أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة 28 مارس : زكاة الفطر ودورها في التكافل المجتمعي ، للدكتور محروس حفظي

بتاريخ 28 رمضان 1446هـ ، الموافق 28 مارس 2025م

خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة 28 مارس 2025 م بعنوان : زكاة الفطر ودورها في التكافل المجتمعي ، للدكتور محروس حفظي بتاريخ 28 رمضان 1446هـ ، الموافق 28 مارس 2025م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 28 مارس 2025 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : زكاة الفطر ودورها في التكافل المجتمعي.

ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 28 مارس 2025 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : زكاة الفطر ودورها في التكافل المجتمعي، بصيغة  word أضغط هنا.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 28 مارس 2025 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : زكاة الفطر ودورها في التكافل المجتمعي ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

___________________________________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

و للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

و للمزيد عن الدروس الدينية

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 28 مارس 2025 م بعنوان : زكاة الفطر ودورها في التكافل المجتمعي ، للدكتور محروس حفظي :

 

(1) حثُّ الإسلامِ على تعجيلِ الزكاةِ، وبذلِ الصدقةِ.

(2) مِن مقاصدِ الزكاةِ في الإسلامِ.  

(3) صدقةُ الفطرِ غاياتٌ وأحكامٌ.  

(4) علينَا أنْ نعيَ أنَّ رحيلَ رمضانَ يذكرُنَا بمضيِّ آجالِنَا، وانقضاءِ أعمارِنَا.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 28 مارس 2025 بعنوان: زكاة الفطر ودورها في التكافل المجتمعي ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي: 

 

خطبة بعنوان: «زكاةُ الفطرِ، ودورُهَا في التكافلِ المجتمعِي»

بتاريخ 28 رمضان 1446 هـ = الموافق 28 مارس 2025 م

 

الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ، أمَّا بعدُ ،،

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 28 مارس : زكاة الفطر ودورها في التكافل المجتمعي ، للدكتور محروس حفظي

(1) حثُّ الإسلامِ على تعجيلِ الزكاةِ، وبذلِ الصدقةِ:

إنَّ الزكاةَ أحدُ أركانِ الإسلامِ الخمس، وأهمُّ الركائزِ الاجتماعيةِ التي تعملُ على صقلِ المجتمعاتِ والشعوبِ، وبناءِ الدولِ والأوطانِ، ولذا تجدُ السياقَ القرآنِيَّ دائماً ما يقرنُهَا في الحديثِ عن الصلاةِ في عشراتِ المواضعِ كقولِهِ: ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾، وهي فريضةٌ محكمةٌ فرضَهَا اللهُ على الشرائعِ السابقةِ، وذكرهَا في وصاياهُ إلى رسلِهِ وأنبيائِهِ، يقولُ حكايةً عن إبراهيمَ وإسحقَ ويعقوب: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾، وامتدحَ بهَا إسماعيلَ فقالَ: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾، وقالَ على لسانِ عيسَى عَلَيْهمُ السَّلَامُ: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾، والزكاةُ ليستْ تبرعاً أو تفضلاً مِن الغنِيِّ على الفقيرِ، إنَّمَا هي حقُّ اللهِ في أموالِ الأغنياءِ كما أخبرَ نبيُّنَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ حينمَا بعثَهُ إلى اليمنِ: «فَإِنْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ» (البخاري)، وقد توعدَ الإسلامُ مَن يمنعُ زكاةَ مالِهِ أو يبخلُ على الناسِ بصدقتِهِ بوعيدينِ: أحدُهُمَا: ماديُّ: يتمثلُ في محقِ البركةِ مِن المالِ والعُمُرِ والولدِ، لكن مَن يبذلُ مالَهُ على الخلقِ لهُ الأجرُ العظيمُ، والثناءُ الجميلُ، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾، وثانيهُمَا: معنويٌّ يتجسدُ في استحقاقِهِ النارَ يومَ القيامةِ، قال تعالى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ .

إنَّ الشارعَ الحكيمَ كي يحثَّ المسلمَ على إخراجِ فريضةِ الزكاةِ ويرغبَهُ في إعطاءِ الصدقاتِ – غالباً-  ما يسوقُ البشاراتِ؛ ليرغبَ النفسَ التي جُبِلَتْ على حُبِّ المالِ واكتنازِهِ، فتارةً يخبرُ عن مضاعفةِ أجرِ الصدقةِ، ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ﴾، وتارةً عن الإخبارِ عن تعويضِ المنفقِ بمَا هو خيرٌ منهُ، ﴿وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلَا يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا طَّيِّبٌ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ» (البخاري).

كما استعملَ القرآنُ الكريمُ أسلوبَ الترهيبِ لِمَن منعَ زكاةَ مالِهِ، فصارَ عبداً لهُ، فبيّنَ اللهُ أنَّ مالَهُ سيكونُ وبالاً عليهِ فقال: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾، ألَا فليسارعْ المسلمُ إلى دفعِ الزكاةِ، وبذلِ الصدقاتِ قبلَ أنْ يفوتَ الأوانُ، وقبلَ أنْ يندمَ، ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾، وهنا تعبيرٌ لطيفٌ، إذ الميتُ يتمنَّى الرجوعَ قائلاً: “فَأَصَّدَّقَ” دونَ غيرِهَا مِن العباداتِ؛ لِمَا رأَى مِن ثوابِ الصدقةِ هنالكَ في قبرِهِ، فخذْ بيدِكَ وداومْ على الصدقةِ، وبذلِ المنفعةِ للآخرينَ لتلحق بركبِ الصالحينَ، ولتنظر إلى حالِكَ لترى مِن أيِّ الفريقينِ، وإلى أين يأخذُكَ عملُكَ وغرسُكَ، ولا أعظمَ مِن طريقِ المنفقِينَ المتوكلِينَ على ربِّ العالمين، الواثقِينَ بمَا عندَهُ، ﴿رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾.

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 28 مارس : زكاة الفطر ودورها في التكافل المجتمعي ، للدكتور محروس حفظي

(2) مِن مقاصدِ الزكاةِ في الإسلامِ:

 فرضَ اللهُ العباداتِ في الإسلامِ، وجعلَ لهَا مقاصدَ ساميةً، وأهدافَ عاليةً، ومِن أهمِّ مقاصدِ الزكاةِ في الإسلامِ على جهةِ العمومِ:

أولاً: تطهيرُ النفسِ مِن الأمراضِ القلبيةِ كالشُّحِّ والكِبرِ والرياءِ: مِن أعظمِ مقاصدِ الزكاةِ في الإسلامِ تطهيرُ النفسِ مِن الشُّحِّ وتحريرهَا مٍن عُبوديَّةِ المالِ، وهذانِ مَرضانِ مِن أَخطرِ الأمراضِ النَّفسيةِ التي يَنحطُّ معهَا الإنسانَ، ويشقَى ويضلُّ ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِه فأولئك هُمُ المُفلِحُون﴾، فهي تطهرُ المُعطِي والمنفق، وتذهبُ عن الآخذِ أيضاً داءَ الحَسدِ والبَغضاءِ؛ لأنَّ المحتاجَ حين يرى مَن حولَهُ يمرحُ ويرتعُ في النعيمِ ولا يَمدُّ لهُ يَدَ العونِ والمساعدةِ فإنَّهُ قلّمَا يَسلمُ قلبهُ مِن الحقدِ عليهِ وعلى المجتمعِ كلِّهِ، قالَ تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾، وكما أنَّ الصدقةَ تطهرُ القلبَ، فإنّهَا تُشفِي البدنَ العليلَ أيضاً لِمَن أخلصَ فيهَا للهِ ربِّ العالمين، فعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:«حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَدَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَأَعِدُّوا لِلْبَلَاءِ الدُّعَاءَ» (سنده ضعيف)، وتقرأُ في كتبِ الصالحينَ، وَقد جرَّبَ ذَلِكَ الموفقونَ مِن أهلِ اللهِ فوجدُوا الْأَدْوِيَةَ الروحانيةَ تفعلُ مَا لَا تَفْعَلُهُ الحسيةُ، بل الواقعُ يرشدُكَ ويدلُّكَ كمْ مِن أمراضٍ مستعصيةٍ عجزَ الأطباءُ عن علاجِهَا، فكانت الصدقةُ باباً في شفائِهَا ومداواتِهَا، فصححْ النيةَ في صدقتِكَ، يُستجابُ لكَ في دعائِكَ، فعلى النيةِ مدارُ قبولِ العملِ أو ردِّهِ، بل أحياناً تكونُ نيةُ العبدِ خيرٌ مِن عملِهِ، ولذا أخبرَ اللهُ في كتابِهِ عن حالِ مَن ينفقُ مالَهُ رياءً وسمعةً لا حسبةً للهِ، فقالَ: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ﴾، فمثلُ هذا في انكشافِ أمرهِ وعدمِ انتفاعهِ بما ينفقهُ رياءً، وحبًّا للظهورِ، والتقاطَ الصورةِ كمثلِ حجرٍ أملسٍ لا ينبتُ شيئاً، عليهِ قليلٌ مِن الترابِ الذي سرعانَ ما ينزلُ المطرُ عليهِ فيزيلُهُ، فتنكشفُ حقيقتُهُ، وكذا المنافقُ المرائِي في إنفاقِهِ يتظاهرُ بمظهرِ السخاءِ أمامَ الناسِ ثم لا يلبثُ أنْ ينكشفَ أمرُهُ؛ لأنَّ ثوبَ الرياءِ يشفُّ دائماً عمَّا تحتَهُ، وإنْ لم يكشفْهُ، فإنَّ اللهَ كاشفُهُ لا محالةَ.

ثانياً: تحقيقُ مبدأِ التكاتفِ والتواصلِ بين أفرادِ المجتمعِ: لقد بيّنَ رسولُنَا حالَ المجتمعِ عندمَا يمنعُ حقَّ المالِ والزكاةِ، فعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :«مَا مَنَعَ قَوْمٌ الزَّكَاةَ إِلَّا ابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِالسِّنِينَ» (الطَّبَرَانِي، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ)، فانظرْ كيفَ يكونُ حالُ الأممِ عندمَا تأكلُ حقَّ المحتاجين، وفي هذا تنبيهٌ على أنَّ للزكاةِ دورًا مهمًا في تَنشيطِ الحركةِ الاقتصاديةِ داخلَ المجتمعاتِ، وليس كما يعتقدُ البعضُ مِن أنّهَا تسنفذُ الثروات، وتقضِي على الممتلكات، فالإسلامُ لا يريدُ مِن أتباعِهِ أنْ يعيشُوا في دائرةٍ منغلقةٍ على أنفسِهِم متغافلينَ لواجبِهِم تجاهَ الآخرينَ مِن المعوزين، ولذا مَن يفعلُ ذلكَ معرضٌ لسخطِ أحكمِ الحاكمين، واستمعْ إلى هذا المشهدِ القرآنِي- الذي يجعلُ الولدانَ شيباً- حيثُ جاءَ على لسانِ المتقين- على سبيلِ التحسيرِ لهؤلاءِ المجرمين-﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ﴾، فها هُم قد اعترفُوا وأقرُّوا بأنَّ الإلقاءَ بهِم في جهنَّم إنّمَا كان بسببِ عدمِ إطعامِ الجائعِ، وتركِ كسوتِهِ، ورعايةِ حالِهِ، بل يزيدُ اللهُ الأمرَ إيضاحاً فيجعلُ في رقبةِ كلِّ موحدٍ بهِ حقًّا للمسكينِ أنْ يحضَّ غيرَهُ على إطعامِهِ والاهتمامِ بهِ، ويجعلُ تركَ هذا الحضِّ مِن لوازمِ التكذيبِ بيومِ الوعيدِ ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ﴾.

إنَّ تفعيلَ دورِ الزكاةِ والصدقاتِ يحققُ التكافلَ الاجتماعِي، ويقضِي على المشاكلِ الاقتصاديةِ والرذائلِ الإنسانيةِ، إذ يشعرُ كلُّ فردٍ أنَّ لهُ حقوقاً وعليهِ واجبات، فينشأُ الأمنُ والأمانُ، وينتشرُ الرخاءُ والتقدمُ، ويحيَا الناسُ حياةً طيبةً، ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، وعَنِ النُّعْمَانِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» (مسلم)، ولذا عندمَا يحدثُ خللٌ في فريضةِ الزكاةِ ينعدمُ التوازنُ داخلَ المجتمعاتِ، وصدقَ ﷺ حيثُ قالَ: «إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ بِقَدْرِ الَّذِي يَسَعُ فُقَرَاءَهُمْ، وَلَنْ يُجْهَدَ الْفُقَرَاءُ إِذَا جَاعُوا وَعَرَوْا إِلَّا بِمَا يُضَيِّعُ أَغْنِيَاؤُهُمْ» (الطَّبَرَانِيُّ، تَفَرَّدَ بِهِ ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزاهد، وهو مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ وُثِّقُوا)، وعندئذٍ يأتِي العقابُ الإلهيُّ لهذا الممتنعِ عن أداءِ زكاتِهِ، وصدقَ ﷺ حيثُ قال: «يا مَعْشَرَ المهاجرينَ خِصالٌ خَمْسٌ إذا ابتُلِيتُمْ بهِنَّ، وأعوذُ باللهِ أن تُدْرِكُوهُنَّ: …، ولم يَمْنَعُوا زكاةَ أموالِهم إلا مُنِعُوا القَطْرَ من السماءِ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَرُوا» (ابن ماجه).

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 28 مارس : زكاة الفطر ودورها في التكافل المجتمعي ، للدكتور محروس حفظي

(3) صدقةُ الفطرِ غاياتٌ وأحكامٌ:

صدقةُ الفطرِ تذكرُ العبدَ بمسؤوليتِهِ في الإنفاقِ؛ لأنَّ هذه الصدقةَ عنكَ وعمَّن تلزمُكَ نفقتهُم مِن أهلِ بيتِكَ، فتذكرُكَ أنّكَ مسؤولٌ عن الزوجةِ، والأولادِ ذكوراً وإناثاً، طالمَا تملكُ قوتاً زائداً عن حاجتِكَ، وقوتِ عيالِكَ يومَ العيدِ وليلتَهُ، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:«فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ» (البخاري).

وإذا رجعنَا إلى الحكمةِ مِن صدقةِ الفطرِ ظهرَ لنَا أنَّ للشرعِ فيهَا مقصدانِ أساسيانِ:

الأولُ: طهرةٌ للصائمِ، فالشرعُ يحرصُ على تطهيرِ الصائمينَ مِن الذنوبِ وأنْ يرقعُوا ما انخرقَ مِن صيامِهِم، فصدقةُ الفطرِ كسجدتَي السهوِ للصلاةِ، تكملانِ ما نقصَ، وما أكثرَ ما يقعُ مِن الخللِ مِن قبلِنَا، إذن طهرةٌ للصائمِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ» (أبو داود).

الثاني: طعمةٌ للمساكين؛ لأنَّ يومَ العيدِ يومُ فرحٍ، ولا يريدُ الشارعُ الحكيمُ أنْ يوجدَ بينَ المسلمينَ مَن يمدُّ يدَهُ، ولا مَن هو جائعٌ، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَقَالَ: «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ» (الدراقطني).

وأمّا مقدارُ زكاةِ الفطرِ: فصاعٌ مِن غالبِ قوتِ البلدِ الذي يأكلُهُ الناسُ، فعن أبي سَعِيدٍ قال: «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ» (متفق عليه)، ووزنُهُ فيمَا قدرَهُ العلماءُ هو ما بينَ اثنينِ كيلو ونصف، إلى ثلاثةِ كيلُو تقريبًا، ويُستحبُّ إخراجُهَا قبلَ صلاةِ العيدِ؛ لأنَّ النبيَّ أمرَ بهَا أنْ تُؤدَّى قبلَ خروجِ الناسِ إلى الصلاةِ كما في حديثِ ابنِ عمرَ وفيهِ: “وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ” (مسلم)، ولا يجوزُ تأخيرُهَا إلى ما بعدَ صلاةِ العيدِ، فمَن أخَّرَهَا بدونِ عذرٍ عليهِ أنْ يخرجَهَا على الفورِ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ» (أبو داود).

أخي الحبيب: ويجوزُ إخراجُ قيمتِهَا نقدًا، إذ الراجحُ عندَ الجمهورِ أنَّه يجوزُ أخذُ القيمةِ في زكاةِ الفطرِ قياسًا على جوازِ أخذِ القيمةِ في الزكاةِ عمومًا كحَدِيثِ مُعَاذ حِينَ قَالَ لأهل الْيَمَن: «ائْتُونِي بِخَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ آخُذُهُ مِنْكُمْ مَكَانَ الذرة والشعير؛ فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ، وَأَنْفَعُ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ»، وكان يأتي بهِ رَسُولَ اللَّهِ ولا يُنكَرُ عليهِ، وَقد عَنْوَنَ الإمامُ البخاريُّ في صحيحِهِ قائلًا: باب: “العرضُ في الزَّكاةِ”، وذكَرَ الأثرَ السَّابقَ، واحتجاجُ البخاريُّ بهذا دليلٌ علىٰ قوَّةِ الخبرِ عندَهُ كما أفادَ بذلكَ ابنُ حجرٍ في فتحِ الباري .

 كما أنَّ هذا يتفقُ مع مقصدِ الشريعةِ في التيسيرِ على الناسِ خاصةً مَن يعيشونَ في المُدنِ، وأنفعُ للفقيرِ، فبالمالِ يشترِي ما يريدُ مِن اللباسِ والطعامِ والدواءِ وغيرِهِ مِن ضرورياتِ الحياةِ؛ ولأنَّ المقصودَ هو دفعُ الحاجةِ عن المسكينِ كما أخبرَ بذلك المعصومُ ﷺ، ولا يختلفُ ذلك بالقيمةِ أو غيرِهَا، وإلى هذا ذهبَ الإمامُ أبو حنيفة، وجَمْعٌ مِن الصَّحابة كسيِّدِنَا عليٍّ، وابنِ عباسٍ، وابنِ عمرَ، وابنِ مسعودٍ، والبراءِ بنِ عازبٍ، ومعاذِ بنِ جبلٍ، وعطاءِ بنِ أبي رباحٍ، ومعاويةَ رضي اللهٌ عنهم .

ومِن التابعين: عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ، والحسنُ البصري، والنَّخعِيُّ، والثَّورِيُّ، والأوزاعِي، واللَّيثُ بن سعدٍ، والإمامُ البخاري، وطاووسُ، ومجاهدٌ، وسعيدُ بنُ المسيبِ، وعروةُ بنُ الزبيرِ، والرَّمليُّ -وهو مِن فقهاءِ الشَّافعيَّةِ-، قال بجوازِ تقليدِ الإمامِ أبي حنيفةَ في جوازِ إخراجهَا دراهمَ لمَن سألَهُ عن ذلك، وبعضُ فقهاءِ المالكيَّةِ، وإسحاقُ بنُ راهويه، وأبو ثورٍ، وإحدى الرِّواياتِ عن الإمامِ أحمد – التقييدُ بالحاجةِ والضَّرورةِ – .

فالخلاصة: لا إنكارَ فيما يُختلفُ فيهِ؛ لأنَّ المسلمَ في سعةٍ مِن أمرهِ، فيجوزُ لهُ أنْ يأخذَ بما شاءَ طالمَا يتبعُ مذهبًا فقهيًّا معتبرًا، وفي نفسِ الوقتِ لا ينكرُ على مَن خالفَهُ في المذهبِ.

 وقد قُدرَت زكاةُ الفطرِ هذا العام ب “خمسةٍ وثلاثينَ” جنيهاً عن الفردِ الواحدِ، فمَن زادَ فاللهُ ذو الفضلِ العظيمِ، ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ﴾، وعن أَبي كَبْشَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ: مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ، …» (الترمذي وحسنه).

العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة 28 مارس : زكاة الفطر ودورها في التكافل المجتمعي ، للدكتور محروس حفظي

(4) علينَا أنْ نعيَ أنَّ رحيلَ رمضانَ يذكرُنَا بمضيِ آجالِنَا، وانقضاءِ أعمارِنَا:

ها هو رمضانُ قد أزفَ على الرحيلِ الذي كُنَّا بالأمسِ القريبِ ننتظرُهُ بالشوقِ؛ لأنّهُ شهرٌ يحملُ بينَ طياتِهِ الرحمةَ والمغفرةَ والعتقَ مِن النارِ، ويعظمُ فيهِ التكافلُ والتراحمُ وها نحنُ بعدَ أيامٍ قلائلَ نودعُهُ، فما أسرع مرورَ الليالِي والأيامِ، وهكذا ينقضِي عمرُ الإنسانِ، وتطوَى صحيفةُ أعمالِهِ، ويُقبلُ على ربِّهِ، وتلك سننٌ لا تتغيرُ، ونواميسٌ لا تتدبلُ، وفي ذلك عبرةٌ للمعتبرين، وعِظَةٌ للمتعظين، قالَ عزَّ وجلَّ: ﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾، ولذا عدًّ نبيُّنَا تقاربَ الزمانِ مِن علاماتِ الساعةِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، فَتَكُونُ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَيَكُونُ الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَتَكُونُ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَيَكُونُ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونُ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ أَوِ الْخُوصَةِ» (ابن حبان) .

أوشكَ رمضانُ على الانتهاءِ وقد أحسنَ فيه أناسٌ وأساءَ آخرون، وهو شاهدٌ للمشمرينَ بقيامِهِم وإحسانِهِم، وعلى المقصرينَ بإعراضِهِم وشُحِّهِم وعصيانِهِم، ولا ندرِي هل سندركُهُ مرةً أُخرى، أم يحولُ بينَنَا وبينَهُ انقضاءُ الأجلِ، وقد حذّرَ رسولُنَا مِن أنْ نخرجَ مِن رمضانَ ولم تدركْنَا رحمةُ اللهِ بسببِ إعراضِنَا عن اللهِ وإسرافِنَا في حقِّ أنفسِنَا بالمعاصي والذنوبِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: «آمِينَ آمِينَ آمِينَ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ حِينَ صَعِدْتَ الْمِنْبَرَ قُلْتَ: آمِينَ آمِينَ آمِينَ، قَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، وَمَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَبَرَّهُمَا، فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، وَمَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ» (أبو يعلى، وسنده حسن)، وهذا سيدُنَا عليٌّ – رضي اللهُ عنه – كان يُنادِي في آخرِ ليلةٍ مِن رمضانَ: «يا ليتَ شعري، مَن المقبولُ فنُهنِّيه، ومَن المحرومُ فنعزِّيه»، نعم واللهِ، يا ليتَ شعرِي، مَن المقبولُ منًّا فنُهَنِّئَهُ بحسنِ عملهِ، ومَن المطرودُ منَّا، فنعزِّيه بسوءِ عملِهِ، وللهِ درُّ القائلِ:

            يَا عَيْنُ جُودِي بِالدُّمُوعِ وَوَدِّعِي … شَهْرَ الصِّيَامِ وَجَدِّدِي الْأَحْزَانَا

                قَدْ كَانَ شَهْرًا طَيِّبًا وَمُبَارَكًا … وَمُبَشِّرًا بِالعَفْوِ مِنْ مَوْلاَنَا

إنَّ المقصرَ ما زالتْ الفرصةُ سانحةٌ أمامَهُ فلا يدرِي فقد يوفقهُ اللهُ فيما بقِي ليكونَ مِن أهلِ العتقِ والمغفرةِ؛ إذ العبرةُ بالخواتيمِ كما أخبرَ الصادقُ المعصومُ فعن سَهْلٍ قَالَ النَّبِيُّ : «إِنَّ العَبْدَ لَيَعْمَلُ، فِيمَا يَرَى النَّاسُ، عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ، عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا» (البخاري) .

أمَّا المحسنُ فلا يغترُّ بطاعتهِ وعبادتهِ؛ إذ ما يقدمهُ العبدُ مِن الطاعةِ والعبادةِ لا يُساوي نعمةً مِن نعمِ اللهِ تعالى عليه، فعن عائشةَ أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: «سددُوا وقاربُوا، واعلمُوا أنه لن يُدخلَ أحدَكُم عملُه الجنةَ، وأّنّ أحبَّ الأعمالِ إلى اللهِ أدومُهَا وإنْ قلَّ» (البخاري) وقد نهَى نبيُّنَا عن العجبِ والتفاخرِ بالعبادةِ فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: إِنِّي صُمْتُ رَمَضَانَ كُلَّهُ وَقُمْتُهُ»، قَالَ: فَلَا أَدْرِي أَكَرِهَ التَّزْكِيَةَ، أَمْ قَالَ: «لَا بُدَّ مِنْ رَقْدَةٍ أَوْ غَفَلَةٍ» (ابن حبان) .

فحالُ المسلمِ دومًا بينَ الخوفِ والرجاءِ، يرجُو رحمةَ ربِّهِ، ويخافُ ألا يُقبلَ عملهُ فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ أَهُوَ الَّذِي يَزْنِي، وَيَسْرِقُ، وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ؟ قَالَ: «لَا، يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ أَوْ يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُ، وَيُصَلِّي، وَهُوَ يَخَافُ أَنْ لَا يُتَقَبَّلَ مِنْهُ» (ابن ماجه بسند حسن).

يا مَن ستودِّعُ رمضانَ، تفكرْ أنَّك ستودِّعُ الحياةَ ومَن فيها وما عليهَا مِن المالِ والأهلِ والولدِ، فكيف أنتَ مقبلٌ على ربِّكَ ؟ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، قَالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ: أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا، وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا، أُولَئِكَ الْأَكْيَاسُ» (ابن ماجه بسند حسن)، وصدقَ القائلُ:

              إنَّا لنفرحُ بالأيامِ نقطعُهَا … وكلُّ يومٍ مضَي يُدنِي مِن الأجلِ

          فاعملْ لنفسِكَ قبلَ الموتِ … مجتهدًا فإنَّما الربحُ والخسرانُ في العملِ

اللهُمَّ إنَّا نسألُكَ أنْ تحفظَ دينَنَا الذي هو عصمةُ أمرِنَا، ودنيانَا التي فيهَا معاشُنَا، وآخرتَنَا التي إليها مردُّنَا، وأنْ تجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.

 

كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان

د / محروس رمضان حفظي عبد العال

مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »