خطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة خطبة الأسبوع ، خطبة الجمعة القادمة، خطبة الاسبوع، خطبة الجمعة وزارة الأوقافعاجل
خطبة بعنوان: إسهامات المرأة في بناء الحضارة الإسلامية بين الواقع والمأمول، للدكتور خالد بدير
خطبة بعنوان: إسهامات المرأة في بناء الحضارة الإسلامية بين الواقع والمأمول، للدكتور خالد بدير
لتحميل الخطبة أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: مكانة المرأة بين إهانة الجاهلية وتكريم الإسلام
العنصر الثاني: إعداد المرأة وأثره في بناء الحضارة الإسلامية
العنصر الثالث: دور المرأة في بناء الحضارة الإسلامية بين الواقع والمأمول
المقدمة: أما بعد:
العنصر الأول: مكانة المرأة بين إهانة الجاهلية وتكريم الإسلام
لو نظرنا إلى مكانة المرأة عند الأمم السابقة قبل عصر الإسلام لوجدنا أنه لم تمر حضارة من الحضارات الغابرة ، إلا وسقت المرأة ألوان العذاب ، وأصناف الظلم والقهر. وسأقف سريعا مع نظرة هذه الحضارات للمرأة.
فعند الإغريقيين قالوا عنها : شجرة مسمومة ، وقالوا هي رجس من عمل الشيطان ، وتباع كأي سلعة متاع.
وعند الرومان قالوا عنها : ليس لها روح ، وكان من صور عذابها أن يصب عليها الزيت الحار ، وتسحب بالخيول حتى الموت.
وعند الصينيين قالوا عنها : مياه مؤلمة تغسل السعادة ، وللصيني الحق أن يدفن زوجته حية ، وإذا مات حُق لأهله أن يرثوه فيها.
وعند الهنود قالوا عنها : ليس الموت ، والجحيم ، والسم ، والأفاعي ، والنار ، أسوأ من المرأة ، بل وليس للمرأة الحق عند الهنود أن تعيش بعد ممات زوجها ، بل يجب أن تحرق معه.
وعند الفرس : أباحوا الزواج من المحرمات دون استثناء ، ويجوز للفارسي أن يحكم على زوجته بالموت.
وعند اليهود : قالوا عنها : لعنة لأنها سبب الغواية ، ونجسة في حال حيضها ، ويجوز لأبيها بيعها.
وعند النصارى : عقد الفرنسيون في عام 586م مؤتمراً للبحث: هل تعد المرأة إنساناً أم غير إنسان؟ ! وهل لها روح أم ليست لها روح؟ وإذا كانت لها روح فهل هي روح حيوانية أم روح إنسانية؟ وإذا كانت روحاً إنسانية فهل هي على مستوى روح الرجل أم أدنى منها؟ وأخيراً “قرروا أنَّها إنسان ، ولكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب”. وأصدر البرلمان الإنكليزي قراراً في عصر هنري الثامن ملك إنكلترا يحظر على المرأة أن تقرأ كتاب (العهد الجديد) أي الإنجيل(المحرف)؛ لأنَّها تعتبر نجسة.
وعند العرب قبل الإسلام : تبغض بغض الموت، بل يؤدي الحال إلى وأدها، أي دفنها حية أو قذفها في بئر بصورة تذيب القلوب الميتة.
ثم جاءت رحمة الله المهداة إلى البشرية جمعاء ، بصفات غيرت وجه التاريخ القبيح ، لتخلق حياة لم تعهدها البشرية في حضاراتها أبداً.
جاء الإسلام ليقول: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْــــــــــــــــــــــرُوف }( البقرة: 228 )
جاء الإسلام ليقول:{ وَعَاشِــــــــــــــــرُوهُــنَّ بِالْمَعْــــــــــــــــــــرُوفِ}( النساء: 19)
جاء الإسلام ليقول: { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْــثُ سَكَنْتُـــــــمْ مِنْ وُجْدِكُــــمْ وَلا تُضَــــــــارُّوهُنَّ لِتُضـــــَيِّقُــوا عَلَيْهِــــــــــــنَّ }( الطلاق: 6)
جاء الإسلام ليقول: { فَآتُـــوهُنَّ أُجُـــــورَهُنَّ فَــرِيضَـــــــــــــــــــــــة }( النساء: 24)
جاء الإسلام ليقول: { وَلِلنِّسَـــــاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُــونَ } ( النساء: 7)
جاء الإسلام ليقول: { وَأَنْتُـــــــــــــــــمْ لِبَــــــــــــــــاسٌ لَهُـــــــــــــنّ }( البقرة: 187 )
جاء الإسلام ليقول: { هَـــــؤُلاءِ بَنَـــــاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُــــــــــــــــــــمْ }( هود: 78)
جاء الإسلام ليقول: { لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهــــــــــــــــــــاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُـــــــــن }( النساء: 19)
جاء الإسلام ليقول: { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَـــــــــــــانٍ }( البقرة: 229 )
وجاء الرسول الكريم ليبين لنا مكانة المرأة في أحاديث كثيرة؛ فكان يؤتى إليه صلى الله عليه وسلم بالهدية ، فيقول : ” اذهبوا به إلى فلانة فإنها كانت صديقة خديجة ؛ اذهبوا إلى بيت فلانة فإنها كانت تحب خديجة “ [ السلسلة الصحيحة – الألباني ]
وهو القائل : ” استوصــــــــــــــوا بالنســــــــــــاء خيـــــــــــــــــراً ” ( متفق عليه )
وهو القائل : ” لا يفرك مؤمن مؤمنه إن كره منها خلقا رضى منها آخـر ” (رواه مسلم)
وهو القائل : ” إنما النـســــــــــــــاء شقـــــــــــائق الرجــــــــــــــــال ” [ السلسلة الصحيحة – الألباني ]
وهو القائل : ” خيركم خيركم لأهـــــــــــــــله وأنا خيركم لأهــــــــــلي “[ السلسلة الصحيحة – الألباني ]
وهو القائل : ” ولهن عليـــــــــكم رزقهن وكسوتهـــــن بالمعـــــــــروف ” (رواه مسلم وأبو داود )
وهو القائل : ” الدنيا كلها متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة ” . (رواه مسلم)
ومن هديه : “عن عائشة قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد فيبادرني حتى أقول دع لي دع لي قالت: وهما جنبان ” ( متفق عليه )
وهناك الكثير والكثير من الأدلة والبراهين ، على أن الإسلام هو المحرر الحقيقي لعبودية المرأة .
لقد رفع الإسلام مكانة المرأة، وأكرمها بما لم يكرمها به دين سواه؛ وسأطوف سريعا مع حضراتكم حول تكريم الإسلام للمرأة في جميع مراحلها العمرية منذ ولادتها طفلة حتى شيخوختها.
فالمسلمة في طفولتها لها حق الرضاع، والرعاية، وإحسان التربية، وهي في ذلك الوقت قرة العين، وثمرة الفؤاد لوالديها وإخوانها.
وإذا كبرت فهي معززة مكرمة؛ يغار عليها وليها، ويحوطها برعايته، فلا يرضى أن تمتد إليها أيد بسوء، ولا ألسنة بأذى، ولا أعين بخيانة.
وإذا تزوجت كان ذلك بكلمة الله، وميثاقه الغليظ؛ فتكون في بيت الزوج بأعز جوار، وأمنع ذمار، وواجب على زوجها إكرامها، والإحسان إليها، وكف الأذى عنها.
وإذا كانت أماً كان برُّها مقروناً بحق الله-تعالى-وعقوقها والإساءة إليها مقروناً بالشرك بالله، والفساد في الأرض.
وإذا كانت أختاً فهي التي أُمر المسلم بصلتها، وإكرامها، والغيرة عليها.
وإذا كانت خالة كانت بمنزلة الأم في البر والصلة.
وإذا كانت جدة، أو كبيرة في السن زادت قيمتها لدى أولادها، وأحفادها، وجميع أقاربها؛ فلا يكاد يرد لها طلب، ولا يُسَفَّه لها رأي.
وإذا كانت بعيدة عن الإنسان لا يدنيها قرابة أو جوار كان له حق الإسلام العام من كف الأذى، وغض البصر ونحو ذلك.
وما زالت مجتمعات المسلمين ترعى هذه الحقوق حق الرعاية، مما جعل للمرأة قيمة واعتباراً لا يوجد لها عند المجتمعات غير المسلمة.
وكل مرحلة من المراحل السابقة في التكريم والعناية لها أدلتها من الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة – مما لا يتسع المقام لذكرها – وأنت بذلك خبير.
وقد لخص أحدهم ذلك في قوله: ما رأيت كالأنثى فضلاً .. تُدخِلُ أباها الجنةَ طفلة .. وتُكملُ نصف دين زوجها شابة .. والجنةُ تحت قدميها أُمّاً ..!!
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أكد على حسن صحبة الأم ثلاث مرات والأب مرة واحدة ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: “جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ” ( متفق عليه )
يقول ابن بطال – رحمه الله – ” في هذا الحديث دليل أن محبة الأم والشفقة عليها ينبغي أن تكون ثلاث أمثال محبة الأب، لأن عليه السلام كرر الأم ثلاث مرات، وذكر الأب في المرة الرابعة فقط، وإذا تؤمل هذا المعنى شهد له العيان، وذلك أن صعوبة الحمل وصعوبة الوضع وصعوبة الرضاع والتربية تنفرد بها الأم، وتشقى بها دون الأب فهذه ثلاث منازل يخلو منها الأب.”
وقد جرى لأبي السود الدؤلي مع زوجته قصة أثار فيها هذا المعنى، ذكر أبو حاتم عن أبى عبيدة أن أبا الأسود جرى بينه وبين امرأته كلام فأراد أخذ ولده منها، فسار إلى زياد وهو والى البصيرة، فقالت المرأة: أصلح الله الأمير، هذا بطني وعاؤه؛ وحجري فناؤه؛ وثدي سقاؤه، أكلؤه إذا نام، وأحفظه إذا قام، فلم أزل بذلك سبعة أعوام حتى استوفى فصاله؛ وكملت خصاله؛ وأملت نفعه؛ ورجوت رفعه؛ أراد أن يأخذه منى كرها. فقال أبو الأسود: أصلحك الله، هذا ابني حملته قبل أن تحمله، ووضعته قبل أن تضعه.. وأنا أقوم عليه في أدبه، وحملته ثقلا، ووضعه شهوة، ووضعته كرها. فقال له زياد: اردد على المرأة ولدها فهي أحق به منك، ودعني من سجعك.
ولقد اهتم القرآن الكريم بذكر المرأة حتى أن هناك سورة تسمى بسورة النساء؛ وسورة الطلاق تسمى بسورة النساء الصغرى؛ وكذلك سورة المجادلة ( بكسر الدال وفتحها ) ؛ وليس هناك سورة للرجال؛ بل إن الله رفع ذكرهن في واقعة سورة الأحزاب؛ فقد روي أن أسماء بنت عميس رجعت من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب فدخلت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: هل نزل فينا شيء من القرآن؟ قلن: لا. فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن النساء لفي خيبة وخسار، قال: ومِمَّ ذاك؟ قالت: لأنهنّ لا يذكرن بخير كما يذكر الرجال، فأنزل الله هذه الآية: { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ }…. الآية ( الأحزاب: 35)(أسباب النزول للواحدي)
أنزل الله تعالى هذه الآية التي طمأنت النساء بأنّ لهنّ درجة عند الله مساوية للرجال، وأكّدت على أنّ المعيار هو العقيدة والعمل والأخلاق الإسلامية؛ فرب امرأة صالحة كالنساء السابقات خير من ألف رجل.
فلو كـــــــــان النساء كمن ذكــــــــــــرن………. لفضلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيبٌ ………وما التذكير فخر للهلال
العنصر الثاني: إعداد المرأة وأثره في بناء الحضارة الإسلامية
عباد الله: لقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن من علامات الساعة قلة الرجال وكثرة النساء ؛ فعن أنس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويكثر الجهل ويكثر الزنا ويكثر شرب الخمر ؛ ويقل الرجال وتكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد “( متفق عليه )؛ والعبرة بالكيف لا بالكم ؛ لذلك فإنني أؤكد في هذا العنصر على إعداد المرأة إعدادا جيدا لتساهم بحق في بناء المجتمع بحضارته الإسلامية العريقة.
إن إعداد المرأة يبدأ من اختيار الأم ، لأن الأم هي التي تربي له رجالا ونساءً ؛ فالزوج عليه أن يسأل عن الأخت المسلمة التي ينوي الارتباط بها، عليه أن يسأل عن دينها وخلقها وأدبها، عليه أن يتروى في اختيار شريكة حياته وأم أولاده والمؤتمنة على سره ولا يتسرع، فالحياة تحتاج إلى تكامل وانسجام الزوج وزوجته، وسرعان ما تخبو العواطف المشبوبة والمشاعر المتأججة، والأحاسيس الملتهبة، ما لم تقم على أساس من الصدق والحب والتفاهم والإخلاص ووحدة الهدف… والبيت السعيد هو البيت الذي تعتقد ربته أنها بالنسبة لزوجها أم وأخت وصديقة وحبيبة، فيعيش لها الزوج بمثابة الأب والأخ والصديق والحبيب.. تصوروا معي أسرة تنشأ في ظل هذه المعاني، ماذا يكون أبناؤها؟ إنهم المتفوقون دائماً في كل حياتهم، النافعون للوطن، وللأمة الإسلامية، إنهم الأمل الذي نبحث عنه في بناء الحضارة الإسلامية .
وما عناية رسول الهدى ، وحثه على اختيار المرأة الصالحة ذات الدين ، إلا لما يؤمل منها من قيام بالحقوق الزوجية، ورعاية شؤون الزوج، وتربية الأولاد، وبناء الأسرة على أسس من التقوى والإيمان.
ولهذا فقد حرص علماء التربية الإسلامية على تأكيد ضرورة إعداد المرأة لممارسة دورها بل وانتقائها قبل إنجاب الأولاد مؤكدين على حقيقة أن تربية النشء تحدث قبل ولادتهم باختيار الأمهات. يقول أكثم بن صيفي لأولاده: “يا بَنيَّ! لا يحملنكم جمال النساء عن صراحة النسب؛ فإن المناكح الكريمة مَدْرَجةٌ للشرف”. وقال أبو الأسود الدؤلي لبنيه: “لقد أحسنت إليكم صغاراً وكباراً وقبل أن تولدوا. قالوا: وكيف أحسنت إلينا قبل أن نولد؟ قال: اخترت لكم من الأمهات من لا تُسَبُّون بها”.
ولهذا فإن من أول حقوق الوالد على والده أن يختار له الأم المؤمنة الكريمة ذات الهدف من الحياة التي تحسن تربيته، وتقوم على شؤونه، وتتعاهد دينه وعقيدته؛ لأن الطفل والطفلة ينتقل إليهما كثير من صفات أمهما النفسية والخلقية، بل يمتد هذا التأثير مدى الحياة.
وقد جمع ولخص هذه المعاني سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فقد جاءه رجل يشكو إليه عقوق ابنه ، فأحضر عمر الولد وابنه وأنَّبه على عقوقه لأبيه، ونسيانه لحقوقه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب ( أي القرآن )، قال الولد: يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك، أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جُعلاً ( أي خنفساء )، ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً 0 فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئت إليَّ تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك ؟! ) ( تربية الأولاد في الإسلام، عبدالله ناصح علوان)
فيجب اختيار الزوجة الصالحة ذات الدين لأنها مضنة الولد الصالح لتكون أمّاً مربية تقية طاهرة عفيفة، تعين أبناءها على التربية الصالحة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ “( متفق عليه)، ومن هنا يرى علماء التربية أن دور الأم في تربية الطفل يسبق دور الأب، وذلك لكثرة ملازمتها للطفل منذ تكوينه جنيناً في بطنها حتى يكبر. وصدق الشاعر حافظ إبراهيم إذ يقول:
الأم مــدرسـة إذا أعــددتـهـــا…… أعـددت شعبا طيب الأعــراق
الأم روض إن تعهــده الحيـــا…… بالـــريّ أورق أيمـــا إيــــراق
الأم أستــاذ الأساتــذة الألــــى…….شغلت مآثرهم مدى الآفـــــاق
أنا لا أقول دعوا النساء سوافراً…..بين الرجال يجلن في الأسواق
يدرجن حيث أرَدن لا من وازع…..يحـذرن رقبتـه ولا مـن واقـــي
يفعلـــن أفعال الرجــال لواهيــــا…….عن واجبات نواعـس الأحـــداق
ربوا البنات على الفضيلــة إنهـــا……فـي الموقفيـن لهـنّ خيـر وثـــاق
وعليكمُ أن تستبيــن بناتكـم نـــور…..الهــدى وعلـى الحيــاء البـــاقي
ولهذا نصح الشاعر المسلم بقوله:
وإن تزوجت فكن حــاذقاً ………..واسأل عن الغصن وعن منبته
واسأل عن الصهر وأحواله……….من جيرة وذي قرابتــــه
إن للأسرة دورًا كبيرًا في رعاية الأولاد – منذ ولادتهم – وفي تشكيل أخلاقهم وسلوكهم، وما أجمل عبارة : ” إن وراء كل رجل عظيم امرأة “، وكما يقول بعض أساتذة علم النفس : ” أعطونا السنوات السبع الأولى للأبناء نعطيكم التشكيل الذي سيكون عليه الأبناء”. وكما قيل : “الرجال لا يولدون بل يُصنعون”.
وكما عبر الشاعر: وينشأُ ناشئُ الفتيانِ مِنا على ما كان عَوَّدَهُ أبُوه
وإهمال تربية الأبناء جريمة يترتب عليها أَوْخَم العواقب على حد قول الشاعر:
إهمالُ تربية البنين جريمةٌ ……. عادت على الآباء بالنكبات
وأذكر قصة تؤيد ذلك، سرق رجل مالاً كثيرًا، وقُدّم للحد فطلب أمه، ولما جاءت دعاها ليقبلها، ثم عضها عضة شديدة، فقيل له ما حملك على ما صنعت؟ قال: سرقت بيضة وأنا صغير، فشجعتني وأقرتني على الجريمة حتى أفضت بي إلى ما أنا عليه الآن.
إن من أراد بناء أسرة إسلامية تساهم في بناء حضارة إسلامية ينشأ عنها جيل صالح؛ عليه أن يُعني قبل ذلك باخـتـيـار الـزوجــة ذات الـديــن والخلق الكريم والمنبت الحسن حتى تسري إلى ذلك الجيل عناصر الخير وصفات الكمال.
العنصر الثالث: دور المرأة في بناء الحضارة الإسلامية بين الواقع والمأمول
للمرأة دور كبير في بناء الحضارة الإسلامية على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ بل إن هناك نساء سبقن الرجال واعتنقن الإسلام عن عقل وروية؛ فلما أكرم الله عز وجل رسوله بنبوته، آمنت به خديجة وبناته، فصدقنه وشهدن أن ما جاء به هو الحق، وسبقت أم حبيبة أباها أبا سفيان إلى الإسلام، وأبو المرأة منها بمكان، وثبتت رضي الله عنها على دينها وهجرتها رغم ارتداد زوجها، فلقد تزوجها عبيد الله بن جحش وهاجرا معا إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية، فتَنَصَّر، وارتد عن الإسلام، وتوفي بأرض الحبشة.
وسبقت أم الفضل، لبابة بنت الحارث الهلالية امرأة العباس زوجها؛ وسبقت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجها أبا العاص بن الربيع قال ابن سعد: أسلمت زينب وأبى أبو العاص أن يسلم؛ وسبقت فاطمة بنت الخطاب أخاها عمر بن الخطاب، قال الحافظ ابن حجر: كان إسلام عمر متأخراً عن إسلام أخته فاطمة وزوجها، لأن أول الباعث له على دخوله في الإسلام ما سمع في بيتها من القرآن؛ وسبقت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أهلها جميعاً: كانت ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحديبية. قال ابن سعد: لم نعلم. قرشية خرجت من بين أبويها مهاجرة إلى الله ورسوله إلا أم كلثوم بنت عقبة. وشواهد ذلك كثيرة لا يتسع المقام لحصرها.
كما بدأ دور المرأة فى الجهاد فى الوقت نفسه الذى بدأ فيه دور الرجل، بل إن دور المرأة الفعلى سابق له، فأول من استشهد فى سبيل الله كان امرأة هى السيدة سمية زوج ياسر، وكانت أسماء بنت أبى بكر – رضى الله عنها – أولى الفدائيات التى أمَّنت وصول الطعام إلى النبى، صلى الله عليه وسلم، وصاحبه أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، كما أنها تلقّت الأذى من أبى جهل فى سبيل كتمان خبرهما.
وقد طلب الشرع الإسلامى من المرأة الدفاع عن وطنها، وأرضها، وشعبها، كما طلب ذلك من الرجل، وقد أقرّ النبى، صلى الله عليه وسلم، مشاركة النساء فى الجهاد والغزوات، بل غزت المرأة مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كأم سليم بن ملحان، وأم حرام بنت ملحان، وأم الحارث الأنصارية، والرُّبَيِّع بنت معوذ، وأم سنان الأسلمية، وأم سليط، وليلى الغفارية، وكعيبة بنت سعيد الأسلمية، وحمنة بنت جحش، ورفيدة الأنصارية، وأم زياد الأشجعية وغيرهن كثيرات.
أما ميدان العلم فنبغ فى مختلف مراحل التاريخ الإسلامى الآلاف من العالمات المبرَّزات والمتفوقات فى أنواع العلوم وفروع المعرفة وحقول الثقافة العربية والإسلامية، وقد ترجم الحافظ بن حجر فى كتابه «الإصابة فى تمييز الصحابة»، لثلاث وأربعين وخمسمائة وألف امرأة، منهن الفقيهات والمحدثات والأديبات.
ولقد تفوقت المرأة المسلمة على الرجل فى جوانب كثيرة فى علوم الحضارة الإسلامية، خاصة فى جانب علم الحديث ومعرفة رواته، ويسجل تلك الشهادة أئمة علم الحديث والمصطلح، فيقول الإمام الذهبى: «وما علمت فى النساء من اتهمت ولا من تركوها». «ميزان الاعتدال فى نقد الرجال، للإمام الذهبى».
وقد ضربت لنا عائشة رضي الله عنها أروع المثل في إقبال المرأة المسلمة على التعلم فقد كانت رضي الله عنها تمتاز بعلمها الغزير الواسع في مختلف نواحي العلوم كالحديث، والطب، والشعر، والفقه والفرائض .
قال الإمام الزهري عنها : “لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضله”
وقال هشام بن عروة :”ما رأيت أحدا أعلم بفقه ولا طب ولا بشعر من عائشة”
وكان عطاء بن أبى رباح، رحمه الله، يقول عن السيدة عائشة، رضى الله عنها: «كانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس وأحسن الناس رأياً»، «أخرجه الحاكم فى المستدرك».
إن الأعداد الهائلة من النساء اللواتى ساهمن فى بناء الحضارة الإسلامية ليس بوسعنا أن نستوعبهن جميعهن فى عدة سطور، ولكن الأمثلة المذكورة كافية لتأكيد مكانة المرأة فى الشريعة الإسلامية، وأنها ساندت الرجل فى بناء الحضارة وتعمير الكون، فنجحت كقاضية ومحاربة وقائدة الجيوش ومحتسبة وفقيهة.
أحبتي في الله:
ما ذكرناه من دور المرأة كان في الماضي؛ أما في الحاضر فالمرأة في المجتمع المعاصر عليها عبء كبير، وهي قد لا تشعر بأهمية دورها الدعوى؛ فقد تكون داعية في بيتها وبين بنات جنسها بمعاملتها الحسنة وأخلاقها الفاضلة وسلوكها؛ بحيث تحث أولادها ليكون لهم دور في الدعوة؛ وتشجعهم على ذلك بكل الوسائل والطرق الممكنة؛ وما أروع هذه العبارة المأثورة عن أحد السلف؛ ( المؤمن كالسراج ، أينما وضع أضاء ) فالمرأة ينبغي أن يكون لها حظ وافر من ذلك ، فهي لا تعدوا أن تكون بنتاً أو أختاً أو زوجة أو أماً ، فإن كانت بنتاً فهي تدعو والديها إن احتاجا إلى ذلك ، بألطف أسلوب وأرق عبارة ، أسوة بأبينا إبراهيم عليه السلام لما دعا أباه . وإن كانت أختاً فهي تدعو إخوتها . وإن كانت زوجة فإن زوجها أحق بالدعوة من غيره . وإن كانت أماً فتدعو أولادها . وهذا لا يمنعها أن تكون داعية في مكان آخر حيث وجدت ، فإن كانت معلمة دعت طالباتها وزميلاتها من المعلمات ، وإن كانت طبيبة أو ممرضة أو موظفة في أي قطاع اجتهدت في دعوة زميلاتها في العمل في الأوقات المناسبة ، دون انتظار النتائج ، لأن النتائج أمرها إلى الله تعالى .
أيها الآباء الفضلاء: أغرسوا في نسائكم وبناتكم العلم والقيم والفضائل والمثل العليا التي بها يتمكنَّ من بناء مجتمع إسلامي فاضل؛ ليكنَّ لكم ذكرا وخلفا في الدنيا وأثرا وذخرا في الأخرة؛ ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية , أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له »
وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أمورا سبعة يجري ثوابها على الإنسان في قبره بعد ما يموت , وذلك فيما رواه البزار في مسنده من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته : من علم علما, أو أجرى نهرا , أو حفر بئرا , أو غرس نخلا , أو بنى مسجدا , أو ورث مصحفا , أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته » [ حسنه الألباني في صحيح الجامع]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَنَّى لِي هَذِهِ فَيَقُولُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ” [ السلسلة الصحيحة – الألباني ]
أما إذا نشأت المرأة في بيت تربى على الجهل والفسق والخلاعة والفجور – كما نرى بناتهم ونسائهم في الأماكن العامة والطرقات- فهي لا شك تكون فتنة ضارة ومعول هدم لا أداة بناء للحضارة الإسلامية !! أي حضارة تبنيها هذه ؟!! إنها تضر ولا تنفع؛ تهدم ولا تبني؛ تخرب ولا تعمر !!! فعن أسامة بن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ” ( متفق عليه )؛ وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:” الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ، وَإِنَّهَا إِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ، وَإِنَّهَا أَقْرَبُ مَا يَكُونُ إِلَى اللَّهِ وَهِيَ فِي قَعْرِ بَيْتِهَا.” [ السلسلة الصحيحة – الألباني ]
أيها الآباء الفضلاء وأيتها الأمهات الفضليات: أنتم مسئولون جميعا عن نسائكم وبناتكم؛ وبين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله:” كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ” ( متفق عليه) وقال أيضاً : ” إنَّ اللهَ سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاهُ ، أحفظَ أم ضيَّعَ ؟ حتى يُسألَ الرجلُ عن أهلِ بيتِه “( السلسلة الصحيحة: الألباني)
وبعد: فهذه رسالة أوجهها إلى جميع آبائي وأمهاتي وبناتي وأخواتي وأحبابي؛ وكل أفراد المجتمع؛ حبا لهم وإشفاقا عليهم من عذاب الله؛ اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد يا رب العالمين.
اللهم احفظ بناتنا وبنات المسلمين ونساءنا ونساء المسلمين من شر الفتن ما ظهر منها وما بطن آمين يارب العالمين؛؛؛؛؛؛؛
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
إتبعنا