خطبة الجمعة القادمة 5 أبريل : صدقة الفطر وحق الله في المال .. أحكام ومقاصد ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 5 أبريل 2024 م بعنوان : صدقة الفطر وحق الله في المال .. أحكام ومقاصد ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 26 رمضان 1445هـ ، الموافق 5 أبريل 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 5 أبريل 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : صدقة الفطر وحق الله في المال .. أحكام ومقاصد .
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 5 أبريل 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : صدقة الفطر وحق الله في المال .. أحكام ومقاصد ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 5 أبريل 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : صدقة الفطر وحق الله في المال .. أحكام ومقاصد ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة 5 أبريل 2024 م بعنوان : صدقة الفطر وحق الله في المال .. أحكام ومقاصد ، للدكتور محروس حفظي :
(1) ليلةُ القدرِ وسلامةُ الصدرِ.
(2) علينَا أنْ نعِيَ أنَّ رحيلَ رمضانَ يذكرُنَا بمضِي آجالِنَا وانقضاءِ أعمارِنَا.
(3) العزمُ على المداومةِ على العبادةِ بعدَ رحيلِ رمضانَ.
(4) زكاةُ الفطرِ أحكامٌ ومقاصدُ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 5 أبريل 2024 م بعنوان : صدقة الفطر وحق الله في المال .. أحكام ومقاصد ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
صدقةُ الفطرِ، وحقُّ اللهِ في المالِ .. أحكامٌ ومقاصدُ
بتاريخ 26 رمضان 1445 هـ = الموافق 5 أبريل 2023 م»
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، أمَّا بعدُ ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 5 أبريل : صدقة الفطر وحق الله في المال .. أحكام ومقاصد ، للدكتور محروس حفظي
(1) ليلةُ القدرِ وسلامةُ الصدرِ:
لعلَّ المقصدَ الأسمَى مِن الاجتهادِ في العشرِ هو إصابةُ ليلةِ القدرِ التي قالَ فيهَا ربُّنَا: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾، وفي تلكَ الليلةِ تتنزلُ الملائكةُ بكثرةٍ حتى تضيقُ الأرضُ بهم ، وتخلُو مِن الشرورِ العذابِ، وعدمِ نفوذِ الشيطانِ فيها كما ينفذُ في غيرهَا قال تعالى: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾، فتتنزلُ معهم البركةُ والرحمةُ على العبادِ، ويجتمعون حولَ حلقاتِ الذكرِ، ومجالسِ القرآنِ، وهي في ليلةِ سبعٍ وعشرين أرجَى ما تكونُ، لحديثِ معاويةَ بنِ أبي سفيانَ عن النبيِّ ﷺ في ليلةِ القدرِ قال: «ليلةُ القدرِ ليلةُ سبعٍ وعشرين» (أبو داود بسند صحيح)، وعلى المسلمِ أنْ يُصفِّي قلبَهُ، ويخلِي نفسَهُ عن الغلِّ والحسدِ والحقدِ للبشرِ قالَ ربُّنَا: ﴿يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾، وعن عُبَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلاَحَى رَجُلاَنِ مِنَ المُسْلِمِينَ فَقَالَ: «إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، وَإِنَّهُ تَلاَحَى فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، التَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالخَمْسِ» (البخاري) .
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 5 أبريل : صدقة الفطر وحق الله في المال .. أحكام ومقاصد ، للدكتور محروس حفظي
(2) علينَا أنْ نعِيَ أنَّ رحيلَ رمضانَ يذكرُنَا بمضِي آجالِنَا وانقضاءِ أعمارِنَا:
ها هو رمضانُ قد أزفَ على الرحيلِ الذي كُنّا بالأمسِ القريبِ ننتظرُهُ بالشوقِ؛ لأنَّهُ شهرٌ يحملُ بينَ طياتهِ الرحمةَ والمغفرةَ والعتقَ مِن النارِ، ويعظمُ فيهِ التكافلُ والتراحمُ، وها نحن بعدَ أيامٍ قلائلَ نودعُهُ، فما أسرعَ مرورَ الليالِي والأيامِ، وانقضاءَ الشهورِ والأعوامِ، وهكذا ينقضِي عمرُ الإنسانِ، وتطوَى صحيفةُ أعمالهِ، ويقبلُ على ربِّهِ، وتلك سننٌ لا تتغيرُ، ونواميسٌ لا تتدبلُ، وفي ذلك عبرةٌ للمعتبرين، وعِظَةٌ للمتعظين قال – عزَّ وجلَّ -: ﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾، أوشكَ رمضانُ على الانتهاءِ وقد أحسنَ فيه أناسٌ وأساءَ آخرون، وهو شاهدٌ للمشمرين بقيامِهِم وإحسانِهِم، وعلى المقصرين بإعراضِهِم وشُحِّهِم وعصيانِهِم، ولا ندري هل سندركُهُ مرةً أُخرى، أم يحولُ بيننَا وبينَهُ انقضاءُ الأجلِ، وقد حذّرَ رسولُنَا مِن أنْ نخرجَ مِن رمضانَ ولم تدركْنَا رحمةُ اللهِ بسببِ إعراضِنَا عن اللهِ وإسرافِنَا في حقِّ أنفسِنَا بالمعاصي والذنوبِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: «آمِينَ آمِينَ آمِينَ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ حِينَ صَعِدْتَ الْمِنْبَرَ قُلْتَ: آمِينَ آمِينَ آمِينَ، قَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، وَمَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَبَرَّهُمَا، فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، وَمَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ» (أبو يعلى، وسنده حسن)، وهذا سيدُنَا عليٌّ – رضي اللهُ عنه – كان يُنادِي في آخرِ ليلةٍ مِن رمضانَ: «يا ليتَ شعري، مَن المقبولُ فنُهنِّيه، ومَن المحرومُ فنعزِّيه»، نعم واللهِ، يا ليتَ شعرِي، مَن المقبولُ منًّا فنُهَنِّئَهُ بحسنِ عملهِ، ومَن المطرودُ منَّا، فنعزِّيه بسوءِ عملِهِ، وللهِ درُّ القائلِ:
يَا عَيْنُ جُودِي بِالدُّمُوعِ وَوَدِّعِي … شَهْرَ الصِّيَامِ وَجَدِّدِي الْأَحْزَانَا
قَدْ كَانَ شَهْرًا طَيِّبًا وَمُبَارَكًا … وَمُبَشِّرًا بِالعَفْوِ مِنْ مَوْلاَنَا
إنَّ المقصرَ ما زالتْ الفرصةُ سانحةٌ أمامَهٌ فلا يدرِي فقد يوفقهُ اللهُ فيما بقِي ليكونَ مِن أهلِ العتقِ والمغفرةِ؛ إذ العبرةُ بالخواتيمِ كما أخبرَ الصادقُ المعصومُ فعن سَهْلٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ العَبْدَ لَيَعْمَلُ، فِيمَا يَرَى النَّاسُ، عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ، عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا» (البخاري) .
أمَّا المحسنُ فلا يغترُّ بطاعتهِ وعبادتهِ؛ إذ ما يقدمهُ العبدُ مِن الطاعةِ والعبادةِ لا يُساوي نعمةً مِن نعمِ اللهِ تعالى عليه، فعن عائشةَ أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: «سددُوا وقاربُوا، واعلمُوا أنه لن يُدخلَ أحدَكُم عملُه الجنةَ، وأّنّ أحبَّ الأعمالِ إلى اللهِ أدومُهَا وإنْ قلَّ» (البخاري) وقد نهَى نبيُّنَا عن العجبِ والتفاخرِ بالعبادةِ فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: إِنِّي صُمْتُ رَمَضَانَ كُلَّهُ وَقُمْتُهُ»، قَالَ: فَلَا أَدْرِي أَكَرِهَ التَّزْكِيَةَ، أَمْ قَالَ: «لَا بُدَّ مِنْ رَقْدَةٍ أَوْ غَفَلَةٍ» (ابن حبان) .
فحالُ المسلمِ دومًا بينَ الخوفِ والرجاءِ، يرجُو رحمةَ ربِّهِ، ويخافُ ألا يُقبلَ عملهُ فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ أَهُوَ الَّذِي يَزْنِي، وَيَسْرِقُ، وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ؟ قَالَ: «لَا، يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ أَوْ يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُ، وَيُصَلِّي، وَهُوَ يَخَافُ أَنْ لَا يُتَقَبَّلَ مِنْهُ» (ابن ماجه بسند حسن).
يا مَن ستودِّعُ رمضانَ، تفكرْ أنَّك ستودِّعُ الحياةَ ومَن فيها وما عليها مِن المالِ والأهلِ والولدِ، فكيف أنت مقبلٌ على ربِّكَ ؟ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، قَالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ: أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا، وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا، أُولَئِكَ الْأَكْيَاسُ» (ابن ماجه بسند حسن)، وصدقَ القائلُ:
إنَّا لنفرحُ بالأيامِ نقطعُهَا … وكلُّ يومٍ مضَي يُدنِي مِن الأجلِ
فاعملْ لنفسِكَ قبلَ الموتِ … مجتهدًا فإنَّما الربحُ والخسرانُ في العملِ
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 5 أبريل : صدقة الفطر وحق الله في المال .. أحكام ومقاصد ، للدكتور محروس حفظي
(3) العزمُ على المداومةِ على العبادةِ بعدَ رحيلِ شهرِ رمضانَ:
على أيِّ شيءٍ عزمتَ بعدَ انقضاءِ شهرِ الصيامِ والقيامِ وتلاوةِ القرآنِ؟ يا مَن غيرتَ أخلاقَكَ السيئةَ في هذا الشهرِ الفضيلِ داومْ على ذلك ولا تهدمْ ما بنيتَ بعودِكَ إلى الذنوبِ والمعاصي والأوزارِ، فتكونَ كالتي نقضتْ غزلَهَا مِن بعدِ قوةٍ، يا مَن اعتادَ حضورَ المساجدِ وعمارةَ بيوتِ اللهِ بالطاعةِ وأداءَ الصلواتِ اثبتْ ولا تقطعْ صلتَكَ باللهِ فيختم على قلبِكَ قال رَسُولَ اللهِ ﷺ، يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ» (مسلم)، يا مَن كنتَ تقومُ الليلَ استمرْ في ذلك بعدَ رمضانَ، ولا تتوقفْ عن قيامِ الليلِ ولو بصلاةِ ركعتينِ فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَبْدَ اللهِ، لَا تَكُنْ بِمِثْلِ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ» (متفق عليه) .
يا مَن داومَ على تلاوةِ كتابِ اللهِ عزّ وجلّ لا تقطعْ ذلك الثوابَ بل اجعلْ لنفسِكَ وردًا ولو قليلًا حتى لا تدخل تحتَ قولِ اللهِ تعالَى: ﴿وَقالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً﴾، فالقرآنُ يفتحُ لك أبوابَ الخيرِ في الحياةِ الدنيا وفي الآخرةِ، ويا مَن تصدّقَ في رمضانَ خصصْ لنفسِكَ شيئًا تتصدقُ بهِ على الفقراءِ والأيتامِ فإنَّ اللهَ يرضَى مِن عبادهِ الصدقةَ، فإن لم تجدْ فافعلْ كما أمرَكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم حيثُ قالَ: «تَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ» (متفق عليه) .
يا مَن صامَ الشهرَ كلَّهُ سنَّ لنَا رسولُنَا صيامَ ستةً مِن شوال تجبرُ ما ثلمَ، وتكملُ ما نقصَ فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ»(مسلم)، ويجوزُ صيامُهَا متتابعةً أو متفرقةً، وليس عليها صدقةٌ كما يُظَنُّ .
العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة 5 أبريل : صدقة الفطر وحق الله في المال .. أحكام ومقاصد ، للدكتور محروس حفظي
(4) زكاةُ الفطرِ أحكامٌ ومقاصدُ:
مِن مظاهرِ الإحسانِ في ختامِ هذا الشهرِ وتوديعِهِ إخراجُ زكاةِ الفطرِ وهي لها خصوصيةٌ فيمَن تجبُ عليهِ مِن المسلمين، فهي لا تجبُ على المكلفِ فقط، بل تجبُ على كلِّ مسلمٍ: حرٍّ أو عبدٍ، أو رجلٍ أو امرأةٍ، صغيرٍ أو كبيرٍ وعن كلِّ مَن يعولُ مِمَّن تلزمهُ نفقتهُم طالمَا يملكُ المسلمُ قوتًا زائدًا عن قوتِه وقوتِ عيالِه في يومِ العيدِ وليلتِهِ، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ، أَوْ رَجُلٍ، أَوِ امْرَأَةٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِير» (مسلم)، وفي هذا تربيةٌ للمسلمِ على تحملِ المسؤوليةِ داخلَ المجتمعِ، وفرصةٌ لجعلِ المجتمعِ كلِّهِ مجتمعَ العطاءِ والبذلِ، ودعوةٌ غيرُ مباشرةٍ إلى العملِ والكسبِ، فإنَّ البذلَ والعطاءَ المطلوبينِ مِن الجميعِ، لا يتحققانِ إلّا بالكسبِ والعملِ.
وقد حوتْ زكاةُ الفطرِ مقاصدَ كثيرةً – إلى جانبِ ما سبقَ- ومنهَا:
– أنَّهُ يعودُ خيرُهَا على الصائِمِ نفسِهِ، فهي تطهيرٌ للصائمِ مِمّا يكونُ قد اعترَى صومهُ مِن خللٍ ونقصٍ، وما أكثرَ ما يقعُ مِن الخللِ مِن قبلِنَا، فالتزكيةُ والتطهيرُ مقصدٌ عامٌ للزكاةِ عمومًا وللفطرِ خصوصًا قالَ تعالَى: ﴿خذ من أموٰلهم صدقة تطهرهم وتزكیهم بها﴾، فالزكاةُ تطهرُ نفسَ المسلمِ مِن داءِ الشحِّ والبخلِ وتكسرُ عندَهُ حدةَ حبِّ المالِ وكنزهِ ومنعهِ عن أصحابِ الحاجاتِ.
– الجبرُ والتكميلُ: كلُّ صائمٍ يقعُ في صومهِ مِن الغيبةِ والنميمةِ، فتأتِي صدقةُ الفطرِ لتجبرَ النقصَ وتكملَ الأجرَ للصائمِ، وعن وكيعِ بنِ الجراحِ قال: ” زكاةُ الفطرِ لشهرِ رمضانَ كسجدتَيِ السهوِ للصلاةِ، تجبرُ نقصانَ الصومِ كما يجبرُ السجودُ نقصانَ الصلاةِ”.
– التضامنُ والتكافلُ والإغناءُ: وتقويةُ الصلةِ بينَ الآخذِ والمعطِي، فلا شيءَ يقوِّي الصلةَ بينَ الناسِ أكثرَ مِن العطاءِ النابعِ مِن الأخوةِ المؤمنةِ الحقةِ خلافَ الشحِّ والبخلِ فإنَّه يُنَفِّرُ الناسَ مِن بعضِهِم البعض، وبهذا العطاءُ يتحققُ مجتمعُ الجسدِ الواحدِ الذي ينشدُهُ الإسلامُ، فمِن مقاصدِ الزكاةِ عمومًا، والفطرِ خصوصًا دعمُ ومساندةُ الأغنياءِ للفقراءِ والشعورُ بحاجاتِهِم والسعيُ للتخفيفِ عنهُم، لكن صدقةُ الفطرِ وسَّعَتْ دائرةَ العطاءِ والتكافلِ فلم تشترطْ في دافعِهَا أنْ يبلغَ حدَّ الغنَى المطلوبِ في دافعِ الزكاةِ المفروضةِ.
– الشكرُ والبذلُ: فالمسلمُ حينَ يدفعُ زكاةَ الفطرِ يشكرُ اللهَ على نعمةِ إتمامِ الصيامِ والقيامِ وبلوغِ رمضانَ والتوفيقِ فيهِ للطاعاتِ، ويحمدُ اللهَ على نعمةِ اليسارِ والكفافِ، ويعودُ نفسَهُ على شكرِ النعمِ بالبذلِ والعطاءِ، ويصلُ الصيامُ بالزكاةِ، والطاعةِ بأختِهَا، والمستقرءُ للقرآنِ الكريمِ يجدُ أنَّ اللهَ – غالبًا- ما يذكرُ عقبَ كلِّ فريضةٍ الأمرَ بالاستغفارِ حتى يكونَ ذلك مِن بابِ شكرِ اللهِ، ﴿وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ﴾، وقالَ ربُّنَا عقبَ الحديثِ عن الحجِّ: ﴿فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً﴾، وقالَ سبحانَهُ في سياقِ الحديثِ عن فريضةِ الصيامِ: ﴿وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
– الفرحُ العامُ بالعيدِ: شُرِعَتْ زكاةُ الفطرِ لتعمَّ الفرحةُ بالعيدِ كلَّ أفرادِ المجتمعِ فلا يفرحُ بهَا الغنيُّ الموسرُ ويُحرمُ منها الفقيرُ المعدمُ، فلا بدَّ أنْ يظهرَ المعنَى الإنسانِيُّ التراحميُّ التكافليُّ في أعيادِ المسلمين، لهذا شُرعتْ زكاةُ الفطرِ في عيدِ الفطرِ، والأضحيةُ في عيدِ الأضحَى، ورَصْدُ الأجرِ العظيمِ على الشعيرتينِ ترغيبًا في إدخالِ السرورِ على الناسِ وجبرِ خواطرِهِم، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ» (أبو داود) .
– إنَّ زكاةَ الفطرِ تدريبٌ على العطاءِ بمَا هو يسيرٌ وغيرُ شاقٍ على النفوسِ، ولا يخفَى أنَّ مَن تعودَ على القليلِ أمكنَهُ فعلَ ما هو أعلَى منه، كمَا أنَّها تدريبٌ عمليٌّ على جعلِ الأموالِ رائجةً بينَ أيادٍ مختلفةٍ كما قالَ تعالى: ﴿حَتَّى لاَ يَكُونَ دُولَة بَينَ الأغْنِيَّاءِ﴾ .
والأصلُ في زكاةِ الفطرِ أو الزكاةِ عمومًا عدمُ جوازِ نقلِهَا خارجَ بلدِ المزكِّي، ففي حديثِ معاذٍ أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال:” فإنْ هم أطاعُوا لذلك، فأعلمهُم أنَّ اللهَ افترضَ عليهِم صدقةً تؤخذُ مِن أغنيائِهِم فتردُّ في فقرائِهِم” (مسلم)، والحكمةُ في ذلك تحقيقُ الاكتفاءِ الذاتِي، ومحاربةُ الفقرِ ومطاردتُهُ في المكانِ الذي نعيشُ فيهِ أولًا، ولأنَّ فقراءَ البلدِ قد تعلقتْ أطماعُهُم بهذا المالِ، فكان حقُّهُم مقدمًا على غيرِهِم لكنْ يجوزُ نقلُ الزكاةِ وإرسالهَا خارجَ بلدِ المزكِّي إذا عدمَ المستحقون لها فيه، أو استغنُوا ببعضِهَا فينقل الباقي، أو كانت حاجتُهُم أشدَّ وأكبرَ، أو كانوا ذوِي قرابةٍ للمزكِّي مع فقرِهِم.
وليحرصْ الصائمُ على إخراجِهَا قبلَ صلاةِ العيدِ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ» (أبو داود)، فهي تتضمنُ دعوةً واضحةً إلى وحدةِ الأمةِ، ورصِّ صفوفِهَا، فهُم جميعًا يخرجونَهَا في وقتٍ موحدٍ، وهي تخرجُ مِن غالبِ قوتِ البلدِ تمرًا أو برًّا أو شعيرًا أو زبيبًا أو أرزًا، ومقدارُهَا صاعٌ عن كلِّ شخصٍ، أي ما يعادلُ ثلاثةَ كيلُو جراماتٍ تقريبًا، وينبغِي للمسلمِ أنْ يُخرجَ أطيبَ هذه الأصنافِ وأنفعَهَا للفقراءِ والمساكين، فلا يُخرجُ الردئَ، قالَ تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾، وتجوزُ الزيادةُ عليهِ لقولِهِ تعالى في فديةِ الصيامِ وهي طعامُ مسكينٍ: ﴿فمن تطوع خیرا فهو خیر له﴾، ولأنَّ النبيَّ ﷺ دعَا بالبركةِ لرجلٍ تصدقَ بناقةٍ كوماءَ أي عظيمةِ السنامِ، وقد كانت فوقَ الواجبِ عليهِ.
ويجوزُ كذلك إخراجُ قيمتِهَا نقدًا، إذ الراجحُ عندَ الجمهورِ أنَّه يجوزُ أخذُ القيمةِ في زكاةِ الفطرِ قياسًا على جوازِ أخذِ القيمةِ في الزكاةِ عمومًا كحَدِيثِ مُعَاذ حِينَ قَالَ لأهل الْيَمَن: «ائْتُونِي بِخَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ آخُذُهُ مِنْكُمْ مَكَانَ الذرة والشعير؛ فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ، وَأَنْفَعُ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ»، وكان يأتي بهِ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ولا ينكرُ عليهِ، وَقد عَنْوَنَ الإمام البخاريُّ في صحيحه قائلًا: باب: “العرضُ في الزَّكاة”، وذكَر الأثرَ السَّابق، واحتجاجُ البخاريُّ بهذا دليلٌ علىٰ قوَّةِ الخبرِ عنده كما أفادَ بذلك ابنُ حجرٍ في فتح الباري .
كما أنَّ هذا يتفقُ مع مقصدِ الشريعةِ في التيسيرِ على الناسِ خاصةً مَن يعيشونَ في المُدنِ، وأنفعُ للفقيرِ؛ فبالمالِ يشترِي ما يريدُ مِن اللباسِ والطعامِ والدواءِ وغيرهِ مِن ضرورياتِ الحياةِ؛ ولأنَّ المقصودَ هو دفعُ الحاجةِ عن المسكينِ كما أخبرَ بذلك المعصومُ ﷺ، ولا يختلفُ ذلك بالقيمةِ أو غيرِهَا، وإلى هذا ذهبَ الإمامُ أبو حنيفة، وجَمْعٌ مِن الصَّحابة كسيِّدِنَا عليٍّ، وابنِ عباسٍ، وابنِ عمرَ، وابنِ مسعودٍ، والبراءِ بنِ عازبٍ، ومعاذِ بنِ جبلٍ، وعطاءِ بنِ أبي رباحٍ، ومعاويةَ رضي اللهٌ عنهم .
ومن التابعين: عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ، والحسنُ البصري، والنَّخعِيُّ، والثَّورِيُّ، والأوزاعِي، واللَّيثُ بن سعدٍ، والإمامُ البخاري، وطاووسُ، ومجاهدٌ، وسعيدُ بنُ المسيبِ، وعروةُ بنُ الزبيرِ، والرَّمليُّ -وهو مِن فقهاءِ الشَّافعيَّةِ-؛ قال بجوازِ تقليدِ الإمامِ أبي حنيفةَ في جوازِ إخراجهَا دراهم لمَن سألَهُ عن ذلك، وبعضُ فقهاءِ المالكيَّةِ، وإسحاقُ بنُ راهويه، وأبو ثورٍ، وإحدى الرِّواياتِ عن الإمامِ أحمد – التقييدُ بالحاجةِ والضَّرورةِ .
وأخيرًا: لا إنكارَ فيما يُختلفُ فيه؛ لأنَّ المسلمَ في سعةٍ مِن أمرهِ، فيجوزُ لهُ أنْ يأخذَ بما شاءَ طالمَا يتبعُ مذهبًا فقهيًّا معتبرًا، وفي نفسِ الوقتِ لا ينكرُ على مَن خالفَهُ في المذهبِ .
أخي الحبيب: إذا كان لزكاةِ الفطرِ كلَّ هذه المقاصدِ – وغيرهَا– فما على المسلمِ إلّا أنْ يبادرَ إلى إخراجِهَا، ويكونَ حريصًا على إخراجِهَا بالطريقةِ التي تنفعُ الفقيرَ والمسكينَ مراعيًا في ذلك الأحكامَ والمقاصدَ الشرعيةَ التي مِن أجلِهَا شُرعتْ الزكاةُ خاصةً في ظلِّ الحاجةِ.
نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان د / محروس رمضان حفظي عبد العال
مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف