خطبة الجمعة بعنوان : والشهداءُ عندَ ربِّهم لهُم أجرُهُم ونورُهُم ، للدكتور خالد بدير
بتاريخ 14 رمضان 1446 هـ ، الموافق 14 مارس 2025م

خطبة الجمعة بعنوان : والشهداءُ عندَ ربِّهم لهُم أجرُهُم ونورُهُم ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 14 رمضان 1446 هـ ، الموافق 14 مارس 2025م.
تحميل خطبة الجمعة القادمة 14 مارس 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : والشهداءُ عندَ ربِّهم لهُم أجرُهُم ونورُهُم :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 7 مارس 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : والشهداءُ عندَ ربِّهم لهُم أجرُهُم ونورُهُم ، بصيغة word أضغط هنا.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 14 مارس 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : والشهداءُ عندَ ربِّهم لهُم أجرُهُم ونورُهُم ، بصيغة pdf أضغط هنا.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 14 مارس 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : والشهداءُ عندَ ربِّهم لهُم أجرُهُم ونورُهُم : كما يلي:
أولًا: منزلةُ الشهادةِ، وكراماتُ الشهيدِ.
ثانيًا: انتصاراتٌ في شهرِ البركاتِ.
ثالثًا: الانتصارُ على النفسِ والشيطانِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 14 مارس 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : والشهداءُ عندَ ربِّهم لهُم أجرُهُم ونورُهُم : كما يلي:
(والشهداءُ عندَ ربِّهم لهُم أجرُهُم ونورُهُم)
14 رمضان 1446هـ – 14 مارس 2025م
المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
العنصر الأول من خطبة الجمعة بعنوان : والشهداءُ عندَ ربِّهم لهُم أجرُهُم ونورُهُم ، للدكتور خالد بدير
أولًا: منزلةُ الشهادةِ، وكراماتُ الشهيدِ.
إنَّ لذةَ الشهادةِ في سبيلِ اللهِ لا يحصرُهَا قلمٌ، ولا يصفُهَا لسانٌ، ولا يحيطُ بهَا بيانٌ، وهي الصفقةُ الرابحةُ بينَ العبدِ وربِّهِ، قالَ تعالَى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ }[التوبة:111].
فالمُشترِى هو اللهُ، والثمنُ الجنةُ، ولهذا كانَ الصحابةُ رضي اللهُ عنهم يتسابقونَ إلى الشهادةِ في سبيلِ اللهِ، لِمَا لهَا مِنْ هذهِ المكانةِ العظيمةِ، فهذا حنظلةُ تزوَّجَ حديثًا وقدْ جامعَ امرأتَهُ في الوقتِ الذي دعَا فيه الداعِي للجهادِ، فخرجَ وهو جنبٌ ليسقطَ شهيدًا، فيراهُ النبيُّ ﷺ بيدِ الملائكةِ تُغسلُهُ، ليُسَمَّى بغسيلِ الملائكةِ.
وهذا مثالٌ آخرُ لطلبِ الشهادةِ، ففِي غزوةِ بدرٍ، قالَ ﷺ لأصحابِهِ: ” قُومُوا إلى جنَّةٍ عرضُها السَّمَواتُ والأرضُ، فقالَ عميرُ بنُ الحمامِ الأنصاريُّ: يا رسولَ اللهِ، جنَّةٌ عرضُها السَّمواتُ والأرضُ؟ قال: نعَم، قال: بخٍ بخٍ، فقالَ رسولُ اللهِ وما يحملُكَ علَى قولِ بخٍ بخٍ؟ قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، إلَّا رجاءَ أنْ أَكونَ مِن أَهلِهَا؟ قالَ: فإنَّكَ مِن أَهلِهَا . . فأخرجَ تمراتٍ من قرنِهِ، فجعلَ يأْكلُ منْهنَّ. ثمَّ قالَ: لئِن أنَا حييتُ حتَّى آكلَ تمراتِي هذِهِ إنَّها حياةٌ طويلةٌ ، فرمَى ما كانَ معَهُ منَ التَّمرِ ثم قاتَلَهُم حتَّى قُتِلَ ” ( مسلم ).
وغيرُ ذلك مِن المواقفِ الكثيرةِ، والتي لا يتسعُ المقامُ لذكرِهَا.
إنَّ ثمراتِ الشهادةِ وكراماتِ ومنازلَ الشهداءِ كثيرةٌ في الدنيا والآخرةِ، وقد جمعَ الرسولُ ﷺ بعضًا منها في حديثِهِ النبويِّ الشريفِ، فعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِب، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ:” لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ سِتُّ خِصَالٍ: يَغْفِرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دُفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ، وَيُرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الإِيمَانِ، وَيُزَوَّجُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ إِنْسَانًا مِنْ أَقَارِبِهِ”. (ابن ماجة والترمذي وصححه).
ومِن هذهِ المنازلِ والكراماتِ أيضًا: الحياةُ بعدَ الاستشهادِ مباشرةٌ: قالَ تعالى: { وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ} ( البقرة: 154)، وقالَ تعالى: { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } ( آل عمران : 169 ) .
ومنها: أنَّ الشهيدَ يأتِي يومَ القيامةِ اللونُ لونُ الدمِ والريحُ ريحُ المسكِ: فعن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنهُ قالَ: قالَ ﷺ: ” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ، إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ. ” (البخاري).
ومنها: أنَّ الشهيدَ في الفردوسِ الأعلَى: فهذه أمُّ حارثةَ أتتْ النبيَّ ﷺ فقالتْ:” يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلَا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ؟ وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ، فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ. قَالَ: يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى.”(البخاري).
ومنها : أنَّ الشهيدَ لا يشعرُ بألمِ القتلِ وسكراتِ الموتِ : وفي ذلك يقولُ رسولُ اللهِ ﷺ: ” ما يجدُ الشهيدُ مِن مسِّ القتلِ إلا كمَا يجدُ أحدُكُم مِن مسِّ القرصةِ”، هذه هي كراماتُ الشهداءِ ومنازلُهُم عندَ ربِّهِم .
لذلك يُسْتَحَبُّ للعبدِ أنْ يتمَنَّى الشهادةَ وأنْ يطلبَهَا مِن اللهِ في كلِّ وقتٍ وحينٍ، ولأنَّ فضلَ الشهادةِ عظيمٌ فقد تمنىَّ ﷺ الشهادةَ مُقسِمًا فقالَ: ” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ.” ( متفق عليه ).
ولذلكَ قالَ النبيُّ ﷺ: ” مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَهُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا الشَّهِيدُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنْ الْكَرَامَةِ .” (البخاري).
فينبغِي لكَ – يا عبدَاللهِ- أنْ تسألَ اللهَ الشهادةَ، وتتمنَّي الشهادةَ بصدقٍ وبنيةٍ خالصةٍ، يقولُ ﷺ:” مَنْ سأَلَ الشَّهادَةَ بصِدقٍ، بلَّغَهُ اللهُ مَنازِلَ الشُّهَداءِ، وإنْ ماتَ على فِراشِهِ ” ( مسلم ).
لذلكَ كانَ عمرُ رضيَ اللهُ عنهُ يقولُ في دعائِهِ:” اللهمَّ ارزقْنِي شهادَةً في سبيلِكَ، واجعلْ موتِي في بلَدِ رسولِكَ ﷺ.” ( البخاري )، واستجابَ اللهُ دعاءَهُ، ورزقَهُ اللهُ الشهادةَ، ودُفنَ بجوارِ المصطفَي ﷺ.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة بعنوان : والشهداءُ عندَ ربِّهم لهُم أجرُهُم ونورُهُم ، للدكتور خالد بدير
ثانيًا: انتصاراتٌ في شهرِ البركاتِ.
إنَّ شهرَ رمضانَ شهرُ الانتصاراتِ، فمع مرارةِ الجوعِ والعطشِ ترتفعُ درجةُ التقوى للهِ، ويضرعُ الجنودُ والمقاتلون إلى اللهِ بالدعاءِ؛ لأنَّهم في هذه الحالِ أقربُ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، فهذه غزوةُ بدرٍ أعظمُ المعاركِ، يتركُ حبيبُنَا ﷺ الصفوفَ ويتوجَّهُ إلى ربِّهِ متضرعًا مبتهلًا داعيًا سائلًا واقفًا على أعتابِهِ لائذًا ببابِهِ!!!
فعَن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: «اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ»، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [ الأنفال: 9] فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالْمَلَائِكَةِ، قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ: فَحَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ، إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ وَصَوْتَ الْفَارِسِ يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ، فَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ، وَشُقَّ وَجْهُهُ، كَضَرْبَةِ السَّوْطِ؛ فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ، فَجَاءَ الْأَنْصَارِيُّ، فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: «صَدَقْتَ، ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ»، فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ”.(مسلم).
وحين رأىَ رسولُ اللهِ ﷺ جندَ قريشٍ قالَ: ”اللّهُمّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا ، تُحَادّك وَتُكَذّبُ رَسُولَك، اللّهُمّ فَنَصْرَك الّذِي وَعَدْتنِي ، اللّهُمَّ أَحِنْهُمْ الْغَدَاةَ.” (سيرة ابن هشام). فكانَ النصرُ حليفَ المسلمين.
ثم كثرتْ الفتوحاتُ في رمضانَ نتيجةَ الدعاءِ والإخلاصِ والتقوى الذي لازمَ هؤلاء الفاتحين .
ففي رمضانَ مِن السنةِ الثامنةِ مِن الهجرةِ كان فتحُ مكةَ، وفي هذه الغزوةِ انتصرَ الإيمانُ، وعلا القرآنُ، وفازَ حزبُ الرحمنِ، ودُحِرَ الطغيانُ، وكُسرتْ الأوثانُ، وخابَ حزبُ الشيطانِ.
وفي رمضانَ عام (658هـ).كانتْ معركةُ عينِ جالوت التي أعزَّ اللهُ فيها المسلمين بقيادةِ الملكِ المظفرِ قطز، الذي لجأَ إلى اللهِ بالدعاءِ والتضرعِ يقولُ عنهُ ابنُ كثيرٍ في البدايةِ والنهايةِ: “ولمَّا رأىَ عصائبُ التتارِ، قال للأمراءِ والجيوشِ: لا تقاتلُوهم حتَّى تزولَ الشمسُ وتفيءُ الظلالُ وتهبُّ الرياحُ، ويدعُو لنَا الخطباءُ في صلاتِهِم”. واستجابَ اللهُ دعاءَهُ وهزمَ المغولَ ووقعُوا بين يديهِ ما بينَ قتيلٍ وجريحٍ وأسيرٍ، بل وقعَ بين يديهِ قائدُ المغولِ فقتلَهُ تنكيلاً بهِ، جزاءَ إجرامهِ في قتلِ المسلمين.
وليس حربُ العاشرِ مِن رمضانَ، السادسِ مِن أكتوبر عام 1973م مع الكيانِ الصهيونيِ عنَّا ببعيدٍ، فكانتْ كلمةُ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ مدويةً تزلزلُ صفوفَ العدوِّ، وتهزُّ أرضَ المعركةِ، حتى كان النصرُ حليفَ المسلمين.
هؤلاءِ الشهداءُ الأبطالُ الشجعانُ عرفوا أنَّ اللهَ معهم، وهو وحدَهُ يعزُّ مَن يشاءُ ويذلُّ مَن يشاءُ، وينصرُ مَن يشاءُ، فلجأُوا إليهِ وحدَهُ واعتمدُوا عليهِ وسألُوه أنْ ينصرَهُم فاستجابَ لهم لما رأَى صدقَهُم وإخلاصَهُم، ومكَّنَ لهم وأعزَّهُم ونصرَهُم وكتب الله لهم إحدى الحسنين: إما النصر وإما الشهادة، وصدق الله حيث يقول: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}. (الأحزاب: 23).
العنصر الثالث من خطبة الجمعة بعنوان : والشهداءُ عندَ ربِّهم لهُم أجرُهُم ونورُهُم ، للدكتور خالد بدير
ثالثًا: الانتصارُ على النفسِ والشيطانِ.
إذا كانَ اللهُ قد أنعمَ عليكُم بنعمةِ الأمنِ والأمانِ والاستقرارِ ونحن في دارِ أمنٍ وأمانٍ، فإنَّ أعظمَ نصرٍ نحققُهُ في هذا الشهرِ الفضيلِ هو الانتصارُ على النفسِ والشيطانِ، لأنَّ الحربَ معهما قديمةٌ متجددةٌ إلى قيامِ الساعةِ، فهذا إبليسُ اللعينُ أقسمَ بعزةِ اللهِ أنَّهُ ساعٍ في إغواءِ بنيِ آدمَ إلى يومِ الدينِ: { قاَلَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ المْخْلَصِينَ}. (ص: 83) . وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: ” قَالَ إِبْلِيسُ: أَيْ رَبِّ !! لَا أَزَالُ أُغْوِي بَنِي آدَمَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ . قَالَ: فَقَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ : لَا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي ” . (أحمد والحاكم وصححه).
فأعداءُ الإنسانِ كثيرون، كما قالَ الشاعرُ :
إِنِّي ابْتُلِيتُ بِأَرْبَعٍ مَا سُلِّطُـوا ………… إِلَّا لِشِـدَّةِ شَقْوَتِي وَعَنَــائِي
إِبْلِيسُ وَالدُّنْيَا وَنَفْسِي وَالْهَوَى …….. كَيْفَ الخْلاَصُ وَكُلُّهُمْ أَعْدَائِي
لذلك ينبغِي على العبدِ أنْ يغتنمَ فرصةَ تقييدِ الشياطين في شهرِ رمضانَ، حتى يظفرَ بالنصرِ عليهم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ :”إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ؛ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ؛ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ”. (مسلم). “قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: قولُهُ: (وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ )، يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ، وَأَنَّ تَفْتِيحَ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَتَغْلِيقَ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ وَتَصْفِيدَ الشَّيَاطِينِ عَلَامَةٌ لِدُخُولِ الشَّهْرِ وَتَعْظِيمٌ لِحُرْمَتِهِ، وَيَكُونُ التَّصْفِيدُ لِيَمْتَنِعُوا مِنْ إِيذَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَالتَّهْوِيشِ عَلَيْهِمْ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمَجَازَ وَيَكُونَ إِشَارَةً إِلَى كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَالْعَفْوِ، وأن الشياطين يقل إغواؤهم وإيذاؤهم فيصيرون كَالْمُصَفَّدِينَ، وَيَكُونُ تَصْفِيدُهُمْ عَنْ أَشْيَاءَ دُونَ أَشْيَاءَ وَلِنَاسٍ دُونَ نَاسٍ…وَمَعْنَى صُفِّدَتْ: غُلِّلَتْ وَالصَّفَدُ بِفَتْحِ الْفَاءِ الْغُلُّ بِضَمِّ الْغَيْنِ، وَهُوَ مَعْنَى سُلْسِلَتْ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى”.(إكمال المعلم بفوائد مسلم).
فعلَى الصائمِ أنْ يجاهدَ نفسَهُ، وأنْ يقلعَ عن الذنوبِ والمعاصي التي اعتادَ عليها قبلَ شهرِ رمضانَ، فمن كان مُصِرًّا على قطيعةِ الرحمِ، أو أكلِ الحرامِ؛ أو السرقةِ، أو الزنا، أو تركِ الصلاةِ … أو غيرِ ذلك مِن المحرماتِ!! عليه أنْ يسرعَ بالتوبةِ والإنابةِ والرجوعِ إلى اللهِ، حتى يتنصرَ على نفسهِ والشيطانِ، وهذا هو أعظمُ النصرِ في هذا الشهرِ الفضيلِ، لأن الشيطان يقعد لابن آدم على طرق الخير كلها، فعَنْ سَبْرَةَ بْنِ أَبِي فَاكِهٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ” إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ لَهُ: أَتُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ، وَدِينَ آبَائِكَ، وَآبَاءِ أَبِيكَ؟ ” قَالَ: ” فَعَصَاهُ، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: أَتُهَاجِرُ وَتَذَرُ أَرْضَكَ، وَسَمَاءَكَ، وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ ” قَالَ: «فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ» قَالَ: ” ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ، فَقَالَ: هُوَ جَهْدُ النَّفْسِ، وَالْمَالِ، فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ، فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، وَيُقَسَّمُ الْمَالُ ” قَالَ: «فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَمَاتَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّةٌ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ». (النسائي وأحمد والطبراني بسند قوي).
واعلمْ أنَّ الشيطانَ يسعَى جاهدًا على إفسادِ صلاتِكَ وعبادتِكَ، فاسعَ أنتَ جاهدًا على الانتصارِ عليهِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ” إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ، وَلَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لاَ يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ المَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى “.(متفق عليه).
كمَا عليكَ أنْ تجاهدَ نفسَكَ وتحاسبَهَا ولا سيّمَا في هذا الشهرِ الفضيلِ، ” قال مالكُ بنُ دينارٍ- رحمه اللّهُ-: رحمَ اللّهُ عبدًا قال لنفسهِ: ألستِ صاحبةَ كذا؟ ألستِ صاحبة َكذا؟ ثمّ زمَّهَا، ثمّ خطَّمَهَا، ثمّ ألزمَهَا كتابَ اللّهِ- عزَّ وجلَّ- فكانَ لهَا قائدًا”. « محاسبةُ النفسِ لابنِ أبي الدنيا ».
وهكذا كان هذا الشهرُ الفضيلُ شهرَ الانتصاراتِ على الأعداءِ، وشهرَ الانتصارِ على النفسِ والشيطانِ.
نسألُ اللهَ أنْ يتقبلَ صيامنَا وصالحَ أعمالِنَا، وأن يرزقنا منازل الشهداء، وأنْ ينصرنَا على أعدائِنَا وعلى أنفسِنَا والشيطانِ، وأنْ يحفظَ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ،،،
الدعاء،،،، وأقم الصلاة،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف