خطبة الجمعة القادمة 23 أغسطس : المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 23 أغسطس 2024 م بعنوان : المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 19 صفر 1446هـ ، الموافق 23 أغسطس 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 23 أغسطس 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ .
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 23 أغسطس 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 23 أغسطس 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة 23 أغسطس 2024 م بعنوان : المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، للدكتور محروس حفظي :
(1) حث الإسلام المؤمن على التحلي بالقوة .
(2) مواطن ينبغي أن يتحلى فيها المؤمن بالقوة والجلد .
(3) وجوب الإعداد الجيد والتخطيط المسبق بما يلائم العصر الحديث .
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 23 أغسطس 2024 م بعنوان : المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
«الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ»
بتاريخ 19 صفر 1445 هـ = الموافق 23 أغسطس 2024 م
الحمد لله حمداً يوافي نعمه، ويكافىء مزيده، لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك، ولعظيم سلطانك، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أما بعد ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 23 أغسطس : المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ
(1) حث الإسلام المؤمن على التحلي بالقوة:
حث النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمته على العمل والمسارعة إلى الخيرات والبعد عن العجز والتكاسل فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» (مسلم)، إنه حديث عظيم من كلامه صلى الله عليه وسلم يرسم فيه جانباً من منهاج القوة، وحرص المؤمن على ما ينفع، واقتران ذلك بالبعد عن العجز مع صدق التوكل، والرضا بما يجري به القضاء ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ .
يقول الإمام النووي: (والمراد بالقوة هنا عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداماً على العدو في الجهاد وأسرع خروجاً إليه، وذهاباً في طلبه، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر والصبر على الأذى في كل ذلك، واحتمال المشاق في ذات الله، وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات، وأنشط طلباً لها ومحافظة عليها ونحو ذلك) أ.ه.
إن صدق الإيمان تضفي على صاحبها قوة تظهر في أعماله كلِّها، فإذا تكلم كان واثقاً، وإذا عمل كان ثابتاً، وإذا جادل كان واضحاً، وإذا فكر كان مطمئناً، لا يعرف التردد ولا تميله الرياح، يأخذ تعاليم دينه بقوة لا وهن معها قال سبحانه: ﴿خُذُواْ مَا ءاتَيْنَـاكُم بِقُوَّةٍ﴾، وقال أيضاً: ﴿يا يَحْيَى خُذِ الْكِتَـابَ بِقُوَّةٍ﴾، وقال تعالى: ﴿فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا﴾ إنه أخذٌ بعزيمة لا رخاوة معها، لا قبول لأنصاف الحلول، ولا هزال ولا استهزاء، هذا هو عهد الله مع أنبيائه والمؤمنين، جدٌ وحقٌ، وصراحةٌ وصرامةٌ، هذا جانب من القوة في رجل الإيمان، وجانبٌ آخر يتمثل في ثبات الخطى. حين يكون المؤمن مستنير الدرب، يعاشر الناس على بصيرة من أمره، إذا رآهم على الحق أعانهم، وإن رآهم على الخطأ جانبهم، ونأى بنفسه عن مسايرتهم، متمثلاً التوجيه النبوي فعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا”(الترمذي وحسنه).
إنه توطين للنفس، وقسرٌ لها على المسار الصحيح، وإذا أردت أن تمتحن قوة الرجل في هذا فأستخبره، والعبد إذا عَرَضَ له أمر فإنْ فعل ما فيه رضى الله وغضبُ الناس رضي الله عنه، ودفع عنه شر الناس، وإن فعل ما فيه رضى الناسِ وغضبُ الله وَكَلَه الله إلى الناس، وسلَّطهم عليه حتى يؤذوه ويظلموا عليه أو يهلكوه، ولم يدفع عنه شرَّهم فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ سَخَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ» (ابن حبان) .
ويقترن بذلك نوعٌ من القوة آخر إنه القوة في ضبط النفس والتحكم في الإرادة التي تنشأ من كمال السجايا وحميد الخصال كعزة النفس، والتعفف، وعلوِّ الهمة، وإنك لترى فقيراً قليل ذات اليد ولكنه ذو إرادةٍ قويةٍ، ونفسٍ عازمةٍ، شريف الطبع، نزيه المسلك، بعيدٌ عن الطمع والتذلل، إنها قوة آخذة بصاحبها بالسير في مسالك الطهر، ودروب النزاهة، والاستقامة على الجادة أما الرجلُ الخربُ الذمةِ، الساقط المروءةِ فلا قوة له ولو لبس جلود السباع، ومشى في ركاب الأقوياء، وقد قال هودٌ عليه السلام لقومه آمراً لهم بالاستغفار، والبعد عن مزالق الخاطئين: ﴿وَياقَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُمْ مّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ﴾ وابن آدم إذا انحرف؛ فقد يتعرض للعنة أهل الأرض والسماء، ويكون في ضعفه وحقارته أقل من الذر والهباء، كما أن البلاء الذي يتعرض له العبد في الحياة يكون على قدر قوة تحمله له فعن سَعْدٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ:«الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ مِنَ النَّاسِ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلابَةٌ زِيدَ فِي بَلائِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ، وَمَا يَزَالُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ لَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» (أحمد) .
إن المرء مكلف بتعبئة قواه وطاقاته؛ لمغالبة مشكلاته إلى أن تنزاح عن طريقه، فإذا استطاع تذليلها فذلك هو المراد وما وراء ذلك فيكله إلى ربه ومولاه، أما التردد والاستسلام للهواجس، وتغليب جوانب الريب والتوجس، فهذا مجانب للقوة، وصدق العزيمة، فالقوة في الجزم، والحزم والأخذ بكل العزم، ولهذا كان من أعظم المصائب الهدامة العجز، والكسل، والجبن، والبخل، إنها صورٌ من صور الضعف والخور، وقد استعاذ منها جميعاً نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم في دعاءٍ فعن أَنَس بْن مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالجُبْنِ وَالبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ» (البخاري)، إنها كلها تصب في مصاب الضعف، والانهزام النفسي والعملي .
ولا ينبغي أن ننسى الاهتمام بالقوة الجسدية؛ فبها تؤدى العبادات وتتحقق الواجبات؛ لأن الإنسان المريض يكون ضعيفاً ولا يستطيع القيام بأمور الحياة على الوجه المطلوب، وأما الإنسان القوي فإنه يقوم بمهامه خير قيام، ولهذا امتدح الله ورسوله القوة، فقد جاء على لسان ابنة شعيب عن موسى عليه السلام قولها: ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ﴾، وكما قال الله عن طالوت: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ .
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 23 أغسطس : المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ
(2) مواطن ينبغي أن يتحلى فيها المؤمن بالقوة والجلد:
هنالك مواطن ينبغي أن يتحلى العبد فيه بالقوة أكثر من غيرها، ومن هذه المواطن:
أولاً: البعد عما حرم الله تعالى: كرَّم الله الإنسان وفضَّله على سائر المخلوقات وأنعم عليه بنعمة العقل وجعله مناطًا للتكليف؛ إذ إن به يمكن الإدراك والتمييز بين النافع والضار والحسن والقبيح والخير والشر، وقد جعل الإسلام حفظ العقل من مقاصد الشريعة الإسلامية التي أطلق عليها الفقهاء “الضرورات الخمس”، وإذا كان حفظ العقل وسلامته من بين هذه الضرورات فقد حرَّم الإسلام الموبقات والمفسدات وكل ما يُذْهِبُ العقل أو يفسده من مطعوم أو مشروب، وفي مقدمة المفسدات المهلكات كالمسكرات والتدخين وغيرها لما لها من آثار وأضرار جسيمة أدبية ومادية؛ إذ هي تؤدي إلى زوال العقل وإفساد الإنسانية للشارب، وإهدار آدميته وكرامته، كما تفسد علاقته بأهله وأقاربه ومجتمعه، وتحطُّ من شأنه وتقضي على حيويته، وتصيب الجسم بالعلل؛ لذا ينبغي على المؤمن أن يكون قوياً حينما تعرض عليه هذه المفسدات، وعليه أن يجاهد نفسه في البعد عنها واجتنابها قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾، وقال أيضاً:﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (ابن ماجه) .
ثانياً: عند استقبال أقدار الله تعالى: المؤمن القوي يتقبل ما يقضي به الله من غير تردُّد ولا معارضة، وكيف لا نرضى ونحن نوقن أن الله هو “الرحمن”، أرحم بعباده من الأم بولدها؟! كيف لا نرضى ونحن نعتقد أن الله هو “العليم”، يعلم ما يصلح عبده وما يضره، والعبد جاهل لا يرى إلا تحت قدميه؟! كيف لا نرضى ونحن نؤمن أن الله هو “اللطيف”، يَبتلي عباده بالمصائب؛ ليُطهرهم من الذنوب والمعائب؟! كيف لا نرضى ونحن نوقن أن الله هو “الودود”، يتودَّد إلى عباده بنِعمة اللامحدودة عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا» (مسلم) .
إن العبد القوي الذي يرضى بقضاء الله وقدره، فإن الله يملأ قلبه سعادة وسرورًا ورضًا، أما الذي يتسخط ويعترض، وينظر إلى غيره، فإنه يعيش في شقاء لا يعلمه إلا الله عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ»؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّ خَمْسًا وَقَالَ: «اتَّقِ المَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَلَا تُكْثِرِ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ القَلْبَ» (أحمد) .
مَن استقرت هذه المعاني في قلبه، امتلأ قلبه رضًا عن الله ويقينِه، فصاحب الإيمان بالقدر يعيش عيشة هنيئة، ويحيا حياة كريمة طيبة؛ لأنه يعلم علم اليقين أنه لن يصيبه إلا ما قدره الله له، ولن يُخطئه إلا ما قدره الله له، أما استعادة الأحزان والتحسر على ما فات، والتعلق بالماضي وتكرار التمني، والتحسر في المصائب، فليس من خلق المؤمن القوي فإن لو تفتح عمل الشيطان، وما عمله إلا الهواجس والوسواس، فلا التفات إلى الماضي إلا بقدر ما ينفع الحاضر، ويفيد المستقبل .
تابع / خطبة الجمعة القادمة 23 أغسطس : المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ
ثالثاً: عند استحواذ الغضب عليه: إن مجاهدة النفس أشد من مجاهدة العدو لأنه صلى الله عليه وسلم جعل الذي يملك نفسه عند الغضب أعظم الناس قوة، وإذا ملك نفسه عند حصوله كان قد قهر أقوى أعدائه فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ» (متفق عليه) .
وقد كانت وصية النبي صلى الله عليه وسلم الجامعة في النهي عن الغضب فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِنِي، قَالَ: «لاَ تَغْضَبْ» فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: «لاَ تَغْضَبْ» (البخاري).
يقول الإمام ابن حجر: (قال بعض العلماء خلق الله الغضب من النار، وجعله غريزة في الإنسان، فمهما قصد أو نوزع في غرض ما اشتعلت نار الغضب وثارت حتى يحمر الوجه والعينان من الدم؛ لأن البشرة تحكي لون ما وراءها وهذا إذا غضب على من دونه واستشعر القدرة عليه، وإن كان ممن فوقه تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب، فيصفر اللون حزناً، وإن كان على النظير تردد الدم بين انقباض وانبساط فيحمر ويصفر، ويترتب على الغضب تغير الظاهر والباطن كتغير اللون والرعدة في الأطراف، وخروج الأفعال عن غير ترتيب واستحالة الخلقة حتى لو رأى الغضبان نفسه في حال غضبه لكان غضبه حياء من قبح صورته، واستحالة خلقته هذا كله في الظاهر، وأما الباطن فقبحه أشد من الظاهر؛ لأنه يولد الحقد في القلب والحسد، وإضمار السوء على اختلاف أنواعه بل أولى شيء يقبح منه باطنه وتغير ظاهره ثمرة تغير باطنه وهذا كله أثره في الجسد، وأما أثره في اللسان فانطلاقه بالشتم والفحش الذي يستحي منه العاقل، ويندم قائله عند سكون الغضب، ويظهر أثر الغضب أيضاً في الفعل بالضرب أو القتل، وإن فات ذلك بهرب المغضوب عليه رجع إلى نفسه فيمزق ثوب نفسه، ويلطم خده، وربما سقط صريعاً، وربما أغمي عليه وربما كسر الآنية، وضرب من ليس له في ذلك جريمة ومن تأمل هذه المفاسد عرف مقدار ما اشتملت عليه هذه الكلمة اللطيفة من قوله صلى الله عليه وسلم: “لا تغضب” من الحكمة واستجلاب المصلحة في درء المفسدة مما يتعذر إحصاؤه والوقوف على نهايته وهذا كله في الغضب الدنيوي لا الغضب الديني) أ.ه.
رابعاً: عند انتشار الشائعات، والأخبار الكاذبة: المسلم اليقظ الفطن اللبيب يقف من تلك الشائعات إحدى الحسنيين: أحدها: موقف المتجاهل الذي لا يعبأ بما يقوله أو ينشره أهل الشر والمرجفون، ولذا حكم الله على هؤلاء بالطرد من رحمته إن لم ينتهوا فقال: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾، ولله در الإمام الشافعي حيث قال:
إِذا نَطَقَ السَفيهُ فَلا تَجِبهُ … فَخَيرٌ مِن إِجابَتِهِ السُكوتُ
فَإِن كَلَّمتَهُ فَرَّجتَ عَنهُ … وَإِن خَلَّيتَهُ كَمَداً يَموتُ
ثانيها: موقف المتثبت الناقد لما يسمع ويُبث ويذاع من الأخبار والأراجيف حسبما قال ربنا: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى مَا فَعَلْتُمْ نادِمِينَ﴾، فالله إذا أراد بعبد خيراً وفقه لمواصلة العمل والبناء والتنمية فلا يلتفت لما يقال هنا وهناك، أما من أراد خذلانه فيشغله بالجدل والمخاصمة يقول مَعْرُوف الْكَرْخِي: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرًا فَتَحَ لَهُ بَابَ عَمَلٍ، وَأَغْلَقَ عَنْهُ بَابَ الْجَدَلِ، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ شَرًّا فَتَحَ عَلَيْهِ بَابَ الْجَدَلِ، وَأَغْلَقَ عَنْهُ بَابَ الْعَمَلِ» (شعب الإيمان) .
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 23 أغسطس : المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ
(3) وجوب الإعداد الجيد والتخطيط المسبق بما يلائم العصر الحديث: أمرنا الله ب “الأخذ بالأسباب”؛ لأن الله أوجد الأشياء وهيء لها أسبابها، فمن أخذ بها مكنه الله قال سبحانه: ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا﴾، وسنن الله في الكون لا تحابي أحدًا على حساب أحد، وهذا من عدل الله جل جلاله، والمتأمل في القرآن يجد أن جل آياته تحثنا على الأخذ بالأسباب، وتأمرنا بالحركة لا بالسكون يقول ربنا: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا﴾، فهذا أمر بالمشي في مناكب الأرض، وقال أيضاً: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾، فهذا هو شأن المسلم عمل وبيع قبل الصلاة، وسعي وانتشار في الأرض بعد الصلاة كيلا تتوقف مسيرة الحياة، والملاحظ أن الله في الآيات الثلاث عبر ب “الفاء” التي تفيد الترتيب والتعقيب والسرعة فتنبه وافهم .
وفي مجال الحياة العسكرية يأمرنا بإعداد العدة فقال ربنا: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾، و”القوة” هنا عامة تشمل المادية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، والتعليمية …إلخ، ومن يتتبع سير الأنبياء يرى أنهم ما عطلوا الأسباب وما ركنوا إلى التواكل بل نجدهم رغم أن الله أيدهم بالمعجزات الخارقات إلا أنهم سارعوا إلى الأخذ بالأسباب، بهذا يكون ربنا قد أرشدنا إلى كيف كيف نحتفظ بالثبات وتلك القوة قبل النصر وبعده بأن يخطط ويدرس ويتعلم ولا يتوقف أبداً، وإذا كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد فسَّر “القُوة”﴿مِن قُوَّةٍ﴾ بما رواه عُقْبَة حيث قال:«سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم مِن قُوَّةٍ﴾ أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ» (مسلم) .
كما رغب صلى الله عليه وسلم أصحابه وأمرهم بالتدريب والتمرن على المعدات الحربية، وعلى تعلم طرق وأساليب القتال التي تلائم عصرهم، وتناسب إمكانيتهم آنذاك فعن سلَمَةَ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ارْمُوا، وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ» قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَدُ الفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ؟»، قَالُوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْمُوا فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ» (البخاري) لكن تفسيره صلى الله عليه وسلم لا يقف عند هذا الفهم فهو أطلق الرمي، ولم يعين ما يرمى به، وعليه يشمل كل ما يرمي به الأعداء من قذائف ودبابات وطائرات عابرة للقارات، فكل ما استحدث لا بد مِن توفر عنصر «القُوة» فيه، وليس الغرض من بيانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حصر مجالات «القوة» في آلة الرمي، ولا يعقل أن يقف النص عند هذا الجمود وإلا عم الضرر البلاد والعباد خاصة في هذا العصر الذي تطورت فيه الدول في مجال صناعة الأسلحة المختلفة بل تحرص كل منها على المسارعة والمسابقة في استحداث ما تتفوق به على نظيرتها، كما أن العلة من هذا الإعداد أشار إليها ربنا سبحانه بقوله:﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾، وهذه العلة موجودة في كل زمان ومكان، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، ولأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
يقول الشيخ/ مُحَمَّد رشيد: (يجب إِعْدَاد الْأُمَّة كُلَّ مَا تَسْتَطِيعُهُ مِنْ قُوَّةٍ لِقِتَالِ أَعْدَائِهَا، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ عَدَدُ الْمُقَاتِلَةِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ السِّلَاح، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ وَالْأَحْوَالِ، وَقَدْ كَثُرَتْ أَجْنَاسُهُ وَأَنْوَاعُهُ وَأَصْنَافُهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ، فَمِنْهُ الْبَرِّيُّ وَالْبَحْرِيُّ وَالْهَوَائِيُّ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الزَّادُ وَنِظَامُ سَوْقِ الْجَيْشِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ الْكَثِيرَةِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالْبَدَاهَةِ أَنَّ إِعْدَادَ الْمُسْتَطَاعِ مِنَ الْقُوَّةِ يَخْتَلِفُ امْتِثَالُ الْأَمْرِ الرَّبَّانِيِّ بِهِ بِاخْتِلَافِ دَرَجَاتِ الِاسْتِطَاعَةِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ بِحَسْبِهِ .
فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الْعَصْرِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ صُنْعُ الْمَدَافِعِ بِأَنْوَاعِهَا وَالْبَنَادِقِ وَالدَّبَّابَاتِ وَالطَّيَّارَاتِ وَإِنْشَاءُ السُّفُنِ الْحَرْبِيَّةِ بِأَنْوَاعِهَا، وَمِنْهَا الْغَوَّاصَاتُ الَّتِي تَغُوصُ فِي الْبَحْرِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ تَعَلُّمُ الْفُنُونِ وَالصِّنَاعَاتِ الَّتِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا صُنْعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَغَيْرِهَا مِنْ قُوَى الْحَرْبِ) أ.ه.
ومن يتتبع سير الأنبياء يرى أنهم ما عطلوا الأسباب وما ركنوا إلى التواكل بل نجدهم رغم أن الله – عز وجل- أيدهم بالمعجزات الخارقات إلا أنهم سارعوا إلى الأخذ بالأسباب فعن أَنَس قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ، أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ:«اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ» (الترمذي، وابن حبان)، ومن قلب صفحات الأوائل الأجلاء يجد أنهم كانوا في قمة الإيمان، وحسن التوكل على الخالق، والعلم بسنن الله الجارية؛ لذا لم يهملوا الأخذ بالأسباب وقت التحديات، وتربص الأعداء بهم من كل حدب وصوب، بهذا يكون قد علم الإسلام المسلم كيف يثبت وكيف يحتفظ بهذا الثبات وتلك القوة قبل النصر وبعده بأن يخطط ويدرس ويتعلم ولا يتوقف أبداً، وهذا رجل من الصالحين أعني: “ذو القرنين”، قد مكَّن الله له في الأرض غربها وشرقها، فنشر فيها السلام، وكان مثالاً في تفوق الصناعة؛ إذ تمكن من بناء سد من قطع الحديد، فحال به بين قبائل يأجوج ومأجوج، فكان سدًّا عظيمًا لم يشهد له التاريخ مثيلاً! قال تعالى: ﴿قَالَ مَا مَكَّنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا﴾ .
يقول مولانا الشيخ/ الشعراوي: (وهذا يدلنا على أن القوي يجب أن يعين الضعيف معونة لا تحوجه له مرة أخرى؛ لذلك يقال: لا تعط الجائع سمكة؛ ولكن علمه أن يصطاد السمك ليعتمد على نفسه بعد ذلك، وهذه هي المعونة الصحيحة، ولذلك نجد أن ذا القرنين رفض أن يأخذ مقابلاً لبناء الردم؛ لأن مهمة الأقوياء في الأرض من أصحاب الطاقة الإيمانية أن يمنعوا الظلم بلا مقابل حتى يعتدل ميزان الحياة؛ لأن الضعيف قد لا يملك ما يدفعه للقوي، ولو أن كل قَوِيٍّ أراد ثمناً لنصرة الضعيف لاختل ميزان الكون وطغى الناس، ولكن الأقوياء في عالمنا يريدون أن يظلموا بقوتهم؛ لذلك يختل ميزان الكون الذي نعيش فيه، ولننظر إلى تفويض الله لذي القرنين، وكيف أحسن الحكم بين الناس، وأقام العدل فيهم وكيف ترصد الظالمين) أ.ه.
تابع / خطبة الجمعة القادمة 23 أغسطس : المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ
أخي الحبيب: إن القوة لا تُطلب من الخلق، فالقوة الحقيقية تَحدُث عندما نصل الأرض بالسماء، والدنيا بالآخرة، وتتعلق القلوب بالقوى المتين، فقوة الله فوق كل شيء ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾، وقال تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾، وقال تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ .
إن الأمة اليوم أحوج ما تكون إلى زرع القوة في أفرادها دينًا وعلمًا وخلقًا، تحتاج الأمة اليوم إلى المؤمنين الأقوياء الذين يحملون في قلوبهم قوة نفسية، تحملهم على معالي الأمور، وتبعدهم عن سفسافها، قوة تجعل أحدهم كبيرًا في صغره، غنيًا في فقره، قويًا في ضعفه، قوة تحمله على أن يعطي قبل أن يأخذ، وأن يؤدي واجبه قبل أن يطلب حقه، يعرف واجبه تجاه خالقه، ونحو نفسه وبيته ووطنه، نريد أن يمتلئ المجتمع بالنفوس الأبية التي تتعالى على شهواتها، وتنتصر على رغباتها، وتتحول إلى نفوس مجندة لخدمة هذا الدين والوطن، وليس هذا فحسب بل نريد القوة المتكاملة قوة العقل وحدته بحيث ينطلق معتصمًا بالله متوكلاً عليه لا ينهزم في الحروب النفسية التي تدير رحاها دون سلاح فلا يعيش الإنسان عالة على مجتمعه .
نسأل الله أن يرزقنا حسن العمل، وفضل القبول، إنه أكرم مسؤول، وأعظم مأمول، وأن يجعل بلدنا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمناً أماناً، سلماً سلاماً وسائر بلاد العالمين، ووفق ولاة أُمورنا لما فيه نفع البلاد والعباد .
كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان
د / محروس رمضان حفظي عبد العال ،،،،
مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف