أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة 21 يوليو 2023م بعنوان : الأخذ بالأسباب في الهجرة النبوية المشرفة للدكتور مسعود عرابي

خطبة الجمعة القادمة 21 يوليو 2023م بعنوان : الأخذ بالأسباب في الهجرة النبوية المشرفة للدكتور مسعود عرابي، بتاريخ  3 محرم 1445هـ ، الموافق 21 يوليو 2023م

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 21 يوليو 2023م بصيغة word بعنوان : الأخذ بالأسباب في الهجرة النبوية المشرفة ، للدكتور مسعود عرابي

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 21 يوليو 2023م بصيغة pdf بعنوان : الأخذ بالأسباب في الهجرة النبوية المشرفة ، للدكتور مسعود عرابي

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 21 يوليو 2023م ، بعنوان : الأخذ بالأسباب في الهجرة النبوية المشرفة ، للدكتور مسعود عرابي.

 

أولاً: للهجرة النبوية المطهرة أسبابها.

ثانيًا: فضل الهجرة النبوية المطهرة.

ثالثًا: الأخذ بالأسباب من أهم دروس الهجرة النبوية العطرة.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 21 يوليو 2023م ، بعنوان : الأخذ بالأسباب في الهجرة النبوية المشرفة ، للدكتور مسعود عرابي ، كما يلي:

الأخذ بالأسباب في الهجرة النبوية المشرفة

الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك وما كان معه من إله، الذي لا إله إلا هو فلا خالق غيره ولا رب سواه، المستحق لجميع أنواع العبادة وإذا قضى ألا نعبد إلا إياه، ذلك بأنَّ الله هو الحق، وأنَّ ما يدعون من دونه هو الباطل، وأنَّ الله هو العلي الكبير.

وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. وأشهدُ أنَّ محمدًا عبده ورسـوله، الهادي إلى السنن الأرشد بالوحي الذي أُوحاه الله إليه، وبالكتاب الذي أُنزل عليه، مبلغًا لرسالته، ومناديًا إلى عبادته، صادعًا بِالدُّعَاءِ إِلَى توحيده، مُعْلنا بتعظيمه وتمجيده. ناصحاً لأمته وعبيده، اللهم صل عليه صلاة زاكية نامية، وَسلم تسَليمًا كثيرا وعَلى أَصْحَابه وَأهل بَيته الَّذين أذهب الله عَنْهُم الرجس وطهرهم تَطْهِيرا.

لمــــــا أراد الله جـــــــل جــــــــــلاله … أن ينقــــذ الدنيـا مــــن العــــــثرات

أهـــداك ربك للــــــورى يا ســيدي … فيضًا من الأنـــــوار والرحــمات

وبعـــد… فإن خطبتنا هذه بعون الله ومــدده وتوفيقه ورعايته تدور حـــول هذه العناصـر:

أولاً: للهجرة النبوية المطهرة أسبابها.

ثانيًا: فضل الهجرة النبوية المطهرة.

ثالثًا: الأخذ بالأسباب من أهم دروس الهجرة النبوية العطرة.

العنصر الأول من خطبة الجمعة 21 يوليو 2023م بعنوان : الأخذ بالأسباب في الهجرة النبوية المشرفة 

  أولاً: للهجرة النبوية المطهرة أسبابها.

تطالعنا كل عام في هذا الشهر العظيم، ذكريات عطـــــرة، وسيرة مشرقة، وحدث مهيب، حل على الدنيا بأثرها ليخرج البشرية من الظلام الدامس، والظلم الواقع على النساء والضعفاء، والعصبية المقيتة، والفواحش المبغضة إلى نفحات عبير، وعطور عدل، وسحائب رحمات تطير في الآفاق يعيشها من خالطوا رسول الله r، وينظر إليها من هم في قبضة أهل الشرك من المستضعفين، فيتجدد لديه الأمل، ويحدو بهم العزم إلى مزيد من التحمل والصبر على أذى الأعداء، ويستشرفون النصر يلوح في الأفق، ويتيقنون أن رسول الله r لا يهدأ له بال، ولا يستقيم له عيش حتى يخلصهم مما هم فيه من العذاب والتنكيل، وتتلخص أسباب هذه الهجرة العطرة في إعراض أهل مكة عن دعوة النبي r، ومحاربتهم لهذه الدعوة، فلم يتركوا له بصيصٍ من الأمل يصل من خلاله إلى الناس، ولم تضع الحرب أوزارها على كل من دخل في هذا الدين، حتى ضاقت على أهل الإسلام الدنيا بما رحبت، وسدت عليهم المنافذ، وتعدى خطر الاعتداء الضعفاء والعبيد حتى نال الشرفاء والأسياد.

قام أَبُو بَكْرٍ الصديق t فِي النَّاسِ يومًا خَطِيبًا، وَرَسُــــــــــولُ اللَّهِ r جَالِسٌ، فَكَانَ أَوَّلَ خَطِيبٍ دَعَا

إِلَى اللَّهِ وًرَسُولِهِ r وَثَارَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَضُرِبُوا فِي نَوَاحِي الْمَسْجِدِ ضَرْبًا شَدِيدًا، وَدَنَا مِنْهُ الْفَاسِقُ عُتْبَةُ بن ربيعَة فَجعل يضْربهُ بنعلين وَيُحَرِّفُهُمَا لِوَجْهِهِ، ووثب عَلَى بَطْنِه حَتَّى مَا يُعْرَفُ وَجْهُهُ مِنْ أَنْفِهِ، فجَاءَت قبيلته يَتَعَادَوْنَ فَخلصوه من الْمُشْرِكِينَ، وَحَمَلوه فِي ثَوْبٍ حَتَّى أَدْخَلُوهُ مَنْزِلَهُ، وَلَا يَشُكُّونَ فِي مَوْتِهِ، ثُمَّ دَخَلُوا الْمَسْجِدَ، وَقَالُوا: وَاللَّهِ لَئِنْ مَاتَ أَبُو بَكْرٍ لَنَقْتُلَنَّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، ثم رجعوا إِلَى أَبِي بَكْرٍ t فَجَعَلَ أَبُو قُحَافَةَ وَبَنُو تَيْمٍ يُكَلِّمُونَ أَبَا بَكْرٍ حَتَّى أَجَابَ، فَتَكَلَّمَ آخِرَ النَّهَارِ فَقَالَ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ r فَمَسُّوا مِنْهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وقَامُوا، وَقَالُوا لِأُمِّهِ أُمِّ الْخَيْرِ: انْظُرِي أَنْ تُطْعِمِيهِ شَيْئًا أَوْ تَسْقِيهِ إِيَّاهُ؟. فَلَمَّا خَلَتْ بِهِ أَلَحَّتْ عَلَيْهِ، وَجَعَلَ يَقُولُ: مَا فَعَلَ رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَتْ: وَالله مالي عَلْمٌ بِصَاحِبِكَ. فَقَالَ: اذْهَبِي إِلَى أُمِّ جَمِيلِ بِنْتِ الْخَطَّابِ فَاسْأَلِيهَا عَنْهُ. فَخَرَجَتْ حَتَّى جَاءَتْ أُمَّ جَمِيلٍ فَقَالَتْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ يَسْأَلُكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؟ فَقَالَتْ: مَا أَعْرِفُ أَبَا بَكْرٍ وَلَا مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَإِنْ كُنْتِ تُحِبِّينَ أَنْ أَذْهَبَ مَعَكِ إِلَى ابْنِكِ.

قَالَتْ: نَعَمْ. فَمَضَتْ مَعَهَا حَتَّى وَجَدَتْ أَبَا بَكْرٍ صَرِيعًا، فَدَنَتْ أُمُّ جَمِيلٍ وَأَعْلَنَتْ بِالصِّيَاحِ وَقَالَتْ: وَاللَّهِ إِنَّ قَوْمَا نَالُوا هَذَا مِنْكَ لَأَهْلُ فِسْقٍ وَكُفْرٍ، وَإِنِّي لأرجو أَن ينْتَقم الله لَك مِنْهُم. قَالَ: فَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ r قَالَتْ: هَذِهِ أَمُّكَ تَسْمَعُ. قَالَ: فَلَا شيء عَلَيْكِ مِنْهَا. قَالَتْ: سَالِمٌ صَالِحٌ. قَالَ: أَيْنَ هُوَ؟ قَالَتْ: فِي دَارِ ابْنِ الْأَرْقَمِ. قَالَ: فَإِنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أَذُوقَ طَعَامًا وَلَا أَشْرَبَ شَرَابًا أَوْ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ r فَأَمْهَلَتَا حَتَّى إِذَا هَدَأَتِ الرِّجْلُ وَسَكَنَ النَّاسُ، خَرَجَتَا بِهِ يَتَّكِئُ عَلَيْهِمَا حَتَّى أَدْخَلَتَاهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ r فَقَبَّلَهُ، وَأَكَبَّ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، وَرَقَّ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r رِقَّةً شَدِيدَةً، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْسَ بِي بَأْسٌ إِلَّا مَا نَالَ الْفَاسِقُ مِنْ وَجْهِي، وَهَذِهِ أُمِّي بَرَّةٌ بِوَلَدِهَا، وَأَنْتَ مُبَارَكٌ فَادْعُهَا إِلَى اللَّهِ، وَادْعُ اللَّهَ لَهَا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَسْتَنْقِذَهَا بِكَ مِنَ النَّارِ. قَالَ: فَدَعَا لَهَا رَسُولُ اللَّهِ r وَدَعَاهَا إِلَى اللَّهِ فَأَسْلَمَتْ. [ السيرة النبوية لابن كثير ].

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل نال التعذيب سيد الأنبياء والمرسلين، وهدية الله للناس أجمعين، فضيقوا عليه، وأغلقوا في وجهه كل سبيل، ولم يطلب منهم الكثير ولا القليل، سوى أنْ يخلُّوا بينه وبين الناس، فأبوا عليه ذلك، فخرج يستنجد بقبائل العرب فلم يجيبوه، بل نالوا منه وآذوه، فعند مسلم من حديث أم المؤمنين عائشة ــــ رضي الله عنها ــــ قالت: لِرَسُولِ اللهِ r : يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ فَقَالَ: « لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ ــــ عَزَّ وَجَلَّ ــــ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رُدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ ». قَالَ رسول الله r: « فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ، فَمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ ». فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ: « بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ».

ولم يكتفوا بتجفيف منابع الدعوة، ولا بتعذيب الضعفاء، ولا بالنيل من الشرفاء، بل تعدى الخطر على دعوة الإسلام إلى أنْ تآمروا على قتل رسول الله r ، فلمَّا تيْقَنَتْ قُرَيْشٌ أَنَّه قَدْ بايع أهل المدينة، وَأَمَرَ أصحابه بالهجرة إليها، قَالُوا: أَجْمِعُوا فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ r فو الله، ليعود عليكم بالرجال، فاقْتُلُوهُ أَوْ أَخْرِجُوهُ، فَاجْتَمَعُوا فِي دَارِ النَّدْوَةِ، فَلَمَّا دَخَلُوا الدَّارَ اعْتَرَضَهُمُ الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ، فَقَالَوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ سَمِعَ بِالَّذِي اجْتَمَعْتُمْ لَهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَحْضُرَهُ مَعَكُمْ، فَقَالُوا: ادْخُلْ .. فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَرَى أَنْ تَحْبِسُوهُ، حَتَّى يَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، فَقَالَ الشيطانُ: وَاللهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ، وَاللهِ لَئِنْ فَعَلْتُمْ لَيَخْرُجَ رَأْيُهُ وَحَدِيثُهُ إِلَى أَصْحَابِهِ، فيَنْتَزِعُوهُ مِنْ أَيْدِيكُمْ، ثُمَّ يَغْلِبُوكُمْ، فَقَالَ آخر: بَلْ نُخْرِجُهُ مِنْ بِلَادِنَا، فَإِذَا غُيِّبَ عَنَّا وجهه وحديثه، نجمع بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرَنَا ونصلح ذَاتَ بَيْنِنَا، قَالَ الشيطان: لَا وَاللهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ، أَمَا رَأَيْتُمْ حَلَاوَةَ مَنْطِقِهِ، وَحُسْنَ حَدِيثِهِ، وَغَلَبَتَهُ عَلَى مَنْ يَلْقَاهُ، وَاللهِ إِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ، فيدخل عَلَى قَبِيلَةٍ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ، فتجمع مَعَهُ عَلَى رَأْيِهِ، ثُمَّ يسير بِهِمْ إِلَيْكُمْ، فَلَا وَاللهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ.

فقَالَ أَبُو جَهْلِ: أَرَى أَنْ تَأْخُذُوا مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ شابًا جَلْدًا، ثُمَّ تُعْطُوهُمْ سيفًا صَارِمًا، ثُمَّ يَجْتَمِعُوا فَيَضْرِبُوهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمُوهُ تَفَرَّقَ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ، فَلَمْ تَدْرِ عَبْدُ مَنَافٍ مَا تَصْنَعُ، وَلَمْ يَقْوَوْا عَلَى حَرْبِ قَوْمِهِمْ، فيرضون بالدية. فقَالَ الشيطان: لِلَّهِ دَرُّ الْفَتَى هَذَا الرَّأْيُ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ.

فَتَفَرَّقُوا عَلَى ذَلِكَ وَاجْتَمَعُوا لَهُ وَأَتَى رَسُولَ اللهِ r الْخَبَرُ، وَأُمِرَ أَنْ لَا يَنَامَ عَلَى فِرَاشِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمْ يَبِتْ رَسُولُ اللهِ r حَيْثُ كَانَ يَبِيتُ، وَبَيَّتَ عَلِيًّا فِي مَضْجَعِهِ ». [ دلائل النبوة للبيهقي ]. وخرج رسول الله r من بينهم سالمًا، بعــــــــــــدما حثى التراب على رؤوسهم، وهو يردد قول الله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ . [ يس، 9 ].

وهنا تجلت قدرة الله تعالى، ورعايته لنبيه ومصطفاه، فطمس الله تعالى على أبصارهم، حتى لا يرون رسول الله r وهو خارج من بيته، وخاب تدبيرهم، ورد الله عليهم مكرهم، وكشف سترهم، وأظهر ضعفهم، وأورثهم الذل والصغار والانهزام أمام رسول الله r، بكل ما يملكون من قوة وعتاد، تلك هي عناية الله ورعايته التي وعد بها نبيه r.

العنصر الثاني من خطبة الجمعة 21 يوليو 2023م بعنوان : الأخذ بالأسباب في الهجرة النبوية المشرفة 

ثانيًا: فضل الهجرة النبوية المطهرة.

أما عن فضل الهجرة النبوية المشرفة، فحدث ولا حرج، فمن شرفها جعلها المسلمون بدايات تأريخ لأمة الإسلام، يعرف به الوقائع والأيام، وما كانوا ليجمعوا على هذا إلا لعظمها، وبليغ فضلها، وليس هذا فحسب، إنما امتد فضلها حتى أصبحت ميزان تفاضل بين أصحاب رسول الله r ، ففي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري t قال: بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ r وَنَحْنُ بِاليَمَنِ، فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ أَنَا وَأَخَوَانِ لِي أَنَا أَصْغَرُهُمْ، فِي ثَلاَثَةٍ وَخَمْسِينَ، أَوِ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي، فَرَكِبْنَا سَفِينَةً، فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالحَبَشَةِ، فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ r حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، وَكَانَ أُنَاسٌ مِنَ النَّاسِ يَقُولُونَ لَنَا، يَعْنِي لِأَهْلِ السَّفِينَةِ: سَبَقْنَاكُمْ بِالهِجْرَةِ، وَدَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَهِيَ مِمَّنْ قَدِمَ مَعَنَا، عَلَى حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ r زَائِرَةً، وَقَدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إِلَى النَّجَاشِيِّ فِيمَنْ هَاجَرَ، فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ، وَأَسْمَاءُ عِنْدَهَا، فَقَالَ عُمَرُ حِينَ رَأَى أَسْمَاءَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ: أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، قَالَ عُمَرُ: الحَبَشِيَّةُ هَذِهِ البَحْرِيَّةُ هَذِهِ؟ قَالَتْ أَسْمَاءُ: نَعَمْ، قَالَ: سَبَقْنَاكُمْ بِالهِجْرَةِ، فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللَّهِ r مِنْكُمْ، فَغَضِبَتْ وَقَالَتْ: كَلَّا وَاللَّهِ، كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ، وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ، وَكُنَّا فِي أَرْضِ البُعَدَاءِ البُغَضَاءِ بِالحَبَشَةِ، وَذَلِكَ فِي اللَّهِ وَفِي رَسُولِهِ r وَايْمُ اللَّهِ لاَ أَطْعَمُ طَعَامًا وَلاَ أَشْرَبُ شَرَابًا، حَتَّى أَذْكُرَ مَا قُلْتَ لِرَسُولِ اللَّهِ r وَنَحْنُ كُنَّا نُؤْذَى وَنُخَافُ، وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ r وَأَسْأَلُهُ، وَاللَّهِ لاَ أَكْذِبُ وَلاَ أَزِيغُ، وَلاَ أَزِيدُ عَلَيْهِ … فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ r قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ عُمَـــرَ قَالَ: كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: « فَمَا قُلْتِ لَهُ؟ » قَالَتْ: قُلْتُ لَهُ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: « لَيْسَ بِأَحَقَّ بِي مِنْكُمْ، وَلَهُ وَلِأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكُمْ أَنْتُمْ .. هِجْرَتَانِ »، قَالَتْ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ يَأْتُونِي أَرْسَالًا، يَسْأَلُونِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، مَا مِنَ الدُّنْيَا شَيْءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ وَلاَ أَعْظَمُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمَّا قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ r.

ومن جليل فضلها أنها تجب ما قبلها من الذنوب، وأجرها لا يعلم فضله إلا الله تعالى، وإخفاء الأجر دليل على عظمه، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾. [ النساء ].

لما نزلت هذه الآيات سمعها رجل من بني ليث شيخ كبير، فقال: والله ما أنا ممن استثنى الله وإني لأجد حيلة، وإن لي من المال ما يبلغني المدينة وأبعد منها، والله لا أبقى الليلة بمكة، أخرجوني، فخرجوا به يحملونه على سرير حتى أتوا به إلى التسنيم، فأدركه الموت بها، فصفق يمينه على شماله. ثم قال: اللهم هذه بيعتي لك وهذه بيعتي لرسولك، أبايعك على ما بايعك عليه رسولك، فمات شهيدًا، فأتى خبره أصحاب رسول الله r فقالوا: لو وافى المدينة لكان مهاجرًا، وقال المشركون، وضحكوا منه: ما أدرك هذا ما طلب، فأنزل الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾. قبل بلوغه إلى مهاجره، فقد وجب ثوابه عَلَى اللَّهِ بإيجابه ذلك على نفسه. [ تفسير الثعلبي ].

وعند مسلم في صحيحه، قال عمـــرو بن العاص t : فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ r فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي، قَالَ: « مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟ ». قَالَ: قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ، قَالَ: « تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟ ». قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: « أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ ».

العنصر الثالث من خطبة الجمعة 21 يوليو 2023م بعنوان : الأخذ بالأسباب في الهجرة النبوية المشرفة 

ثالثًا: الأخذ بالأسباب من أهم دروس الهجرة النبوية العطرة.

والهجرة النبوية المطهرة مليئة بالدروس والعبر، لكن من أجل دروسها، هو الأخذ بالأسباب، والتخطيط الجيد لهذه الرحلة المباركة، فرسول الله r رغم يقينه أنَّ الله يعصمه من الناس، لكنه لم يتواكل، بل خطط تخطيطًا محكمًا، فجعل علي بن أبي طالب ينام في فراشه ليخادع الأعداء، ويرد الأمانات لأصحابها، وعامر بن فهيرة يخفي الأثر إلى الغار، وعبد الله بن أبي بكر يستطلع الأخبار،  وأسماء بنت أبي بكر تمدهم بالغذاء، ثم جهز راحلتين عند عبد الله بن أريقط .. دليل الرحلة إلى المدينة، فعند البخاري من حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: « وَاسْتَأْجَرَ النَّبِيُّ r وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا – الخِرِّيتُ: المَاهِرُ بِالهِدَايَةِ – قَدْ غَمَسَ يَمِينَ حِلْفٍ فِي آلِ العَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، فَأَتَاهُمَا بِرَاحِلَتَيْهِمَا صَبِيحَةَ لَيَالٍ ثَلاَثٍ، فَارْتَحَلاَ وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَالدَّلِيلُ الدِّيلِيُّ، فَأَخَذَ بِهِمْ أَسْفَلَ مَكَّةَ وَهُوَ طَرِيقُ السَّاحِلِ ».

والذي يثير الدهشة أن دليل رسول الله r في الرحلة لم يكن مسلمًا؛ إنما كان على دين قريش،  وكانت لديه العديد من الدوافع التي تخيل له أن يخون، فقريش رصدت جائزة كبرى لمن يأتي بالنبي r وأبو بكرٍ حيا أو ميتا قدرها مائة بعير، ولكنه لم يطمع في هذا، وهذا إن دل فإنما يدل على أنَّ الفطرة السليمة تأبى الخيانة والانحطاط، وأن سوم بكنوز الأرض، فهي لا تساوي شيئًا أمام ما يفقده المرء من المروءة والأمانة والأخلاق، قال تعالى: ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ).

واختار أبو بكر الصديق صديقًا… تقول أمنا عائشة، فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ يَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ، ثُمَّ خَرَجَا حَتَّى لَحِقَا بِالْغَارِ فِي ثَوْرٍ. ولخطورة الصحبة حذر منها القرآن، وبين أن الأخلاء بعضهم يومئذ لبعض عدو إلا من اجتمعوا على التقوى، وشبه النبي r الجليس الصالح بحامل المسك، والصاحب السوء بنافخ الكير، وأنَّ المرء على دين خليله، فكم من مستقيم أفسده صديق سوء، وكم من البشر من هو أشد ضلالة لأخيه الإنسان من الشيطان. والشواهد في شريعتنا الغراء كثيرة.

أذكر منها ما يتعلق بالهجرة، لما اجتمعوا يتفاوضون في أمر رسول الله r ، فلم يرق لإبليس إلا رأي أبو جهل، فالصاحب ساحب، فليحذر كل منا عند الاختيار، فكم من صديق كان سبب شدة وضيق.

 اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا .. واحفظ الله مصرنا الحبيبة، وشعبها، وقادتها من كل مكروه وسوء .. اللهم آمين!

بقلم: مسعود عرابي .. عضو هيئة تدريس بجامعة الأزهر.

 

_____________________________________

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »
error: Content is protected !!