خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير بعنوان : سنن الله الكونية في القرآن الكريم
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : سننُ اللهِ الكونيةُ في القرآنِ الكريمِ وواجب المسلم نحوها ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 29 شوال 1444 هـ ، الموافق 19 مايو 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 19 مايو 2023م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : سننُ اللهِ الكونيةُ في القرآنِ الكريمِ وواجب المسلم نحوها :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 19 مايو 2023م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : سننُ اللهِ الكونيةُ في القرآنِ الكريمِ وواجب المسلم نحوها ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 19 مايو 2023م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : سننُ اللهِ الكونيةُ في القرآنِ الكريمِ وواجب المسلم نحوها ، بصيغة pdf أضغط هنا.
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد علي قسم خطبة الجمعة القادمة
عناصر خطبة الجمعة القادمة 19 مايو 2023م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : سننُ اللهِ الكونيةُ في القرآنِ الكريمِ وواجب المسلم نحوها : كما يلي:
أولًا: سنةُ الاستخلافِ في الأرضِ.
ثانيًا: سنةُ الابتلاءِ بالخيرِ والشرِّ.
ثالثًا: سنةٌ التفاوتِ بينَ الأفرادِ.
رابعًا: سنةُ الثوابِ والعقابِ
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 19 مايو 2023م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : سننُ اللهِ الكونيةُ في القرآنِ الكريمِ وواجب المسلم نحوها : كما يلي:
خطبة بعنوان: سننُ اللهِ الكونيةُ في القرآنِ الكريمِ وواجبُ المسلمِ نحوهَا
بتاريخ: 29 شوال 1444هـ – 19 مايو 2023م
المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
فإنّ اللهَ سبحانَهُ وتعالى خلقَ هذا الكونَ على سننٍ ثابتةٍ لا تتبدلُ ولا تتغيرُ إلى قيامِ الساعةِ، ويجبُ علينَا النظرُ والاعتبارُ في هذه السننِ، قالَ تعالَى: { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا}. (فاطر: 43)، وإليكُم أهمَّ هذه السننِ وواجبَ المسلمِ نحوهَا:
العنصر الأول من خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير بعنوان : سنن الله الكونية في القرآن الكريم
أولًا: سنةُ الاستخلافِ في الأرضِ.
إنّ اللهَ سبحانه وتعالى خلقَ الإنسانَ وجعلَهُ خليفةً في الأرضِ، قالَ تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}(الأنعام: 165).
فالمالكُ الحقيقيُّ للمالِ هو اللهُ، وملكيةُ الإنسانِ لهذا المالِ خلافةٌ ووكالةٌ ونيابةٌ، وهذه قيمةٌ عُليَا، أنْ يكونَ الإنسانُ خليفةً عن اللهِ تعالى في أرضهِ، وعليه أنْ ينفقَ منه وفقَ ما قررَهُ وكيلُهُ، قالَ تعالى: { آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} . (الحديد: 7) . يقولُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ – رحمَهُ اللهُ – : ” حثَّ اللهُ تعالى على الإنفاقِ مِمّا جعلَكُم مستخلفينَ فيهِ، أي مِمَّا هو معكم على سبيلِ العاريةِ، فإنّه قد كان في أيدِي مَن قبلَكُم ثم صارَ إليكُم، فأرشدَ تعالى إلى استعمالِ ما استخلفَهُم فيهِ مِن المالِ في طاعتهِ، فإنْ يفعلوا وإلّا حاسبَهُم عليه وعاقبَهُم لتركِهِم الواجباتِ فيه، وقولُهُ: { مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ } فيه إشارةٌ إلى أنَّهُ سيكونُ مخلفًا عنك، فلعلَّ وارثكَ أنْ يطيعَ اللهَ فيهِ، فيكونَ أسعدَ بما أنعمَ اللهُ بهِ عليكَ منكَ، أو يعصِي اللهَ فيه فتكونَ قد سعيتَ في معاونتهِ على الإثمِ والعدوانِ. ” ( تفسير ابن كثير ) .
والواجبُ على الإنسانِ بموجبِ هذه الخلافةِ أنْ يصلحَ في الأرضِ ولا يفسدَ فيها، وأنْ يحسنَ الخلافةَ في الأرضِ بالأعمالِ الصالحةِ، كما يجبُ عليهِ أنْ يوقنَ بمبدأِ الخلافةِ وأنَّهُ تاركُ الدنيا وما فيها لِمَن يخلفهُ بعدَهُ، ولن يأخذَ معهُ شيئًا مِن متاعِهَا، فلو دام لغيرِهِ ما وصلتْ إليهِ، وهذه حقيقةٌ يعرفُهَا الصغيرُ والكبيرُ، والذكرُ والأنثَى على السواءِ. قالَ تعالَى: { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ }. (الأنعام: 94). ويحضرنِي في هذا المقامِ قصةٌ لأحدِ الملوكِ والذي لم يشعرْ بهذه الحقيقةِ إلّا في مرضِ الموتِ، فقد أوصَى هذا الملكُ وهو على فراشِ الموتِ قائدَهُ ثلاثَ وصايَا قائلاً:
وصيتِي الأولَى: أنْ لا يحملَ نعشِي عندَ الدفنِ إلّا أطبائِي ولا أحدَ غيرهُم !
والوصيةُ الثانيةُ: أنْ يُنثَرَ على طريقِي مِن مكانِ موتِي حتى المقبرةِ قطعُ الذهبِ والفضةِ وأحجارِي الكريمةُ التي جمعتُهَا طيلةَ حياتِي.
والوصيةُ الأخيرةُ: حين ترفعونِي على النعشِ أخرجُوا يدايَ مِن الكفنِ وأبقوهُمَا معلقتينِ للخارجِ وهما مفتوحتانِ.
حين فرغَ الملكُ مِن وصيتِهِ قامُ القائدُ بتقبيلِ يديهِ وضمهمَا إلى صدرهِ ، ثُم قال: ستكونُ وصاياكَ قيدَ التنفيذِ وبدونِ أيِّ إخلالٍ، إنَّما هلّا أخبرنِي سيدِي في المغزَى مِن وراءِ هذه الوصايا الثلاث ؟!!
أخذَ الملكُ نفسًا عميقًا وأجابَ: أريدُ أنْ أُعطِي العالمَ درسًا لم أفقههُ إلّا الآن !!!
أمّا بخصوصِ الوصيةِ الأولى: فأردتُ أنْ يعرفَ الناسُ أنّ الموتَ إذا حضرَ لم ينفعْ في ردِّهِ حتى الأطباء الذين نهرعُ إليهِم إذا أصابنَا أيُّ مكروه، وأنَّ الصحةَ والعمرَ ثروةٌ لا يمنحهمَا أحدٌ مِن البشرِ!!
وأمّا الوصيةُ الثانيةُ: ليعلمَ الناسُ أنّنَا لن نأخذَ معنَا شيئًا مِن المالِ حتى فتاتِ الذهبِ.
وأمّا الوصيةُ الثالثةُ: ليعلمَ الناسُ أنّنَا قدِمْنَا إلى هذه الدنيا فارغِي الأيدِي وسنخرجُ منها فارغِي الأيدِي كذلك.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير بعنوان : سنن الله الكونية في القرآن الكريم
ثانيًا: سنةُ الابتلاءِ بالخيرِ والشرِّ.
إنّ اللهَ- عزّ وجلّ- خلقنَا في هذا الكونِ للابتلاءِ والاختبارِ والامتحانِ، قالَ تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (الملك: 2). وهذا الاختبارُ والامتحانُ يكونُ بالخيرِ والشرِّ: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }(الأنبياء: 35). يقولُ ابنُ كثيرٍ -رحمَهُ اللهُ- في قولهِ: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} أي: نختبركُم بالمصائبِ تارةً، وبالنعمِ أُخرَى؛ لننظرَ مَن يشكر، ومَن يكفر، ومَن يصبر، ومَن يقنط ،كما قال عليٌّ بنُ أبي طلحةَ عن ابنِ عباسٍ -رضي اللهُ عنه-:{وَنَبْلُوكُم} يقولُ: نبتليكُم بالشرِّ والخيرِ فتنةً، بالشدةِ والرخاءِ، والصحةِ والسقمِ، والغنى والفقرِ، والحلالِ والحرامِ، والطاعةِ والمعصيةِ، والهدى والضلالِ” أ. هـ
فالإنسانُ منذُ ولادتِه في امتحانٍ واختبارٍ، والأرضُ هي قاعةُ الامتحانِ التي يجرِي فيها هذا الابتلاءُ، أمّا موادُّ الابتلاءِ، فهي النعمُ والمصائبُ، الخيرُ والشرُّ، يعطيكَ المالَ والولدَ والزوجةَ والأملاكَ والصحةَ وغيرَ ذلك ليختبرَكَ، ويسلبُ منك هذه النعمَ أيضًا ليختبرَكَ، فيبتليكَ في نفسِكَ أو أهلِكَ أو مالِكَ أو زرعِكَ أو تجارتِكَ أو يحرمكَ المالَ والذريةَ، فالاختبارُ يكونُ بالعطاءِ والسلبِ.
والمؤمنُ الحقُّ هو الذي يغنمُ ويكسبُ رضَا ربِّهِ في الحالين، فيشكرَ في السراءِ، ويصبرَ في الضراءِ، وليس هذا إلّا للمؤمِن. فَعَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ!! إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ!! إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ!! وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ!!” (مسلم)؛ وفي ذلك يقولُ ابنُ القيمِ: ” الإيمانُ يُبنَى على الصبرِ والشكرِ، فنصفهُ صبرٌ ونصفهُ شكرٌ، فعلى حسبِ صبرِ العبدِ وشكرهِ تكونُ قوةُ إيمانهِ” ( الفوائد).
العنصر الثالث من خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير بعنوان : سنن الله الكونية في القرآن الكريم
ثالثًا: سنةُ التفاوتِ بينَ الأفرادِ
اللهُ خلقَ الناسَ متفاوتينَ في القدراتِ والمواهبِ والوظائفِ والدرجاتِ، ليحدثَ التكاملُ والتضامنُ فيمَا بينهُم، فيخدمَ بعضُهُم بعضًا كلٌّ فيمَا يخصُّهُ، ويؤكدُ ذلك قولهُ تعالى: { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (الزخرف:32) ؛ “قال السديُّ وغيرهُ: ليسخرَ بعضهُم بعضًا في الأعمالِ، لاحتياجِ هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا ” (تفسير ابن كثير)؛ فأنت تحتاجُ إلى النجارِ وهو يحتاجُ إليك، وكلٌ في مهنتهِ يحتاجُ إلى الآخرين، والآخرون يحتاجون إليه، وذلك لإيجادِ مجتمعٍ متعاونٍ متضامنٍ مترابطٍ، فالناسُ فيهِ ليسُوا على نسقٍ واحدٍ في العلمِ والمستوى المعيشِي، بل يتفاوتونَ في أوضاعِهِم ومهنهِم ووظائفهِم، فمنهم الفقيرُ، المريضُ، اليتيمُ، العاجزُ، العالمُ، الجاهلُ، الغنيُّ.
فالفردُ لا يستطيعُ أنْ يعيشَ منعزلًا عن الآخرين دونَ التشاركِ أو التضامنِ أو التعاونِ والتفاعلِ مهم، وهذا ما أكدَهُ العلامةُ ابنُ خلدون مؤسسُ علمِ الاجتماعِ في مقدمتهِ حينَ قال: ” الإنسانُ مدنيٌّ بالطبعِ أو اجتماعيٌّ بالطبعِ “؛ ومعنى ذلك أنّ التضامنَ والاجتماعَ سنةٌ كونيةٌ تفرضُ نفسَهَا فرضًا على الآخرين، فيحتاجونَ إلى تنظيمٍ دقيقٍ وتفاعلٍ وتضامنٍ يرتبُ لهم أمورَ معيشتِهِم، ويرعَى أحوالَهُم، ويهتمُّ بشؤونِهِم، ويحققُ التوازنَ بينَ مختلفِ فئاتِ المجتمعِ دونَ خللٍ أو تقصيرٍ، حتى يشعرَ كلُّ فردٍ بعضويتهِ الكاملةِ في المجتمعِ، ويقومَ بعملِ ما عليهِ مِن واجباتٍ وينهضَ بأعبائهِ دونَ تقصيرٍ، ويأخذَ ما لَهُ مِن حقوقٍ دونَ نُقصانٍ، وبذلك تستقيمُ القلوبُ والأبدانُ، ويعلو البنيانُ، وترتفعُ الأركانُ، ونسعدُ برضَا الرحمنِ.
والواجبُ على العبدِ الرضَا بحالهِ وأنْ لا ينظرَ إلى مَن هو فوقهُ في أمرِ الدنيا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ” إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ.” (متفق عليه)؛ وفي رواية مسلم”: انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ، وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ.” قال المباركفوري: “إنّ المرءَ إذا نظرَ إلى مَن فُضِّلَ عليه في الدنيا، استصغرَ ما عندَهُ مِن نعمِ اللهِ، فكانَ سببًا لمقتهِ، وإذا نظرَ للدونِ، شكرَ النعمةَ، وتواضعَ وحَمِدَ”.
العنصر الرابع من خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير بعنوان : سنن الله الكونية في القرآن الكريم
رابعًا: سنةُ الثوابِ والعقابِ.
إنَّ سنةَ الثوابِ والعقابِ سنةٌ إلهيةٌ في القرآنِ الكريمِ، قالَ تعالَى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}. (النجم: 31).
ولهذا الغرضِ وهذه السنةِ الإلهيةِ خلقَ اللهُ الجنةَ ثوابًا للطائعين والنارَ عقابًا للعاصين. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ:” تَحَاجَّتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الجَنَّةُ: مَا لِي لاَ يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِلْؤُهَا.”(متفق عليه).
والواجبُ على المسلمِ تجاهَ هذه السنةِ أنْ يسارعَ إلى كثرةِ الأعمالِ الصالحةِ، والابتعادِ عن المعاصِي؛ لأنّ أعمالَهُ كلَّهَا مكتوبةٌ ومسجلةٌ ومحصاةٌ عليهِ. قالَ تعالى: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}. (الكهف: 49). وقالَ سبحانَهُ وتعالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (الزلزلة: 7؛ 8) . وفي الحديثِ القدسِي: ” يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا؛ فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ؛ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ “( مسلم ). وعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ؛ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ؛ وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ؛ وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ؛ فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ؛ فَمَن لَم يَجِد فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ”.(متفق عليه).
واعلمْ يا عبدَالله أنّكَ بعملِكَ الصالحِ تبنِي بيتَكَ في الجنةِ، فكلُّ عملٍ صالحٍ تعملُهُ فهو لبنةٌ لبناءِ بيتِكَ في الجنةِ، فإذا أكثرتَ مِن الأعمالِ الصالحةِ في سنواتِ عمرِكَ فإنَّ قصركَ في الجنةِ سيُشيدُ عاليًا، فعلَى قدرِ العملِ يرتفعُ القصرُ والبنيانُ، وأسوقُ لكُم قصةً تؤيدُ هذا الكلامَ.
يُحكَى عن رجلٍ رأى في المنامِ أنّه ماتَ، وصعدَ إلى السماءِ ولمَّا وصلَ ..كانت دهشتُهُ كبيرةً، لما شاهدَ مِن الجمالِ والحدائقِ الرائعةِ ، والمنازلِ والقصورِ، فسألَ عن أصحابِهَا ..فأجابَهُ أحدُ الملائكةِ:” هذه المنازلُ والقصورُ للصاعدين مِن الأرضِ”. ابتهجَ الرجلُ كثيرًا وطلبَ مِن الملاكِ أنْ يرشدَهُ إلى مكانِ سكنهِ، فسارَ بهِ الملاكُ إلى مكانٍ حيثُ أصبحتْ المنازلُ متواضعةً وفقيرةً، فسألَ الرجلُ الملاكَ أين منزلِي؟ فأشارَ الملاكُ إلى غرفةٍ فقيرةٍ صنعتْ مِن بعضِ الأخشابِ وقال له: هذا هو منزلُكَ . غضبَ الرجلُ وقالَ للملاكِ: لماذا لا أسكنُ في أحدِ القصورِ التي مررنَا بها؟ ولماذا أنَا هنا والبقيةُ في الأماكنِ الأكثرِ رفاهيةً؟ أجابَهُ الملاكُ: في السماءِ لا يوجدُ موادُ أوليةٍ للبناءِ فكلُّ ما ترسلونَهُ لنَا مِن الأرضِ مِن أعمالٍ صالحةٍ نستعملُهُ لبناءِ منازلِ لكُم، وأنت هذا كلُّ ما أرسلتَهُ لنَا. وقتهَا يندمُ الإنسانُ؛ لأنَّهُ لم يكثرْ مِن العملِ الصالحِ. {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} ( الفجر: 24)، قال: لـ(حياتي) .. ولم يقلْ: (في حياتي)..كأنّ حياتَهُ لم تبدأْ بعد..الحياةُ الحقيقيةُ هي الآخرةُ.. وما هذه الحياةُ الدنيا إلّا لهوٌ ولعبٌ.. وإنّ الدارَ الآخرةَ لهي الحيوانُ.. لو كانوا يعلمون!
يقولُ الإمامُ الفخرُ الرازي: ( يا ليتنِي قدمتُ ) في الدنيا التي كانتْ حياتِي فيها منقطعةً لحياتِي هذه التي هي دائمةٌ غيرُ منقطعةٍ، وإنَّما قال: ( لحياتي ) ولم يقلْ : ” لهذه الحياة ” على معنى أنّ الحياةَ كأنّهَا ليستْ إلَا الحياةَ في الدارِ الآخرةِ ، قالَ تعالى: ( وإنَّ الدارَ الآخرةَ لهِيَ الحيوانُ ) [ العنكبوت : 64 ] أي لهي الحياةُ.
وهكذا فمَن جدَّ وجدَ، ومَن زرعَ حصدَ، ومَن طلبَ العُلا سهرَ الليالِي، ومَن يزرعْ الشوكَ لن يحصدَ العنبَا.
نسألُ اللهَ أنْ يوفقنَا إلى الأعمالِ الصالحةِ، وأنْ يحفظَ مصرنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ،،،
الدعاء،،،،،،، وأقم الصلاة،،،،،
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف