أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة 18 أبريل : إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا ، للدكتور محروس حفظي

بتاريخ 19 شوال 1446هـ ، الموافق 18 أبريل 2025م

خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة 18 أبريل 2025 م بعنوان : إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا ، للدكتور محروس حفظي بتاريخ 19 شوال 1446هـ ، الموافق 18 أبريل 2025م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 18 أبريل 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا.

ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 18 أبريل 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا، بصيغة  word أضغط هنا.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 18 أبريل 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

___________________________________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

و للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

و للمزيد عن الدروس الدينية

خطبة الجمعة القادمة 18 أبريل 2025 م بعنوان : إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا ، للدكتور محروس حفظي بتاريخ 19 شوال 1446هـ ، الموافق 18 أبريل 2025م
خطبة الجمعة القادمة 18 أبريل 2025 م بعنوان : إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا ، للدكتور محروس حفظي

عناصر خطبة الجمعة القادمة 18 أبريل 2025م بعنوان : إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا ، للدكتور محروس حفظي :

 

(1) الإسلامُ يرغبُ في العلمِ، ويحثُّ عليهِ.

(2) تحملُ المشاقِّ في سبيلِ طلبِ العلمِ.

(3) نصائحُ مهمةٌ لطالبِ العلمِ.

(4) أثرُ العلمِ في بناءِ الإنسانِ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 18 أبريل 2025م بعنوان: إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي: 

 

خطبة بعنوان: «إذا استنارَ العقلُ بالعلمِ أنارَ الدنيا»

بتاريخ 19 شوال 1446 هـ = الموافق 18 أبريل 2025 م

 

الحمدُ للهِ حمداً يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىُء مزيدَهُ، لكَ الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ،،،

العنصر الأول من خطبة الجمعة 18 أبريل : إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا

(1) الإسلامُ يرغبُ في العلمِ، ويحثُّ عليهِ:

العلمُ أشرفُ شيءٍ في هذا الوجودِ، وهو أنفسُ ما تستعملُ فيه الأعمارُ والساعاتُ، وأولَى ما أُنفقتْ فيه نفائسُ الأموالِ والأوقاتِ، لذا رغّبَ الإسلامُ في العلمِ والتعلمِ منذُ لحظاتِهِ الأولَى؟! فأولُ كلمةٍ تنزلتْ على قلبِ سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ تأمرُهُ بتلمسِ العلمِ ﴿اقرأْ﴾، قال َسبحانَهُ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾، وهي تدلُّنَا على الطَّريقِ السليمِ، والصِّراطِ المستقيمِ، والمُتمثِّل في مدَى اهتمامِ الإسلامِ بالعِلم، وأهَمِّيةِ البحثِ العلمِيِّ وقيمتِهِ بالنِّسبةِ للفردِ والأُسرةِ والمُجتمعِ، تلكَ الآيةُ الأولَى ﴿اقرأْ﴾: تعلمْ وخذْ، لكنْ باسمِ ربِّكَ لا باسمِ الهوَى، لا باسمِ النزعةِ الإنسانيةِ الطاغيةِ، لا باسمِ الشهوةِ التي فيهَا نوعٌ مِن العدوانِ البشرِي باستخدامِ القوةِ والتسلطِ على البشرِ، هذه مزيةُ الإسلامِ على غيرِهِ مِن الحضاراتِ الماديةِ، ولذا لم يأمرْ اللهُ رسولَهُ ﷺ بالتزودِ مِن شيءٍ إلّا مِن العلمِ، فقالَ لهُ: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾.

 بل أقسمَ سبحانَهُ بآلةِ العلمِ وهو “القلمُ” فقالَ تعالى: ﴿ن * وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ﴾؛ فَ “الْقَسَمُ بِالْقَلَمِ؛ لِشَرَفِهِ بِأَنَّهُ يُكْتَبُ بِهِ الْقُرْآنُ، وَكُتِبَتْ بِهِ الْكُتُبُ الْمُقَدَّسَةُ، وَتُكْتَبُ بِهِ كُتُبُ التَّرْبِيَةِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْعُلُومِ وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا لَهُ حَظُّ شَرَفٍ عِنْدَ اللَّهِ.

إنَّ الإسلامَ حينما رغّبَ في العلمِ ليسَ المقصودُ بهِ العلمَ الشرعِيَّ الدينِيَّ فحسب، وإنّمَا كلُّ علمٍ نافعٍ مفيدٍ يسهمُ في التقدمِ الحضاري، والإثراءِ المعرفِي، ويقوِّي ويعززُ قدرةَ المجتمعِ، وقد جعلَ اللهُ اكتسابَ هذه العلومِ مِن الواجباتِ الكفائيةِ التي تُطالبُ الأمةُ بها في مجموعِهَا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «الْكَلِمَةُ الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ، حَيْثُمَا وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» (ابن ماجه)، وقد قرنَ اللهُ شهادةَ العلماءِ بشهادةِ الملائكةِ، وجعلَ أهلَ العلمِ شهداءَ على وحدانيتِهِ وألوهيتِهِ؛ وذلك لعظمِ قدرِهِم فقالَ تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾، فالعلمُ دليلُ الإيمانِ، ولولا العلمُ ما عرفَ الخلقُ ربَّهُم، ولا عرفُوا كيف يعبدونَهُ، وبه توصلُ الأرحامُ، وبه يُعرفُ الحلالُ مِن الحرامِ، يلهمهُ السعداء، ويحرمهُ الأشقياء قال معاذُ بنُ جبلٍ: “تعلمُوا العلمَ، فإنَّ تعلُّمَهُ للهِ خشيةٌ، وطلبَهُ عبادةٌ، ومدارستَهُ تسبيحٌ، والبحثَ عنهُ جهادٌ، وتعليمَهُ لمَن لا يعلمهُ صدقةٌ، وبذلَهُ لأهلهِ قُربةٌ، وهو الأنيسُ في الوحشةِ، والصاحبُ في الخلوةِ” بل إنَّ الأهدافَ الجليلةَ لا يعقلُهَا إلّا مَن يفهمُ عن اللهِ أمرَهُ ونهيَهُ، ولذا وصفَ اللهُ طالبَ العلمِ بأنّهُ يملكُ مِن أدواتِ الفهمِ والاستنباطِ شيئاً عظيماً فقالَ سبحانَهُ: ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾، وليحذرْ العبدُ أنْ يكونَ العلمُ حُجّةً عليهِ لا لهُ فمِن الناسِ مَن طلبَهُ فكان عليهِ خيبةً وندامةً، كما قالَ اللهُ في علماء بنِي إسرائيلَ: ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً﴾، وقالَ واصفاً أحدَ علمائِهِم أيضاً: ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾.

تابع / خطبة الجمعة 18 أبريل : إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا

وقد بيّنَ اللَّهِ تَعَالَى لَمَّا أرادَ مِن نفيرِ الأحياءِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في غزوةِ تبوكٍ أنَّهُ ليسَ مِن الضرورِي أنْ ينفرَ جميعُ المؤمنينَ إلى الجهادِ، وأنَّهُ يكفِي أنْ ينفرَ مِن كلِّ فريقٍ منهُم قسمٌ، وأنَّ مِن شأنِ ذلكَ أنْ يتيحَ لبعضهِم التفقهَ في الدينِ وإنذارَ قومِهِم حينمَا يعودُونَ إليهِم حتى يحذرُوا مِمَّا يجبُ الحذرُ منهُ قالَ تعالَى: ﴿وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾، وبذلك يجمعُ المسلمونَ بينَ المصلحتينِ: مصلحةُ الدفاعِ عن الدينِ بالحجةِ والبرهانِ، ومصلحةُ الدفاعِ عنهُ بالسيفِ والسنانِ.

العنصر الثاني من خطبة الجمعة 18 أبريل : إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا

(2) تحملُ المشاقِّ في سبيلِ طلبِ العلمِ:

إنَّ الدولَ التي تسيطرُ على العالمِ وتتحكمُ فيهِ إنّمَا تسيطرُ عليهِ بالعلمِ، فيه بَنَتْ هذه الدولُ قوتَهَا الاقتصاديةَ، وأنتجتْ مِن الحاجياتِ ما لا يستغنِي عنهُ الآخرون، وبه صنعت رفاهيتَهَا الاجتماعيةَ، فعاشت شعوبُهَا في رخاءٍ وسلامٍ، وسعادةٍ واطمئنانٍ، وبه بَنَتْ قوتَهَا العسكريةَ التي أرعبتْ بهَا الخَلقَ، وأرغمتْ أنوفَ أعدائِهَا، ودافعتْ عن مصالحِهَا، وتحكمتْ في غيرِهَا مِن البلدانِ، وللهِ درُّ القائلِ:

العلمُ يرفعُ بيتاً لا عمادَ لهُ .. .. والجهلُ يهدمُ بيتَ العزِّ والشرفِ

مِن أجلِ هذا ينبغِي تحملُ المشاقِّ في سبيلِ استحواذِ العلمِ، و قد قصَّ علينَا القرآنُ الكريمُ خبرَ موسَى– عليهِ السلامُ-، وأخبرَ أنّهُ ركبَ البحرَ في طلبِ العلمِ، وتحمّلَ المشاقَّ في سبيلِ ذلكَ، وبوَّبَ البخاريُّ في كتابِ العلمِ: (بابُ ركوبِ البحرِ في طلبِ العلمِ)، و”بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟ ” قَالَ مُوسَى: لاَ، فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى مُوسَى: بَلَى، عَبْدُنَا خَضِرٌ، فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ الحُوتَ آيَةً، وَقِيلَ لَهُ: إِذَا فَقَدْتَ الحُوتَ فَارْجِعْ، فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ، وَكَانَ يَتَّبِعُ أَثَرَ الحُوتِ فِي البَحْرِ، فَقَالَ لِمُوسَى فَتَاهُ:﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾، قَالَ:﴿ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا﴾، فَوَجَدَا خَضِرًا، فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا الَّذِي قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ” (البخاري)، فلامَ اللهُ موسَى وعاتبَهُ على أنّهُ ما ردَّ العلمَ إلى اللهِ، وأرشدَهُ إلى الخضرِ وأخبرَهُ أنَّهُ أعلمُ منه، فسافرَ إليهِ وطلبَ منهُ أنْ يعلمَهُ “وَجَاءَ عُصْفُورٌ حَتَّى وَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، ثُمَّ نَقَرَ فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللهِ إِلَّا مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنَ الْبَحْرِ” (مسلم)، لكنْ لمَّا تعجلَ أمرَهُ حُرِمَ مِن مطالعةِ الأسرارِ اللدنيةِ قَالَ ﷺ:«يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى، لَوَدِدْتُ أَنَّهُ كَانَ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَخْبَارِهِمَا» (مسلم)،

 لكنْ لمَّا تعجلَ أمرَهُ حُرمَ مِن مطالعةِ الأسرارِ اللدنيةِ، قَالَ :«يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى، لَوَدِدْتُ أَنَّهُ كَانَ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَخْبَارِهِمَا» (مسلم)، وهنا ندركُ موطنَ العبرةِ وهو أنَّ الإنسانَ لا ينبغِي عليهِ ألَّا يكفَّ عن البحثِ العلمِي والشغفِ بهَا، فمهمَا وصلَ إليهِ مِن علومٍ فأمامَهُ الكثيرُ والكثيرُ، ويجبُ ألّا يصابَ بالغرورِ وإلّا كان الهلاكُ والدمارُ مصيرَهُ، وقد حكَى اللهُ في كتابهِ الحكيمِ عن أقوامٍ كان عاقبتهُم ذلكَ فقالَ تعالى: ﴿فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ﴾.

وفي قصةِ موسَى – عليه السلامُ- نلمحُ أيضاً حسنَ الأدبِ، وجميلَ التواضعِ الذي يجبُ أنْ يتحلَّى بهِ التلميذُ مع أستاذِهِ: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً﴾، يا ليتنَا نتأدبُ ونوقرُ مَن يعلمُنَا، وأنْ نسلَكَ أسلوباً لطيفاً؛ لأنَّ العبدَ يخاطبُ مَن هو أعلمُ منهُ، وله في نبيِّ اللهِ موسى أسوةٌ وقدوةٌ، وهو نبيٌّ قد آتاه اللهُ الوحيَ والمعجزةَ، أمّا سوءُ الاحترامِ فإنّهَا الآفةُ التي يعانِي منها البعضُ فلا يعرفونَ لعلمائِهِم حقَّهُم ولا يوقرونَهُم، بدعوى: “نحن رجالٌ وهم رجالٌ” .

تابع / خطبة الجمعة 18 أبريل : إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا

لقد حفلت كتبُ السيرِ والتراجمِ بذكرِ ثلةٍ مِن العلماءِ بذلُوا أرواحَهُم وحياتَهُم في سبيلِ تحصيلِ العلمِ، فقد سافرَ الصحابيُّ الجليلُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ الأنصارِي شهراً كاملاً في طلبِ حديثٍ واحدٍ مِن المدينةِ إلى الصحابِي عبدِ اللهِ بنِ أنيسٍ في مصرَ في العريشِ، فخرجَ عبدُ اللهِ بنُ أنيسٍ ورأىَ صاحبَهُ فعانقَهُ، “قلتُ: حديثٌ بلغنِي لم أسمعْهُ، خشيتُ أنْ أموتَ أو تموت”، فأخذَ الحديثُ وهو واقفٌ، ثم ركبَ ناقتَهُ وانصرفَ” (الأدب المفرد)، وعن عبدِ اللهِ بنِ بريدةَ: “أنَّ رجلاً مِن أصحابِ النبىِّ رحلَ إلى فضالةَ بنِ عبيد، وهو بمصرَ فقدمَ عليهِ وهو يمدُّ ناقةً لهُ فقال إنِّي لم آتك زائراً، إنَّمَا أتيتكَ لحديثٍ بلغنِي عن رسولِ اللهِ رجوتُ أنْ يكونَ عندكَ منهُ علمٌ، فرآهُ شعثاً، فقال: مالِي أراكَ شعثاً وأنت أميرُ البلادِ، قال: إنَّ النبيَّ كان ينهانَا عن كثيرٍ مِن الإرفاه أي: تركُ التنعمِ واللينِ، ورآه حافياً قال: إنّ النبيَّ أمرنَا أنْ نحتفيَ  أحياناً” (سنده جيد)، والظاهرُ أنَّ ذلك ليتعودوا الخشونَةَ وعدمِ الرفاهيةِ فربّمَا لا يجدُ يوماً ما نعلاً يلبسهُ، فيتأذَّى بمشيهِ حافياً فإذا تعودَ ذلك لا يتأذَّى بهِ.

تأملْ كيفَ كانَ صبرُهُم على البحثِ، والمثابرةُ على طلبِ العلمِ رغمَ أنّهُ لم يكنْ عندَهُم ما عندنَا مِن الوسائلِ الحديثةِ لكن سهّلَ اللهُ لهُم ذلك، وطوَى لهُم الطرقَ، وذلّلَ لهُم الصعابَ، قال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ المَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ العِلْمِ، وَإِنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ حَتَّى الحِيتَانُ فِي المَاءِ، وَفَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ، كَفَضْلِ القَمَرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ، إِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» (أبو داود)، فكتبَ اللهُ لهُم القبولَ وخُلّدَتْ ذكراهُم في ذاكرةِ التاريخِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ ، قَالَ: “إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ” (مسلم) .

العنصر الثالث من خطبة الجمعة 18 أبريل : إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا

(3) نصائحُ مهمةٌ لطالبِ العلمِ:

ثمةَ وصايا وردتْ عن أهلِ الخبرةِ والتجربةِ مِن العلماءِ العاملينَ، ومِن تلكَ الوصايا:

أولاً: الإخلاصُ في طلبِ العلمِ:  ينبغِي تصحيحُ النيةِ في طلبِ العلمِ بأنْ يكونَ خالصاً لوجهِ اللهِ – سبحانه-، وقد صدَّرَ الإمامُ البُخاريُّ كتابَهُ: «الجامع الصحيح» بحديث «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنما لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: “تَعَلَّمْنَا الْعِلْمَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَبَى أَنْ يَكُونَ إلَّا لِلَّهِ”، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: “طَلَبْنَا الْعِلْمَ لِلدُّنْيَا فَدَلَّنَا عَلَى تَرْكِ الدُّنْيَا”، وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ إنَّ مَعْمَرًا قَالَ: “كَانَ يُقَالُ: إنَّ الرَّجُلَ لَيَطْلُبُ الْعِلْمَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَيَأْبَى عَلَيْهِ الْعِلْمُ حَتَّى يَكُونَ لِلَّهِ”، وقد أرشد الشارع الحكيم إلى أن تقوى الله هي سبيل تحصيل العلم قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ .

ثانياً: ينبغِي لطالبِ العلمِ أنْ يستغرقَ جميعَ زمانِهِ: الوقتُ هو رأسُ مالِ الإنسانِ في هذه الحياةِ، ومَن فرّطَ في وقتِه ولم يستغلّهُ على الوجهِ الأمثلِ يكونُ قد خسرَ خسراناً كبيراً، وحُرِمَ أجراً عظيماً؛ ولذا سيُسْألُ الْعبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَة عن وقتِهِ وعلمِهِ ماذا عملَ فيهمَا عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ» (الترمذي وحسنه)، وإذا ملَّ مِن علمٍ يشتغلُ بعلمٍ آخر، وكان محمدُ بنُ الحسنِ الشيبانِي الحنفِي: “إذا ملَّ مِن نوعٍ ينظرُ في نوعٍ آخر، وكان يضعُ عندَهُ الماءَ ويزيلُ نومَهُ بالماءِ” أ.ه.

إنَّ الواقعَ يؤيدُ أنَّ الشخصَ عندمَا ينظمُ وقتَهُ، ويحددُ هدفَهُ، ويرتبُ أولوياتَهُ، ويخططُ لأعمالِهِ يكونُ أكثرَ إنجازاً مِن غيرِه، وأقربَ إلى توفيقِ ربِّهِ؛ لأنَّهُ أخذَ بالأسبابِ، وتوكلَ على مسببِ الأسبابِ، والصحابةُ قد حرصُوا على إِعْطَاءِ مَا يَسْتَحِقُّ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمٍ لِمَا أَصْلُهُ التَّأْخِير، وَلَا تَأْخِيرٌ لِمَا أَصْلُهُ التَّقْدِيم، فحصلُوا الأعمالَ الصالحاتِ، وفازُوا بعلُوِّ الدرجاتِ يقولُ الصِّدِّيقُ: «يَا عُمَرُ، وَاعْلَمْ أَنَّ للهِ عَمَلًا بِالنَّهَارِ لَا يقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ، وَأَنَّ للهِ عَمَلًا بِاللَّيْلِ لَا يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ»، وعندمَا تقرأُ التاريخَ تجدُ ما هُو إلّا سِيرُ رِجَالٍ عُظمَاء، وعلماءٍ أفذاذٍ منهم مَن عاشَ وقتاً قصيراً، لكنَّهُ خلَّفَ خلفَهُ ثروةً هائلةً مِن العلومِ ما زالنَا نستقِي منهَا إلى يومنَا هذا، وَكَانَ الْحَسَن الْبَصْرِي يَقُولُ:«أَدْرَكْتُ أَقْوامًا كَانُوا عَلَى أَوْقَاتِهِمْ أَشَدَّ حِرْصًا مِنْكُمْ عَلَى دَرَاهِمِكُمْ وَدَنَانِيرِكُمْ»، فالبركةُ في العمرِ بحسنِ العملِ فيهِ، وليسَ بطولِهِ فعن نُفَيْعٍ بْنِ الحَارِثِ قال: «أنَّ رجلًا قال يا رسولَ اللهِ أيُّ الناسِ خيرٌ؟ قال مَن طالَ عمُرهُ وحسُنَ عملُهُ، قال: فأيُّ الناسِ شرٍّ؟ قال: مَن طالَ عمُرهُ وساءَ عملُهُ» (أحمد) .

تابع / خطبة الجمعة 18 أبريل : إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا

ثالثاً: عدمُ استعجالِ الثمرةِ، والاعتبارُ بتجاربِ الآخرينَ: التعلمُ واكتسابُ الخبراتِ إنّمَا تحتاجُ إلى صبرٍ وعدمِ تعجلٍ قال ابْنِ مَسْعُودٍ: فَعَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ مَأْدُبَةُ اللَّهِ فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَأْدُبَةِ اللَّهِ فَلْيَفْعَلْ، فَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ» (البزار، وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ)، وقد بيَّنَ ربُّنَا في كتابِه العزيزِ أنَّ سنتَهُ الكونيةَ اقتضتْ أنَّ خلقَ البشرِ مِن أجلِ الكدحِ والكفاحِ وإلَّا لما كان للحياةِ طعمٌ أو مذاقٌ ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ﴾، ومَن فهمَ هذا القانونَ الربانيَّ هانَ كلُّ شيءٍ في طريقِهِ، وعافرَ وواصلَ الليلَ بالنهارِ، وحاولَ مرةً بعدَ أخرَى بغيةَ الوصولِ إلى مرماه، وتتعجبُ مِن حالِ الإنسانِ الذي هو الوحيدُ مِن بينِ الكائناتِ الحيّةِ الذي يرفضُ قانونَ «الجهدِ المهدورِ» ذاك قانونُ رجالِ الأعمالِ، والقادةِ العظامِ، والعباقرةِ الجسامِ، فتجدُ الأسودَ مثلًا لا تنجحُ في الصيدِ إلّا في ربعِ محاولاتِهَا أي تفشلُ في 75% مِن صيدِهَا ومع ذلك لا تيأسُ مِن محاولاتِ المطاردةِ والمتابعةِ، ونصفُ مواليدِ الدببةِ تموتُ قبلَ البلوغِ، ونصفُ بيوضِ الأسماكِ يتمُّ التهامهَا ومع ذلك ما زالَ هذا القانونُ الإلهيُّ مستمراً لا ينقطعُ عن الطبيعةِ، لكنْ الإنسانُ إذا أخفقَ لا يريدُ أنْ ينهضَ مرةً أخرى، بل يستسلمُ ويتكاسلُ، ويريدُ الحصولَ على مبتغاهُ بسهولةٍ، فيسلكُ سبلَ الحرامِ، وما يُؤتَى دونَ عَرَقٍ أو تعبٍ يذهبُ سُدَى، وقد يحتاجُ العلمُ إلى وقتٍ طويلٍ حتى يحصلَ الإنسانُ على نتيجةِ غرسهِ، فقد مكثَ ابنُ حجرٍ في تأليفِ “فتحِ الباري” خمسةً وعشرينَ عامًا، وابنُ عبدِ البرِّ مكثَ في تأليفِ “التمهيدِ” ثلاثينَ عامًا، والإمامُ البخاريُّ استغرقَ في تحريرِ “الجامعِ الصحيحِ” “ستةَ عشرَ عاماً”، فهل لنَا في هؤلاءِ أسوةُ وعبرةُ؟!

وما أعظمَ أنْ يضمَّ إلى علمِهِ علمَ الآخرين، ويستفيدَ مِن تجاربِهِم وخبراتِهِم فعَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ قَالَ: «مَنْ جَمَعَ عِلْمَ النَّاسِ إِلَى عِلْمِهِ، وَكُلُّ طَالِبِ عِلْمٍ غَرْثَانُ إِلَى عِلْمٍ» (سنن الدرامي، إسناده صحيح) .

رابعاً: الصحبةُ الصالحةُ، والإطلاعُ على مسيرةِ العظماءِ: لا شكَّ أنَّ مرافقةَ الصالحينَ، والجلوسَ بقربِ المتقينَ ينعكسُ إيجاباً على حالِ المقربينَ منهُم، والعكسُ بالعكسِ، وقد جاءتْ الأحاديثُ النبويةُ تأمرُ بتخيرِ الصحبةِ، وانتقاءِ الصديقِ لِمَا لهُ مِن أثرٍ فعالٍ في مداوةِ كثيرٍ مِن الأمراضِ السلوكيةِ، كما يجبُ على المرءِ منَّا كلمَا فترتْ عزيمتُهُ، وقلّتْ همتُهُ أنْ ينظرَ في حياةِ العظماءِ وكيفَ كانوا يديرونَ أوقاتَهُم بحرفيةٍ ومهارةٍ، ومَن علتْ همتُهُ لم يقنعْ بالدونِ، وعلى قدرِ أهلِ العزمِ تأتِي العزائِمُ، فهُم خيرُ مَن أدركَ قيمةَ العلمِ، وأهميةَ العمرِ في تحصيلِهِ؛ ولذا حثَّ الإسلامُ على مجالسةِ أهلِ العلمِ؛ لأنّهُم يحيونَ القلوبَ الميتةَ بسببِ المعاصِي والمنكراتِ، وينقلُهَا مِن الظلمةِ إلى النورِ، ويسمُو بالنفسِ إلى المعالِي، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ ﷺ:«إِنَّ لُقْمَانَ قَالَ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ عَلَيْكَ بِمُجَالَسَةِ الْعُلَمَاءِ، وَاسْمَعْ كَلَامَ الْحُكَمَاءِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَيُحْيِي الْقَلْبَ الْمَيِّتَ بِنُورِ الْحِكْمَةِ، كَمَا يُحْيِي الْأَرْضَ الْمَيْتَةَ بِوَابِلِ الْمَطَرِ» (قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: سَنَدُهُ حَسَّنَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَعَلَّهُ مَوْقُوفٌ) أ.ه.

وقد لخصَ ما سبقَ الإمامُ الشافعِيُّ – رضي اللهُ عنه- فقالَ:

أخي لن تنالَ العلمَ إلَّا بستةٍ … سأنبيكَ عن تفصيلِهَا ببيانِ

ذكاءٌ وإخلاصٌ وصدقٌ …  وبلغةٍ وصحبةِ أستاذٍ وطولِ زمانِ

خطبة الجمعة القادمة 18 أبريل 2025 م بعنوان : إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا ، للدكتور محروس حفظي بتاريخ 19 شوال 1446هـ ، الموافق 18 أبريل 2025م
خطبة الجمعة القادمة 18 أبريل 2025 م بعنوان : إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا ، للدكتور محروس حفظي

العنصر الرابع من خطبة الجمعة 18 أبريل : إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا

(4) أثرُ العلمِ في بناءِ الإنسانِ:

أجمعَ الفلاسفةُ والحكماءُ، وعلماءُ التربيةِ، والمؤرخون وغيرُهُم أنَّ الإنسانَ أعظمُ ثروةٍ في الوجودِ، مَن أحسنَ التعاملَ معهُ كانت الحضارةُ والتقدمُ والرقيُّ، ومَن أساءَ كان التخلفُ والرجوعُ إلى الخلفِ، وإنْ كان موجوداً ظاهراً، لكنه وجودٌ شكليٌّ لا قيمةَ لهُ بينَ أممِ العالمِ، وصدقَ الإمامُ عليٌّ بنُ أبي طالبٍ عندما قال:

تـــزعــمُ أنّــكَ جــرمٌ صغـيــرٌ    وفيــكَ انطوَى العـالـــمُ الأكـــبرُ

فأيُّ أمةٍ تنشدُ الحضارةَ والتقدمَ، وتهدفُ إلى الصدارةِ، ولكنهَا تجعلُ بناءَ الإنسانِ عقلاً ومعرفةً آخرَ أولوياتِهَا، هذه أمةٌ ستظلُّ في ذيلِ الأممِ؛ لأنّهَا أخطأتْ في ترتيبِ أوراقِهَا، فكم مِن أمةٍ مع ضعفِ إمكاناتِهَا المعدنيةِ، وثرواتِهَا البيئيةِ، لكنّهَا أدركت أنَّ الإنسانَ أعظمُ ثروةٍ في الوجودِ، فصنعُوا الإنسانَ، فكانت لهم الحضارةُ والمدنيةُ.

هذا الإنسانُ لا يرقَى بلباسِهِ المنمقِ، وقصاصاتِ شعرهِ، وفخامةِ بيتهِ وسيارتِه، بل يرقَى بشيءٍ واحدٍ، إذا عرفنَا كيفَ نصنعُ عقلَ هذا الإنسانِ؛ ليشيدَ لنا حضارةً، ويبنِي لنا أمةً، ويجعلُ لنا مكانةً، وأولُ ذلك كلُّهُ بناءُ العقلِ والمعرفةِ، وتنميةُ المواهبِ ودعمُهَا، وتثمينُ عملِ المبدعينَ وتشجيعُهُم، وفتحُ المجالِ لهُم في مؤسساتِ التعليمِ؛ لمسايرةِ تطورِ المعرفةِ وآلياتِهَا.

إنَّ مَن يستقرىء تاريخَ المسلمينَ الأوائل يجد أنّهُم تركُوا ثروةً علميةً ضخمةً خدمت العالمَ الإنسانِيَّ أجمع، وقد اهتمَّ المسلمون بالعلمِ؛ تحقيقاً لتوجيهاتِ اللهِ للمؤمنينَ في التفكيرِ والتدبرِ في آياتِه المختلفةِ، نحن أمةُ العلمِ، والحضارةِ الماديةِ، ونحن أمةُ العلمِ والتزكيةِ النفسيةِ القلبيةِ، نحن الأمةُ الذين أخذت عنها الحضاراتُ المعاصرةُ علومَ المادةِ والتجربةِ، ففي علمِ الكيمياء، يُعتبرُ “جابرُ بنُ حيان” مؤسِّسَ هذا العلمِ، وظلَّت أبحاثُه هي المرجِعُ الأوَّلُ في أوروبا حتَّى القرنِ الثامنِ عشَر، وفي الطِّبِّ كان كتابُ “الحاوي” للطَّبَري، وهو مِن عشرينَ مجلَّدًا، وكذلك كتابُ “القانونِ” لـ”ابنِ سِينَا”، وكتابُ “الموجزِ في الطبِّ”، لـ”ابنِ النَّفيسِ”، تُعدُّ مِن أهمِّ المراجعِ العلميَّةِ الأساسيةِ، وفي علمِ البصريَّاتِ، وكان “ابنُ الهيثمِ” في المقدِّمةِ عن طريقِ تطبيقِ هندسيَّةٍ معقَّدةٍ، بالإضافةِ إلى القياساتِ المَضْبوطةِ في علمِ البحثِ البصرِي.

كذلك يَرجعُ الفضلُ للمسلمينَ في الطُّرقِ الحسابيَّةِ المستعمَلةِ في الحياةِ اليوميَّةِ، وهم الذين جعَلُوا مِن الجَبْرِ عِلمًا حقيقيًّا، وتقدَّمُوا بهِ تقدُّمًا كبيرًا، والخوارزميُّ هو مؤسِّسُ علمِ الجبرِ، وكتابُهُ الشهيرُ “الجَبْرُ والمُقابَلةُ”، فيه طُرقُ حلِّ المَسائلِ بالوسائلِ المختلِفةِ، كما أسَّسَ علماءُ العربِ الهندسةَ، وفي علمِ طبقاتِ الأرضِ يُعتبرُ ما كتبَهُ الرَّئيسُ “ابنُ سينَا” في كيفيَّةِ تكوينِ الجِبالِ والأحجارِ، والمَوادِ المعدنيَّةِ مِن أهمِّ المراجعِ التي اعتمَدَتْ عليهَا أوروبا إبَّانَ نهضتِهَا العلميَّة، وفي علمِ الاجتماعِ يعتبرُ “ابنُ خَلْدون” أوَّلَ مفكِّرٍ اجتماعِي استخدَمَ المنهجَ العلمِيَّ، فهو أوَّلُ مَن صاغَ قوانينَ تقدُّمِ الأممِ وانهيارِهَا.

وقد شهدَ بأثرِ الحضارةِ الإسلاميَّةِ على الأوروبيَّةِ كثيرٌ منهم، يقولُ “زيغريد هرنكه”: (إنَّ العربَ قدَّمُوا لأوروبا أثمنَ هديَّةٍ، وهي طريقةُ البحثِ العلميِّ الصحيحِ التي مهَّدَت أمامَ الغربِ أسلوبَ كشفِ أسرارِ الطَّبيعةِ …..) أ.ه.

لقد كان العلمُ يمثلُ اللبنةَ الأولى في حياةِ المسلمين، وكانوا يحثون أبناءَهُم منذُ نعومةِ أظفارِهِم على طلبِه، وكانوا يهجرون المضاجعَ في وقتٍ يهجعُ فيه الناسُ، قالوا لابنِ عباسٍ: كيف حصلتَ العلمَ؟ قال: “كنت أخرجُ في الظهيرةِ في شدةِ الحرِّ، فأذهبُ إلى بيوتِ الأنصارِ، فأجدُ الأنصاريَّ نائماً، فلا أطرقُ عليهِ بيتَهُ، فأتوسدُ بُرْدِي عند بابِ بيتِه، فتلفحنِي الريحُ بالترابِ، فيستيقظُ الأنصاريُّ، ويقولُ: يا ابنَ عمِّ النبيٍّ ألَا أيقظتنِي أُدْخِلُكَ؟ فأقولُ: أخافُ أنْ أزعجَكَ”. أ.ه.

تابع / خطبة الجمعة 18 أبريل : إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا

أخي الحبيب: إنَّ العلمَ «مفتاحُ» كلِّ تقدمٍ ونهضةٍ، ومِن دونِهِ لن تتقدمَ الأمةُ، وستظلُّ تعيشُ في وضعِهَا المؤسفِ الراهنِ، وربُّنَا – عزّ وجلّ- حينما سخرَ الطبيعةَ للإنسانِ، فقد سخرهَا له بالعلمِ مع العملِ والجهدِ، ولم يكن هذا الأمرُ على سبيلِ الصدفةِ أو الحظِّ أو غيرِ ذلك، ولذا يجبُ أنْ يوظفَ العلمُ لمصلحةِ المجتمعاتِ، وتحقيقِ تنميتِهِ ورقيِّهِ، وحلِّ مشكلاتِهِ، والتعاملِ مع أزماتِهِ، وليس لتخريبِهِ وهدمِهِ، وليوقن أنّهُ مهما أوتِيَ مِن العلمِ فاللهُ ﴿فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾.

أين نحن مِن منهجِ الإسلامِ الذي يريدُ منّا أنْ نكونَ أقوياءَ؟! ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾، ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾، دينٌ يدعو إلى المسابقةِ في الخيراتِ والمسارعةِ إليها ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾، ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾، ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾، أين المراتبُ العاليةُ؟! وأين التنافسُ؟! وأين الذين سيخرجون مبتكرينَ أو مخترعينَ؟! إنّهُم أقلُّ مِن القليلِ، وذلك ما ينبغي الالتفاتُ إليه، والعملُ عليه؛ إذ العلمُ أساسُ بناءِ الأوطانِ، وتقدمِ البلدانِ، وعليه مدارُ سعادةِ وفلاحِ الإنسانِ، وكلُّ بلدٍ لا يعتمدُ العلمَ طريقاً لرفعتِه ونهضتِه، وتقدمِه هو بلدٌ ضائعٌ مهزومٌ.

تابع / خطبة الجمعة 18 أبريل : إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا

فلنوقن أنَّ العلماءَ والمهتدينَ هم ورثةُ الرسلِ والأنبياءِ، وهم القادةُ في توجيهِ الناسِ إلى أسبابِ النجاةِ، وقد رفعَهُم اللهُ بالعلمِ في الدنيا وفي الآخرةِ إذا صدقتْ نواياهُم، ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾، فجديرٌ بهِم أنْ يُؤدُّوا هذه الأمانةَ بكلِّ عنايةٍ وإخلاصٍ، وقد أخبرَ القرآنُ الكريمُ عن نماذجَ كثيرةٍ قد سخرُوا العلمَ لبناءِ الإنسانِ دينياً وحضارياً، فهذا سليمانُ- عليه السلام- لمّا استبطأَ إحضارَ عرشِ تلك المملكةِ في المدةِ التي حددهَا العفريتُ القويُّ، نهضَ جنديٌّ آخرُ مِن جنودِه هو “آصفُ بنُ برخيا بنُ سمعيا”- وَكَانَ رجلاً صديقاً فِي بني إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ يعلمُ اسْمَ اللهِ الْأَعْظَم-، وسخرَ علمَهُ لنفعِ البشريةِ، وعرضَ على سليمانَ- عليه السلام- إحضارَ عرشِ بلقيس ﴿قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾، وفي ذلك ما فيه مِن الدلالةِ على شرفِ العلمِ، وفضلِه، وشرفِ حامليهِ وفضلهِم، كذا ذي القرنينِ حيثُ بنَى السدَّ، واستخدمَ أعلَى مواصفاتِ العلمِ في الإحكامِ، قالَ ربُّنَا:﴿قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ﴾، فكانت النتيجةُ الحتميةُ ﴿فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً﴾، وتأملْ قمةَ التقدمِ والعلمِ الذي شيّدَ بهِ سليمانُ قصرَ بلقيس ﴿قيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ﴾، فلمَّا عاينتْ علمتْ أنَّ هذا نبيٌّ رجعتْ إلى رشدِهَا ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ﴾.

اللهّمَّ فرِّجْ همَّ المهمومين، ونفِّسْ كربَ المكرُوبِين، اللهُمَّ آمِنَّا في أوطانِنَا، واحفظْ بلدَنَا مِصْرَ، واجعلْهَا سخاءً رخاءً، أمناً أماناً، سلماً سلاماً وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.

كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان

د / محروس رمضان حفظي عبد العال

مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط

 

كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان   د / محروس رمضان حفظي عبد العال

مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »