أخبار مهمةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة بعنوان : وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ، للدكتور أحمد علي سليمان

بتاريخ 22 ربيع الثاني 1446 هـ ، الموافق 25 أكتوبر 2024م

خطبة الجمعة بعنوان : وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ، للدكتور أحمد علي سليمان عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ، مدير اعتماد التعليم الأزهري بالهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد التابعة لرئاسة الوزراء المصري ، بتاريخ 22 ربيع الثاني 1446 هـ ، الموافق 25 أكتوبر 2024م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 25 أكتوبر 2024م ، للدكتور أحمد علي سليمان بعنوان : وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا :’

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 25 أكتوبر 2024م ، للدكتور أحمد علي سليمان بعنوان : وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ، بصيغة  word أضغط هنا.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 25 أكتوبر 2024م ، للدكتور أحمد علي سليمان بعنوان : وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 25 أكتوبر 2024م ، للدكتور أحمد علي سليمان ، بعنوان : وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا : كما يلي:

خطبة الجمعة بعنوان: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا

للشيخ الدكتور/ أحمد علي سليمان

عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية

بتاريخ 22 ربيع الآخر 1446هـ / 25 أكتوبر 2024م

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على حبيبه المصطفى، وعلى آله وصحبه ومَن على دربه اقتفى.. وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهدُ أنَّ سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله وخاصته وحبيبه، إمام المرسلين، وقائد الغرِّ الميامين (ﷺ)…

والصلاةُ والسلام الأتمّان الأكْملان، الأشْرفان الأنْوران، الأعْطَران الأزْهَران، المزْهِران المثمِران، المُشرقان المنيران؛ على مَن جُمعَت كلُّ الكمالات فيه، وعلى آله وصحبِه وتابعيه.. عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله.

أما بعد

فمن عظيم فضل الله تعالى علينا أنه امتن علينا بالإسلام.. هذا الدين العالمي العظيم الذي سبق العَالم كله في كل خير.. فقد عَلَّمَنَا الإسلام أن نُحسن إلى خلق الله، بالأقوال والأفعال…

وقد أنعم الله عز وجل علينا بنِعمٍ لا تعد ولا تحصى، ومن أهم نِعم الله على الإنسان نِعم: العقل والكلام… وقد أمرنا الله تعالى أن نستخدم هذه النعم وغيرها في كل خير… قال تعالي: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) ولفظ الناس هنا عام يشمل كل الناس… يشمل الجميع على اختلاف ألوانهم وأعراقهم وأديانهم…

  • والكلمةُ الطَّيبة رسالةُ المرسَلين، وسِمةُ المؤمنين، دعى إليها ربُّ العالمين في كتابِه العظيم فقال تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..) (الإسراء:53).

  • الكلمةُ الطيبة هدايةُ الله وفضلُه لعباده المخلِصين، قال تعالى: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ) (الحج:24).

  • الكلمةُ الطيبة نابضَةٌ بالحياءِ والحياة، لا تموتُ ولا تَذْوى؛ لأنَّ بذورَها نبَتَت في قلوبِ الصادقين، وتُروَى في صدورِ المؤمنين.

  • الكلمةَ الطيبة لها جَمال، وجلال، ونور.. لها إزْهارٌ وإثمار.. لها آثارٌ مُباركة على القلب والنَّفس والعقل والوجدان، بل وعلى الحياةِ عامَّة.

  • والكلمةُ الطيبة تُسعِد الإنسان، وتَبعثُ السَّكينة والطمأنينة في النُّفوس والوجْدان، وتؤلفُ بين القلوب، وتَربطُ بين أفراد الأسْرة، وزملاءِ العمل، ومُكوِّنات المجتمع؛ برباطٍ مَتين من الحبِّ والودِّ والرحمةِ والاحترام.

  • الكلمةُ الطيِّبة المريحَة للنَّفس، الجابرةُ للخاطر؛ تُشعُّ نورًا، وسرورًا، وحبورًا، وهي طاقةٌ من الخير تتحرَّك في كلِّ اتجاهٍ لتَتركَ أثرَها المبارك… وهذه الكلمةُ شبَّهَها اللهُ (سبحانه وتعالى) بالشَّجرة الطيبةِ المباركة المعْطاءة التي تُعطي خيرًا كثيرًا… قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَآءِ. تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ) (إبراهيم: 24-26).

وما أجملَ أن تُعانق بَشاشةُ قلوبنا بَشاشةَ وجوهِنا، وبشاشةَ أقوالِنا الطيبة لكلِّ مَن نَلقاه، ونَلهجُ لهم بالدعاء، كأنْ نقول لهم دومًا: باركَ اللهُ فيكم، وجزاكم اللهُ خيرًا، وسلَّمَكم الله.. ويا لها من بركةٍ عظيمة إذا انْتشرتْ مثلُ هذه الكلمات وسادَتْ في جَنبات المجتمع على الدَّوام.

  • ولقد سبَقَ الإسلامُ ونبيُّه العظيم العالمَ المعاصرَ في وضْع حَجر الأساس للأخلاقياتِ والآداب والقواعدِ الكَفيلة بضبطِ بَوْصَلة الحياةِ نحو الصلاح والإصلاحِ والرَّشاد والنَّجاح والفلاح، وبما يجمَع الناسَ ولا يُفرِّقهم، وبما يُشكلُ سبقًا حضاريًّا عظيمًا لحضارةِ المسلمين.

تطبيقات النبي (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وآلِه وسلَّمَ) لقول الله تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)

ونُشير هنا إلى عددٍ من القواعد الأخلاقية التي وضعَها النبيُّ العظيم عند الكلام والمحادثة، انطلاقا من قول الله تعالى (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) والتي تمثِّل- معَ غيرها- سبقًا حضاريًّا رشيدًا، ومنها:

  • أن نَبدأ بالسلام قبلَ الكلام.

  • أن نحترم إنسانية الإنسان مهما كان وضعه، ولقد كان النبيُّ (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وآلِه وسلَّمَ) مَضربَ المثَل في: الرحمة، والرِّفق، واللّين، والبُعدِ عن التّأنيب… يقول سيدُنا أنس بنُ مالك (رضي الله عنه): خدمتُ رسولَ اللهِ (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ) عشْرَ سنينَ، فما قال لي أُفٍّ قطُّ، وما قال لي لشيٍء صنعتُه: لِمَ صنعتَه، ولا لشيٍء تركتُه: لِمَ تركتَه، وكان رسولُ اللهِ أحسنَ الناسِ خُلُقًا)([1]).

  • المخاطبةُ على قَدر الفَهم، وأن نقول خيرًا أو نَصمُت، فعنْ أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ)، قال: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ…)([2]).

  • انتقاءُ الكلمات الطَّيبة، يقول (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وآلِه وسلَّمَ): (…اتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ، فإنْ لَمْ تَجِدُوا، فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ…)([3]).

  • أن نُقللَ من الكلام، وألا نُكثرَ منه؛ لأنَّ كثرتَه ربما تكون سببًا في الوقوع في الخطأ والإثم، فلا يأمَنُ المُكثِر من الكلام من فَلتاتِ لِسانه وزَلّاته وهَفَواته.

  • أن نَحفظَ سرَّ المُتكلِّم فلا نُفْشيه.

  • أن نَبتعدَ عنِ الجدال، حتى وإن كنّا مُحقّين، فعن أبي أمامَةَ الباهلي (رضي اللهُ عنه) أنَّ النبي (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ)، قال: (أنا زعيم بَيْتٍ في رَبَضِ الجَنَّةِ لِمَن ترَك المِراءَ وإنْ كان مُحِقًّا، وبَيْتٍ في وسَطِ الجَنَّةِ لِمَن ترَك الكَذِبَ وإن كان مازحًا، وبَيْتٍ في أعلى الجَنَّةِ لِمَن حَسُنَ خُلُقُه)([4]). والمعنى: أنا كَفيلٌ وضامِنٌ لِمَنْ تركَ هذا الفِعل -وهو الجدال- أن يكونَ له بيتٌ في الجنة؛ لأنَّ الجَدالَ يؤدِّي إلى الخصومة والشِّقاق والصراعِ والنِّزاع، وكذلك الكذب والعياذُ بالله.

  • أن نتأنَّى في الكلام ولا نتَسرَّعَ فيه، حتى نُفهِّم الآخرَ الكلامَ على وجْهِه الصَّحيح.

  • أن نَصبرَ على الناس، وبالتَّعبير الدّارج “نِطوّل بالنا عليهم”، ولا نتكبَّر عليهم ولا نَتجبَّر؛ بل نَتواضَعُ معهم.

  • أن نُخفضَ أصواتَنا عند الكلام مع الناس، بحيث تكون مَسْموعة، ومحقِّقةً للغَرض، ولا نَرفع أصواتَنا على غيرنا؛ لأنَّ ذلك يعدُّ سوءًا في الأدب، وخَللًا في التربية، قال تعالى:  (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ. وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ. وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (لقمان:17-19)، فتواضَعْ في مَشْيك، ولا تَسْتكبر، ولا تَسْتعجل، ولكنِ اتَّئدْ، واخْفِض من صوتِك فاجْعَله قَصدًا، أي: يُحقق المرادَ منه من دونِ إلحاقِ أذيَّة بالآخرين.

  • أن نُعيدَ الكلامَ المهمَّ على مَسامع المتلقي إذا تطلَّبَ الأمرُ ذلك، كذلك ما يَصعُب فهمُه على المستَمِعين من أوَّل وَهْلة، وذلك لغَرض التأكيدِ والتَّفهيم والبَيان والإيضاح، وإزالة اللَّبس والإبهام والغموض.

  • أن نُنصِتَ للمُتكلِّم، ونَبتعدَ عنْ مُقاطعته([5])؛ وقد كان الصحابةُ الكرام مَضربَ المثلَ في تأدُّبِهم مع سيدِنا رسول الله (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وآلِه وسلَّمَ)، وإنْصاتهم لكَلامِه، وتَطبيقِهم لتَعليماتِه العظيمة التي جاء بها لإصلاحِ الكوْن والحياةِ والإنسان…

محظورات ومنْهيّات:

ولما كان اللسانُ أداةَ الكلام، وبإمكانِه أن يُطلق قَذائفَ مدوِّيَة قد تَحرق القلوبَ والنفوسَ والوجدان، أو أن يُطلقَ كلماتٍ بانياتٍ ترمِّم الأرواحَ وتُسعد الحياة؛ لذلك شدَّد الإسلامُ على ضَبط اللسان، وحفظِه، قال تعالى:  (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق: 18)، وقال تعالى: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ. كِرَامًا كَاتِبِينَ) (الانفطار: 10-11).

ولقد أوضحَ الرسولُ العظيم (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وآلِه وسلَّمَ) خطورةَ اللسانِ حين ردَّ على معاذِ بنِ جبل (رضي الله عنه) لما سألَه معاذ: يا رسولَ اللهِ، وإنَّا لمُؤاخَذونَ بما نَتكلَّمُ به؟! فقال: (ثَكِلَتكَ أُمُّكَ يا مُعاذُ، وهل يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجوهِهم- أو قال: على مَناخِرِهم- إلَّا حَصائدُ ألسِنتِهم؟!)([6]).

فَعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) أنَّ النَّبِىِّ (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ) قَالَ: (إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ)([7]).

وقد ضمنَ الرسولُ الكريم الجنَّةَ لمَن صانَ لسانَه وصانَ فرجَه، فقال: (مَن يَضْمَن لي ما بيْنَ لَحْيَيْهِ -أي: لسانه- وما بيْنَ رِجْلَيْهِ- أي: فَرجه-، أضْمَنْ له الجَنَّةَ)([8]).

ونحذِّر مـن الكلمات المدمِّرة التي تؤذي الفردَ والمجتمع، فكم أبكَتِ الكلماتُ الخبيثةُ عيونًا، وكم أدمَتْ قلوبًا، وكـم أوْغَـرت صـدورًا، وكـم زَرعَتِ الفتنَ والإحَن، وكم فرَّقتْ بين الأحبَّة، وكم غَرستِ الشقاقَ بين الأصدقاء، وكم طلَّقتْ زوجاتٍ ورَمَّلتْ أطفالًا، وكم أعاقَتْ رأبَ الصَّدع وانْدِمالَ الجروح!. وكـم غيَّبتْ عقـولًا وأضاعتْ مَصالحَ البلاد والعبـاد، وكم نَشرتِ الحزنَ والخوفَ من المستقبل، ومِن المجهول، وكم حطَّمتْ مَعنويات، وتسبَّبتْ فـي هزائم أمَم، وكم أضاعتْ حقوقًا، وخلَقَت عقوقًا، وكم خلَّفت ظالمينَ ومَظلومين؟!

فلِسانُ الإنسانِ وفَرْجُه مِن نِعَمِ اللهِ العَظيمةِ. واللِّسانُ مع صِغَرِ حجمه فعَظيمٌ طاعتُه، وخَطير جُرْمُه، وقدْ يكونُ سَببًا في دُخول الجنَّة، أو انْكِبابِ صاحبِه على وجهه في النَّارِ؛ لذلك يجبُ على المسلم أن يحفَظَه من الكذب والغِيبةِ والنَّمِيمَة، والسَّبِّ والقَذفِ، وما شابَهه.

كما نهى النبيُّ المعصوم (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وآلِه وسلَّمَ) من عدة أمور عندَ الكلام والمحادثة، منها:

– التَّحذيرُ من التَّشدُّق ([9]) في الكلام، ومِن الكذب، ومِن الغِيبة والنَّميمة، ومن التَّحدثِ بكلِّ ما نَسمع، والتَّحذيرُ من الفُحش والتَّفحش. والفُحش هو السبُّ والشَّتم، والتعدّي في القول والفعل، فعن عبد الله بنِ مسعود (رضي الله عنه) أنَّ النبي (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ)، قال: (ليسَ المؤمنُ بالطَّعَّانِ ولا اللَّعَّانِ ولا الفاحشِ ولا البذيءِ)([10]).

– التَّحذيرُ من التَّلهّي والتَّسلي والتَّسامُرِ بإضْحاك الناس كذبًا…!، فممّا يؤسَفُ له أنَّ بعضَ الناس يَلجؤون إلى إطلاقِ النِّكات الخارجة، أو تلك التي تَحمل إيحاءاتٍ غيرِ أخلاقية، أو يَلجؤون إلى اختلاقِ كلامٍ تافِه؛ لإضْحاكِ الناس، ومن ثَمَّ يَقعون في إثمٍ عَظيم، وربما لا يَدْرون.

– النَّهيُ عن مُقاطعة الحديث، وألّا يَتناجَى اثنان دون الثالث؛ لأنَّها من المحْظورات والمنْهِيّات التي نهى عنها النبيُّ المعصوم حِفاظًا على سلامة الصُّدور، فعنْ عبد الله بنِ مسعود (رضي الله عنه) أنَّ النبي (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ)، قال: (إذا كُنْتُمْ ثَلاثَةً، فلا يَتَناجَى اثْنانِ دُونَ صاحِبِهِما، فإنَّ ذلكَ يُحْزِنُهُ)([11]) فقد يَظنُّ أنه دونَ مُستوى الكلام، أو أنهما يَتآمران عليه، أو أنَّهما يُدبِّران شيئًا ما ضِدَّه([12]).

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى والصلاةُ والسلام نبيه المصطفى (ﷺ)، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وأشهدُ أنَّ سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله… أما بعد

فمن عظيم فضل الله تعالى علينا أنه امتن علينا بالإسلام.. هذا الدين العالمي العظيم الذي سبق العَالم كله

النبي العظيم يعلما انتقاءَ الكلمات والألفاظ، واستخدامَ اللَّفظ المناسبِ في المكانِ المناسب.. وفي الوقتِ المناسب.. وفي الظرف المناسب

وإذا كان العالَم الغربي يتغنَّى بوضْع قواعد البُرُوتوكول والإتيكيت في الكلام، والسلام، والطعام، والشَّراب، والجلوس والقيام… إلخ؛ فإنَّ الإسلام الحنيف والرسولَ العظيم (عليه الصَّلاة والسَّلام) قد سبقَا العالمَ ببَوْنٍ شاسِع في ذلك، وبشَكْل يُرضي الرَّحمن، ويَجمعُ شملَ الإنسان..

فقد علَّمَنَا القرآنُ الكريم الأدبَ، والحياء، وانتقاءَ الكلمات والألفاظ، واستخدامَ اللَّفظ المناسبِ في المكانِ المناسب.. وفي الوقتِ المناسب.. وفي الظرف المناسب. انظرْ مثلًا إلى قول الله تعالى:  (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ) (البقرة: 187)، فالقرآنُ كلُّه حياء، وكلُّه تربية، بل هو دستورُ دَساتير التَّربية الرَّشيدةِ في كلِّ زمانٍ ومكان، فلم يصرِّحِ القرآنُ العظيم بما بينَ الرجل وزوجِه من علاقةٍ خاصَّة، ولكنه عبَّر بالرَّفث؛ ليُشير إلى المرادِ بمنْتهى الحياء، حتى يعلِّمنا الأدبَ والحياء، وانتقاءَ الكلمات الطيبة.

إنَّ انتقاءَ الكلمات الطيبة مِعيارُ سعادةِ الإنسان في الدنيا والآخرة، وإنَّ إطلاقَ الكلمات الخبيثة المؤذيَة معيارُ الشَّقاء، والعياذُ بالله. فالكلماتُ الدقيقة الرقيقة، التي يُطلقُها الجَنان من خلال البَنان أو اللِّسان، تؤكدُ الحقَّ والحقيقةَ، وتؤلفُ القلوبَ المرهَقة، وتشرحُ الصدورَ المتعَبَة، وترمِّمُ الأرواحَ المنْكَسرة، وتجبرُ الخواطرَ المنهَكَة، وتبعثُ الأملَ في النُّفوس، وتُقرِّب المسافاتِ البعيدة، وترسمُ بَسماتِ الفرح على قَسماتِ الوجوه، وعلى سُهول القلوب، وعُروش العقول([13])؛ لذلك أمرَنا اللهُ تعالى بقوْل الحقِّ والصِّدق، وانتقاءِ الكلماتِ الحسَنة في حديثِنا مع الجميع، قال تعالى:  (…وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا..) (البقرة:83)، لم يقلْ وقولوا للمُسلمين حُسنًا، كلّا.. ولكنَّه قال: وقولوا للناس، كلِّ الناس.. وهكذا أرادَنا اللهُ تعالى أن نكون مؤدَّبين.

فإذا كانت هناك طريقةٌ حَسنةٌ للكلام، وطريقةٌ أحسَنُ منها؛ فقد أمرَنا ربُّنا بالطَّريقة الحسْنى في كلِّ شيء، ومع أهلِ الكتاب، قال تعالى:  (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ…) (العنكبوت: 46).

بل إنَّ الله تعالى أمرَ سيدَنا موسى وأخاه هارون (عليهما السَّلام) أن يقولا لمنِ ادَّعى الألوهية، واسْتكبرَ على الله، وعلى شتَّى خَلق الله؛ أمرَهما اللهُ أن يقولا لفِرعون قولًا ليِّنًا، قال تعالى:  (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه:44)، فسُبحانَ الله الرحيم! إذا كان هذا توجيهَ الله مع مَنِ ادَّعى أنه الله! فما بالُنا برِفْق الله تعالى بمَن قال ربّي الله؟!.

ومَن يُخالفني في الفكر أو في الاتِّجاه لا بدَّ أن أحترمَه وأحترمَ فكرَه، فالاختلافُ والتَّعددية إثراءٌ للحياة، ويَعودُ بالنَّفع على الجميع.

وكان رسولُ الله (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وآلِه وسلَّمَ) المثلَ الأعلى لأمتِه، فلم يكنْ فظًّا غليظًا، بل كان سَهلًا سَمحًا، لينًا، دائمَ البِشْر، يقابلُ الصغيرَ والكبيرَ بوجْهٍ باسِم على الدَّوام، وبما يَبعثُ السكينةَ والطُّمأنينة في النفوس، ويُبادرُهم بالسلام والتَّحية والمصافَحَة وحُسن المحادَثة؛ لذلك علَّمَنَا النبيُّ العظيم أدبَ التخاطب وعفَّةَ اللسان؛ فقال (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وآلِه وسلَّمَ): (ليسَ المؤمنُ بالطَّعَّانِ ولا اللَّعَّانِ ولا الفاحشِ ولا البذيءِ)([14]).

وعلَّمَنَا (عليه الصلاةُ والسَّلام) أهميةَ انتقاءِ الكلمات الطيبة البانِيَة فقال: (..الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ…)([15]).

 ويَقول (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وآلِه وسلَّمَ): (..اتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ، فإنْ لَمْ تَجِدُوا، فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ..)([16]).

الكلمةُ الطيبة دَلالةٌ على الإيمان، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أنَّ رسولَ الله (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ) قال: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ…) ([17]).

والكلمةُ الطيبة سببٌ في دخول الجنة، فعن عبدِ الله بنِ عمرَ (رضي اللهُ عنهما) أنَّ رسول (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ) قال: (إنَّ في الجنةِ غرفةً يُرَى ظاهرُها مِنْ باطِنِهَا وباطنُهَا من ظاهِرِهَا فقالَ أبو مُوسَى الأشعريُّ: لِمَنْ هِيَ يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: لِمَنْ ألانَ الكلامَ، وأطْعَمَ الطَّعَامَ، وبَاتَ للهِ قائِمًا والنَّاسُ نيامٌ)([18]).

 والنبيُّ (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وآلِه وسلَّمَ) كان يَستثمرُ الفرصَ والسَّوانحَ ليعلَّمنَا انتقاءَ الكلمات الطيبة.

ومن المبادئ المسْتقرَّة والمسْتَقاة من روحِ دِيننا الحنيف، ومِن تعليماتِه، أنَّه: “لا يحقرنَّ أحدٌ أحدًا من الناس، فإنَّ صغيرَ المسلمين عند الله كبيرٌ بإيمانِه وإخلاصِه وتقواه…”، وأنه: “لا يَسْتَقِيمُ إِيمانُ عبدٍ حتى يَسْتَقِيمَ قلبُهُ، ولا يَسْتَقِيمُ قلبُهُ حتى يَسْتَقِيمَ لسانُهُ”.

سلوكُ الأتْقياء والصّالحين:

كان الأتقياءُ والأنقياء والأولياءُ والصالحون يتعهَّدون ألسنتَهم، ويحرصون على انتقاءِ كلماتهم وألفاظِهم، فعاشوا أتقياءَ أنقياءَ أصفياءَ وسُعداء.

فهذا الأحنف بنُ قيس يخاصمُه رجلٌ فيقول له: “لئنْ قلتَ واحدةُ لتَسْمعَنَّ عشرًا”، فقال له الأحنف: “لكنَّك والله لو قلتَ عَشرًا ما سمعتَ كلمةً واحدة”([19]).

وهكذا فلكلمةُ أمانةً من أهمِّ الأماناتِ التي سيُحاسَب عليها الإنسانُ أمامَ الله يومَ القيامة…

وتبقى الكلمةُ الطيبة المنتَقاة بَلسَم.. والكلمةُ الطيبة مَرْهم.. الكلمةُ الطيبة تِرياق.. الكلمةُ الطيبة عِلاج.. الكلمةُ الطيبة تُعمِّر ولا تُدمِّر.. الكلمةُ الطيبة تَبني ولا تَهدِم.. الكلمةُ الطيبة تؤلِّف بين قلوبِ الأفراد، والأزواج، والأُسَر، والعائلات، والقبائل، والدُّول والشُّعوب… ويا لها من فضلِ عظيم!. وأكرمْ بها من كلماتٍ بانياتٍ! وإيّاكم ثمَّ إياكم والكلماتِ الخشِنَة، واحْذروا إطلاقَ الكلماتِ العنيفة التي تدمِّر ولا تُعمِّر.. تَهدم ولا تبني.. وتدمر الحياة!!.

 

فاللهمَّ وَضّئنا بأخلاق نبيِّك العظيم، ومتِّعنا بزيارته ورؤيتِه ونَيْل شفاعته، وابذرْ بذورَ الخير والحبِّ والإيمان في قلوبنا وفي قلوب أولادنا يا أكرمَ الأكرمين… اللهم أكرمنا ولا تهنا، كن لنا يا ربنا، ولا تكن علينا، اللهم انصر المستضعفين في فلسطين ولبنان وفي كل مكان… اللهم انصرنَا على أعدائِنَا، واحفظ مصرَنَا وبلادَ المسلمين والمحبين مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ.. وصلَّى اللهُ على سيِّدنا ومَولانا محمَّدٍ في مبدأ كلِّ أمرٍ ومُنْتهاه. وأقم الصلاة

الدكتور/ أحمد علي سليمان

عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية

مدير اعتماد التعليم الأزهري بالهيئة القومية لضمان جودة التعليم

والاعتماد التابعة لرئاسة الوزراء المصري.

المدير التنفيذي السابق لرابطة الجامعات الإسلامية (منظمة دولية (

 

([1]) مختصر الشمائل- صحيح.

([2]) أخرجه الإمام البخاري ومسلم واللفظ لمسلم.

([3]) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.

([4]) أخرجه الإمام الطبراني في المعجم الأوسط.

([5]) أمينة أحمد زاده: وقولوا للناس حسنا، موقع طريق الإسلام على شبكة المعلومات الدولية.

([6]) أخرجه الإمام الترمذي في سننه.

([7]) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه.

([8]) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه.

([9]) التَّشَدُّق في الكلام هو التكلُّف، والمبالغة في إظهار الفصاحة، وقيل: المُتشدق هو المُتطاول على الناس بكلامه، ويتكلَّم بملء فيه؛ تفَصُّحًا وتعظيمًا لكلامه، وقيل: المتشدق هو المتوسع في الكلام من غير احتياط واحتراز، وقيل: المستهزئ بالناس يلوي شدقه بهم وعليهم.

([10]) أخرجه الإمام السيوطي في الجامع الصغير- صحيح.

([11]) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.

([12]) راجع: أمينة أحمد زاده: وقولوا للناس حسنًا (مرجع سابق).

([13]) د/ أحمد علي سليمان: كتاب “من عسل النحو: دليل تصحيح الأخطاء اللغوية الشائعة وتيسير كتابة المحررات العلمية، والإعلامية، والقضائية، والإدارية”، (تحت الطبع).

([14]) أخرجه الإمام السيوطي في الجامع الصغير- صحيح.

([15]) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه.

([16]) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.

([17]) أمينة أحمد زاده: وقولوا للناس حسنًا (مرجع سابق)، والحديث أخرجه الإمام البخاري ومسلم واللفظ لمسلم.

([18]) أخرجه الإمام أحمد شاكر في تخريج المسند.

([19]) أمينة أحمد زاده: وقولوا للناس حسنًا، (مرجع سابق).

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »