ربعــــــة:

فرجل يدري ويدري ‏أنه يدري * *‏  * * فذلك عالم فاعرفوه

ورجل يدري ولا ‏يدري أنه يدري * *‏  * * فذلك غافل فأيقظوه

ورجل لا يدري ‏ويدري أنه لا يدري * *‏  * *  ‏ فذلك جاهل فعلموه

ورجل لا يدري ولا ‏يدري أنه لا يدري * *‏  * *  ‏ فذلك أحمق فاجتنبوه

عباد الله: أقول للذي يعلم (وعارف كل حاجة)، كيف بك تتبجح وتعلم ثم تعاند وتجادل ولا تعمل؟!!! كيف بك حينما تقف أمام الله ويسألك: ماذا عملت بما علمت؟!! فيتساقط لحم وجهك حياءً من الله!

عن عَبْدَ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ َقَالَ:”مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا أَنَّ رَبَّهُ سَيَخْلُو بِهِ كَمَا يَخْلُو أَحَدُكُمْ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَيَقُولُ: ابْنَ آدَمَ مَا غَرَّكَ بِي؟ ابْنَ آدَمَ مَا غَرَّكَ بِي؟ ابْنَ آدَمَ، مَاذَا أَجَبْتَ الْمُرْسَلِينَ؟ ابْنَ آدَمَ مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ؟ ابْنَ آدَمَ مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ؟ ابْنَ آدَمَ مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ؟” (الطبراني موقوفا على ابن مسعود)

ورَوى ابنُ حِبَّانَ والترمذيُّ في جامِعِه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: “لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ: عَن عُمُرِه فيما أفناهُ، وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ، وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ، وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ “.

ويُسأَلُ عَنْ عِلْمِهِ ماذَا عملَ فيهِ؟! أي يُسألُ هل تعلّمتَ عِلْمَ الدِينِ الذي فَرضَهُ اللهُ عليكَ؟! فمنْ أهْملَ العملَ بعدَ أنْ تعلّمَ خَسِرَ وخابَ وهلكَ، وكذلكَ منْ لا يتعلّمُ فهوَ أيضًا من الهالكين

وورد في بعض الأحاديث:” وَيْلٌ لِمَنْ لَا يَعْلَمُ، وَوَيْلٌ لِمَنْ عَلِمَ ثُمَّ لَا يَعْمَلُ”.( ضعيف الجامع)  والويلُ هو الهلاكُ الشّديدُ.

جعلنا الله وإياكم من العالمين العاملين؛؛؛؛؛؛؛

الدعاء……..                    وأقم الصلاة،،،،

كتبه : خادم الدعوة الإسلامية

د / خالد بدير بدوي

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »