أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة للشيخ محمد القطاوي ، بعنوان : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ

بتاريخ 5 شوال 1446هـ ، الموافق 4 أبريل 2025م

خطبة الجمعة القادمة 4 أبريل 2025م بعنوان : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ، للشيخ محمد القطاوي ، بتاريخ 5 شوال 1446هـ ، الموافق 4 أبريل 2025م

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 4 أبريل 2025م بصيغة word بعنوان : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ، للشيخ محمد القطاوي

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 4 أبريل 2025م بصيغة pdf بعنوان : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ، للشيخ محمد القطاوي

https://youtu.be/myyv7h7_ywY

عناصر خطبة الجمعة القادمة 4 أبريل 2025م ، بعنوان : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ  ، للشيخ محمد القطاوي ، كما يلي:

 

أولاً: فضلُ كفالةِ الأيتامِ ورعايتِهِم.
ثانيًا: إنّمَا يأكلونَ في بطونِهِم نارًا.
ثالثا: أيتامٌ لهُم في التاريخِ الإسلامِيِّ أعظمُ الأثرِ.
رابعا : تقوَي اللهَ أعظمُ تأمينٍ لمستقبلِ أولادِكَ ؟!

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 4 أبريل 2025م ، بعنوان : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ، للشيخ محمد القطاوي ، كما يلي:

﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ﴾ محمد القطاوى
بتاريخ: 5 شوال 1446هــ –4أبريل 2025م

الحمدُ للهِ، جعلَ الحمدَ مفتاحًا لذكرِهِ، وجعلَ الشكرَ سببًا للمزيدِ مِن فضلِهِ، ودليلاً على آلائِهِ وعظَمَتِهِ، قضاؤهُ وحُكمهُ عدلٌ وحكمةٌ، ورِضاهُ أمانٌ ورحمةٌ، يقضِي بعلمِهِ، ويعفُو بحِلمِهِ، خيرُهُ علينَا نازِلٌ، وتقصيرُنَا إليهِ صاعِدٌ، لا نقدِرُ أنْ نأخُذَ إلّا ما أعطانَا، ولا أنْ نتقِيَ إلّا ما وقانَا، نحمدُهُ على إعطائِهِ ومنعِهِ وبسطِهِ وقدرِهِ، سبحانَهُ هو البرُّ الرحيمُ لا يُضيرُه الإعطاءُ والجُودُ، ليس بما سُئِلَ بأجودَ منهُ بمَا لم يُسأل، مُسدِي النِّعَمِ وكاشِفُ النِّقَم، أصبحنَا عبيدًا مملوكينَ لهُ، لهُ الحُجَّةُ علينَا ولا حُجَّةٌ لنَا عليهِ، نستغفرهُ ونتوبُ إليهِ مِمّا أحاطَ بهِ علمُهُ وأحصاهُ في كتابِهِ، علمٌ غيرُ قاصِرٍ وكتابٌ غيرُ مُغادِرٍ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ مُحمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ سيّدُ البشرِ أجمعين ورسولُ ربِّ العالمين، فصلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ، وعلى آلهِ الطيبينَ الطاهرين، وعلى أزواجِهِ أمهاتِ المؤمنين، وعلى أصحابِهِ والتابعين، ومَن تبعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.
عناصرُ اللقاءِ:
أولاً: فضلُ كفالةِ الأيتامِ ورعايتِهِم.
ثانيًا: إنّمَا يأكلونَ في بطونِهِم نارًا.
ثالثا: أيتامٌ لهُم في التاريخِ الإسلامِيِّ أعظمُ الأثرِ.
رابعا : تقوَي اللهَ أعظمُ تأمينٍ لمستقبلِ أولادِكَ ؟!
أخوةَ الإيمانِ والإسلامِ
حديثُنَا حديثُ رحمةٍ وشفقةٍ ورأفةٍ، حديثُ جبرِ الخاطرِ والتيسيرِ والتخفيفِ والطمعِ فيمَا هو خيرٌ وأبقَيَ.
حديثُنَا عن اليتيمِ الذي هو محلُّ العنايةِ والرعايةِ الإلهيةِ، اليتيمُ الذي تولَّي اللهُ شئونَهُ ورعايتَهُ فأوصَي بهِ ووعدَ المحسنينَ إليهِ بالأجورِ العظيمةِ، ولم يجعلْ لهُ يومًا واحدًا يُسمَّي بيومِ اليتيمِ وإنّمَا أولاهُ العنايةَ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ.
ففي زمنٍ طغتْ فيهِ المادياتُ واستحلَّ الكثيرُ مِن الأوصياءِ أَكْلُ حقوقِ اليتامى علي مرأى ومسمعٍ للجميعِ.
فمَن هو اليتيمُ إذًا؟
اليتيمُ هو الصَّغيرُ الذي لم يبلغ، وليس لهُ أبٌ، بل قد فَقَدَ أباهُ، ولم يبلغ الحلمَ، وذلك لأنَّ الأبَّ هو السندُ والعائلُ وهو المؤدبُ والقدوةُ لولدهِ، ففقدُ الأبِّ هو فقدُ الإحساسِ بالأمانِ والدفئِ والقوةِ التي يحتمِي بهَا الأبناءُ، هو فقدُ الدرعِ والحصنِ الحصينِ الذي يواجهونَ بهِ مصاعبَ الحياةِ، فلا يطمعُ في الأبناءِ طامعٌ، ولا يستهينُ بهم أحدٌ ما دامُوا في كنفِ أبٍ مسؤلٍ علي قدرِ المسؤليةِ، فاليتيمُ فقدَ كافلَهُ وكاسبَهُ، فهو مكسورُ الخاطرِ مهيضُ الجناحِ. قد انكسرَ قلبُهُ بفراقِ أبيهِ، فهو مهمومٌ محزونٌ شديدُ الحساسيةِ في كلِّ موقفٍ يري فيهِ ابنًا مدللًا مِن أبيهِ يحنُوا عليهِ ويحسنُ إليهِ بينمَا هو وحيدٌ لا سندَ لهُ ولا جابرَ لخاطرِهِ ولا مطيبَ لنفسِهِ وروحِهِ.
فيا يَا مَنْ ذُقْتَ مَرَارَةَ الْفَقْدِ، وَاشْتَكَيْتَ لَوْعَةَ فُرَاقِ الْأَبِ، يَا مَنْ وَدِدْتَ لَوْ مُتِّعْتَ بِأَبِيكَ وَلِسَانُ حَالِكَ يقولُ: لماذَا أُحرمُ مِن أبِي؟ لَا تَحَزْنَ فَاللهُ قَدِ ادَّخَرَ لَكَ خَيْرًا وَفِيرًا، لا تحزنْ فقدوتُكَ في اليتمِ هو خيرُ الخلقِ ونبيُّ الحقِّ الذي وُلِدَ يتيمًا فربَّاهُ اللهُ وأدّبَهُ حتي ملأَ الدنيا نورًا ورحمةً وحنانًا، وكان أعظمَ شخصيةً في الدنيا كلِّهَا، لا تحزنْ أيُّها اليتيمُ فَمَيْدَانُ الْحَيَاةِ أَمَامكَ، ولتكن ذا عزيمةٍ وقوةٍ وهمةٍ فَأَرِ اللهَ مِنْ نَفْسِكَ خَيْرًا، وَاجْعَلْ نَفْعَكَ يَصِلُ وَالِدَكَ فِي قَبْرِهِ، وَلْيَكُنْ دُعَائُكَ وَعَمَلُكَ نُورًا لَهُ فِي قَبْرِهِ.

العنصر الأول من خطبة الجمعة للشيخ محمد القطاوي ، بعنوان : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ

أولاً : فضلُ كفالةِ الأيتامِ.

إخوةَ الإيمانِ والإسلامِ: المتدبرُ والمتأملُ في آيِ القرآنِ الكريمِ يجدُ أنَّ اللهَ قد أوصَي بكفالةِ اليتيمِ ورعايتِهِ، فنراهُ سبحانَهُ وتعالَي في سورةِ الضحَى يخاطبُ نبيَّهُ الكريمَ صلواتُ ربِّي وسلامُهُ عليهِ بالاهتمامِ بشئونِ اليتيمِ مُذكرًا لهُ بنعمتِهِ سبحانَهُ عليهِ حينَ وجدَهُ يتيمًا فآواهُ وأولاهُ رعايتَهُ وعنايتَهُ، ويطلبُ منهُ سبحانَهُ أنْ يكونَ قدوةً لأمتِهِ فيوصِي القادرينَ مِن أهلِ البرِّ والصلاحِ والإنفاقِ بكفالةِ اليتامَى وحفظِ أموالِهِم والعملِ علي إعدادِهِم بدنيًا وجسديًا ونفسيًا وعقليًا، فيقولُ سبحانَهُ: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}، ولأنّهُ لا يعرفُ مرارةَ الفقدِ إلّا مَن عاشهَا فقد أوصَي اللهُ نبيَّهُ الكريمَ ﷺ الذي عاشَ مرارةَ الفقدِ وولِدَ يتيمًا، قد ماتَ أبوهُ وهو جنينٌ في بطنِ أُمِّهِ ﷺ أنْ يهتمَّ بأمرِ اليتيمِ، (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ)، أي يا مُحمدٌ تذكرْ أنّكَ كنتَ يومًا يتيمًا فآواكَ مولاكَ فلا تقهرْ اليتيمَ أبدًا، بل يسرْ لهُ أمرَهُ، فانطلقَ الحبيبُ بقلبٍ رحيمٍ رقيقٍ يوصِي باليتيمِ، وببرِّ اليتيمِ، والإحسانِ إليهِ، بل جعلَ قربَهُ ورفقتَهُ في الجنةِ مكافاةً لِمَن أحسنَ إلي اليتيمِ وكفلَهُ، فقال كما في حديثِ سَهْلٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا)، وتتوالَي وصايا اللهِ الرحيمِ في القرآنِ الكريمِ بالإحسانِ إلي اليتامَى بالليلِ والنهارِ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ وعلي مستوَي الأممِ والشعوبِ، فقالَ ربُّنَا: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }، ولم يكن الأمرُ خاصةً بأمةِ الإسلامِ وحدهَا، بل لقد أخذَ اللهُ العهدَ والميثاقَ علي بنِي إسرائيلَ بأنْ يُحسنُوا إلي اليتامَى، فقالَ ربُّنَا: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلا قَلِيلا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)}، وتكريمًا لليتيمِ واهتمامًا بشأنِهِ ولعظمِ مكانةِ اليتيمِ في المجتمعِ يتولَّى نبيُّ كريمٌ هو الكليمُ وعبدٌ صالحٌ مِن عبادِ اللهِ بترتيبٍ الهيٍّ عجيبٍ يدلُّ علي الرحمةِ الربانيةِ حين يحركُ نبيًّا مِن مكانِهِ آمرًا إيّاهُ أنْ يذهبَ إلي عبدٍ مِن عبادِهِ الصالحينَ ليتعلمَ منهُ فيكونَ مِن جملةِ ما يعلمُهُ أنْ يكرمَ يتيمًا ويحفظَ لهُ مالَهُ إنَّها قصةُ نبيِّ اللهِ موسَي مع الخضرِ عليهمَا السلامُ، حيثُ قامَا ببناءِ الجدارِ مع أنَّ أهلَ القريةِ منعُوا عنهُم الطعامَ والشرابَ وأبَوْا ضيافتهمَا ( فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) (سورة الكهف)، لماذا ؟ لقد كان للهِ في ذلكَ شأنًا وحكمةً وترتيبًا وتدبيرًا لأمرِ غلامينِ يتيمينِ في المدينةِ، قالَ ربُّنَا: { وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنز لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82) }، فإذا كان الأمرُ كذلكَ فلماذا لا نحسنُ إلي اليتامَى ولماذا نسيئُ إليهِم بالليلِ والنهارِ؟
ولقد جاءت سنةُ نبيِّنَا ﷺ تأمرُنَا وتحثُّنَا علي كفالةِ اليتيمِ بل وبيّنت لنَا فضلَ كفالةِ اليتيمِ فمِن ذلك: ما بيَّنَهُ لنا النبيُّ المختارُ حيثُ قالَ ﷺ: ( مَنْ عَالَ ثَلَاثَةً مِنْ الْأَيْتَامِ كَانَ كَمَنْ قَامَ لَيْلَهُ وَصَامَ نَهَارَهُ وَغَدَا وَرَاحَ شَاهِرًا سَيْفَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَكُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ أَخَوَيْنِ كَهَاتَيْنِ أُخْتَانِ وَأَلْصَقَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى)، فأيُّ فضلٍ بعدَ هذا الفضلِ!! وأيُّ شرفٍ بعدَ هذا الشرفِ !!وأيُّ منزلةٍ بعدَ هذه المنزلةِ!! فيا سعادةُ مَن كان رفيقًا للنبيِّ ﷺ في الجنةِ، ويا سعدَ مَن كان جارًا للنبيِّ ﷺ في الجنةِ.
كما أنَّ الإحسانَ إلي اليتيمِ والأرملةِ كالجهادِ العظيمِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ “، بل لقد أوحي اللَّهُ تَعَالَى إلَى دَاوُدَ صَلَّى اللَّهُ عليهِ عَلَى نَبِيِّنَا السلام: ” يَا دَاوُد كُنْ لِلْيَتِيمِ كَالْأَبِ الرَّحِيمِ ، وَكُنْ لِلْأَرْمَلَةِ كَالزَّوْجِ الشَّفِيقِ “، وَاعْلَمْ أَنَّك كَمَا تَزْرَعُ كَذَا تَحْصُدُ.
أيضًا كافلُ اليتيمِ في ظلِّ عرشِ الرحمنِ يومَ لا ظلَّ إلّا ظلُّهُ، قال داودُ عليهِ السلامُ في مناجاته: ” إلهِي ما جزاءُ مَن أسندَ اليتيمَ والأرملةَ ابتغاءَ وجهِكَ؟ قال: جزاؤهُ أنْ أظلَّهُ في ظلِّي يومَ لا ظلَّ إلّا ظلِّي، معناهُ: ظلُّ عرشِي يومَ القيامةِ ” .
كافلُ اليتيمِ يزاحمُ النبيَّ العدنانَ علي بابِ الجنةِ، حكَي النبيُّ ﷺ لأصحابِهِ قصةَ أرملةٍ ماتَ عنها زوجُهَا ,وهو العائلُ الوحيدُ لهَا, ورفضتْ المرأةُ الزواجَ مِن بعدِهِ ,وتحملتْ المرأةُ مرارةَ الفراقِ، وصمدتْ أمامَ فتنِ الدنيا، وتحملتْ الكثيرَ والكثيرَ، فكان الجزاءُ بأنْ زاحمَت سيّدَ ولدِ عدنانَ ﷺ علي بابِ الجنةِ، ففي الحديثِ الذي رواهُ أبو يعلَي وغيرُهُ وقال عنه الحافظُ ابنُ حجرٍ في الفتحِ: إسنادُهُ لا بأسَ بهِ، مِن حديثِ أبي هريرةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قال: ” أَنَا أَوَّلُ مَنْ يُفْتَحُ لَهُ بَابُ الْجَنَّةِ، إِلَّا أَنَّهُ تَأْتِي امْرَأَةٌ تُبَادِرُنِي – أَيْ تُسَابِقُنِي – فَأَقُولُ لَهَا: مَا لَكِ؟ وَمَا أَنْتِ؟ فَتَقُولُ: أَنَا امْرَأَةٌ قَعَدْتُ عَلَى أَيْتَامٍ لِي”، وفي لفظ: “فَتَقُولُ: أَنَا امْرَأَةٌ مَاتَ زَوْجِي وَتَرَكَ عَلَيَّ أَوْلَادًا فَقَعَدْتُ أُرَبِّيهِمْ”… امْرَأَةٌ مَاتَ زَوْجُهَا وَتَرَكَ لَهَا أَطْفَالًا فَقَامَتْ عَلَى تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ بِعِفَّةٍ، وَطَهَارَةٍ وَصِدْقٍ، فَنَالَت هَذَا الشَّرَفَ الْعَظِيمَ. فما هي المؤهلاتُ التي حصلت عليها هذه المرأةُ؟ إنِّهَا ربت الأيتامَ وتحملت مرارةَ الفراقِ، وصمدت أمامَ فتنِ الدنيا، وتحملت الكثيرَ والكثيرَ فكان الجزاءُ بأنْ زاحمَت سيّدَ ولدِ عدنانَ ﷺ علي بابِ الجنةِ، فأيُّ فضلٍ بعدَ هذا الفضلِ!! وأيُّ شرفٍ بعدَ هذا الشرفِ!! وأيُّ منزلةٍ بعدَ هذه المنزلةِ !! إنَّها مجاورةُ النبيِّ العدنانِ في الجنةِ، إنَّها مزاحمةُ النبيِّ العدنانِ علي بابِ الجنةِ، فاغتنمْ الفرصةَ قبلَ فواتِ الأوانِ وأحسنْ إلي اليتامَى بالليلِ والنهارِ؛ لأنَّ الموتَ يأتي بغتةً والقبرُ صندوقُ العملِ.

العنصر الثاني من خطبة الجمعة للشيخ محمد القطاوي ، بعنوان : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ

ثانيًا: إنّمَا يأكلونَ في بطونِهِم نارًا (عقوبةُ أكلِ مالِ اليتيمِ ).

إخوةَ الإيمانِ والإسلامِ: إذا كان اللهُ سبحانَهُ قد وعدَ بالإجرِ العظيمِ لِمَن يحسنُ إلي اليتامَى ويكفلُهُم ويدبرُ أمورَهُم وشئونَهُم ويرعاهُم، على النقيضِ فقد توعدَ سبحانَهُ بالعذابِ الشديدِ لِمَن يظلمُهُم ويسئُ اليهِم ويأكلُ أموالَهُم ظلمًا وعدوانًا، فقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء:10] }، قَالَ قَتَادَةُ : ” نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ غَطَفَانَ وُلِّيَ مَالَ ابْنِ أَخِيهِ وَهُوَ صَغِيرٌ يَتِيمٌ فَأَكَلَهُ”.
لقد جاءت سورةُ النساءِ لتعالجَ أحوالَ الجاهليينَ وما كان فيهَا مِن جورٍ وظلمٍ واستبدادٍ وعدولٍ عن الحقِّ والعدلِ في أمورٍ كثيرةٍ، وأحوالٍ متعددةٍ، مِن أهمهَا ما كانت الجاهليةُ تعاملُ بهِ اليتامَى والنساءَ وبخاصةٍ اليتيماتِ منهن، وقد أولت هذه السورةُ الكريمةُ هذا الجانبَ وهو حقوقُ اليتامَى اهتمامًا عظيمًا، بل إنَّ أوَّلَ وصيةٍ في السورةِ بعدَ الأمرِ العامِّ بتقوَى اللهِ وتقوَى الأرحامِ هي الوصيةُ باليتامَى والعنايةُ بهِم وحفظُ أموالِهِم، والعدلُ مع اليتامَى، وتوريثُهُم، وكشفُ عوارِ الجاهليةِ في معاملةِ اليتامَى، يتمثلُ ذلكَ في أكلِ أموالِهِم بغيرِ حقٍّ.
ولقد أنزلَ اللهُ عزَّ وجلَّ في مطلعِ هذه السورةِ وفي ثناياهَا عدةَ آياتٍ فيها تشريعاتٌ عمليةٌ في وجوبِ حفظِ أموالِ اليتامَى وإيتائهِم إيَّاهَا بمدِّ بلوغهِم ورشدهِم، والعدلِ مع اليتيماتِ، وبينَ النساءِ عمومًا، وتوريثهنَّ مع الرجالِ والتوكيدِ على حقوقِ اليتامَى، والوعيدِ الشديدِ لِمَن يعتدِي على حقوقِهِم وأموالِهِم.
فيقولُ سبحانَهُ: { وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا }، فاللهُ سبحانَهُ وتعالي يأمرُ بدفعِ أموالِ اليتامَى إليهِم إذا بلغُوا الحلمَ كاملةً مُوفَّرةً، وينهَى عن أكلِهَا وضمِّهَا إلى أموالِهِم، ولهذا قال: {وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ}.
قال سعيدُ بنُ المسيبِ والزّهريُّ: لا تُعْطِ مهزولًا وتأخذ سمينًا.
وقال السُّدي: كان أحدُهُم يأخذُ الشَّاةَ السَّمينةَ مِن غنمِ اليتيمِ، ويجعلُ مكانَهَا الشَّاةَ المهزولةَ، ويقولُ: شاةٌ بشاةٍ. ويأخذ الدِّرهمَ الجيدَ ويطرحُ مكانَهُ الزّيفَ، ويقولُ: درهمٌ بدرهمٍ. وهذا كلّه تحذيرٌ مِن الظّلمِ لليتامَى؛ لأنَّ اليتامَى ضُعفاءٌ قاصرون، لا يدفعون عن أنفسِهِم، بل أمورهُم بأيدِي أوليائِهِم، اللهُ أكبرُ ما هذا الاهتمامُ الالهيُّ والوعيدُ الربانيُّ، تصويرُ المشهدِ المهيبِ لمَن يعتدِي علي حقِّ اليتيمِ… إنّهَا صورةٌ مفزعةٌ … صورةُ النارِ في البطونِ ….. وصورةُ السعيرِ في الآخرةِ.
بل لقد هزت هذه الآيةُ قلوبَ الصحابةِ هزًّا عنيفًا وملأتهَا بالخوفِ والرهبةِ، ووقعُوا في حرجٍ شديدٍ، كما قال ابنُ عباسٍ: لمّا نزلت هذه الآيةُ انطلقَ كلُّ مِن كان عنده يتيمٌ فعزلَ طعامَهُ عن طعامِهِ، وشرابَهُ مِن شرابِهِ، فجعلَ يفضلُ الشيءَ أي يتبقَى مِن أكلِ اليتيمِ فيحبسُ لهُ، ولا يأكلُهُ أحدٌ حتى يأكلَهُ اليتيمُ، أو يفسدَ، فاشتدَّ ذلكَ عليهِم فذكرُوا ذلكَ لرسولِ اللهِ ﷺ فأنزلَ اللهُ عزَّ وجلَّ قولَهُ: {ويَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [البقرة:220]، فخلطُوا طعامَهُم بطعامِهِم، وشرابَهُم بشرابِهِم.
إنَّها وصيةُ اللهِ للأولينَ والآخرينَ أنْ لا يقربَ الإنسانُ مالَ اليتيمِ إلّا بالتي هي أحسنُ حتي يبلغَ أشدَّهُ ويشتدَّ عودُهُ ويبلغَ مبلغَ الرجالِ ويقدرَ علي تدبيرِ شئونِ نفسِهِ، يقولُ ربُّنَا: { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا…………….. وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ }، وَفِي تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: { رَأَيْت لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي قَوْمًا لَهُمْ مَشَافِرُ كَمَشَافِرِ الْإِبِلِ ، وَقَدْ وُكِّلَ بِهِمْ مَنْ يَأْخُذُ مَشَافِرَهُمْ ، ثُمَّ يَجْعَلُ فِي أَفْوَاهِهِمْ صَخْرًا مِنْ نَارٍ تَخْرُجُ مِنْ أَسَافِلِهِمْ .فَقُلْت يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : هُمْ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا } مصداقًا لقولِ الحقِّ {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}، قال السديُّ رحمَهُ اللهُ تعالى: يحشرُ آكلُ مالِ اليتيمِ ظلمًا يومَ القيامةِ ولهبُ النارِ يخرجُ مِن فيهِ ومِن مسامعِهِ وأنفِهِ وعينِهِ، كلُّ مَن رآهُ يعرفُهُ أنّهُ آكلُ مالِ اليتيمِ.
أكلُ مالِ اليتيمِ مِن السبعِ الموبقاتِ المهلكات، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ)
وجعلَ اللهُ قهرَ اليتيمِ مِن علاماتِ التكذيبِ بالدينِ فقالَ سبحانَهُ: ( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّين فَذلكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ المِسْكِين “(سورة الماعون: 6). نزلت هذه الآيةُ في العاصِ بنِ وائلٍ السهمِي، وقِيلَ: في أبي جهلٍ أنَّهُ كان وصيًّا ليتيمِ، فجاءَهُ وهو عريانٌ يسألُهُ شيئًا مِن مالِ نفسِهِ، فدفعَهُ ولم يعبأْ بهِ فأيسَ الصبيُّ، فقالَ لهُ أكابرُ قريشٍ: قُل لمُحمدٍ يشفعُ لكَ عندَ أبي جهلٍ، وكان غرضهُم الاستهزاء، ولم يعرف اليتيمُ ذلك، فجاء إلى النبيِّ ﷺ والتمسَ منهُ ذلك، فذهبَ معهُ حضرةُ النبيِّ ﷺ إلى أبي جهلٍ فرحَّبَ بهِ وبذلَ المالَ لليتيمِ، فعيرت قريشٌ أبا جهلٍ، فقالوا: صبوت، فقال: لا واللهِ ما صبوتُ، لكن رأيتُ عن يمينهِ وعن يسارهِ حربةً خفتُ إنْ لم أجبْهُ يطعنهَا في، و واللهِ ما كان في يدِ النبيِّ حربةٌ ولا شيءٌ يطعنُ بهِ، لكنهَا عقوبةُ مَن ظلمَ أو ضربَ أو أكل مالَ اليتيمِ.

العنصر الثالث من خطبة الجمعة للشيخ محمد القطاوي ، بعنوان : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ

ثالثـًا : أيتامٌ لهُم في التاريخِ الإسلامِي أعظمُ الأثرِ.

أخوةَ الإيمانِ والإسلامِ: لقد سطرت لنا كتبُ التاريخِ الإسلامِي أسماءَ لامعةً كانوا أَيْتَامًا إلّا إنّهُم كَانَ لَهُمْ عظيمُ الشأنِ والأثرِ في تاريخِنَا الإسلامِي فلَمْ يَكُنْ لِلْيُتْمِ وَلَمْ يَكُنْ لِفَقْدِ الْأَبِ الرَّحِيمِ الْمُشْفِقِ وَالْمُوَجِّهِ النَّاصِحِ مَانِعًا لَهُمْ مِنَ النُّبُوغِ وَالْبُرُوزِ وَتَحْصِيلِ أَعَلَى الْمَرَاتِبِ. عُلَمَاءٌ وَأَعْلاَمٌ، شُعرَاءُ وَعَبَاقِرَةٌ، وَشَخْصِيَّاتٌ شَهِيرَةٌ، بَلْ مِنْهُمْ قَادَةُ الْعَالَمِ وَعُظَمَائِهِ وَخُبَرَائِهِ، وكُلُّ هَؤُلَاءِ عَاشُوا أَيْتَامًا، فَغَيَّرُوا مَجْرَى التَّارِيخِ بِعَزْمِهِمْ وَإِرَادَتِهِمْ
فَهَذَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ نَشَأَ يَتِيمًا، وَكَانَ يَرْعَى لِقَوْمِهِ الْغَنَمَ، ثُمَّ لَازَمَ النَّبِيَّ ﷺ فَكَانَ رَاوِيَةَ الْإِسْلامِ بل كان أكثرَ الصحابةِ روايةً للحديثِ عن رسولِ اللهِ ﷺ .
الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الَّذِي عَدَّهُ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِألْفِ فَارِسٍ، كَانَ نِتَاجُ تَرْبِيَةِ أُمِّهِ صَفِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا بَعْدَ أَنَّ مَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ صَغِيرٌ.
وإِمَامُ الدُّنْيَا فِي الْفِقْهِ الْإمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ، فَقَدَ أَبَاهُ وَهُوَ دُونَ الْعَامَيْنِ، فَنَشَأَ فِي حَجْرِ أُمِّهِ فِي قِلَّةٍ مِنَ الْعَيْشِ وَضِيقٍ مِنَ الْحَالِ، فَحَفِظَ الْقُرْآنَ وَجَالَسَ فِي صَبَاهُ الْعُلَمَاءَ حَتَّى سَادَ أَهْلَ زَمَانِهِ.
وَكَذَا تِلْمِيذُ الشَّافِعِيِّ: الْإمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللهُ مَاتَ وَالِدُهُ وَهُوَ حَمْلٌ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَعَاشَ حَيَاةَ فَقْرٍ وَفَاقَةٍ، فَحَضَنَتْهُ أُمُّهُ وَأَدَّبَتْهُ وَأَحْسَنَتْ تَرْبِيَتَهُ، حَتَّى أَخْرَجَتْ عَالِمًا فَذًّا، وَإِمَامًا وَرِعًا حَفِظَ اللهُ بِهِ الدِّينَ والْعِبَادَ فِي الْفِتْنَةِ.
وَمَنْ مِنْكُمْ لَا يَعْرِفُ إِمَامَ الدُّنْيَا فِي الْحَدِيثِ والأَثَرِ،إنّهُ الْإمَامُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ صَاحِبُ “الصَّحِيحِ” كَانَ يَتِيمًا، وَقَرَأَ عَلَى أَلْفِ شَيْخٍ، فَصَنَّفَ كِتَابَهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي هُوَ أَصَحُّ كِتَابٍ بَعْدَ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، فَكَانَ هَذَا الْيَتِيمُ نِعْمَةً عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ.
وَالْإمَامُ ابْنُ الْجَوْزِيُّ رَحِمَهُ اللهُ نَشَأَ يَتِيمًا عَلَى الْعَفَافِ وَالصَّلاَحِ فِي حِضْنِ عَمَّتِهِ، فَحَمَلَتْهُ إِلَى الْعُلَمَاءِ، فَصَنَّفَ وَوَعَظَ، قَالَ رَحِمَهُ اللهُ عَنْ نَفْسِهِ: “أَسْلَمَ عَلَى يَدِيَّ أَكْثَرُ مِنْ مِائَتَيْ أَلْفٍ”. وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ كَثِيرٌ، كَانُوا أَيْتَامًا وَصَارُوا أَعْلَامًا، كَالأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَابْنِ حَجَرٍ، وَالسُّيُوطِيِّ.
فمَن الذي ربَّي هؤلاء؟ ومَن أيِّ الجامعاتِ تخرجُوا؟ وأين نحن منهم ومِن تعاليمِهِم؟

العنصر الرابع من خطبة الجمعة للشيخ محمد القطاوي ، بعنوان : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ

رابعًا : حصنْ اولادَكَ وأمنْ مستقبلَهُم بتقوَي اللهِ؟

إخوةَ الإيمانِ والإسلامِ: ينشغلُ الكثيرُ مِن الآباءِ بتأمينِ مستقبلِ أولادهِم، فيسعونَ لجمعِ الأموالِ وبناءِ العقاراتِ وأرصدةِ البنوكِ ظنًا منهُم أنَّ تأمينَ مستقبلِ الأولادِ في هذه الأمورِ الفانيةِ، مع أنَّهُم لو تدبرُوا القرآنَ لعلمُوا أنَّ المستقبلَ الحقيقيَّ لأولادِهِم هو الميراثُ الحقيقيُّ الذي يتركُهُ الآباءُ للأبناءِ يتمثلُ في تقوَي اللهِ ومراقبتِهِ، اقرأوا إنْ شئتُم قولَ اللهِ سبحانَهُ: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلًا سَدِيدًا } [النساء:9] ، يقولُ سيّدُ التابعينَ لولدِهِ: ” إنِّي سأكثرُ مِن الطاعاتِ برًّا بك] برًّا بولده، { وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ } [الكهف:80] وفي الآيةِ الأخرى: { وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا }[الكهف:82]، فطاعةُ الوالدُ لربِّهِ، وتقواهُ ومراقبتُهُ للهِ في سرِّهِ وعلانيتِهِ لا تضيعُ أبدًا لا في حياتِهِ ولا بعدَ مماتِهِ.
نسألُ اللهَ الكريمَ أنْ يمتنَّ علي وطنِنَا بنعمةِ الأمنِ والأمانِ، وأن يجعلَهُ سخاءً رخاءً سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ المسلمينَ، وأنْ يرققَ قلوبَنَا ويجمعَ علي الحقِّ كلمتَنَا، ويرفعَ رايتَنَا عاليةً خفاقةً، وأنْ يوفقَ ولاةَ أمورِنَا، وأنْ يحفظَ قياداتنَا وجيشنَا وبلدنَا.

كتبه وأعده وجمعه
محمد القطاوي
صوت الدعاة

_____________________________________

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى