خطبة الجمعة القادمة 20 نوفمبر 2020م بعنوان : الإمام الشافعيُّ ودوره التجديدي في عصره ، للشيخ كمال المهدي
خطبة الجمعة القادمة 20 نوفمبر 2020م بعنوان : الإمام الشافعيُّ ودوره التجديدي في عصره ، للشيخ كمال المهدي ، بتاريخ 5 من ربيع الثاني 1442هـ ، الموافق 20 نوفمبر 2020 م.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 20 نوفمبر 2020م بعنوان : الإمام الشافعيُّ ودوره التجديدي في عصره ، للشيخ كمال المهدي
١- العلماء أحياء بعلمهم.
٢- مولد الإمام الشافعي ونشأته.
٣- حرصه على طلب العلم.
٤- أشهر أقواله.
٥-زهده وسخائه وكرمه.
٦-أقوال العلماء فيه
٧- تجديده حسب متطلبات العصر بما لا يخالف شرع الله.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 20 نوفمبر 2020 كما يلي:
خطبة الجمعة القادمة ٢٠ نوفمبر ٢٠٢٠م بعنوان (الإمام الشافعيُّ ودوره التجديدي في عصره).
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم.
أما بعد :-
أحبتي في الله:
قال تعالى :(مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلًا)
أحبتي في الله :-
هناك رجال فارقوا الدنيا بأجسادهم ولكن هم في الدنيا بذكراهم.
وصدق القائل :
دَقّاتُ قَلبِ المَرءِ قائِلَةٌ لَهُ***
إِنَّ الحَياةَ دَقائِقٌ وَثَواني.
فَاِرفَع لِنَفسِكَ بَعدَ مَوتِكَ ذِكرَها***
فَالذِكرُ لِلإِنسانِ عُمرٌ ثاني.
نعم :- الذكر عمر ثاني للإنسان فكم من إنسان مات وانطوت صفحة حياته ولكن هناك أناس ماتوا وما زالوا في الحياة.
لا بأجسادهم بل بما تركوه من علمهم..
هذا العلم الذي يبقى جيلا بعد جيل. نعم فارقتنا أجسادهم وأبدانهم وبقيت سيرتهم حية متحركة عاملة. هم لنا كالأقمار التي تُنِير لنا في الظلام.
هذه الأقمار تستمد نورها من (شمس النبوة) هذه الشمس التي لا تغرب ولا يذهب نورها.
وصدق القائل :-
قد مات قوم وما ماتت فضائلهم *
وعاش قوم وهم في الناس أموات.
* فتعالوا بنا لنتحدث عن قمر من هذه الأقمار وعلم من الأعلام قال عنه تلميذه الوفي النجيب الإمام أحمد:(كان كالشمس للدنيا وكالعافية للناس، فانظر هل ترى لهذين من عوض أو هل ترى لهما من خلف) .
*إنه فقيه الملة وسيد أهل زمانه، الذي حاز المراتب العالية، وفاز بالمناقب السامية، فهو العالم بالقرآن وعلومه.
إنه العابد الزاهد التقي النقي القرشي ( محمد بن إدريس الشافعي)
الذي ورث أنوار الرسالة ، فألف للأمة الرسالة ، مات أبوه فكفلته الأم ، فقدم للناس كتاب الأم.
وُلد الشافعيُّ بغزة عام ١٥٠ هـ
ونشأ في أسرة فقيرة كانت تعيش في فلسطين، وكانت مقيمة بالأحياء اليمنية منها، وقد مات أبوه وهو صغير، فانتقلت أمُّه به إلى مكة خشية أن يضيع نسبه الشريف، وقد كان عمرُه سنتين عندما انتقلت به أمه إلى مكة، وذلك ليقيمَ بين ذويه، ويتثقفَ بثقافتهم، ويعيشَ بينهم، ويكونَ منهم.
* ولقد حفظ الشافعي القرآن الكريم وهو في السابعة من عمره، مما يدل على ذكائه وقوة حفظه، ثم اتجه إلى حفظ الحديث النبوي، فحفظ موطأ الإمام مالك وهو ابن عشر سنين، ثم أخذ يطلب العلم في مكة حتى أُذن له بالفتيا وهو فتىً دون عشرين سنة.
* هاجر الشافعي إلى المدينة المنورة طلباً للعلم عند الإمام مالك بن أنس، ثم ارتحل إلى اليمن وعمل فيها، ثم ارتحل إلى بغداد سنة ١٨٤ هـ، فطلب العلم فيها عند القاضي محمد بن الحسن الشيباني، وأخذ يدرس المذهب الحنفي، وبذلك اجتمع له فقه الحجاز (المذهب المالكي) وفقه العراق (المذهب الحنفي)
عاد الشافعي إلى مكة وأقام فيها تسع سنوات تقريباً، وأخذ يُلقي دروسه في الحرم المكي، ثم سافر إلى بغداد للمرة الثانية، فقدِمها سنة ١٩٥ هـ وقام بتأليف كتاب الرسالة الذي وضع به الأساسَ لعلم أصول الفقه، ثم سافر إلى مصر سنة ١٩٩ هـ. وفي مصر، أعاد الشافعي تصنيف كتاب الرسالة الذي كتبه للمرة الأولى في بغداد، كما أخذ ينشر مذهبه الجديد، ويجادل مخالفيه، ويعلِّم طلابَ العلم، فما كلَّ ولا ملَّ في طلب العلم ومدارسته وقد قال رحمه الله :-
سَأَضْرِبُ فِي طُولِ البِلَادِ وَعَرْضِهَا *
أَنَالُ مُرَادِي أَو أَمُوتُ غَرِيبًا..
فَإِن تَلِفَتْ نَفْسِي فَلِلَّهِ دَرُّهَا***
وَإِنْ سَلِمَتْ كَانَ الرُّجُوعُ قَرِيبًا..
** وقد كانت له أقوال مأثورة ما أروعها..
ومن أشهر أقواله :
(إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي، وإذا صحَّ الحديث فاضربوا بقولي عرض الحائط، فأيُّ سماء تظلُّني وأيُّ أرض تقلُّني إذا رويتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً فلم أقل به)
* ومن أقواله :(العلم ما نفع وليس العلم ما حفظ)
*ومن أقواله :(لا يكمل الرجل إلا بأربع: بالديانة، والأمانة، والصيانة، والرزانة). وقال: (العاقل من عقله عقله عن كل مذموم) وقال: (من لم تعزه التقوى فلا عز له).
* ومن أقواله :- (وَدِدْتُ أَنَّ النَّاسَ تَعَلَّمُوا هَذَا العِلْمَ، وَلَم يُنسَبْ إِلَيَّ مِنهُ شَيءٌ، فَأُؤجَرُ عَلَيهِ، وَلَا يَحمَدُونِي).
وكان يقول: (من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن تكلم في الفقه نما قدره، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في اللغة رق طبعه، ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه)
* ومن أقواله :- أنه كان يقول (قراءة الحديث خير من صلاة التطوع، وطلب العلم أفضل من صلاة النافلة)
** وعلى الرغم من انشغال الشافعي الكبير بالعلم الشرعي والدرس والبحث وإيثاره لطلب العلم على صلاة التطوع والنَّوافل، إلا أنه كان عابداً ربانياً زاهداً.
قال عنه راويته الربيع بن سليمان: “كان الشافعيُّ قد جزَّأ الليل: فثُّلثه الأول يكتب، والثاني يصلِّي، والثالث ينام، وكان لا تمرُّ عليه آية عذاب أو حديثٌ فيه ترهيب إلا خرَّ مغشياً عليه.
** وكما كان الشافعي زاهداً كان سَخياً كريما شدة الكرم، وله أمثلة ونوادر في ذلك مشهورة؛ فعن الحميديِّ، قال: (قدم الشَّافعيُّ من صنعاء إلى مكة بعشرة آلاف دينار في منديل، فضرب خباءه في موضعٍ خارجاً من مكة، فكان الناس يأتوه فما برح حتى ذهبت كلُّها).
* بل كان من سخائه أنه يُعطي على الشيء الصغير المال الوفير، فكان ربما يقع سوطه فيُعطي الغلام الذي يُناوله إياه تسعة أو عشرة دنانير، وانقطع شسع نعله فأعطى الرجل الذي أصلحه سبعة دنانير، وكان كثيراً ما يقول: (السَّخاء والكرم، يُغطيان عيوب الدنيا والآخرة، بعد أن لا يلحقهما بدعة).
** قال أبو ثور: أراد الشافعي الخروج إلى مكة ومعه مال، فقلت له: لو اشتريت به ضيعة لولدك، وكان قل أن يمسك شيئًا من سماحته، فخرج ثم قدم، فسألته فقال: لم أجد بمكة ضيعة يمكنني شراؤها بمعرفتي ولكني بنيت بمنى مضربًا يكون لأصحابنا إذا حجوا نزلوا فيه، قال أبو ثور: فرآني كأني اهتممت بذلك فأنشد قائلا :
إِذَا أَصبَحتُ عِندِي قُوتُ يَومِي *
فَخَلِّ الهَمَّ عَنِّي يَا سَعِيدُ..
وَلَا تَخطُرُ هُمُومُ غَدٍ بِبَالِي *
فَإِنَّ غَدًا لَهُ رِزْقٌ جَدِيدُ..
* أيها الأحبة :
يعتبر الشافعي رحمه الله أول من صنف في أصول الفقه وأحكام القرآن، وذلك في كتابه الشهير (الرسالة) وقد أجاب فيه على بعض أسئلةٍ بعث إليه بها شيخه عبد الرحمن بن مهدى، ولقد بارك الله عز وجل في مصنَّفات الشافعي، وتسابق العلماء على اقتنائها وتحصيلها واستخراج كنوزها،
بل إن إسحاق بن راهويه تزوج أرملة رجل بمرو كانت عنده كتب الشافعي، لم يتزوجها إلا للكتب
** ويعتبر الإمام الشافعيُّ أيضا من أكثر علماء الأمة تأثيراً في الحياة العلمية، كان يصنّف التصانيف ويدوِّن العلوم، ويرد على الأئمة والكبار متبعاً الأثر، فبَعُد صَيْتُه وتكاثر عليه الطلبة، وبورك له في تلاميذه؛ فلم يُعلم أحد من الأئمة له تلاميذ نجباء أفذاذ مثل الشافعي.
* قال عنه الإمام أحمد بن حنبل: (ما أحد مس بيده محبرة ولا قلمًا إلا وللشافعي في رقبته منة، ولولا الشافعي ما عرفنا فقه الحديث، وكان الفقه مقفلًا على أهله حتى فتحه الله بالشافعي) .
* وكان أحمد بن حنبل يدعو له في صلاته نحوًا من أربعين سنة وكان أحمد يقول في الحديث الذي رواه أبو داود مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رضي اللهُ عنه: عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ اللهَ يَبعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأسِ كُلِّ مِئَةِ سَنَةٍ مَن يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا) ، قال: فعمر بن عبد العزيز على رأس المائة الأولى، والشافعي على رأس المائة الثانية..
* وقال عنه الإمام أحمد أيضًا عندما سأله ابنه فقال له: يا أبت أي رجل كان الشافعي؟ سمعتك تكثر الدعاء له، فقال: يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للبدن، فانظر هل لهذين من خلف أو عوض.
** ولقد أُعجب الإمام أحمد بذكاء وعلم الشافعي إعجاباً رهيباً، لأنه يسمع أصولاً وقواعد لأول مرة يسمعها وغيره من أهل العلم، فإن أول من أصَّل الأصول وقعد القواعد هو الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه، حتى قال أحمد قولته الخالدة الجميلة: (لولا الشافعي ما تعلمنا فقه الحديث.. وقال: كان الفقه مغلقاً على أهله حتى فتحه الله بالشافعي) .
**ولقد كان الإمام الشافعيُّ يعتمد على الوحيين: القرآن والسنة ثم القياس والإجماع.
ولهذا كان يرجع عن كثير من أقواله، وهذا الرجوع للحديث والعمل به لا يُقْدِمُ عليه إلا العلماء العاملون المخلصون الربانيون؛ وكم من متفقه ومتعالم يُقدِّم رأيَ إمامه وشيخه على حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يُبالي هل يخالفه أم لا، وهذا هو عين نكبة المسلمين الآن!
أما الشافعي فقد تراجع عن بعض المسائل وقام بتجديدها مراعاة لظروف القطر الذي عاش فيه فقد تراجع عن كثير من المسائل منها على سبيل المثال لا الحصر :
(مسألة المسح على الخفين)
ففى توقيت المسيح على الخفين، أفتى الإمام الشافعي فى القديم بأنه لا يوقت المسيح بالأيام، بل يستمر حتى يخلع أو يحدث ويجب نزعهما، مستندا لحديث للنبى صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبى بن عمارة، لكن تبين فيما بعد للشافعى أن أحاديث بن عمارة ضعيفة واطلع على أخرى صحيحة جعلته يُغير فتواه ومنها حديث : “أن النبى صلى الله عليه وسلم جعل للمسافر أن يمسح ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة”، وبناء عليه قرر الشافعى تغير رائيه القديم.
وهناك العديد من المسائل التي تراجع فيها الشافعي وجدد فيها فتواه.
*أحبتي في الله :-
الإمام الشافعي يتصدر قائمة العلماء الذين أجبروا الجميع على الإعتراف بفضلهم الفقهي، وتجديدهم لدماء هذا الدين بما يتوافق مع مستجدات عصره ومتطلبات الناس، ورغم أنه عاش ٥٤ عامًا فقط؛ فإنه وضع فقهين كاملين أحدهما لأهل العراق، والثاني لأهل مصر، وراعى في كل منهما حال المسلمين في القطرين.
*’
وفي الختام نقول كما قال الذهبي: (لا نُلَام والله على حب هذا الإمام؛ لأنه من رجال الكمال في زمانه) . فرحم الله الشافعي، وأين مثله في صدقه، وشرفه، ونبله، وسعة علمه، وفرط ذكائه، وكثرة مناقبه.
قال الربيع بن سليمان: (لو وزن عقل الشافعي بنصف عقل أهل الأرض لرجحهم، ولو كان من بني إسرائيل لاحتاجوا إليه)
*
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل وأن يرزقنا علماً نافعاً وقلباً خاشعاً ولساناً ذاكرا وبدناً على البلاء صابرا
***
كتبه:- كمال السيد محمود محمد المهدي.. إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف