أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة 28 يونيو : قوة الأوطان ، للدكتور محروس حفظي

خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة 28 يونيو 2024 م بعنوان : قوة الأوطان ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 22 ذو الحجة 1445هـ ، الموافق 28 يونيو 2024م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 28 يونيو 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : قوة الأوطان .

 

ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 28 يونيو 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : قوة الأوطان ، بصيغة word أضغط هنا.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 28 يونيو 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : قوة الأوطان ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

 

___________________________________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

و للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

و للمزيد عن الدروس الدينية

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 28 يونيو 2024 م بعنوان : قوة الأوطان ، للدكتور محروس حفظي :

 

(1) العقيدةُ الراسخةُ مِن خلالِ بناءِ المسجدِ النبويِّ.

(2) المؤاخاةُ بينَ المهاجرينَ والأنصارِ.

(3) جمعُ كافةِ الطوائفِ وصقلهَا لخدمةِ الدولةِ المدنيةِ، وتنظيمُ العلاقاتِ بينَ سكانِ المدينةِ المنورةِ.

(4) تنظيمُ جيشٍ للمسلمينَ يعملُ على إعلاءِ كلمةِ اللهِ، وتعزيزِ وحمايةِ المجتمعِ مِن الداخلِ والخارجِ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 28 يونيو 2024 م بعنوان : قوة الأوطان ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي: 

«قوة الأوطان»

بتاريخ 22 ذو الحجة 1445 هـ = الموافق 28 يونيو 2024 م

 

الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِك، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، أمّا بعدُ ،،،

لقد كانت هجرةُ النبيِّ مِن مكةَ المكرمةِ إلى المدينةِ المنورةِ لها عظيمُ الأثرِ في تغييرِ العالمِ، وتوجيهِ مجرَى التاريخِ الإنسانِي، والتي ظهرَ مِن خلالِهَا أهمُّ الركائزِ التي تُبنَى عليهَا قوةُ الأوطانِ، وفيمَا يلِي بيانُ ذلك:

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 28 يونيو : قوة الأوطان :

(1) العقيدةُ الراسخةُ مِن خلالِ بناءِ المسجدِ النبوِيِّ:

إنَّ أولَ أساسٍ تُؤسَّسُ عليهِ الدولةُ التي أسسَهَا رسولُنَا ﷺ هو “العقيدةُ الصحيحةُ” التي تمنحُ صاحبَهَا قوةً وصلابةً ومحبةً للأخرين، إنَّهُ الأساسُ الذي بدونِهِ تنهارُ الأممُ والمجتمعاتُ، وتزولُ الحضاراتُ، وأحدُ أهمِّ هذه الوسائلِ التي تُعينُ على ذلك “المسجدُ”، فعندمَا هاجرَ سيدُنَا رسولُ اللهِ ﷺ إلى المدينةِ كان مِن أوائلِ الأعمالِ التي قامَ بها إنشاءُ المسجدِ؛ لكي يكونَ الجامعةَ التي يتخرجُ منها الصحابةُ – رضوانُ اللهِ عليهم – ويتعلمونَ فيهِ كلَّ شيءٍ، ولِمَا لهُ مِن أهميةٍ ومكانةٍ في حياةِ الفردِ والمجتمعِ، وهي أحبُّ الأماكنِ إلى اللهِ تعالى، وأنقَى بقاعِ الأرضِ، وأطهرُ ساحاتِ الدنيَا، فمِنهُ شعَّ نورُ الدعوةِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، وفيها تزكىَ الأنفسُ، وتهدأُ القلوبُ، وترتاحُ الأرواحُ، ولهذا أمرَ اللهُ – سبحانَهُ- بإقامتِهَا وعمارتِهَا على أكملِ وجهٍ، فقالَ ربُّنَا:﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾، وشهدَ لأهلِهَا بالإيمانِ والصلاحِ، ووصفَهُم بوصفِ الرجولةِ فقالَ سبحانَهُ: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ﴾.

إنَّ عملَ المساجدِ في عهدِ الدولةِ المدنيةِ ليس مقصورًا على إقامةِ الصلوات، أو تلاوةِ القرآنِ فحسب، بل هو شعلةٌ تنيرُ الأرضَ مِن حولِهَا في جميعِ المجالاتِ، وهذا ما كان معروفًا ومعمولًا بهِ على عهدِ سيدِنَا رسولِ اللهِ ﷺ فمنهُ كانتْ تُسَيَّرُ الجيوشُ، وتُعْقَدُ الاتفاقاتُ، وتُسْتقبلّ الضيوفُ والوفودُ، ويُقْضَى بينَ الخلقِ، حتى إنَّه لم يكنْ هناك أمرٌ يتمُّ خارجَ المسجدِ إلا ما ندرَ، ثم استمرَّ في أداءِ هذه المهامِ في عصرِ الخلفاءِ ومَن بعدَهُم حتى توسعَتْ الفتوحاتُ، واطلعَ المسلمون على أحوالِ الدولِ التي فتحوهَا، فأنشأوا المؤسساتِ التي تقومُ بشؤونِ الدولةِ والحكمِ والقضاءِ وغيرِهَا.

كما أنَّ المسجدَ له دورٌ توعويٌّ وتطبيقٌ في مجالاتِ الحياةِ المتنوعةِ، وله دورٌ أيضًا في المحافظةِ على القيمِ والمبادىءِ كالنظافةِ والطهارةِ قال تعالى: ﴿يا بَني آدَمَ خُذوا زينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلوا واشْرَبوا وَلا تُسْرِفوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفينَ﴾، فيتحققُ ذلك على أرضِ الواقعِ بيتًا وطريقًا ومكانًا عامًا … إلخ، والالتزامُ بالعهودِ، واحترامُ المواعيدِ، والانضباطُ وعدمُ التفلتِ مِن الواجباتِ المنوطةِ بكلِّ فردٍ مِن أفرادِ المجتمعِ.

كما يقومُ المسجدُ ببيانِ الأفكارِ الملوثةِ والفاسدةِ، والتياراتِ الهدامةِ التي تستهدفُ العقولَ والمعتقداتِ الدينيةَ والخلقيةَ الراسخةَ في المجتمعِ، وذلك لتحقيقِ الأمنِ العقائدِي والفكرِي لأفرادِ المجتمعِ، والبعدِ بهم عمَّا يخلخلُ عقيدتَهُم وقيمَهَم أو يزعزعهَا، وقد صات المساجدُ – بحمدِ اللهِ اليوم-  وسيلةً مهمةً تعملُ على غرسِ العقيدةِ الصحيحةِ في نفوسِ المسلمين، والمحافظةِ على الضروراتِ الست “الدينِ، العقلِ، المالِ، العرضِ، والنفسِ، والوطنِ” مِمّا يحصنُ الشبابَ مِن التطرفِ الفكرِي والسلوكِي، كمَا أنَّها عُقدتْ بهَا مجالسٌ للإفتاءِ، ويقومُ عليها ثلةٌ مِن خيرةِ العلماءِ؛ كي يوضحُوا للناسِ ما أُشكلَ عليهم مِن الأحكامِ الشرعيةِ الصحيحةِ المبنيةِ على التيسيرِ، والبعدِ عن التشددِ والتنفيرِ، وهذا منهجٌ نبويٌّ حيثُ كان رسولُنَا ﷺ حريصًا على جمعِ الصحابةِ في المسجدِ ليعلمَهُم أمورَ دينِهِم، ويستغلَّ المواقفَ كي يُظهِرَ لهم الصوابَ، فعن أبي هريرةَ، قال: قامَ أعرابيٌّ فبالَ في المسجدِ، فتناولهُ الناسُ، فقال لهم النبيُّ ﷺ: «دَعُوهُ وهريقُوا على بولهِ سجلًا مِن ماءٍ، أو ذنوبًا مِن ماءٍ، فإنَّما بعثتُم ميسرين، ولم تبعثُوا معسرين» (البخاري).

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 28 يونيو : قوة الأوطان :

(2) المؤاخاةُ بينَ المهاجرينَ والأنصارِ:

لقد كان أحدُ أهمِّ عواملِ بناءِ الدولةِ التي أسسَهَا رسولُنَا ﷺ أنْ قوَّى رابطةَ الأخوةِ بينَ المهاجرينَ الجددِ وبينَ الأنصارِ– أهلِ البلدِ – ف «آخَى بَيْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَبَيْنَ أَبِي طَلْحَةَ» (مسلم)، و «آخَى بينَ المقدادِ وجبرِ بنِ عتيكٍ» (الحاكم)، و«آخَى بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَآخَى بَيْنَ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَبَيْنَ صَعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ» (أبو يعلى)، و«آخَى بينَ الزبيرِ، وبينَ كعبِ بنِ مالكٍ» (ابن أبي شيبة)، و«آخَى بينَ حمزةَ، وزيدٍ» (ابن أبي شيبة) وقد نزلَ فيهِم جميعًا قولُهُ تعالَى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ .

وقد ضربَ الصحابةُ رضي اللهُ عنهُم أروعَ الأمثلةِ في التعففِ عمَّا في أيدِي الأنصارِ، وآثرُوا العملَ والمثابرةَ فعن حميدٍ قالَ: “قدمَ علينَا عبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ، فإذا النبيُّ ﷺ آخَى بينَهُ وبينَ سعدِ بنِ الربيعِ، فقالَ لهُ سعدٌ: إنِّي مِن أكثرِ الأنصارِ مالًا فأقاسمُكَ مالِي نصفينِ، ولِي امرأتانِ فأطلقُ إحداهمَا، فإذا انقضتْ عدتُهَا فتزوجهَا، قال: باركَ اللهُ لكَ في أهلِكَ ومالِكَ، دلونِي على السوقِ، فما رجعَ يومَهُ مِن السوقِ حتى استفضلَ ربحًا مِن أقطٍ وسمنٍ، فجاءَ بهِ إلى المنزلِ” (السنن الكبرى للنسائي) .

مِن هنَا ندركُ أنَّ المؤاخاةَ بينَ المهاجرينَ والأنصارِ كانتْ أعظمَ سبيلٍ لحلِّ المعضلاتِ الاجتماعيةِ والاقتصادية ِالتي أخذتْ تواجهُ المهاجرينَ بعدَ وصولِهِم للمدينةِ حتى عُدَّتْ المؤاخاةُ تجربةً رائدةً في تاريخِ العدلِ الاجتماعِي؛ إذْ ضربَ ﷺ فيهَا مثلًا على مرونةِ الإسلامِ وانفتاحِهِ في الظرفِ المناسبِ على أشدِّ أشكالِ العلاقاتِ الاجتماعيةِ مساواةً وعدلًا بل إنَّهَا لم يقفْ أمرُهَا عندَ حدِّ المؤاخاةِ فحسبْ بل أصبحُوا بهَا يتوارثونَ كما يتوارثُ الأبناءُ مِن آبائِهِم حتي نزلَ قولُ اللهِ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ﴾، فهي أذابتْ عصبياتِ الجاهليةِ، وأسقطتْ فوارقَ النسبِ واللونِ، فلا يتأخرُ أحدٌ ولا يتقدّمُ أحدٌ إلّا بمروءتِهِ وتقواه.

 وننتعلمُ منهَا أنَّ مِن أخلاقِ الجيلِ الأولِ مِن الصحابةِ – رضي اللهُ عنهم– الإيثارَ وعدمَ الضنِّ والبخلِ على الآخرينَ بمَا يملكونَهُ وقد مدحَهُم اللهُ على هذا فقالَ: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، وانظر في هذا الأنموذج الذي قلما يجود الزمان بمثله فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ، فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إِلَّا الْمَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «مَنْ يَضُمُّ – أَوْ يُضِيفُ – هَذَا؟» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَنَا، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتٌ لِلصِّبْيَانِ، فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْلِحِي سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً، فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وَأَصْلَحَتْ سِرَاجَهَا، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، وَجَعَلَا يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ، وَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ: لَقَدْ ضَحِكَ اللَّهُ – أَوْ: عَجِبَ – مِنْ فَعَالِكُمَا، فأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ﴾» (البخاري) .

لقد كان ﷺ على يقينٍ راسخٍ أنَّ أيَّ دولةٍ لا يمكنُ أنْ تنهضَ وتقومَ إلّا على أساسٍ مِن وحدةِ الأمةِ وتساندِهَا، فكلُّ وطنٍ لا تؤلفُ بينهُ آصرةُ المودةِ والتآخِي الحقيقية، لا يمكنُ أنْ يتحدَ حولَ مبدإٍ مَا، وهكذا يبدُو أنَّ حسَّ الإخاءِ والتكافلِ وحسَّ الجسدِ الواحدِ هو الذي بنَى مجدَ الإسلامِ وحقّقَ انتصاراتِهِ، وهو القادرُ اليوم إذا أعدنَاهُ إلى مكانِهِ في قلوبِنَا ومِن خلالِ أخلاقِنَا وسلوكِنَا خاصةً في ظلِّ انفتاحِ العالَمِ قال ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» (مسلم) .

إنَّ الحياةَ إذا لم يكنْ فيهَا مَن تحبُّهُ ويحبُّكَ فلا قيمةَ لهَا، البعضُ يؤدِّي الصلاةَ ويفعلُ العباداتِ لكنّهُ يضمرُ الحقدَ والكراهيةَ لأخيهِ الإنسان، ويظنُّ أنَّهُ قد حازَ القنطرةَ، وليعلمْ هؤلاء أنَّهُم كما قالَ ربُّنَا: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾، فعدمُ محبةِ الخيرِ لأخيكَ قد تكونُ سببًا في نزولِ النقمِ ومنعِ الخيرِ عنكَ، وتأخرِكَ عن ركبِ النجاحِ والفلاحِ، ولذا نفَى عنهُ الرسولُ ﷺ كمالَ الإيمانِ، فعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (البخاري)، فأينَ شفقتُكَ على أخيكَ الإنسان؟! وأينَ رحمتُكَ بهِ؟!

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 28 يونيو : قوة الأوطان :

(3) جمعُ كافةِ الطوائفِ وصقلهَا لخدمةِ الدولةِ المدنيةِ، وتنظيمُ العلاقاتِ بينَ سكانِ المدينةِ المنورةِ:

عندمَا جاءَ النبيُّ ﷺ المدينةَ، وجدَ بهَا يهودًا توطنُوا ومشركينَ مستقرين، فلم يتجهْ فكرُهُ إلى رسمِ سياسةٍ للإبعادِ أو المصادرةِ والخصامِ، ولم تقتصرْ خطواتُ تأسيسِ الدولةِ في المدينةِ على بناءِ المسجدِ والإخاءِ بينَ المهاجرينَ والأنصارِ فقط، بل كانتْ هناكَ خطواتٌ أخرَى لصهرِ بقيةِ سكانِ المدينةِ مِن يهودٍ وغيرِهِم في إطارِ تأسيسِ “مفهومِ المواطنةِ”، وتثبيتِ أركانِ الدولةِ الجديدةِ، ومِن هنَا تأتِي أهميةُ الوثيقةِ المشهورةِ باسمِ “وثيقةِ المدينةِ”، بينمَا أطلقَ عليهَا بعضُ الكتابِ المعاصرين اسمَ “دستورِ المدينةِ”؛ لأنَّهَا بحقٍّ بمثابةِ نصٍّ دستورِيٍّ مهمٍّ، ويشيرُ إلى مدَى التحضرِ والتقدمِ الدستورِي في تنظيمِ الحياةِ العامةِ في المدينةِ، وتحديدِ العلاقاتِ بينهَا وبينَ جيرانِهَا، كما تدلُّ على المقدرةِ الفائقةِ مِن الناحيةِ التشريعيةِ وعلى علمٍ كبيرٍ بأحوالِ الناسِ وفهمِ ظروفِهِم، وهكذا قَبِلَ الرسولُ ﷺ هؤلاء اليهودَ ومَن على شاكلتِهِم عن طيبِ خاطرٍ، وعرضَ عليهِم معاهدةً تقضِي أنَّ لهُم دينَهُم ولهُ دينَهُ، وأنَّ المسلمينَ مِن قريشٍ ويثربَ ومَن تبعَهُم ولحقَ بهِم وجاهدَ معهُم أمةٌ واحدةٌ، وقد نطقتْ هذه الوثيقةُ برغبةِ المسلمينَ في التعاونِ الخالصِ مع يهودِ المدينةِ لنشرِ السكينةِ في ربوعِهَا، والضربِ على أيدِي المعادينَ ومدبرِي الفتنِ أيًّا كانَ دينُهُم، وقد نصتْ هذه المعاهدةُ بوضوحٍ على أنَّ حريةَ الدينِ مكفولةٌ، فليس هناكَ أدنَى تفكيرٍ في محاربةِ طائفةٍ أو إكراهِ مستضعفٍ، واتفقَ المسلمونَ واليهودُ على الدفاعِ عن يثربَ إذا هاجمَهَا عدوٌّ، كما جاءتْ حريةُ الخروجِ مِن المدينةِ لمَن يبتغِي تركَهَا والقعودَ فيهَا لمَن يحفظُ حرمتَهَا .

 إنَّ بنودَ هذه المعاهدةِ الدستوريةِ كفَى بهَا ترسيخًا وتأسيسًا لأصولِ الحكمِ، وحقوقِ وواجباتِ المواطنةِ، وحريةِ الاعتقادِ في دولةِ الإسلامِ الوليدةِ، التي بدأتْ لتوِّهَا تشقُّ طريقَهَا في غابةِ الظلماتِ في الجزيرةِ العربيةِ بل وفي العالمِ حيثُ لم تعهدْ البشريةُ ذلك؛ لأنَّ حياتَهُم آنذاك كانت قائمةً على الفوضَى واللامبالاةِ، وهي تعتبرُ أولَ وثيقةٍ عرفتهَا البشريةُ لحقوقِ الإنسانِ، وهي تفحمُ بعضَ الذين يتشدقونَ بأنَّ في الإسلامِ عصبيةً أو أنَّ فيهِ عنصريةً، ومِن الجديرِ بالذكرِ هنَا أنَّ هذا الدستورَ تُركَ بعدَ ذلك مفتوحًا ليُضافَ إليهِ مِن الفقراتِ ما تمسُّ إليهِ الحاجةُ، وما تدعُو إليهِ ضروراتُ تطورِ الدولةِ الجديدةِ مِن تقنينٍ وتنظيمٍ، ومَن يطالعْ كتبَ السيرةِ يجدْ ذلكَ.

العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة 28 يونيو : قوة الأوطان :

(4) تنظيمُ جيشٍ للمسلمينَ يعملُ على إعلاءِ كلمةِ اللهِ، وتعزيزِ وحمايةِ المجتمعِ مِن الداخلِ والخارجِ:

بعدَ ذلكَ أخذَ الرسولُ ﷺ في إعدادِ جيشٍ قويٍّ تحقيقًا لقولِهِ تعالَى: ﴿وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾، وقوله سبحانه: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾ .

بهذا الجيشِ تغيرتْ طبيعةُ الحربِ لدَى العربِ في الإسلامِ فلمْ تعدْ غزوًا للآخرينَ بغيةَ الغنيمةِ والكسبِ كمَا هي في حروبِ القبيلةِ وإنَّما حربًا لخدمةِ الإسلامِ ودفاعًا عن معتنقيهِ وتمكينًا لحريةِ انتشارِهِ وسعيًا لتطبيقِ شريعتِهِ بمَا يتوافقُ مع مقاصدِ الإسلامِ وجوهرِهِ .

والآنَ في العصرِ الحديثِ يجبُ علينَا أنْ نواكبَ التطورَ التكنولوجِي، والتجديدَ في المجالِ العسكرِي بمَا يتضمنُهُ مِن أسلحةٍ ومعداتٍ ثقيلةٍ وخفيفةٍ، دفاعيةٍ وهجوميةٍ، جويةٍ وأرضيةٍ وغيرِهَا، بل ما توصلَ إليهِ العلمُ الحديثُ مِن مفاهيمَ وأُسسٍ ونظرياتٍ في المجالِ العسكرِي إنَّمَا هو مأخوذٌ في الأساسِ مِن تعاليمِ الإسلامِ المجملةِ وقواعدِهِ الكليةِ، وأنَّه لا معنَى للجمودِ والوقوفِ عندَ أشكالِ القوةِ التقليديةِ أمامَ النهضةِ العلميةِ الحديثةِ التي وصلَ إليهَا العالمُ في مختلفِ المجالاتِ حتى غدَا العالمُ قريةً صغيرةً، بل أصبحَ الإنسانُ في كثيرٍ مِن الأحيانِ عاجزًا عن متابعةِ التطورِ التقنِي المتلاحقِ؛ ولهذا لو توصلَ عدوُّنَا إلى اكتشافٍ جديدٍ لا مانعَ مِن الاستفادةِ منهُم، طالمَا ليسِ بهِ مخالفةٌ أو مصادمةٌ لنصٍّ قرآنِيٍّ أو سنةٍ صحيحةٍ، وحقّقَ مصلحةً راجِحةً للمسلمين، وبهذا يستطيعُ المسلمونَ مضاهاةَ أقوَى جيوشِ العالمِ، وكُلُّ هذا يأتِي في إطارِ الأمرِ بالإعدادِ الذي أوجبتْهُ الآياتُ السابقةُ.

نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ يُوفقَ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.                                      كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان

د / محروس رمضان حفظي عبد العال                             

                   مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »