خطبة الجمعة بعنوان : لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ ، للدكتور خالد بدير
بتاريخ 15 ربيع الآخر 1446 هـ ، الموافق 18 أكتوبر 2024م
خطبة الجمعة بعنوان : لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 15 ربيع الآخر 1446 هـ ، الموافق 18 أكتوبر 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 18 أكتوبر 2024م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 18 أكتوبر 2024م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ بصيغة word أضغط هنا
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 18 أكتوبر 2024م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ ، بصيغة pdf أضغط هنا.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 18 أكتوبر 2024م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ : كما يلي:
أولًا: نهَي الإسلامُ عن السخريةِ والاستهزاءِ بالآخرين.
ثانيًا: السخريةُ والاستهزاءُ مِن صفاتِ المنافقين.
ثالثًا: علاجُ ظاهرةِ السخريةٍ والاستهزاءِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 18 أكتوبر 2024م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ : كما يلي:
” لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ “
15 ربيع الثاني 1446هـ – 18 أكتوبر 2024م
المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
العنصر الأول من خطبة الجمعة بعنوان : لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ
أولًا: نهَي الإسلامُ عن السخريةِ والاستهزاءِ بالآخرين.
لقد نهانَا الدينُ الإسلاميُّ الحنيفُ عن السخريةِ والاستهزاءِ بالآخرينَ أو التقليلِ مِن شأنِهِم وتحقيرِهِم؛ لأنَّ هذا يخالفُ الآدابَ الإسلاميةَ. وفي ذلكَ يقولُ أحدُ السلفِ: لو سخرتُ مِن كلبٍ لخشيتُ أنْ أُحوَّلَ كلبًا.
وللهِ درُّ الشاعرِ حينَ قال: احفظْ لسانَكَ لا تقلْ فتبتلَى ……… إنَّ البلاءَ موكلٌ بالمنطقِ.
لذلكَ نهَى الرسولُ ﷺ عن كلِّ صورِ السخريةِ والاستهزاءِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا» وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ». (مسلم). فالباعثُ على السُّخْرِيةِ واحتقارِ الناسِ إنّمَا هو الكبرُ، وهو مِن أعظمِ خصالِ الشرِّ، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ» (مسلم). ومعنى (غمطُ الناسِ): أي احتقارُهُم.
إنَّ ذمَّ الإنسانِ لخلقتِهِ هو ذمٌّ لخالقِهِ، فمَن ذمَّ صنعةً، فقد ذمَّ صانعَهَا، وقد جاءَ في الحديثِ الذي أخرجَهُ الإمامُ أحمدُ، وفيهِ أنَّ النبيَّ ﷺ قَالَ: «كُلُّ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَسَنٌ». وقال رجلٌ لحكيمٍ: “يا قبيحَ الوجهِ! فقالَ: ما كان خَلْقُ وجهِي إليَّ فأُحسنُهُ”. (إحياء علوم الدين).
فالحاصلُ أنَّ الصورةَ والمالَ ليسَا بمقياسٍ لتوقِيرِ الناسِ، أو السُّخْرِيةِ منهم، إنّمَا المفاضلةُ في طَهارةِ القلبِ، وحُسنِ الأعمالِ، ويدلُّ على هذا ما أخرجَهُ الإمامُ مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ»، فالكرامةُ والفوزُ تكونُ لأصحابِ القلوبِ التقيَّةِ النقيَّةِ مهمَا كان حالُهُ وصورتُهُ، قالَ تعالَى:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }. [الحجرات: 13].
وقد جمعَ اللهُ معظمَ صفاتِ التنَمّرِ والسخريةِ في قولِهِ تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. (الحجرات: 11). يقولُ ابنُ كثيرٍ” الآيةُ تنهَى عن الاستهزاءِ بالآخرينَ أو إهانتِهِم، كما تنهَى الآيةُ عن لمزِ الناسِ، بأنْ نقولَ لهُم ما يُهينُهُم، أو يُحقّرُهُم ويصغّرُهُم، وتنهَى أيضًا عن التنابزِ بالألقابِ، فلا يجوزُ مناداةُ الأشخاصِ بأسماءٍ، أو صفاتٍ سيئةٍ يكرهونَ سماعَهَا.( تفسير ابن كثير ).
فهذه الصفاتُ تربطُهَا علةٌ واحدةٌ، وهي استحقارُ الآخرينَ والسخريةُ منهُم، والتنمُّرُ بهِم، والتنقيصُ مِن قدرِهِم.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة بعنوان : لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ
ثانيًا: السخريةُ والاستهزاءُ مِن صفاتِ المنافقين.
إنَّ الناظرَ إلى القرآنِ الكريمِ يجدُ أنَّ معظمً آياتِ السخريةِ والاستهزاءِ جاءتْ في شأنِ المنافقينَ، وأكتفِي هنَا بذكرِ مثالينِ اثنينِ لنأخذَ منهمَا العظةَ والعبرةَ:
المثالُ الأولُ: قالَ تعالَى عن المنافقينَ: {وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ}. (البقرة: 14 ، 15).
” أي: وَإِذَا لَقِيَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا: آمَنَّا، وأظهرُوا لَهُمُ الْإِيمَانَ وَالْمُوَالَاةَ وَالْمُصَافَاةَ غُرُورًا مِنْهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَنِفَاقًا وَمُصَانَعَةً وَتَقِيَّةً، وَلِيُشْرِكُوهُمْ فِيمَا أَصَابُوا مِنْ خَيْرٍ وَمَغْنَمٍ، وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ يَعْنِي إذا انْصَرَفُوا وَذَهَبُوا وَخَلَصُوا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ، (قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ). يقول ابن عباس: أَيْ إِنَّا عَلَى مِثْلِ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ أَيْ إِنَّمَا نَحْنُ نَسْتَهْزِئُ بِالْقَوْمِ وَنَلْعَبُ بِهِمْ وسَاخِرُونَ بِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ”.(تفسير ابن كثير).
” ورُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي عبدِ اللهِ بنِ أُبي وَأَصْحَابِهِ، وَذَلِكَ أَنّهُم خَرجُوا ذَاتَ يَوْمٍ فَاسْتَقْبَلَهُمْ نفرٌ مِن أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالَ عبدُ اللهِ بنُ أُبي: انْظُرُوا كَيفَ أردُّ هَؤُلَاءِ السُّفَهَاءَ عَنْكُم! فَذهبَ فَأخذَ بيدِ أَبِي بكرٍ فَقَالَ: مرْحَبًا بِالصدّيقِ سيدِ بنِي تَمِيمٍ وَشَيخِ الإِسلامِ، وَثَانِي رَسُولِ اللهِ فِي الْغَارِ، الْبَاذِلِ نَفسَهُ وَمَالَهُ لرَسُولِ اللهِ ﷺ. ثمَّ أَخذَ بيدِ عمرَ فَقَالَ: مرْحَبًا بِسَيِّدِ عديِ بنِ كَعْبٍ الْفَارُوقِ الْقويِّ فِي دينِ اللهِ، الْبَاذِلِ نَفسَهُ وَمَالَهُ لرَسُولِ اللهِ ﷺ. ثمَّ أَخذَ بيدِ عَليٍّ وَقَالَ: مرْحَبًا بِابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللهِ وَخَتنِهِ سيّدِ بنِي هَاشمٍ مَا خلَا رَسُولَ اللهِ ﷺ. ثمَّ افْتَرَقُوا فَقَالَ عبدُ اللهِ لأَصْحَابِهِ: كَيفَ رَأَيْتُمُونِي فعلتُ فَإِذا رأيتمُوهُم فافعلُوا كَمَا فعلْتُ! فاثنُوا عَلَيْهِ خيرًا، فَرجعَ الْمُسلمُونَ إِلَى النَّبِيِّ وَأَخْبرُوهُ بذلكَ، فَنزلتْ هَذِهِ الْآيَةُ”.
المثالُ الثانِي: قالَ تعالَى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ}. (سورة التوبة: 64 – 66).
هذه الآيةُ فضحتْ المنافقينَ في استهزائِهِم وسخريتِهِم باللهِ وآياتِهِ ورسولِهِ ﷺ وصحابتِهِ الكرامِ.
” قَالَ مُجَاهِدٌ: يَقُولُونَ الْقَوْلَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَقُولُونَ عَسَى اللَّهُ أنْ لا يُفْشِيَ عَلَيْنَا سِرَّنَا هَذَا، وَلِهَذَا قَالَ قَتَادَةُ: كَانَتْ تُسَمَّى هَذِهِ السُّورَةُ الفاضحةَ فاضحةَ المنافقينَ”. (تفسير ابن كثير).
” وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ فِي مَجْلِسٍ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ قُرَّائِنَا هَؤُلَاءِ أَرْغَبَ بُطُونًا وَلَا أَكْذَبَ أَلْسُنًا وَلَا أَجَبْنَ عِنْدَ اللِّقَاء. فَقَالَ رَجُلٌ فِي الْمَسْجِدِ: كَذَبْتْ وَلَكِنَّكَ مُنَافِقٌ لَأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَنَا رَأَيْتُهُ مُتَعَلِّقًا بِحُقُبِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَنْكُبُهُ الْحِجَارَةُ وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ” أَبِاَللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ” الْآيَة . (تفسير الطبري).
هكذا كانَ المنافقونَ يسخرونَ ويستهزؤونَ، وسيجدونَ يومَ القيامةِ عاقبةَ سخريتِهِم بالرسلِ وأتباعِهِم، وبمَا جاءتْ بهِ الرسلُ عليهمُ السلامُ، وحينهَا يعرفونَ أنَّ مَن كانُوا يسخرونَ منهُم كانُوا هُم أهلُ الحقِّ والهدَى، وأنّهُم هُم أهلُ الباطلِ والضلالِ، وذلكَ حينَ يُقالُ لهُم: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ اليَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الفَائِزُونَ} (المؤمنون:109-111).
فإيّاكُم أيُّها المؤمنونَ مِن السخريةِ والاستهزاءِ بالآخرينَ أو تتبعِ عوراتِهِم؛ لِمَا في ذلكَ مِن أضرارٍ جسيمةٍ وعواقبَ وخيمةٍ على الفردِ والمجتمعِ، فعن أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ”. ( أبو داود).
العنصر الثالث من خطبة الجمعة بعنوان : لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ
ثالثًا: علاجُ ظاهرةِ السخريةِ والاستهزاءِ.
لعلاجِ ظاهرةِ السخريةِ والاستهزاءِ والقضاءِ عليهَا ومواجهِتِهَا عدةُ وسائلَ منهَا:
توعيةُ الأبناءِ بحرمةِ التنمُّرِ والسخرية: فيجبُ على الأهلِ القيامُ بدورِهِم بتربيةِ أبنائِهِم على الأخلاقِ الإسلاميةِ الحسنةِ الطيبةِ، والبعدِ عن الأخلاقِ السيئةِ، والحذرِ مِن التقصيرِ في ذلك، وأنّهُم محاسبونَ على عدمِ تربيةِ أبنائِهِم على القيمِ والأخلاقِ الإسلاميةِ، قالَ تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.( التحريم: 6)، وقالَ رسولُ اللهِ ﷺ: ” كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والأمِيرُ راعٍ، والرَّجُلُ راعٍ علَى أهْلِ بَيْتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ علَى بَيْتِ زَوْجِها ووَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ”. (البخاري).
ومنها: الاهتمامُ بتعليمِ الأبناءِ طرقِ مواجهةِ السخريةِ والتنمُّرِ: حتى يتمكنُوا مِن الدفاعِ عن أنفسِهِم ضدَّ التنمُّرِ والسخريةِ ومواجهةِ الأشخاصِ المتنمّرينَ، بطرقٍ شرعيةٍ دونَ إساءةٍ أو سبٍّ أو تجريحٍ، وهذا ما بيّنَهُ الرسولُ ﷺ للسيدةِ عائشةَ رضي اللهُ عنها حينمَا تنمَّرَ عليهِ اليهودُ، فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: اسْتَأْذَنَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: يَا عَائِشَةُ «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ» قَالَتْ: أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: «قَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ». (مسلم).
ومنها: التحذيرُ والبعدُ عن سيءِ الأخلاقِ: فقد نهانَا الرسولُ ﷺ عن جميعِ الصفاتِ التي تُؤدِّي إلى التنمُّرِ والسخريةِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا».(البخاري).
ومنها: تنشئةُ الأفرادِ على المساواةِ: وعدمِ التفرقةِ العنصريةِ بينَ الأفرادِ أو السخريةِ منهُم؛ لأنَّ ذلكَ مِن أفعالِ الجاهليةِ، فعَنِ المَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ ﷺ: «يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ». (متفق عليه). يقولُ الإمامُ ابنُ حجرٍ:” فِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ سَبِّ الرَّقِيقِ وَتَعْيِيرِهِمْ بِمَنْ وَلَدَهُمْ، وَالْحَثُّ عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَالرِّفْقِ بِهِمْ، وَيَلْتَحِقُ بِالرَّقِيقِ مَنْ فِي مَعْنَاهُمْ مِنْ أَجِيرٍ وَغَيْرِهِ. وَفِيهِ عَدَمُ التَّرَفُّعِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالِاحْتِقَارِ لَهُ.” (فتح الباري).
ومنها: الحثُّ على سلامةِ اليدِ واللسانِ: فعَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ». (متفق عليه). يقول ابنُ رجبٍ: ” يقتضِي حصرُ المسلمِ فيمَن سلمَ المسلمونَ مِن لسانِهِ ويدِهِ، والمرادُ بذلك المسلمُ الكاملُ الإسلام، فمَن لم يسلمْ المسلمونَ مِن لسانِهِ ويدِهِ فإنَّهُ ينتفِي عنه كمالُ الإسلامِ الواجب، فإنَّ سلامةَ المسلمينَ مِن لسانِ العبدِ ويدهِ واجبةٌ، فإنَّ أذَى المسلمِ حرامٌ باللسانِ وباليدِ، فأذَى اليدِ: الفعلُ، وأذَى اللسانِ: القولُ.” (فتح الباري لابن رجب).
أختمُ بقولِ الإمامِ الشافعِيِّ رضي اللهُ عنهُ في السلامةِ مِن السخرية والاستهزاء بالآخرين:
إذا رُمتَ أنْ تَحيا سَليمًا مِن الأذَى …………وَدينُكَ مَوفورٌ وعِرْضُكَ صَيِنُّ
لِسانُكَ لا تَذكُرْ بِهِ عَورَةَ امرئٍ …………..فَكُلُّكَ عَوراتٌ وللنّاسِ ألسُنُ
وعَيناكَ إنْ أبدَتْ إليكَ مَعايِباً …………..فَدَعها وَقُلْ يا عَينُ للنّاسِ أعيُـنُ
وعاشِرْ بِمَعروفٍ وسامِحْ مَن اعتَدى ……….ودَافعْ ولكنْ بالتي هِيَ أحسَنُ
وهكذا بالأخلاقِ الحسنةِ واتباعِ أوامرِ القرآنِ والسنةِ، نقضِى على ظاهرةِ السخرية، ويعيشُ الجميعُ في محبةٍ وإخاءٍ.
اللهّمَّ كما حسَّنْتَ خَلْقَنَا فحَسِّنْ أخلاقَنَا، واحفظْ مصرَنَا وبلادَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ ؛؛؛؛؛؛
الدعاء،،،،،،، وأقم الصلاة،،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
نريد خطبا بصيغة وورد
السلام عليكم ليه مش نشرين الخطبة word?