خطبة الجمعة 8 أكتوبر 2021م “فضل الشهادة ومنزلة الشهيد وفلسفة الحرب في الإسلام” للشيخ طه ممدوح
خطبة الجمعة القادمة 8 أكتوبر 2021م بعنوان : “فضل الشهادة ومنزلة الشهيد وفلسفة الحرب في الإسلام” ، للشيخ طه ممدوح “الحائز علي جائزة أفضل خطبة” ، بتاريخ 2 ربيع الأول 1443هـ ، الموافق 8 أكتوبر 2021م.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 8 أكتوبر 2021م بعنوان : “فضل الشهادة ومنزلة الشهيد وفلسفة الحرب في الإسلام” ، للشيخ طه ممدوح:
اولاً: فضل الشهادة في سبيل الله
ثانياً: منزلة الشهيد
ثالثاً: فلسفة الحرب في الإسلام
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 8 أكتوبر 2021م ، بعنوان : “فضل الشهادة ومنزلة الشهيد وفلسفة الحرب في الإسلام” ، كما يلي:
فضلُ الشهادةِ ومنزلةُ الشهيدِ وفلسفةُ الحربِ في الإسلامِ
بتاريخ 2 ربيع الأول 1443هـ ـ 8 أكتوبر 2021م
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، القائلِ في كتابهِ الكريمِ: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحدهُ لا شريك له، وأشهدُ أنّ سيدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُه ورسولُه، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آلهِ وصحبهِ، ومن تبعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وبعــــــــــــدُ:
اولاً: فضلُ الشهادةِ في سبيلِ اللهِ
إنّ مقامَ الشهادةِ في سبيلِ اللهِ، مقامُ اصطفاءٍ واجتباءٍ قال تعالى:( وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ) (آل عمران140)، فالشهادةُ في سبيلِ اللهِ منحةٌ ربانيةٌ، يختصٌّ بها مَن يشاءُ مِن عبادِه، وهبةٌ إلهيةٌ، يمتنُّ اللهُ بها على أحبِّ خلقِه إليه بعدَ النبيين والصديقين. فالشهداءُ في المرتبةِ الثالثةِ بعد النبيين والصديقين قال تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا) (النساء (69).
والشهادةُ هي الصفقةُ الرابحةُ دائما وأبداً، والثمنُ الغالي النفيسُ لهذه الصفقةِ هو الجنةٌ، فهنيئاً للشهداءِ بهذه المنزلةِ المباركةِ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾(التوبة: 111)، فعقدوا البيعَ مع اللهِ، السِّلعةُ أرواحُهم ودماؤهم، والثمنُ الموعودُ عند اللهِ هو الجنةٌ، إنها ليست جنةً واحدةً وإنما هي جنانٌ، كما روى البخاريُّ:(أنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بنت البراء, وهي أُمُّ حارثة بن سُراقَة ـ أتتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نَبيَّ الله، ألا تُحدِّثُني عن حارثة ـ وكان قُتِلَ يوم بَدرٍ، أصابَهُ سهمٌ غَرْب- لا يعرفُ من أَي جهةٍ رُمِيَ به، فإن كان في الجنةِ صَبَرتُ، وإنْ كان غير ذلك، اجتَهَدتُ عليه في البكاءِ؟ قال صلى الله عليه وسلم: يا أُمَّ حارثة إنها جِنانٌ في الجنَّة، وإنَّ ابنَكِ أصابَ الفِردَوسَ الأعْلَى)، ومَن أوفى بعهدِه من اللهِ؟! فيا اللهُ ما أعظمَه من بيعٍ، وما أعظمَه مِن ربحٍ.
والشهادةُ في سبيلِ اللهِ مبنَاها على الإخلاصِ، وصدقِ النيةِ مع اللهِ، فقد يبلغُ المؤمنُ بإخلاصِه وصدقِه مع اللهِ مرتبةَ الشهادةِ حتى وإنْ ماتَ على فراشِه، حيثُ يقولُ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) 🙁 مَنْ سأَلَ اللَّه تَعَالَى الشَّهَادةَ بِصِدْقٍ بلَّغهُ اللهُ منَازِلَ الشُّهَداءِ وإنْ ماتَ على فِراشِهِ) (صحيح مسلم).
فالشهيدُ الحقُّ: هو مَن أخلصَ للهِ وضحّىَ في سبيلِه وبذلَ نفسَهُ وجادَ بها في سبيلِ إعلاءِ كلمة اللهِ، والدفاعِ عن أرضهِ، ورفعِ راية وطنهِ: (سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم عَنْ الرَّجُلِ: يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ الله؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ الله) متفق عليه. والشهيدُ الحقُّ: هو الذي يأبى الدنيةَ ويرفضُ المذلةَ والهوانَ ويقاومُ مَن يستولي على مالهِ أو متاعهِ، (جاء رجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّه صلى اللهُ عليه وسلم فَقَال: يَا رسولَ اللَّه أَرأَيتً إنْ جاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلا تُعْطِهِ مالكَ قَالَ: أَرأَيْتَ إنْ قَاتلني؟ قَالَ: قَاتِلْهُ. قَالَ: أَرأَيتَ إنْ قَتلَني؟ قَالَ: فَأنْت شَهيدٌ قَالَ: أَرأَيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: هُوَ فِي النَّارِ) (صحيح مسلم).
والشهيدُ الحقُّ: هو مَن يقاتلْ تحتَ لواء الدولةِ مع ولي الأمرِ، ووليُّ الأمرِ هو الحاكمُ أو السلطانُ أو الرئيسُ، فالشهيدُ يكونُ جندياً في الجيشِ أو الشرطةِ يدافعُ عن الوطنِ والعرضِ والمالِ، يقولُ الرسولُ صلى اللهُ عليه وسلم: (مَنْ قُتِل دُونَ مالِهِ فهُو شَهيدٌ، ومنْ قُتلَ دُونَ دمِهِ فهُو شهيدٌ، وَمَنْ قُتِل دُونَ دِينِهِ فَهو شهيدٌ، ومنْ قُتِل دُونَ أهْلِهِ فهُو شهيدٌ) (رواه الترمذي)، وأما الذي ينسلخُ عن وليِّ الأمرِ وينشقُ عنه، ويخرجُ عن طاعتِه, ويخضعُ تحت تأثيرِ حزبٍ أو جماعةِ أو تنظيمٍ معادٍ للدولةٍ فيثيرُ الفتنَ، ويحيقُ المؤامراتِ ضدَّ الوطنِ، ويعتدي على المنشآتِ العامةِ والخاصةِ، ويقتلُ الأبرياءَ، ويروّعُ الآمنينَ, فليس ما يفعلُه يُعدُّ جهاداً في سبيل اللهِ، بل هو خروجٌ على شرعِ اللهِ، وإذا قُتِلَ فليس بشهيدٍ، يقولُ رسولُ اللهِ (صلى اللهُ عليه وسلم): (مَنْ خَرَجَ مِن الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الجماعةَ فماتَ ماتَ مِيتةً جَاهلية، وَمَنْ قَاتلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ، يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أو يَدْعُو إِلى عَصبَةٍ، أو يَنْصُرُ عَصَبَة، فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِليَّةٌ، وَمَن خَرَجَ عَلى أُمَّتي يَضرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَها، لا يَتَحَاشي مِنْ مؤمِنها، ولا يَفي بِعَهدِ ذِي عَهدِها، فَلَيْسَ مِني، وَلَسْتُ منه)(صحيح مسلم).
ثانياً: منزلةُ الشهيدِ
الشهداءُ أحياءٌ عند ربِّهم يرزقون، فليسوا أمواتاً، قال اللهُ تعالى: ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران169- 171) ، نعم إنًّهم أحياءٌ وليسوا أمواتا، ومِن ثَم فهم فرحون بما أعطاهمُ اللهُ من فضلِهِ، ويستبشرون بإخوانِهم القادمين عليهم، وذلك لحبِّهم إنزالهم هذه المنزلةِ التي أنزلَهُم اللهُ إياها فلا حزنٌ ولا غمٌ ولا هم، بل استبشارٌ وفضلٌ ونعيمٌ.
كما أنّ الشهيدَ وحدَهُ هو الذي يحبُّ أنْ يرجعَ إلى الدنيا، فيُقتَل في سبيلِ اللهِ مراتٍ ومراتٍ، يقولُ النبيُ صلى اللهُ عليه وسلم:(ما أحَدٌ يدخلُ الجنَّةَ، يحبُّ أنْ يرجِعَ إلى الدُّنيا ولَهُ ما علَى الأرضِ مِن شيءٍ إلَّا الشَّهيدُ يتمنَّى أنْ يرجعَ إلى الدُّنيا فيُقتلَ عَشرَ مرَّاتٍ، لما يَرى منَ الكَرامةِ) (رواه البخاري).
ويتميزُ الشهيدُ يومَ القيامةِ بهيئةٍ خاصةٍ دون غيرِه, كما تنبعثُ مِن جسدهِ ريحٌ طيبةٌ تتطاولُ لها الأعناقُ وتنحني لها الهاماتُ إجلالا واحتراماً، يقولُ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُكْلَمُ – أي يجرح – أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ، إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ – يجري متفجرا أي كثيرا – دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ)(رواه مسلم)، والشهداءُ أولُ مَن يُقضَى بينهم يوم القيامةِ مع النبيين، فيا له مِن شرفٍ ما بعده شرفٌ، قال تعالى: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (الزمر(69).
وقد أسقطَ اللهُ (عز وجل) عن الشهيدِ ذنوبَهُ وكتبَ له المغفرةَ عند سقوطِ أولَ قطرةٍ من دمهِ، يقولُ النبيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (للشهيدِ عندَ اللهِ ستُّ خصالٍ: يُغفرُ لهُ في أولِ دفعةٍ، ويَرى مقعدَهُ منَ الجنةِ، ويُجارُ منْ عذابِ القبرِ، ويأمنُ منَ الفزعِ الأكبرِ، ويُوضعُ على رأسِهِ تاجُ الوقارِ، الياقوتةُ منها خيرٌ منَ الدنيا وما فيها، ويُزوَّجُ اثنتينِ وسبعينَ زوجةً من الحورِ العينِ، ويُشفَّعُ في سبعينَ منْ أقاربِهِ) (أخرجه الترمذي في سننه)، فعندما يشفعُ كلُّ شهيدٍ في سبعين مِن أهلهِ يكون الجميعُ بمشيئةِ اللهِ في الجنةِ.
وقد ضمنَ اللهُ للشهيدِ إحدى الحُسْنَيَيْن: إمّا النصرُ والغنيمةُ أو الشهادةُ والجنةُ، يقولُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لا يُخْرِجُهُ إِلَّا إِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي أَنْ أُرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ أَوْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَلَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ )(رواه البخاري).
فلأجلِ هذه الكرامةِ الربانيةِ للشهداءِ، ولعظمِ ما أعدَّ اللهُ لهم من الجزاءِ، رأينا النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم يتمنى أن لا يتخلفَ عن سريةٍ تغزو في سبيلِ اللهِ، وما منعهُ من الخروجِ في كلِّ سريةٍ إلا خشيةَ أنْ يشقَّ على أصحابهِ، وكان صلى اللهُ عليه وسلم يتمنى أنْ يُقتلَ شهيداً في سبيلِ اللهِ مراتٍ متعددةٍ.
*****
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ علي خاتم الأنبياءِ والمرسلين، سيدِنا محمدٍ (صلي الله عليه وسلم)، وعلي آلهِ وصحبهِ أجمعين.
ثالثاً: فلسفةُ الحربِ في الإسلامِ
الحربُ ليستْ غايةً ولا هدفاً لأيِّ دولةٍ رشيدةٍ أو حكمٍ رشيدّ، كما أنها ليستْ نزهةً أو فسحةً، وكان نبيُّنا(صلي الله عليه وسلم) يقولُ:( لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وسَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا) (رواه البخاري)، بل إنّ الحربَ في الإسلامِ إنما هي حربٌ دفاعيةٌ شُرعتْ لردِّ الظلمِ والعدوان، وهي محصورةٌ في ردِّ الاعتداءِ ودفعِ الظلمِ، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانه وتعالي:( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)(الحج 39)، ويقولُ الحقُّ سبحانه: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)(البقرة 190)، ففي هذه النصوصِ ما يؤكدُ أنّ الإسلامَ لا يعرفُ الاعتداءَ أو الظلمَ، إنما شرعَ القتالَ أصلاً لردِّ العدوانِ والاعتداءِ، فأذِنَ الحقُّ سبحانه للذين يقاتلون ظلماً بأن يهبُّوا للدفاعِ عن أنفسِهم، علي ألا يعتدوا، وألا يغدروا، وألا يسرفوا في الدماءِ، أو يتوسعوا فيما أذنَ لهم به من دفعِ العدوانِ.
وحتى في الحربِ التي هي ردٌّ للاعتداءِ نهي الإسلامُ نهياً صريحاً عن تخريبِ العامرِ، وهدمِ البنيانِ، وكان أصحابُ رسولِ اللهِ (صلي الله عليه وسلم)، حين يجهزون جيوشَهم يوصون قادتِهَا ألا يقطعوا شجراً، وألا يحرقوا زرعاً، أو يخربوا عامراً، أو يهدموا بنياناً، إلا إذا تحصنَ العدوُّ به واضطرهم إلى ذلك ولم يجدوا عنه بديلاً، وألا يتعرضوا للزراعِ في مزارعِهم، ولا الرهبانِ في صوامعِهم، وألا يقتلوا امرأةً ولا شيخاً فانياً ما داموا لم يشتركوا في القتالِ.
وقد ظلَّ النبيُّ (صلي الله عليه وسلم) وأصحابُه في مكةً المكرمةِ ثلاثةَ عشرَ عاما يتحملون أذيَ المشركين دونَ أنْ يؤذنَ لهم بالقتال ولو دفاعاً عن أنفسِهم لأسبابٍ مِن أهمِّها وفي مقدمتِها: استنفادُ سائر الوسائلِ السلميةِ في الدعوةِ المبنية علي الحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ، وتربيةِ المؤمنين علي أقصي درجاتِ ضبطِ النفسِ وتحملِ الأذى في سبيلِ الله، وإقامةِ الحجةِ علي الخصمِ.
وإذا نظرنَا إلي سيرةِ النبيِّ (صلي الله عليه وسلم) في هذا الجانبِ، نجدُ أنَّ النبيَّ (صلي الله عليه وسلم) في غزوةِ الخندقِ، حين اجتمعتْ الأحزابُ من كلِّ حدبٍ وصوبٍ لحصارِ المدينةِ، فكان القتالُ دفاعاً عن النفسِ، والوطنِ، والديارِ، والأرضِ، والعرضِ، وهو ما يصورُه الحقُّ سبحانه وتعالي في قوله:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا * وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا)(سورة الأحزاب 8 ـ 13)، ثم يصورُ سبحانَهُ وتعالي حالَ المؤمنين الصادقين، فيقولُ:( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا * مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا)(سورة الأحزاب 22 ـ 25).
ويجبُ التأكيد على أنّ البشريةَ لو بذلتْ في سبيلِ السلامِ والبناءِ، والنماءِ والتنميةِ، ورعايةِ الضعفاءِ والمحتاجين والمهمشين في العالم معشارَ ما تنفقُه على الحروبِ والتسليحِ، وتخلى الأنانيون عن نفعيتِهم وأنانيتِهم، لانصلحَ حالُ البشريةِ جمعاء، ولعاشَ العالمُ كلهُ في سلامٍ وأمانٍ، ويجبُ على كلِّ عاقلٍ رشيدٍ محبٍ للسلامِ أنْ يكونَ في جانبِ السلامِ والبناءِ والتعميرِ لا جانبَ الاحترابِ والتدميرِ.
اللهم احفظ بلادَنا، وأدم علينا نعمةَ الأمنِ والأمانِ
الدعاء،،،،، وأقم الصلاةَ ،،،،،
كتبه: الراجي عفو ربه
طه ممدوح عبد الوهاب
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف