خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير : الدين والوطن والإنسانية معا: بناء لا هدم
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الدين والوطن والإنسانية معا: بناء لا هدم، للدكتور خالد بدير ، بتاريخ 17 ربيع الآخر 1444هـ ، الموافق 11 نوفمبر 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 11 نوفمبر 2022م ، للدكتور خالد بدير : الدين والوطن والإنسانية معا: بناء لا هدم :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 11 نوفمبر 2022م ، للدكتور خالد بدير: الدين والوطن والإنسانية معا: بناء لا هدم ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 11 نوفمبر 2022م ، للدكتور خالد بدير : الدين والوطن والإنسانية معا: بناء لا هدم ، بصيغة pdf أضغط هنا.
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد علي قسم خطبة الجمعة القادمة
عناصر خطبة الجمعة القادمة 11 نوفمبر 2022م ، للدكتور خالد بدير : الدين والوطن والإنسانية معا: بناء لا هدم : كما يلي:
أولًا: دعوةُ الأديانِ إلى البناءِ والإصلاحِ لا الهدمِ والإفسادِ
ثانيًا: عواملُ بناءِ الأوطانِ في الإسلامِ
ثالثًا: دعوةُ الإنسانيةِ إلى الوحدةِ والاصطفافِ والاجتماعِ
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 11 نوفمبر 2022م ، للدكتور خالد بدير: الدين والوطن والإنسانية معا: بناء لا هدم : كما يلي:
خطبة بعنوان: الدينُ والوطنُ والإنسانيةُ معًا بناءٌ لا هدمٌ بتاريخ: 17 ربيع الآخر 1444هـ – 11 نوفمبر 2022م
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأنَّ مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة
أولًا: دعوةُ الأديانِ إلى البناءِ والإصلاحِ لا الهدمِ والإفسادِ
لقد جاءتْ الأديانُ السماويةُ كلُّهَا بالدعوةِ إلى إصلاحِ وبناءِ العبادِ والبلادِ، كمَا أغلقتْ كلَّ أبوابِ الهدمِ والفسادِ والإفسادِ في الأرضِ، وهذا هو الهدفُ مِن بعثةِ الأنبياءِ جميعِهِم عليهم السلامُ، حيثُ كان الإصلاحُ والبناءُ سبيلَ أئمةِ المصلحينَ مِن الأنبياءِ والرسلِ عليهم الصلاةُ والسلامُ ، فشعيبٌ عليه السلامُ يقولُ لقومهِ: { إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ } [هود: 88]، وأوصَى مُوسى عليه السلامُ أخاهُ هارونَ فقال: { اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف: 142] ، وهذا نبيُّنَا ﷺ بُعِثَ في مجتمعٍ كان يعجُّ بالفسادِ ، فطهرَ اللهُ بهِ البلادَ والعبادَ، وملأَ العالمَ كلَّه صلاحًا، يصورُ ذلك سيدُنَا جعفرُ بنُ أبي طالبٍ رضي اللهُ عنه في كلمتِهِ التي ألقاها أمامَ النجاشيِّ قائلًا: ” أَيّهَا الْمَلِكُ كُنّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ؛ وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ؛ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ؛ وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ؛ وَنُسِيءُ الْجِوَارَ؛ وَيَأْكُلُ الْقَوِيّ مِنّا الضّعِيفَ؛ فَكُنّا عَلَى ذَلِكَ حَتّى بَعَثَ اللّهُ إلَيْنَا رَسُولًا مِنّا ، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ؛ فَدَعَانَا إلَى اللّهِ لِنُوَحّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ؛ وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدّمَاءِ؛ وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزّورِ وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ؛ وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصّلَاةِ وَالزّكَاةِ وَالصّيَامِ؛ فَعَدّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ.
ومن هنا بيَّنَ جلّ وعلا الفارقَ العظيمَ بين أهلِ الإصلاحِ والبناءِ، وأهلِ الفسادِ والهدمِ فقالَ تعالَى: { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ } [ص: 28].
وفي سياقِ التشريعِ القانونيِ وُضِعَتْ أشدُّ العقوباتِ وأقساهَا في الإسلامِ ضدَّ دعاةِ الهدمِ والمفسدينَ في الأرضِ، ولهذا قاومَ الرسولُ ﷺ المفسدين ونكلَّ بهم وعاقبَهُم أشدَّ العقوبةِ، فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:” أَنَّ نَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ اجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ؛ فَرَخَّصَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا؛ فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأُتِيَ بِهِمْ؛ فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ؛ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ؛ وَتَرَكَهُمْ بِالْحَرَّةِ يَعَضُّونَ الْحِجَارَةَ حَتَّى مَاتُوا ”. [البخاري ومسلم ].
هذا جزاءُ مَن يقطعونَ الطريقَ أمامَ إعمارِ الأرضِ وإصلاحِهَا وازدهارِهَا، ويسعونَ في الأرضِ هدمًا وفسادًا !!
لذلك أوجبَ الإسلامُ على كلِّ مسلمٍ أنْ يسعَى للإصلاحِ في الأرضِ وبنائِهَا، لا للإفسادِ فيهَا وهدمِهَا، وهذا أمرُ اللهِ -عزّ وجلّ- لجموعِ الأمةِ، قال سبحانَهُ وتعالى: {وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا}. ( الأعراف: 56).
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة
ثانيًا: عواملُ بناءِ الأوطانِ في الإسلامِ
لبناءِ الأوطانِ في الإسلامِ عدةُ عواملٍ، منها:
العملُ والإنتاجُ: فالعملُ والإنتاجُ أساسُ بناءِ الأممِ؛ لذلك حثَّ الإسلامُ على السعِي والكسبِ مِن أجلِ الرزقِ وبناءِ الوطنِ، قالَ تعالَي: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } ( الملك: 15)، ويقررُ الإسلامُ أنَّ حياةَ الإيمانِ بدونِ عملٍ واستثمارٍ هي عقيمٌ كحياةِ شجرٍ بلا ثمرٍ، فهي حياةٌ تثيرُ المقتَ الكبيرَ لدي واهبِ الحياةِ الذي يريدُها خصبةً منتجةً كثيرةَ الثمراتِ.
فيجبُ على المسلمِ أنْ يكونَ وحدةً إنتاجيةً طالمَا هو على قيدِ الحياةِ، ما دامَ قادرًا على العملِ، بلْ إنَّ قيامَ الساعةِ لا ينبغِي أنْ يحولَ بينَهُ وبينَ القيامِ بعملٍ منتجٍ، وفي ذلك يدفعُنَا النبيُّ ﷺ دفعًا إلى حقلِ العملِ والاستثمارِ وعدمِ الركودِ والكسلِ فيقولُ: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ». [ أحمد والبخاري في الأدب المفرد]، كما حثَّ الإسلامُ على اتخاذِ المهنةِ للكسبِ مهمَا كانتْ دنيئةً فهي خيرٌ مِن المسألةِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ:” لَأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَتَصَدَّقَ مِنْهُ فَيَسْتَغْنِيَ بِهِ عَنْ النَّاسِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلًا أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا أَفْضَلُ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ” (الترمذي وحسنه).
لذلك كان عمرُ بنُ الخطابِ رضي اللهُ عنه يهتمُّ بالعملِ والاستثمارِ والترغيبِ فيهِ فيقولُ: ” مَا مِن موضعٍ يأتينِي الموتُ فيهِ أحبُّ إلىَّ مِن موطنٍ أتسوقُ فيه لأهلِي أبيعُ وأشترِي، وكان إذا رأَي فتًى أعجبَهُ حالهُ سألَ عنه: هل له مِن حرفةٍ ؟ فإنْ قيلَ : لا. سقطَ مِن عينيهِ .وكان إذا مُدِحَ بحضرتهِ أحدٌ سألَ عنهُ: هل لهُ مِن عملٍ؟ فإنْ قيلَ: نعم .قال: إنَّهُ يستحقُّ المدحَ. وإنْ قالوا: لا. قال: ليس بذاك. وكان يوصِي الفقراءَ والأغنياءَ معًا بأنْ يتعلمُوا المهنةَ ويقولُ تبريرًا لذلك: يوشكُ أنْ يحتاجَ أحدكُم إلى مهنةٍ، وإنْ كان مِن الأغنياءِ. وكان كُلّما مرَّ برجلٍ جالسٍ في الشارعِ أمامَ بيتهِ لا عملَ له أخذَهُ وضربَهُ بالدرةِ وساقَهُ إلى العملِ والاستثمارِ وهو يقولُ: إنَّ اللهَ يكرَهُ الرجلَ الفارغَ لا في عملِ الدنيَا ولا في عملِ الآخرةِ.” (إحياء علوم الدين – الإمام أبو حامد الغزالي).
ومنها: نشرُ العلمِ والوعيِ الثقافِي: فالعلمُ أساسُ نهضةِ الأمةِ وقيامِ الحضاراتِ، فبالعلمِ تُبنَى الأمجادُ، وتَسُودُ الشعوبُ، وتُبنَى الممالكُ، بل لا يستطيعُ المسلمُ أنْ يُحققَ العبوديةَ الخالصةَ للهِ تعالى على وفقِ شرعهِ، فضلًا عن أنْ يَبنِي نفسَهُ كمَا أرادَ اللهُ سبحانَهُ أو يقدمَ لمجتمعِهِ خيرًا، أو لأمتِهِ عزًّا ومجدًا ونصرًا إلّا بالعلمِ، وما فشَا الجهلُ في أمةٍ مِن الأممِ إلّا قوضَ أركانَهَا، وصدَّعَ بنيانَهَا، وأوقعَهَا في الرذائلِ والمتاهاتِ المهلكةِ. وكما قيل:
العلمُ يبنِي بيوتًا لا عمادَ لهـا …… والجهلُ يهدمُ بيوتَ العزِّ والكـرمِ
ويبلغُ مِن فضلِ العلمِ أنَّه يرفعُ قدرَ أُناسٍ ليس لهم حسبٌ ولا نسبٌ فوقَ كثيرٍ مِن الأكابرِ، فقد رُوى أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ لَقِيَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِعُسْفَانَ، وَكَانَ عُمَرُ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى مَكَّةَ، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ اسْتَخْلَفْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي؟ قَالَ: اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمْ ابْنَ أَبْزَى. قَالَ: وَمَنْ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ مَوَالِينَا. قَالَ عُمَرُ: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟ قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ، قاضٍ. قَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ ﷺ قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ”.( أحمد وابن ماجة بسند صحيح).
إنَّ نهضةَ الأمةِ منوطٌ بتربيةِ أجيالٍ على علمٍ وتحملِ المسئوليةِ، وما اختلتْ موازينُ الأمةِ، وفسدَ أبناؤُهَا إلّا حينمَا ضاعَ الأبناءُ بينَ أبٍ مفرطٍ – لا يعلمُ عن حالِ أبنائهِ، ولا في أيِّ مرحلةٍ يدرسُون، ولا مع مَن يذهبونَ ويجالسونَ، ولا عن مستواهم التحصيلِي في الدراسةِ – وبينَ مدرسٍ خانَ الأمانةَ، وتهاونَ في واجبهِ، ولم يدركْ مسؤوليتَهُ.
فدورُ الأسرةِ عظيمٌ في نشرِ الوعيِ الثقافيِ والعلميِ في نفوسِ أبنائِهَا، فهم مسئولونَ عنهُم يومَ القيامةِ!!
ومنها: غرسُ مكارمِ الأخلاقِ في نفوسِ أفرادِ المجتمعِ: فبناءُ الأممِ والدولِ والحضاراتِ بالأخلاقِ، وهدمُهَا بفقدانِهَا لأخلاقِهَا، قال الشاعرُ أحمدُ شوقِي:
إنّمَا الأممُ الأخلاقُ ما بقيتْ ……فإنْ همُو ذهبتْ أخلاقُهُم ذهبُوا
وقال: وَإِذا أُصـــيــبَ الـــقَــومُ فـــــي أَخــلاقِــهِـم.…. فَـــــأَقِـــــم عَـــلَـــيــهِــم مَــــأتَـــمـــاً وَعَـــــويــــلا
وقال: صَـلاحُ أَمْـرِكَ لِلأَخْـلاقِ مَرْجِعُـهُ…… فَقَـوِّمِ النَّفْـسَ بِالأَخْـلاقِ تَسْتَقِـمِ
إنَّنَا في حاجةٍ إلى أنْ نقفَ وقفةً مع أنفسِنَا وأولادِنَا وأهلِينَا في غرسِ مكارمِ الأخلاقِ والتحلِّي بها، نحتاجُ إلى أنْ نولدَ مِن جديدٍ بالأخلاقِ الفاضلةِ؛ نحتاجُ إلى أنْ نغيرَ ما في أنفسِنَا مِن غلٍّ وحقدٍ وكرهٍ وبخلٍ وشحٍّ، إلى حبٍّ وتعاونٍ وإيثارٍ وكرمٍ، إذا كنَّا نريدُ حضارةً ومجتمعًا وبناءَ دولةٍ !!! فهل لذلك أذنٌ واعيةٌ ؟!!
ومنها: التنشئةُ الأسريةُ السويةُ: فالمجتمعُ عبارةٌ عن أسرٍ، فلو أنَّ كلَّ واحدٍ منَّا أنشأَ أسرةً سويةً متينةً فمِن مجموعِ هذه الأسرِ نبنِي دولةً وأمةً ومجتمعًا قويًّا متماسكًا.
إنَّ للأسرةِ دورًا كبيرًا في رعايةِ الأولادِ – منذُ ولادتِهِم – وفي تشكيلِ أخلاقِهِم وسلوكِهِم، وما أجملَ عبارةَ : ” إنَّ وراءَ كلّ رجلٍ عظيمٍ أبوين مربيين”، وكما يقولُ بعضُ أساتذةِ علمِ النفسِ: “أعطونَا السنواتِ السبعَ الأولَى للأبناءِ نعطيكُم التشكيلَ الذي سيكونُ عليه الأبناءُ”. وكما قيلَ: “الرجالُ لا يولدونَ بل يُصنعون”.
ومنها: مواجهةُ الدعواتِ الهدامةِ: فمن أهمِّ عواملِ بناءِ الأوطانِ مواجهةُ الإرهابِ وتطهيرُ عُقولِ الشبابِ مِن الأفكارِ المتطرفةِ؛ لأنَّ الناسَ لو استقامتْ عقولُهُم، صاروا يُفكِّرونَ فيمَا ينفَعُهُم ويبتَعِدونَ عمَّا يضرُّهُم، إذًا هناكَ علاقةٌ كبيرةٌ بينَ المحافظةِ على عقولِ الناسِ وبينَ استقرارِ الأمنِ عندَهُم؛ لأنَّ مِمَّا يُذهِبُ بأمنِ الناسِ انتشارَ المفاهيمِ الخاطئةِ حيالَ نصوصِ القرآنِ والسنةِ، وعدمَ فهمِهِمَا بفهمِ السلفِ الصالحِ، وهل كُفِّرَ الناسُ وأريقتْ الدماءُ وقُتِلَ الأبرياءُ وخُفرتْ الذممُ بقتلِ المستأمنين وفُجِّرتْ البقاعُ إلّا بهذهِ الأفكارِ المتطرفةِ المعكوسةِ، والمفاهيمِ المنكوسةِ؟!!
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة
ثالثًا: دعوةُ الإنسانيةِ إلى الوحدةِ والاصطفافِ والاجتماعِ
أيُّها الإخوةُ المؤمنون: هذه دعوةٌ لجميعِ الإنسانيةِ إلى الاصطفافِ والاجتماعِ، فوحدةُ الصفِّ ووحدةُ الأمةِ عاملٌ قويٌّ وفعّالٌ في بناءِ الدولةِ، فعلينَا أنْ نتحرّرَ مِن الفرقةِ والتشاحنِ والتباغضِ والتقاتلِ والتحزبِ، بالصلحِ والمصافحةِ والمصالحةِ والمحبةِ والأخوةِ، حتّى تعودَ المياهُ إلى مجارِيهَا .
يجبُ علينَا أنْ نكونَ صَفًّا واحدًا مُتلاحِمًا كالبنيانِ المرصوصِ مع ولاةِ أمرِنَا وعلمائِنَا، في استتبابِ الأمنِ والقضاءِ على هذه الظواهرِ المفزعةِ والأحداثِ المفجعةِ واستئصالِ شأفتِهَا، يجبُ أنْ نكونَ جميعًا يدًا واحدةً عَيْنًا ساهرةً مع رجالِ الأمنِ للحفاظِ على دينِنَا وبلادِنَا وأمنِنَا، ومنهجُنَا منهجُ الوسطيةِ والاعتدالِ، ونصيحتُنَا للشبابِ وفلذاتِ الأكبادِ ألَّا ينخدعُوا بالأفكارِ الهدامةِ، والمناهجِ الضالةِ، وألّا ينساقُوا وراءَ حربِ الشبهاتِ التي يروجُهَا مَن قَلَّ فَهْمُه، وضلَّ سَعْيُه.
إنَّنِي أدعُو جميعَ أطيافِ المجتمعِ إلى الاجتماعِ والاعتصامِ والوحدةِ، فالاجتماعُ والاتفاقُ سبيلٌ إلى القوةِ والنصرِ، والتفرقُ والاختلافُ طريقٌ إلى الضعفِ والهزيمةِ، وما ارتفعتْ أمةٌ مِن الأممِ وعلتْ رايتُهَا إلّا بالوحدةِ والتلاحمِ بينَ أفرادِهَا، وتوحيدِ جهودِهَا، والتاريخُ أعظمُ شاهدٍ على ذلك، ولذا جاءتْ النصوصُ الكثيرةُ في كتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وسنةِ رسولِهِ ﷺ تدعُو إلى هذا المبدأِ العظيمِ، وتحذرُ مِن الاختلافِ والتنازعِ ومنهَا قولُهُ تعالَى: {وأطيعُوا اللهَ ورسولَهُ ولا تنازعُوا فتفشلُوا وتذهبَ ريحكُم واصبرُوا إنَّ اللهَ مع الصابرين} (الأنفال:46)، وفي حديث أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ، وَيَقُولُ: «اسْتَوُوا، وَلَا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: «فَأَنْتُمُ الْيَوْمَ أَشَدُّ اخْتِلَافًا». ( مسلم).
وهكذا بالعملِ والإنتاجِ، وغرسِ القيمِ والأخلاقِ، ونشرِ الوعيِ العلمِي والثقافِي، والوحدةِ والاجتماعِ، نستطيعُ أنْ نقفَ صفًّا واحدًا في مواجهةِ الدعواتِ الهدامةِ، وأنْ نبنيَ مجتمعًا فاضلًا، تسودُهُ علاقاتُ المودةِ والرحمةِ والتعاونِ والإخاءِ والسلامِ.
نسألُ اللهَ أنْ يوحدَ صفوفَنَا ويؤلفَ بينَ قلوبِنَا، وأنْ يحفظَ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ ؛؛؛
الدعاء،،،، وأقم الصلاة،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف