خطبة الجمعة القادمة 29 مارس : أعمال و فضائل العشر الأواخر من رمضان ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 29 مارس 2024 م بعنوان : أعمال و فضائل العشر الأواخر من رمضان ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 19 رمضان 1445هـ ، الموافق 29 مارس 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 29 مارس 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : أعمال و فضائل العشر الأواخر من رمضانر .
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 29 مارس 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : أعمال و فضائل العشر الأواخر من رمضان ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 29 مارس 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : أعمال و فضائل العشر الأواخر من رمضان ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة 29 مارس 2024 م بعنوان : أعمال و فضائل العشر الأواخر من رمضان ، للدكتور محروس حفظي :
(1) كثرةُ الاجتهادِ في الطاعةِ والعبادةِ.
(2) تحرِّيِ ليلةَ القدرِ في الوترِ مِن العشرِ الأواخرِ.
(3) تلاوةُ القرآنِ الكريمِ بتدبرٍ وخشوعٍ، واعتبارِ معانيهِ، وأمرهِ ونهيهِ.
(4) الاعتكافُ في المسجدِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 29 مارس 2024 م بعنوان : أعمال و فضائل العشر الأواخر من رمضان ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
أعمالُ وفضائلُ العشرِ الأواخرِ مِن رمضانَ
بتاريخ 19 رمضان 1445 هـ = الموافق 29 مارس 2023 م
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لكَ الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، أمَّا بعدُ ،،،
ها هي ليالِي شهرِ رمضانَ قد أوشكتْ على الانتهاءِ، وقربتْ على الرحيلِ، فبالأمسِ كنَّا نفرحُ بقدومِه وها هو تتناقصُ أيامُهُ ولياليهِ، فيا ليتَ شعرِي ماذا قدمنَا في الأيامِ المنصرمةِ؟ وماذا سنقدمُ في الأيامِ الباقيةِ؟، فالسعيدُ مَن وُفِّقَ فيهِ للعملِ الصالحِ، والشقيُّ مَن حُرِمَ في شهرِ رمضانَ، وقد خصَّ اللهُ العشرَ الأواخرَ بمزايَا وفضائلَ لا توجدُ في غيرِهَا مِن ليالِي الشهرِ الكريمِ، وبعطايَا لا سبيلَ لتحصيلِهَا إلّا فيهَا، ولذا خصَّهَا سيدُنَا رسولُ اللهِ ﷺ بأعمالٍ كثيرةٍ منهَا:
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 29 مارس : أعمال و فضائل العشر الأواخر من رمضان ، للدكتور محروس حفظي
أولًا: كثرةُ الاجتهادِ في الطاعةِ والعبادةِ:
المتتبعُ لحالِ سيدِنَا ﷺ يجدُ أنَّه كان إذا دخلَ العشرُ الأواخرُ جدَّ في العبادةِ وأكثرَ مِن الطاعةِ فعَن عَائِشَةَ قالتْ:«كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ» (مسلم)، وذلك لِمَا يعلمُ مِن فضائلِ تلك الليالِي وعظمِهَا عندَ اللهِ، ولذا كان يأمرُ أهلَهُ بقيامِ الليلِ، ومواصلةِ العبادةِ بالنهارِ، بل كان يعتزلُ نساءَهُ فعَن عَائِشَةَ قالت:«كان النبيُّ ﷺ إذا دخلَ العشرُ شدَّ مئزرَهُ، وأحيَا ليلَهُ، وأيقظَ أهلَهُ» (البخاري)، قال ابنُ حجرٍ: فقولُهُ: «شدَّ مئزرَهُ»: «أَي اعتزلَ النِّسَاءَ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْجِدَّ فِي الْعِبَادَةِ كَمَا يُقَالُ شَدَدْتُ لِهَذَا الْأَمْرِ مِئْزَرِي أَيْ تَشَمَّرْتُ لَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ التَّشْمِيرُ وَالِاعْتِزَالُ مَعًا» أ.ه (فتح الباري) .
وإذا كان سيدُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعلُ ذلك مع أنَّه غُفِرَ له ذنبُهُ ورفعَ اللهُ ذكرَهُ، وشرفَ اللهُ قدرَهُ كما قال ربُّنَا ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ﴾، فلا يملُّ مِن العبادةِ، فمَا بالُنَا بنَا نحن العصاة، فعلى العاقلِ أنْ يستغلَّ تلك الليالي ولا يجعلَهَا تمرُّ كغيرِهَا دونَ أنْ يُحصلَ ثوابهَا، وعليهِ أنْ يأمرَ أهلَهُ بالقيامِ وفعلِ الخيراتِ؛ لأنَّ هذا موجبٌ لرحمةِ اللهِ، قَالَ ﷺ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى، ثُمَّ أَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، وَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ، ثُمَّ أَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ» (أبو داود)، وعلى هذا ربَّى سيدُنَا ﷺ جيلَ الصحابةِ فعن عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: «وَكَانَ أَبُو بَكْرَةَ يُصَلِّي فِي العِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ كَصَلَاتِهِ فِي سَائِرِ السَّنَةِ، فَإِذَا دَخَلَ العَشْرُ اجْتَهَدَ» (الترمذي وحسنه) .
وقيامُ الليلِ مِن أخصِّ صفاتِ أهلِ الجنةِ كما أخبرَنَا ربُّنَا ﴿كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾، ويجعلُ صاحبَهُ في حالةٍ مِن الأنسِ، ويكسوهُ حُلةً مِن النورِ والبهاءِ والسكينةِ، يقولُ الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ: «عِزُّ الْمُؤْمِنِ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ، وَشَرَفُهُ قِيَامُهُ بِاللَّيْلِ» (شعب الإيمان)، لكن ينبغي على المسلمِ أنْ يفقهَ ويعي أنَّ قيامَ الليلِ سنةٌ فإذا كان فيه مشقةٌ أو تعارضٌ مع عملهِ بالنهارِ فليصلِّ ما استطاع؛ إذ الدينُ يسرٌ فعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَرَأَى حَبْلًا مَمْدُودًا بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا الْحَبْلُ؟» فَقَالُوا: لِزَيْنَبَ تُصَلِّي، فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ» (النسائي بسندٍ صحيح) .
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 29 مارس : أعمال و فضائل العشر الأواخر من رمضان ، للدكتور محروس حفظي
(2) تحرِّي ليلةَ القدرِ في الوترِ مِن العشرِ الأواخرِ:
إنَّ المقصدَ الأعلَى مِن الاجتهادِ في العشرِ هو إصابةُ ليلةِ القدرِ التي تعدلُ عبادةَ (83) سنةً مِن عمرِ المسلمِ، قالَ تعالى: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾، وفي تلكَ الليلةِ تُقدَّرُ مقاديرُ الخلائقِ على مدارِ العامِ، فيُكتَبُ فيها الأحياءُ والأمواتُ، والسعداءُ والأشقياءُ، والآجالُ والأرزاقُ كمَا قالَ ربُّنَا: ﴿إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾، ويكثرُ فيهَا نزولُ الملائكةِ لكثرةِ الخيراتِ والبركاتِ، ﴿تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ* سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾، وقد أخفَى اللهُ تعيينَهَا عن العبادِ كي يكثرُوا مِن العبادةِ، ويجتهدُوا في الطاعةِ، ولئلّا يتكاسلُوا، لكنْ أشارَ سيدُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّها في اليالِي الوتيرةِ في العشرِ الأواخرِ قالَ ﷺ: «التمسُوها في العشرِ الأواخرِ مِن رمضانَ ليلة القدر، في تاسعةٍ تبقَى، في سابعةٍ تبقَى، في خامسةٍ تبقَى» (البخاري)، وهي في السبعِ الأواخرِ أرجَى مِن غيرِهَا فعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا، فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ» (متفق عليه) .
ثم هي في ليلةِ سبعٍ وعشرين أرجَى ما تكونُ لحديثِ معاويةَ عن النبيِّ ﷺ قال: «ليلةُ القدرِ ليلةُ سبعٍ وعشرين» (أبو داود بسند صحيح)، فعلى المسلمِ الراغبِ في إصابتِهَا أنْ يكثرَ مِن الأعمالِ الصالحةِ، وألَّا يملَّ مِن التذللِ للهِ والوقوفِ ببابهِ عسى أنْ تصيبَهُ نفحةٌ مِن نفحاتِ ربِّهِ لا يشقَى بعدهَا أبدًا فعَنْ أَنَسٍ قَالَ دَخَلَ رَمَضَانُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مَحْرُومٌ» (ابن ماجه) .
وقد علمنَا سيدُنَا ﷺ أنْ نتضرعَ إلى اللهِ بدعاءٍ جامعٍ لكلِّ أبوابِ الخيرِ فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» (الترمذي)، وعلى المسلمِ أيضًا أنْ يصفِّي قلبَهُ، ويخلي نفسَهُ عن الغلِّ والحسدِ والحقدِ للبشرِ، إذ كان هذا سببُ رفعِ تعيينِ ليلةِ القدرِ فعن عُبَادَة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ القَدْرِ فَتَلاَحَى رَجُلاَنِ مِنَ المُسْلِمِينَ فَقَالَ:«إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، وَإِنَّهُ تَلاَحَى فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، التَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالخَمْسِ» (البخاري) .
نعم واللهِ إنَّهُ لمحرومٌ كيف لا؟ وهي ليلةٌ واحدةٌ يغفرُ اللهُ بها كلَّ ما تقدمَ مِن ذنبِكَ قال ﷺ: «وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (متفق عليه) .
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 29 مارس : أعمال و فضائل العشر الأواخر من رمضان ، للدكتور محروس حفظي
(3) تلاوةُ القرآنِ الكريمِ بتدبرٍ وخشوعٍ، واعتبارِ معانيهِ، وأمرهِ ونهيهِ:
حثَّ نبيُّنَا ﷺ على تلاوةِ القرآنِ، ورغّبَ فيهِ، ومع قدومِ شهرِ القرآنِ يُقبلُ المسلمُ على كتابِ ربِّهِ بنهمٍ وشغفٍ دونَ باقِي أيامِ العام؛ نظرًا لإرتباطِ هذا الشهرِ بنزولِ القرآنِ فيهِ، ﴿شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ﴾، وهذا شيءٌ محمودٌ يتصفُ فيهِ المسلمُ بمَا كان يفعلُهُ سيدُ الأنامِ، فعن ابنِ عباسٍ قال: «كان النبيُّ ﷺ أجودَ الناسِ، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضانَ حين يلقاهُ جبريل، وكان جبريلُ عليه السلامُ يلقاهُ في كلِّ ليلةٍ مِن رمضانَ، فيدارسُهُ القرآنَ، فرسولُ اللهِ ﷺ أجودُ بالخيرِ مِن الريحِ المرسلةِ» (متفق عليه)، ويحرصُ المسلمُ في هذا الشهرِ الكريمِ أنْ يختمَ القرآنَ مراتٍ ومراتٍ، وهذا أمرٌ يُحمَدُ عليهِ لكنْ عندمَا تنظرُ إلى حالهِ في آخرِ الشهرِ تجد العزيمةَ قد ضعفتْ، والارادةَ قد فترتْ، وتنظرُ أيضًا في تعاملِهِ مع أهلِهِ وجيرانِهِ تجد أنَّ ما يتلوهُ مِن القرآنِ يجانبُ ذلك ويخالفُهُ، وكأنَّ القرآنَ نزلَ لنتعبدَ اللهَ بهِ في صلاتِنَا دونَ أنْ نتخلَّقَ بهِ في سلوكِنَا، ونجعلَهُ منهجَ حياةٍ في بيوتِنَا وبينَ أفراد مجتمعِنَا، ولا شكَّ أنَّ فاعلَ هذا سيكونُ القرآنُ حُجَّةً عليهِ ألَا ما أحوجنَا أنْ نرجعَ إلى حالِ الرعيلِ الأولِ مِن الصحابةِ والتابعين، ونرى كيف كان تعاملُهُم مع كتابِ اللهِ، فقد كانوا يمكثونَ أعوامًا في حفظِ سورةٍ واحدةٍ فقد ذكرَ الإمامُ مالكٍ أنَّ ابْنَ عُمَرَ أقامَ على حفظِ سورةِ البقرةِ ثمانِ سنواتٍ، إذ الذي يعنيهم هو العملُ والتطبيقُ لِمَا يحفظونَهُ، فعن ابْنِ عُمَرَ قال: «لَقَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرِنَا وَإِنَّ أَحْدَثَنَا يُؤْتَى الْإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ، وَتَنْزِلُ السُّورَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ فَيَتَعَلَّمُ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا، وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ فِيهَا كَمَا تَعْلَمُونَ أَنْتُمُ الْقُرْآنَ، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رِجَالًا يُؤْتَى أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ فَيَقْرَأُ مَا بَيْنَ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ مَا يَدْرِي مَا أَمْرُهُ وَلَا زَاجِرُهُ، وَلَا مَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ مِنْهُ يَنْثُرُهُ نَثْرَ الدَّقَلِ» (الحاكم)، فالصائم الذي حقق هذه المقاصد وجمع تلك الفضائل هو من تنطبق عليه بُشرى سيدنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث قال:«الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ» (أحمد والبيهقي بسندٍ صحيح)، أودعَ اللهُ في كتابِهِ ما مِن شأنِهِ يُرققُ القلوبَ، ويُهذبُ المشاعرَ، ويخلِّصُ النفسَ وما علقَ بهَا مِن أدرانِ الذنوبِ والخطايَا ألَا فلينتبهْ المسلمُ، ويراجعُ حساباتِه، ويلملمُ أوراقَهُ قبلَ فواتِ الأوانِ، وما زالتْ دعوةُ اللهِ تُجدَّدُ للذينِ عطلُوا أسماعَهُم وأبصارَهُم وقلوبَهُم عن التدبرِ والتفكرِ في كتابِ ربِّنَا حيثُ عاتبَهُم فقالَ: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ .
العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة 29 مارس : أعمال و فضائل العشر الأواخر من رمضان ، للدكتور محروس حفظي
(4) الاعتكافُ في المسجدِ:
إنَّ الاعتكافَ في المساجدِ الجامعةِ التي تُقامُ فيها الجمعُ والجماعاتُ سنةٌ يُثابُ على فعلِهَا ولا يُعاقبُ على تركِهَا، روى الشيخانِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ»، إلّا أنْ يوجبَهُ المسلمُ بنذرٍ أو حلفٍ، فقد روى الشيخانِ عن عُمَرَ أنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، قَالَ: فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ»، فالمعتكفُ قد حبسَ نفسَهُ على طاعةِ اللهِ وذكرِهِ، وقطعَ عن نفسِهِ كلَّ شاغلٍ يشغلُهُ، وعكفَ بقلبِهِ وقالِبهِ على ربِّهِ، وما يقربُهُ منهُ، فمَا بقيَ لهُ همٌّ سوَى الله، وما يُرضيهِ عنه، فهذا مقصودُ الاعتكافِ الأعظمِ، فهو فرصةٌ ليعيدَ المسلمُ أنسَهُ بخالقِهِ الذي ربَّمَا تغيرَ مِن مخالطةِ الناسِ وكلامِهِم، ومِن معايشةِ مشاكلِهِم، وفرصةٍ أيضًا ليراجعِ نفسَهُ وأعمالَهُ.
أخي الحبيب: اجتهدْ في العشرِ الآواخرِ اقتداءً بالحبيبِ ﷺ فما زالتْ الفرصةُ سانحةً لتحصيلِ الخيرِ والبرِّ، فعن ابْنِ عُمَرَ قال، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ – يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ – فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَجَزَ، فَلَا يُغْلَبَنَّ عَلَى السَّبْعِ الْبَوَاقِي» (مسلم)، وذلك أنَّ آخرَ العملِ يكونُ الإنسانُ قد تهيأَ فيهِ للمنازلِ العاليةِ، فإذا أفاضَ اللهُ عليهِ نعمةً في آخرِ هذا الشهرِ الكريمِ كان أهلًا لقبولِ هذه النعمةِ، وأهلًا لاستثمارِ هذا الخيرِ وتأثيرهِ في قلبِه، ولذا كان دائمَ التمهيدِ للأمورِ العظيمةِ بكثرةِ العبادةِ والذكرِ والتلاوةِ والصلاةِ والقيامِ والركوعِ والسجودِ، كما قال سبحانه: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾، وهذه الأربعونَ كان موسى – عليه السلام- يصومُ نهارَهَا، ويقومُ ليلَهَا؛ تهيئةً لسماعِ كلامِ اللهِ تعالى، ولتقريبهِ نجيًّا، وهو في هذه المرةِ يقدمُ مشتاقًا محبًّا بعدَ أنْ ذاقَ حلاوةً لا توصفُ في المرةِ الأولَى، مع أنَّهُ كان يطلبُ نارًا وهدىً وخبرًا غيرَ الذي حصلَ عليهِ، فكان يريدُ نارًا فرأَى نورًا أعظمَ مِن الذي يطلبُ، وكان يريدُ هدىً على الطريقِ فرأَى هدايةً أتمَّ مِمَّا كان يطلبُ، وكان يريدُ مخبرًا يخبرُهُ عن طريقهِ فوجدَ إخبارًا مِن ربِّ العالمين سبحانه، فكانت المرةُ الثانيةُ أكملَ، وكان محبًّا متعجلًا إلى ربِّهِ راغبًا في رضاه، ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى﴾، وهكذا مريمُ – عليها السلام- عندما هيئتْ لتحْمِلَ الأمرَ العظيمَ نادتهَا الملائكةُ: ﴿يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾.
نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان د / محروس رمضان حفظي عبد العال
مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف