أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة بعنوان : ونغرس فيأكل من بعدنا ، للدكتور خالد بدير

بتاريخ 4 ذو القعدة 1446 هـ ، الموافق 2 مايو 2025م

خطبة الجمعة بعنوان : ونغرس فيأكل من بعدنا ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 4 ذو القعدة 1446 هـ ، الموافق 2 مايو 2025م. 

 

تحميل خطبة الجمعة القادمة 2 مايو 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : ونغرس فيأكل من بعدنا :

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 2 مايو 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : ونغرس فيأكل من بعدنا ، بصيغة  word أضغط هنا.

ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 2 مايو 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : ونغرس فيأكل من بعدنا ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

عناصر خطبة الجمعة القادمة 2 مايو 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : ونغرس فيأكل من بعدنا : كما يلي:

 

أولًا: أهميةُ العملِ ومكانتُهُ في الإسلامِ.

ثانيًا: حثُّ الإسلامِ على إتقانِ العملِ.

ثالثًا: إتقانُ العملِ بينَ الواقعِ والمأمولِ.

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 2 مايو 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : ونغرس فيأكل من بعدنا : كما يلي:

 

خطبةٌ بعنوان: ونغرسُ فيأكلُ مَن بعدَنَا

4 ذو القعدة 1446هـ – 2 مايو 2025م

المـــوضــــــــــوع

الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ . أمَّا بعدُ:

العنصر الأول من خطبة الجمعة بعنوان : ونغرس فيأكل من بعدنا ، للدكتور خالد بدير

أولًا: أهميةُ العملِ ومكانتُهُ في الإسلامِ.

للعملِ أهميةٌ كُبرَى ومكانةٌ رفيعةٌ في الإسلامِ، لذلك أمرنَا اللهُ سبحانَهُ بالسعيِ والضربِ في الأرضِ مِن أجلِ الرزقِ، قالَ تعالي: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } ( الملك: 15)، ويقررُ الإسلامُ أنَّ حياةَ الإيمانِ بدونِ عملٍ هي عقيمٌ كحياةِ شجرٍ بلا ثمرٍ.

فالإسلامُ لا يعرفُ سنًّا للتقاعدِ، ولذلك يدفعُنَا النبيُّ دفعًا إلى حقلِ العملِ حتى عندَ قيامِ الساعةِ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: ” إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ؛ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا، فليغرسها”. [ أحمد والبخاري في الأدب المفرد بسند صحيح ].

 كما حثّنَا على اتخاذِ المهنةِ للكسبِ، فهي خيرٌ مِن المسألةِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ:” لَأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَتَصَدَّقَ مِنْهُ فَيَسْتَغْنِيَ بِهِ عَنْ النَّاسِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلًا أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا أَفْضَلُ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ” (الترمذي وحسنه).

لذلكَ كانَ سيدُنَا عمرُ بنُ الخطابِ رضي اللهُ عنهُ يهتمُّ بالعملِ والترغيبِ فيهِ فيقولُ: ما مِن موضعٍ يأتينِي الموتُ فيهِ أحبُّ إلىَّ مِن موطنٍ أتسوقُ فيهِ لأهلِي أبيعُ وأشترِي، وكان إذا رأي فتىً أعجبَهُ حالهُ، سألَ عنهُ: هل لهُ مِن حرفةٍ؟ فإنْ قيلَ: لا. سقطَ مِن عينيهِ، وكان إذا مُدِحَ بحضرتهِ أحدٌ سألَ عنهُ: هل لهُ مِن عملٍ؟ فإنْ قيلَ: نعم. قال: إنَّهُ يستحقُّ المدحَ، وإنْ قالُوا: لا. قال: ليسَ بذاك، وكان  كلّمَا مرّ برجلٍ جالسٍ في الشارعِ أمامَ بيتهِ لا عملَ لهُ أخذَهُ وضربَهُ بالدرةِ وساقَهُ إلى العملِ وهو يقولُ: إنَّ اللهَ يكرَهُ الرجلَ الفارغَ لا في عملِ الدنيا ولا في عملِ الآخرةِ. وكان يقولُ أيضًا: “مكسبَةُ في دناءةٍ خيرٌ مِن سؤالِ الناسِ، وإنَّ اللهَ خلق َالأيديِ لتعملَ فإنْ لم تجدْ في الطاعةِ عملًا، وجدتْ في المعصيةِ أعمالًا “، وكان سعيدُ بنُ المسيبِ يتاجرُ بالزيتِ ويقولُ: واللهِ ما للرغبةِ في الدنيا ولكنْ أصونُ نفسِي وأصلُ رحمِي.”، وكان إبراهيمُ بنُ أدهمَ إذا قيلَ لهُ : كيفَ أنتَ ؟ قال : بخيرٍ ما لم يتحملْ مؤنتِي غيرِي. (إحياء علوم الدين – الإمام الغزالي).

إنَّ العملَ شرفٌ، ولو لم يكنْ الإنسانُ في حاجةٍ للعملِ، لكانَ عليهِ أنْ يعملَ للمجتمعِ الذي يعيشُ فيهِ، فإنَّ المجتمعَ يعطيه، فلابدَّ أنْ يأخذَ منهُ على قدرِ ما عندَهُ، يُروَى أنَّ رجلًا مرَّ على أبي الدرداءِ الصحابِيّ الزاهدِ – رضي اللهُ عنه- فوجدَهُ يغرسُ جوزةً، وهو في شيخوختهِ وهرمهِ، فقالَ لهُ: أتغرسُ هذه الجوزةَ وأنت شيخٌ كبيرٌ، وهي لا تثمرُ إلّا بعدَ كذا وكذا عامًا ؟! فقال أبو الدرداء: وما عليَّ أنْ يكونَ لي أجرهَا ويأكلُ منهَا غيري! ونغرس فيأكل من بعدنا!!

 وأكثرُ مِن ذلك أنَّ المسلمَ لا يعملُ لنفعِ المجتمعِ الإنسانيِ فحسب، بل يعملُ لنفعِ الأحياءِ، حتى الحيوانِ والطيرِ، والنبيُّ يقولُ: ” مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ” [البخاري]. وبذلك يعمُّ الرخاءُ ليشملَ البلادَ والعبادَ والطيورَ والدوابَ.

العنصر الثاني من خطبة الجمعة بعنوان : ونغرس فيأكل من بعدنا ، للدكتور خالد بدير

ثانيًا: حثُّ الإسلامِ على إتقانِ العملِ.

إنَّ قيمةَ إتقانِ العملِ في الإسلامِ قيمةٌ عليَا، يجبُ مراعاتُهَا في كلِّ عملٍ يُكلفُ بهِ الإنسانُ مِن أمورِ الدنيا والدينِ معًا، وذلك بأنْ يؤدَيَهُ عَلَى الوجهِ الأكملِ؛ حتى ينالَ محبةَ اللهِ تعالى، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ».( الطبراني). ولقد أحسنَ مَن قال:

إذا عملَ المرءُ المكلّفُ مرةً  …. عملًا فإنّ العيبَ ألّا يحسنَهُ

فقـــــدْ ذكرَ المختارُ أنّ إلهنَا ….. يحــــــبُّ لعبدٍ خافَهُ أنْ يتقنَهُ

وليس هذا فحسب، بل إنَّ الرسولَ حثّنَا على إتقانِ وإحسانِ الذبحِ؛ رأفةً ورحمةً بالطيرِ والحيوانِ، فقال «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ». (مسلم)

وفي مجالِ العبادةِ حثّنَا الإسلامُ على إتقانِهَا وأدائِهَا كاملةَ الأركانِ والشروطِ والواجباتِ، وإلّا كانت هباءً منثوراً، فعن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه:” أنَّ رسولَ اللهِ دخَلَ المسجدَ، فدَخَلَ رجلٌ فصلَّى، ثم جاءَ فسلَّمَ على رسولِ اللهِ ، فرَدَّ رسولُ اللهِ السلامَ. قال: ارجِعْ فصَلِّ؛ فإنك لم تُصَلِّ ، فرَجَعَ الرجلُ فصلَّى كما كان صلَّى، ثم جاءَ إلى النبيِّ فسلَّم عليه، فقال رسولُ اللهِ : وعليك السلامُ، ثم قال : ارجِعْ فصَلِّ؛ فإنك لم تُصَلِّ، حتى فَعَلَ ذلك ثلاثَ مراتٍ، فقال الرجلُ: والذي بعَثَك بالحقِّ ما أُحْسِنُ غيرَ هذا، عَلِّمْني، قال: إذا قُمْتَ إلى الصلاةِ فكَبِّرْ، ثم اقرأْ ما تَيَسَّرَ معك مِن القرآنِ، ثم اركَعْ حتى تَطْمَئِنَّ راكعًا، ثم ارْفَعْ حتى تَعْتَدِلَ قائمًا، ثم اسجُدْ حتى تَطْمَئِنَّ ساجدًا، ثم ارفَعْ حتى تَطْمَئِنَّ جالسًا، ثم افعلْ ذلك في صلاتِك كلِّها.” ( متفق عليه ) .

إنَّ الإتقانَ مطلوبٌ حتى في الأمورِ التي لا يتوقفُ عليهَا نفعٌ أو ضررٌ للميتِ، فقد قال : ” إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ “( مسلم) ،حتى في الدفنِ واللحدِ أُمرَنَا بالإتقانِ، ففي دفنِ أحدِ الصحابةِ جَعَلَ رَسُولُ اللهِ يَقُولُ: ” سَوُّوا لَحْدَ هَذَا ” حَتَّى ظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ سُنَّةٌ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: ” أَمَا إِنَّ هَذَا لَا يَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَلَا يَضُرُّهُ، وَلَكِنَّ اللهَ يُحِبُّ مِنَ الْعَامِلِ إِذَا عَمِلَ أَنْ يُحْسِنَ”. ( رواه البيهقي ) .

فانظرُوا – يرعاكُم اللهُ – كيفَ أمرَ بالإتقانِ حتى في هذا الموضعِ الذي لا يضرُّ الميتُ فيه سقطَ عليه الترابُ أم لا، إذا ما ضرَّ الشاةُ سلخهَا بعد ذبحِهَا، ولكنَّهُ التوجيهُ بالإتقانِ وتنميتهِ لدَى الضميرِ المسلمِ الواعِي؛ ليكونَ دافعًا قويًّا للدعوةِ إلى إحسانِ العملِ وإجادتِه أيًّا كان، فإذا كان هذا في القبرِ وحالِ الموتِ ففيما هو أكبرُ منها أولى وأجدرُ!

والنصوصُ في هذا كثيرةٌ جداً ليس هذا محلَّ بسطِهَا إذ يكفي بالقلادةِ ما أحاطَ بالعنقِ، فهل يعِي المسلمون قيمةَ هذا المفهومِ في شريعتهِم؟! وهل يسعون بعدَ هذا الفهمِ إلى تفعيلهِ في أوساطهِم وبالأخصِ الأوساطِ العلميةِ والعمليةِ التي تنطلقُ منها مجالاتُ العملِ وسوقهُ مِن صناعاتِ وإنجازاتٍ ومهاراتٍ كي تتقدمَ الأمةُ ؟!!

إنّ الإتقانَ والحثَّ عليهِ ليس مقتصرًا على أمورِ العبادةِ فحسب، بل يمتدُّ حتى يصلَ للأمورِ الدنيويةِ، ومِن هنا نعلمُ أنّ سببَ تأخرِ المجتمعاتِ المسلمةِ في أهمِّ مجالاتِ الحياةِ إنَّما هو بسببِ فقدانِ الإتقانِ وضحالةِ المهارةِ والعجزِ عن ملاحقةِ السباقِ الحديثِ في ميادينِ الثقافةِ والصناعةِ والمهارةِ، التي تعودُ بالنفعِ العامِّ على المسلمين وتجعلهُم في مقدمةِ أممِ الأرضِ بعدَ أنْ تأخروا عن سبقهِم الذي كانوا عليه في القرونِ الأولى؛ لأنَّ العصرَ الحديثَ يتطلبُ مستوى رفيعًا مِن التخصصِ المكملِ الإتقانِ، إذ فاقدُ الشيءِ لا يعطيه، بل لا يحسنُ الشيء مَن لا يفهمُهُ أو يعيه!!

العنصر الثالث من خطبة الجمعة بعنوان : ونغرس فيأكل من بعدنا ، للدكتور خالد بدير

ثالثًا: إتقانُ العملِ بينَ الواقعِ والمأمولِ.

إنّ هناكَ انفصامًا وانفصالًا كبيرًا بينَ الواقعِ والمأمولِ في إتقانِ العملِ، فتجدُ أنَّ الفردَ يعملُ بجدٍ وإخلاصٍ وجودةٍ وإتقانٍ إذا كان يعملُ لنفسِهِ، إمّا إذا كان يعملُ في شركةٍ أو وظيفةٍ أو مؤسسةٍ أو وزارةٍ، فإنّهُ لا يبالي بعملِه، وإنَّ شغلَهُ الشاغلَ التوقيعُ في دفترِ الحضورِ والانصرافِ ( شاهدُ الزورِ )، ولا يهمُّهُ بعدَ ذلكَ جودةً أو خدمةً أو إتقانًا أو قيامَ مجتمعٍ أو سقوطَهُ أو مراقبةً أو غيرَ ذلك !!! وأسوقُ لكم قصةً واقعيةً تدلُّ على ذلك: يُروى أنّ هناك رجلًا بناءً يعملُ في إحدَى الشركاتِ لسنواتٍ طويلةٍ، فبلغَ بهِ العمرُ وأرادَ أنْ يقدمَ استقالتَهُ ليتفرغَ لعائلتِه، فقال له رئيسُه: سوف أقبلُ استقالتَكَ بشرطِ أنْ تبنيَ منزلًا أخيراً، فقبلَ البنَّاءُ العرضَ، وأسرعَ في تخليصِ المنزلِ دونَ “تركيزٍ وإتقانٍ”؛ ثم سلّمَ مفاتيحَهُ لرئيسِه، فابتسمَ رئيسُه وقال له: هذا المنزلُ هديةٌ منِّي لك بمناسبةِ نهايةِ خدمتِكَ للشركةِ طولَ السنواتِ الماضيةِ، فَصُدِمَ رجلُ البناءِ، وندمَ بشدةٍ أنّهُ لم يتقنْ بناءَ منزلِ العمرِ!!

أقول: لماذا تَرضَى للآخرينَ ما لا ترضاهُ لنفسِكَ؟!! لماذا تهتمُّ بعملِكَ الخاصِّ، ونفعُهُ خاصٌّ غيرُ متعدٍّ، ولا تهتمُّ بأعمالِ الآخرينَ والوظائفِ العامةِ، ونفعُهَا يعمُّ الآخرين؟!! فاللهُ تعالى غنيٌّ عن أعمالِكَ وعبادتِكَ وليس بحاجةٍ إليها ..فأنت الذي بحاجةٍ إليهَا وإلى أجرِهَا العظيمِ، وكلُّ عملٍ تقدمُهُ – خيرًا أو شرًّا مُتقَنًا أو غيرَ متقنٍ – فهو لك.

ألَا فراقبُوا ربَّكُم في أعمالِكُم، راقبُوا اللهَ في وظائفِكُم، راقبُوا اللهَ في تجارتِكُم وزراعتِكُم وصناعتِكُم، إنّكُم إنْ فعلتُم ذلكَ عاشَ الجميعُ في سعادةٍ ورخاءٍ، وإلّا عمَّ القحطُ والجدبُ والفقرُ البلادَ والعبادَ.  

وإليكُم هذه القصةَ في هذا المضمونِ: يُحكَى أنّهُ حدثت مجاعةٌ بقريةٍ، فطلبَ الوالِي مِن أهلِ القريةِ طلبًا غريبًا كمحاولةٍ منهُ لمواجهةِ خطرِ القحطِ والجوعِ، وأخبرَهُم بأنّهُ سيضعُ قِدرًا كبيرًا في وسطِ القريةِ، وأنَّ على كلِّ رجلٍ وامرأةٍ أنْ يضعَ في القِدرِ كوبًا مِن اللبنِ بشرطِ أنْ يضعَ كلُّ واحدٍ الكوبَ متخفيًا دونَ أنْ يشاهدَهُ أحدٌ، فهرعَ الناسُ لتلبيةِ طلبِ الوالِي، فكلٌّ منهُم تخفَّى بالليلِ وسكبَ الكوبَ الذي يخصُّهُ، وفي الصباحِ فتحَ الوالِي القدرَ وماذا شاهدَ؟ شاهدَ القدرَ وقد امتلأَ بالماءِ! أينَ اللبنُ؟! ولماذا وضعَ كلُّ واحدٍ مِن الرعيةِ الماءَ بدلًا مِن اللبنِ؟!

تابع/ خطبة الجمعة بعنوان : ونغرس فيأكل من بعدنا ، للدكتور خالد بدير

 الإجابةُ: أنَّ كلَّ واحدٍ مِن الرعيةِ قال في نفسِه: ” إنَّ وضعِي لكوبٍ واحدٍ مِن الماءِ لن يؤثرَ على كميةِ اللبنِ الكبيرةِ التي سيضعُهَا أهلُ القريةِ “، وكلٌّ منهُم اعتمدَ على غيرِه، وكلٌّ منهُم فكّرَ بالطريقةِ نفسِهَا التي فكّرَ بها أخوهُ، وظنَّ أنّهُ هو الوحيدُ الذي سكبَ ماءً بدلاً مِن اللبنِ، والنتيجةُ التي حدثت: أنَّ الجوعَ عمَّ هذه القريةَ وماتَ الكثيرونَ منهُم ولم يجدُوا ما يعينهُم وقتَ الأزماتِ!!

هل تصدقُ أنّكَ تملأُ الأكوابَ بالماءِ في أشدِّ الأوقاتِ التي نحتاجُ منكَ أنْ تملأهَا باللبنِ؟! عندما لا تتقنُ عملَكَ بحجةِ أنّهُ لن يظهرَ وسطَ الأعمالِ الكثيرةِ التي سيقومُ بهَا غيرُكَ مِن الناسِ فأنت تملأُ الأكوابَ بالماءِ!!! حين تملكُ العلمَ وتبخلُ بهِ عن الآخرينَ فأنتَ تملأُ الكوبَ بالماءِ!! حين تبيعُ للناسِ الوهمَ والخزعبلاتِ فأنتَ تملأُ الكوبَ بالماءِ!! حين تطلقُ على نفسِكَ الألقابَ المزيفةَ بدونِ حقٍّ فأنتَ تملأُ الكوبَ بالماءِ!! حين تعلمُ الآخرينَ ( فضائلَ ) أنت لا تملكُهَا ولا تعملُ بهَا فأنتَ تملأُ الكوبَ بالماءِ!! حين تعمدُ لزرعِ الفتنِ وسطَ المجتمعِ مِن أجلِ مصالِحِكَ الشخصيةِ فأنتَ تملأُ الكوبَ بالماءِ!! حين تسفكُ دماءَ الأبرياءِ بغيرِ حقٍّ فأنتَ تملأُ الكوبَ بالماءِ!!

إنّنَا في حاجةٍ ماسةٍ إلي إتقانِ العملِ، وخاصةً في عصرٍ ضاعت فيهِ القيمُ، وضاعت الثقةُ بينَ الناسِ، والعاملُ لا يهمُّهُ إلّا جمعَ المادةِ وتعدادَ ساعاتِ العملِ، دونَ النظرِ إلى جودةٍ أو إتقانٍ.

إنَّ الالتزامَ بالإتقانِ والجودةِ يحققُ الصمودَ والاستقرارَ والتطورَ والنموَّ، كمَا أنَّ الإتقانَ والجودةَ في المنظورِ الإسلامِي عبادةٌ وطاعةٌ، فإذا حافظَ عليهمَا رجلُ الأعمالِ بهذهِ النيةِ تحققت لهُ البركةُ والخيرُ والنماءُ.

إنّنَا يجبُ أنْ نغرسَ في نفوسِ أبنائِنَا خُلقَ مراقبةِ اللهِ في جميعِ أحوالِنَا وأعمالِنَا وحركاتِنَا وسكونِنَا، قال سهلُ بنُ عبدِ اللهِ التسترِي: كنتُ وأنا ابنُ ثلاثِ سنينَ أقومُ بالليلِ فأنظرُ إلى صلاةِ خالِي مُحمدٍ بنِ سواءَ فقالَ لِي يوماً: ألَا تذكر اللهَ الذي خلقَكَ فقلتُ: كيف أذكرُهُ؟ قال: قُل بقلبِكَ عندَ تقلبِكَ في ثيابِكَ ثلاثَ مراتٍ مِن غيرِ أنْ تحركَ بهِ لسانَكَ، اللهُ معِي اللهُ ناظرٌ إليَّ اللهُ شاهدِي، فقلتُ ذلكَ ليالِي ثم أعلمتُهُ، فقال: قُل في كلِّ ليلةٍ سبعَ مراتٍ، فقلتُ ذلكَ ثم أعلمتُهُ، فقال: قل ذلك كلَّ ليلةٍ إحدَى عشرَ مرةً، فقلتُهُ فوقعَ في قلبِي حلاوتهُ، فلمَّا كان بعدَ سنةٍ قال لي خالِي: احفظْ ما علمتُكَ ودُمْ عليهِ إلى أنْ تدخلَ القبرَ؛ فإنّهُ ينفعُكَ في الدنيا والآخرةِ، فلم أزلْ على ذلكَ سنينَ، فوجدتُ لذلكَ حلاوةً في سرِّي، ثم قال لي خالِي يوماً: يا سهلُ مَن كان اللهُ معهُ وناظراً إليهِ وشاهدهُ أيعصيه؟! “( إحياء علوم الدين)، أبداً لا يعصِه ولا يقصر في عملِه، بل يحسنهُ ويُجَوِّدُه ويتقنُهُ.

فما أجملَ أنْ يتخلّقَ المجتمعُ بهذا الخُلقِ القويمِ النبيلِ خُلقِ إتقانِ العملِ وجودتِهِ؛ حتى يتحققَ الأمنُ والرخاءُ والسلامُ والمودةُ، ونلحق بركبِ الأممِ المتقدمةِ.

اللهُمّ ارزقنَا الإخلاصَ في القولِ والعملِ، واجعلْ هذا البلدَ أمنًا رخاءً سخاءً يا ربَّ العالمين؛؛    الدعاء،،،،                      وأقم الصلاة                         كتبه : خادم الدعوة الإسلامية

د / خالد بدير بدوي

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى