خطبة الجمعة القادمة 20 أغسطس 2021م بعنوان : جبر الخاطر وأثره على الفرد والمجتمع ، للشيخ كمال المهدي
خطبة الجمعة القادمة 20 أغسطس 2021م بعنوان : جبر الخاطر وأثره على الفرد والمجتمع ، للشيخ كمال المهدي، بتاريخ 12 محرم 1442هـ ، الموافق 20 أغسطس 2021م.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 20 أغسطس2021م بعنوان :جبر الخاطر وأثره على الفرد والمجتمع ، للشيخ كمال المهدي:
- المقصود بجبر الخاطر والحكمة منه.
- مواقف من حياة النبي صلى الله عليه وسلم في جبره لخاطر الناس.
- صور جبر الخواطر.
- فضائل جبر الخواطر.
- التحذير من كسر خواطر الناس.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 20 أغسطس 2021م ، بعنوان : جبر الخاطر وأثره على الفرد والمجتمع ، كما يلي:
خطبة الجمعة القادمة الشيخ كمال المهدي
١٢ محرم ١٤٤٣هـ ٢٠ أغسطس ٢٠٢١م
(جبر الخاطر وأثره على الفرد والمجتمع)
**
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
أما بعد: –
أحبتي في الله: – حديثنا اليوم عن عبادة غائبة عن المجتمع في زمن كثرت فيه الأنانية والاهتمام بالذات ونسيان الآخرين، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
أي عبادة هذه؟
إنها (جبر الخواطر)..
عبادة يسيرة، ليس شرطا أن تبذل فيها مالاً، أو جهدا.. فيمكن أن تتحقق بابتسامة، أو مسحة على رأس يتيم، أو تواضع مع الغير ورفع الحرج عنهم…وهكذا.
هذه العبادة يعتقد البعض بأنها شيء ثانوي غير هام مُقارنة بالمُساعدة المادية، إلا أن رسول الله حثنا عليها بقوله “تبسمك في وجه أخيك صدقة”، لذلك جبر الخواطر لا يقل أهمية عن الزكاة أو الفرائض الأخرى بل هي مُكملة للدين..
يقول الإمام سفيان الثوري: “ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم”.
** فما المقصود بجبر الخواطر؟
** وما الحكمة من جبر الخواطر؟
جبر الخواطر هو عبارة على سلوك إنساني للتخفيف عن حزن وهم الأشخاص الذين يتعرضون للأذى والقيام بطمأنينة قلوب الخائفين والتعامل مع الناس بالحسنى..
** فما الحكمة منه؟
*الحكمة منه تأليف القلوب، وتوحيد الصفوف، واصطفاف على طريق الحق والخير.
لأنّ الأمّة لا تتحمّل التفرق والتشرذم الواقع الآن، وهي أحوج ما تكون إلى ما يؤلّف الأفئدة.
ولأنّ في زماننا هذا قد تعقّدت ظروف الناس، فكثرت الديون، وزادت الهموم، وانتشرت المآسي، فنحن بحاجة إلى نشر هذا السّمت بين الناس.
* الحكمة منه كذلك نيل معية الله تعالى في الدنيا والآخرة؛ ففي الحديث عند مسلم: «وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ». ولذا يقول بعضهم: (من مشى في حاجة أخيه جبرًا للخاطر، نال معية الله في المخاطِر)
وقال رسول صلى الله عليه وسلم (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة)، فكل أمر من الأمور التي تجبر بها خاطر أخيك المسلم هو مردود لك من عند الله عز وجل، ومؤكد أن عطاء الإنسان ليس مثل عطاء الله.
ولذلك كان من توجيهات ربنا جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن قال له: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾ [سورة الضحى٩- ١٠]، فكما كنت يتيماً يا محمد، فآواك الله، فلا تقهر اليتيم، ولا تذله، بَلْ طيب خاطره، وأحسن إليه، وتلطف به، واصنع به كما تحب أن يصنع بولدك من بعدك، كذلك نهى الله عن نهر السائل وتقريعه، بل: أمر بالتلطف معه، وتطييب خاطره، حتى لا يذوق ذل النهر مع ذل السؤال، وهذا أدب إسلامي رفيع.
وقد جسد النبي صلى الله عليه وسلم هذه العبادة في سلوكه، فكان يجبر بخاطر الأرامل واليتامى والأطفال والمساكين، ويتفقد أحوال الرعية، ليجبر بخاطرهم، ويخفف عليهم الأثقال والهموم.
وكان من دعاءه صلى الله عليه وسلم فيما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: (اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني).
** وتعالوا بنا أحبتي في الله لنذكر بعضاً من نماذج جبر النبي صلى الله عليه وسلم بخاطر الناس، فسيرته الشريفة صلى الله عليه وسلم تحفل بالعديد من المواقف التي تكشف حرصه الكبير على جبر الخاطر لكل من تعامل معه صلى الله عليه وسلم.
فبعد غزوة حنين يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة والمواقف في جبر خواطر الأنصار ويرضيهم ويهديهم أجمل هدية.
فقد ورد أن رَسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصحابه لما انتصروا على المُشرِكينَ يوم حنين، جمَعَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الغَنائمَ، وأعْطى المُهاجِرينَ، وأعْطى الطُّلقاءَ حتَّى يَتألَّفَ قُلوبَهم وتَجتمِعَ على مَحبَّةِ الإسْلامِ؛ لأنَّ القُلوبَ مَجْبولةٌ على حُبِّ مَن يُحسِنُ إليها، وكانوا لا يَزالونَ حَديثي عَهدٍ بإسْلامٍ، ولم يعطي الأنصار. فلمَّا عَلِمَ الأنْصارُ ذلك حَزِنوا، وظنُّوا أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُفضِّلُ المهاجرين عليهم، فوجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم؟ حتى كثرت منهم القالة حتى قال قائلهم : لقد لقي والله رسول الله قومه ، فدخل عليه سعد بن عبادة ، فقال : يا رسول الله ، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم ، لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت ، قسمت في قومك ، وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب ، ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء .
فقال صلى الله عليه وسلم: فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ قال : يا رسول الله ، ما أنا إلا من قومي . قال : فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة . قال : فخرج سعد ، فجمع الأنصار في تلك الحظيرة . قال : فجاء رجال من المهاجرين فتركهم ، فدخلوا ، وجاء آخرون فردهم . فلما اجتمعوا له أتاه سعد، فقال: قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثُمَّ قال: يا مَعشَرَ الأنْصارِ، ما قالَةٌ بَلَغَتْني عنكم، وجِدَةٌ وَجَدتُموها في أنْفُسِكم؟! أَلَمْ آتِكم ضُلَّالًا فهَداكمُ اللهُ؟ وعالةً فأغْناكمُ اللهُ؟ وأعداءً فألَّفَ اللهُ بيْنَ قُلوبِكم؟ قالوا: بَلِ اللهُ ورسولُه أمَنُّ وأفضَلُ، قال: ألَا تُجيبونَني، يا مَعشَرَ الأنْصارِ؟ قالوا: وبماذا نُجيبُكَ يا رسولَ اللهِ؟ وللهِ ولرسولِه المَنُّ والفَضْلُ، قال: أمَا واللهِ لو شِئتُم لَقُلتُم، فلَصَدَقتُم وصُدِّقتُم، أَتَيتَنا مُكذَّبًا فصَدَّقْناك، ومَخذولًا فنَصَرْناك، وطَريدًا فآوَيْناك، وعائِلًا فآسَيْناك، أوَجَدتُم في أنْفُسِكم يا مَعشَرَ الأنْصارِ، في لُعاعةٍ من الدُّنيا، تَألَّفتُ بها قَومًا لِيُسلِموا، ووَكَلتُكم إلى إسْلامِكم، أفَلا تَرضَوْنَ يا مَعشَرَ الأنْصارِ، أنْ يَذهَبَ النَّاسُ بالشَّاةِ والبَعيرِ، وتَرجِعون برسولِ اللهِ في رِحالِكم؟ فوالَّذي نَفْسُ مُحمَّدٍ بيَدِه، لولا الهِجْرةُ لَكُنتُ امرَأً من الأنْصارِ، ولو سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا، وسَلَكَتِ الأنْصارُ شِعْبًا، لَسَلَكتُ شِعْبَ الأنْصارِ، اللَّهُمَّ ارْحَمِ الأنْصارَ، وأبْناءَ الأنْصارِ، وأبْناءَ أبْناءِ الأنْصارِ! قال: فبَكى القَومُ، حتى أخْضَلوا لِحاهُم، وقالوا: رَضِينا برسولِ اللهِ قَسْمًا وحَظًّا، ثُمَّ انصَرَفَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتَفَرَّقوا.
وهذا موقف آخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم يبين جبره لخاطر الفقراء
فعندما جاء فقراء المهاجرين مكسوري الخاطر وقالوا : يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ: “أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ» رواه مسلم
ولم يقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على جبر خاطر الكبار من الناس بل حتى الأطفال كان يجبر بخاطرهم فعن أنس رضي الله عنه قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير – أحسبه قال: كان فطيمًا – قال: فكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه قال: يا أبا عمير، ما فعل النغير -طائر صغير كالعصفور-؟ قال: فكان يلعب به” رواه مسلم.
أحبتي في الله :- هذه المواقف وغيرها من رسول الله صلى الله عليه وسلم تدعونا للإحسان إلى الخلق وجبر خاطرهم، ولِمَا لا وهو قدوتنا وأسوتنا قال تعالى: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا﴾ [الأحزاب : ٢١].
** ولو أننا تأملنا في آيات القرآن الكريم لوجدنا أن الله جل وعلا جبر بخاطر أنبيائه عليهم السلام.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أحبَّ مكةَ التي وُلِد فيها ونشأ، أُخْرِجَ منها ظُلْمًا، فاحتاج في هذا الموقف الصعب وهذا الفِراق الأليم إلى شيء من المواساة والصبر، فأنزل الله تعالى له قرآنًا مؤكَّدًا بقسمٍ أن الذي فرض عليك القرآن، وأرسَلك رسولًا، وأمرَك بتبليغ شرعه، سيردُّك إلى موطنك مكة عزيزًا منتصرًا، قال تعالى ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ [القصص:٨٥]
وهذا سيدنا يوسف عليه السلام ظلم وأوذي من أخوته والمظلوم يحتاج إلى جبر خاطر، فقال تعالى جابراً لخاطره بوحيٍ يُثبّت قلبه: – ﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [يوسف: ١٥].
** أحبتي في الله: ما أحوجنا في هذا الزمان إلى مواساة الناس والتخفيف عنهم وتطييب خاطرهم؛ لأن أصحاب القلوب المنكسرة كثيرون.
ولجبر الخاطر صوراً عديدة منها على سبيل المثال: –
** إذا رأيت بائعاً متجولاً في حر الشمس يضطر للسير على قدميه باحثاً عن رزقه فاشتريت منه مساعدة له كان ذلك جبرًا لخاطره.
** إذا أخطأ إنسان في حقك ثم جاءك معتذرا وخاصة إذا كان خطأه غير مقصود فقبلت اعتذاره كان ذلك جبرًا لخاطره.
**إذا رأيت صديقك في العمل لديه الكثير من الأعمال وقمت بالجلوس معه ومساعدته كان ذلك جبرًا لخاطره.
** إذا فاجئت زوجتك بشيء هي تحبه أو قلت لها قولًا طيبًا كان ذلك جبرًا لخاطرها.
وهناك العديد من صور جبر الخواطر التي لا يتسع الوقت لذكرها.
**ولكن علينا أن نعلم علم اليقين أن من يقوم بجبر خواطر الناس هو شخص ذو قلب أبيض في زمن قل فيه هؤلاء الأشخاص.
وأن من سار بين الناس جابراً للخواطر رعاه الله في جوف المخاطر، وهو قول منتشر بين الناس. ومعناه من يسعى لجبر خواطر الناس، أنقذه الله من أي مخاطر قد تصيبه. فلو كنت أخي الحبيب مهموماً قم بجبر خواطر الناس، فسيزيح الله عنك ما أهمك، لأنك قمت بتفريج هم غيرك. إن الله لا ينسى من يقوم بجبر الخواطر مهما طال الزمان، ويكفيه الثواب العظيم الذي سيناله جزاء جبر خواطر الآخرين. التزم جبر خواطر الناس، حتى وإن كنت لا تعرفهم، ففعل المعروف يكون مع من تعرفه ومن لا تعرفه.
واحذر شدة الحذر من أن تكسر بخاطر أحد، فكسر الخاطر قد تراه شيئاً بسيطا ولكنه قد يدمر حياة شخص بالكامل، فمثلاً لو أن شخصاً رسم رسمة وهو مبتدئ في الرسم وتلك الرسمة كانت بسيطة وليست رائعة فإذا قلت له أن رسمه سيئ وأنه غير موهوب قد يترك الرسم ويبتعد عنه لأنك كسرت بخاطره، ولكن إذا جبرت بخاطرة وشجعته وأعطيته بعض النصائح قد يطور من نفسه ويصبح فناناً موهوبا.
** وفي الختام: – أقول أن الكلمة الطيبة صدقة، فيجب أن نتحلى بالخصال الحميدة التي أمرنا الله بها، وأن نقوم بجبر خواطر البشر، حتى يجبر الله بخاطرنا.
***
أسأل الله تعالى أن يُرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه وأن يُرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.
***
كتبه: – الشيخ/ كمال السيد محمود محمد المهدي.
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية.
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف