أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة 15 نوفمبر : المال العام وحرمة التعدي عليه ، للدكتور محروس حفظي

بتاريخ 13 جمادي الأولي 1446هـ ، الموافق 15 نوفمبر 2024م

خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة 15 نوفمبر 2024 م بعنوان : المال العام وحرمة التعدي عليه ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 13 جمادي الأولي 1446هـ ، الموافق 15 نوفمبر 2024م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 15 نوفمبر 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : المال العام وحرمة التعدي عليه.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 15 نوفمبر 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : المال العام وحرمة التعدي عليه ، بصيغة  word أضغط هنا.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 15 نوفمبر 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : المال العام وحرمة التعدي عليه ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

___________________________________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

و للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

و للمزيد عن الدروس الدينية

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 15 نوفمبر 2024 م بعنوان : المال العام وحرمة التعدي عليه ، للدكتور محروس حفظي :

 

(1) ضرورةُ المحافظةِ على المالِ العامِّ.

(2) معالجةُ الإسلامِ بعضَ السلبياتِ التي تضرُّ بالمالِ العامِّ.

(3) صورٌ مِن الاعتداءِ على الملكِ العامِّ، والحقِّ العامِّ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 15 نوفمبر 2024 م بعنوان : المال العام وحرمة التعدي عليه ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي: 

 «المالُ العامُّ وحرمةُ التعدِّي عليهِ»

بتاريخ 15 جمادى الأولى 1445 هـ = الموافق 15 نوفمبر 2024 م

 

الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كمَا ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ.

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 15 نوفمبر : المال العام وحرمة التعدي عليه

(1) ضرورةُ المحافظةِ على المالِ العامِّ:

يُخطِئُ كثيرٌ مِن الناسِ حينمَا يتعاملونَ مع المالِ العامِّ على أنَّهُ كلأٌ مباحٌ، يأخذونَ منهُ بلا حسابٍ ولا رادعٍ، وكأنّهُ مالٌ لا صاحبَ لهُ، فأصبحنَا نرَى مَن يستحلُّ هذا المالَ ويضعُ لنفسِه ما شاءَ مِن المبرراتِ للسيطرةِ عليهِ دونَ وخزةٍ مِن ضميرٍ مع أنَّ هذا يتعارضُ مع تعاليمِ الإسلامِ الذي جعلَ المحافظةَ على المالِ أحدَ “الكلياتِ الستِّ”، وهى المقاصدُ الكليةُ الساميةُ التي أحاطَهَا دينُنَا الحنيفُ بالعنايةِ والرعايةِ والصيانةِ، فنجدُ الحقَّ سبحانَهُ يحذّرُ مِن ذلك فيقولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ .

لقد أوجبَ دينُنَا الحنيفُ ضروةَ المحافظةِ على المالِ العامِّ الذي هو ملكٌ للجميعِ، ومنفعتُهُ للعامةِ كالمساجدِ والطريقِ العامِّ، والحدائقِ العامةِ والظلِّ النافعِ ووسائلِ المواصلاتِ والأنديةِ الرياضيةِ والترفيهيةِ .. الخ، وإذا كان مَن يأخذُ شيئًا ليس مِن حقِّهِ، أو يتلفُ أمرًا ما، أو يؤذِي شخصًا ما، فإنَّ فاعلَهُ سيكونُ خصيمًا له يومَ القيامةِ فمَا بالُنَا بمَن يضرُّ بالأملاكِ العامةِ، أو يسعَى لتخريبِهَا لا شكَّ أنَّ الذنبَ أعظمُ، والحرمةَ أشدُّ وآكدٌ، والجميعُ خصماءُ لهُ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ، قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، فَقَالَ:إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِى قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّارِ» (مسلم) .

كما أمرَ الإسلامُ بالإصلاحِ على لسانِ جميعِ الأنبياءِ، فقالَ ربُّنَا:﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها﴾، وحرّمَ عليه الإفسادَ والفسادَ بأيِّ وسيلةٍ ولا أدلَّ على ذلك مِن أنَّ مادةَ «فَسَدَ» بجميعِ مشتقاتِهَا قد وردتْ في القرآنِ الكريمِ «خمسينَ مرةً»، ووضعَ حدَّ الحرابةِ لِمَن يفسدُ في الأرضِ، أو يضرُّ بالمنافعِ العامةِ قال تعالى: ﴿إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا﴾؛ ولذا توعَّدَ اللهُ – عزَّ وجلَّ – بالوعيدِ الشديدِ لِمَن يأخذُ مِن المالِ العامِّ شيئًا دونَ وجهِ حقٍّ فقالَ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ خَيْبَرَ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً إِلَّا الأَمْوَالَ وَالثِّيَابَ وَالمَتَاعَ، فَأَهْدَى رَجُلٌ مِنْ بَنِي الضُّبَيْبِ، يُقَالُ لَهُ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ غُلاَمًا يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ، فَوَجَّهَ ﷺ إِلَى وَادِي القُرَى حَتَّى إِذَا كَانَ بِوَادِي القُرَى بَيْنَمَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلًا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذَا سَهْمٌ عَائِرٌ فَقَتَلَهُ فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الجَنَّةُ، فَقَالَ ﷺ: كَلَّا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ المَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا المَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ النَّاسُ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ- أَوْ شِرَاكَيْنِ- إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ- أَوْ: شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ–” (البخاري) .

إنّ مَن قاتَلَ وأبْلَى بلاءً حسنًا في المعركةِ ولكنَّهُ غلَّ مِن الغنيمةِ فلهُ عقوبةٌ شديدةٌ حتى ولو ظنَّ الناسُ أنَّه في عِدَادِ الشهداءِ، فعن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، فُلَانٌ شَهِيدٌ حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ، فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: كَلَّا، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا – أَوْ عَبَاءَةٍ -» (مسلم).

 قالَ الإمامُ النوويُّ تعقيباً على هذا الحديثِ: (فيهِ تنبيهٌ على المعاقبةِ بهمَا إمَّا بنفسهِمَا أي: يغلِى بهمَا وهمَا مِن نارٍ، أو همَا سببانِ لعذابِ النارِ، وفيهِ غلظُ تحريمِ الغلولِ، وأنّهُ لا فرقَ بينَ قليلِهِ وكثيرِهِ في التحريمِ حتى الشراك، وأنَّ الغلولَ يمنعُ مِن إطلاقِ اسمِ الشهادةِ على مَن غلَّ) أ.ه.

إنَّ تضييعَ المالِ العامِّ مِن أبشعِ الجرائِمِ وأعظمِهَا؛ لأنَّ ما ائتمنَ عليهِ الإنسانُ تضييعُهُ لهُ أعظمُ وأبشعُ مِمَّا ليس كذلك، فالمسئولُ الذي وُضعَتْ فيهِ الثقةُ، وجُعِلَ على رأسِ مؤسسةٍ وجُعِلَ تحتَ يدهِ مالُ العامّةِ ومَن لم يولدُوا بعد، ينبغِي أنْ يحترمَ نفسَهُ، وأنْ يحترمَ ما جُعِلَ تحتَ يدهِ، وأنْ يحترمَ أمانةَ اللهِ التي ائتمنَهُ عليهَا، وهو يعلمُ أنّهُ منقولٌ عن هذا لا محالةَ، ولو دامتْ لغيرِكَ ما وصلتْ إليكَ، ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ﴾.

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 15 نوفمبر : المال العام وحرمة التعدي عليه

(2) معالجةُ الإسلامِ بعضَ السلبياتِ التي تضرُّ بالمالِ العامِّ:

الناظرُ في تراثِنَا الإسلامِي يجدُ أنَّ الإسلامَ عالجَ بعضَ السلبياتِ التي تضرُّ بالمالِ العامِّ منهَا:

 أولًا: حرمةُ التَّعَدِّي عَلَى الأَمْلَاكِ العَامَّةِ: سواءٌ كانَ أمامَ البيوتِ أَوْ بِجَوَانِبِهَا ببناءٍ إِضَافِي غيرَ مرخصٍ لهُ أَوْ بأشجارٍ وَسِيَاجَاتٍ؛ وَبِهَذَا يَحْصُلُ تَضْيِيقٌ عَلَى النَّاسِ المَارَّةِ رَاجِلِينَ أَوْ رَاكِبِينَ حَتَّى إِنَّهُ فِي بَعْضِ الأَمَاكِنِ اسْتُخْدِمَتْ الأَرْصِفَةُ الجَانِبِيَّةُ لِلشَّوَارِعِ بِمِثْلِ هَذَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ لِلْمَارَّةِ طَرِيقٌ يَسِيرُونَ فِيهِ فَأَصْبَحُوا يَسِيرُونَ فِي الشَّوارِعِ المُخَصَّصَةِ لِلسَّيَّارَاتِ لَا لِلْمُشَاةِ قال ﷺ: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضَ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» (مسلم) ولذ كان جزاءُ مَن يرفعُ عن الناسِ ما يضايقُهُم في طريقِهِم ويؤذيهِم في مشيهِم التقلبَ في نعيمِ الجنةِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ» (مسلم)، وقَالَ أيضًا: «بينما رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ» (متفق عليه)، وعلى العكسِ الذي يشغلُ الطريقَ العامَّ ويؤذِي الخلقَ وجبتْ له اللعنةُ، فعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ» (الطبراني حسن لغيره) .

وكذا كتابةُ عباراتٍ على جدرانِ المستشفياتِ والأبنيةِ العامةِ، فتشوهُ مناظرهَا، وتذهبُ بجمالِهَا ونظافتِهَا، ويتعاظمُ ذنبُهَا إذا ما كانت غيرَ مناسبةٍ أو فيها إساءةٌ لأحدٍ مع أنَّ دينَنَا الحنيفَ أوجبَ علينا النظافةَ، واحترامَ الآخرِ، ونهانَا عن الفحشِ في القولِ والعملِ، وعليكَ أنْ تستحضرَ عظمَ ما تنفقُهُ الدولةُ لإصلاحِ وترميمِ ما يفسدُهُ هؤلاء، ولذا وضعَ رسولُنَا ﷺ قاعدةَ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (ابن ماجه)، لذا يجبُ على المتلفِ ضمانُ ما أتلفَهُ بأنْ يردَّ مثلَهُ إنْ كان مثليًّا، أو قيمتَهُ إنْ كان متقومًا، مِن هنا كان لزامًا علينا المحافظةَ عليها والتعاملَ على أنَّها كممتلكاتِنَا الخاصةِ.

ثانيًا: الترشيدُ العامُّ، وعدمُ الإسرافِ والتبذيرِ في استخدامِ المالِ العامِّ: أمرنَا الإسلامُ بعدمِ الإسرافِ والتبذيرِ في كلِّ شيءٍ، وأنْ ننهجَ المنهجَ الوسطَ، قال تعالَى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾، والخطابُ هنا يرتفعُ القرآنُ الكريمُ أنْ يوجهَ للمؤمنينَ فقط، فخاطبَ جميعَ البشرِ، ولذا قِيلَ القرآنُ لخَّصَ الصحةَ والاقتصادَ في هذه الآيةِ الكريمةِ، بل جعلَ القرآنُ الترشيدَ صفةً مِن صفاتِ عبادِ اللهِ فقالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ ، وقَالَ ﷺ: «كُلُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ، وَلَا مَخِيلَةٍ» (سنن النسائي) .

وقد نهانَا رسولُنَا ﷺ عن الإسرافِ في الماءِ الذي هو ملكٌ للعامةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَرَّ بِسَعْدٍ، وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَقَالَ: «مَا هَذَا السَّرَفُ» فَقَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ إِسْرَافٌ، قَالَ: «نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ» (أحمد وابن ماجه) .

وها هو عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ رضي الله عنه كان يُطفئُ الشمعةَ التي تُصرفُ لهُ مِن بيتِ مالِ المسلمين بعدَ الانتهاءِ مِن النظرِ في أمورِ المسلمين، ثمَّ يُضيءُ شمعةً مِن مالهِ الخاصِّ بعدَ ذلك، فعن عمرِو بنِ مُهاجرٍ «أنَّ عُمرَ بنَ عبدِ العزيزِ كانَ يُسْرَجُ عليهِ الشَّمْعَةُ ما كانَ في حَوائجِ المسلمينَ، فإذا فَرَغَ من حوائجهِمْ أطفأَها، ثمَّ أَسْرَجَ عليهِ سِراجَهُ» (ابن زنجويه في كتاب الأموال) .

وقد بشّرَ الرسولُ ﷺ مَن يوسعُ مجرَى الماءِ للعامةِ بأنَّهُ صدقةٌ تُجرَي لهُ بعدَ موتِهِ، فعَن أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «سَبْعٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ، وهُو فِي قَبْرِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا، أَوْ كَرَى نَهْرًا أَوْ حَفَرَ بِئْرًا أَوْ غَرَسَ نَخْلا أَوْ بَنَى مَسْجِدًا أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ» (البزار والبيهقي بسند حسن لغيره) ، وقد قررَ أهلُ العلمِ أنَّ مِن الصدقةِ الجاريةِ قياسًا على ما تقدمَ تطهيرَ النهرِ، والمحافظةَ عليهِ مِن رميِ الجيفِ والنفاياتِ وما ينجسهُ مِن القماماتِ والمخلفاتِ، وتوسيعَ الطرقِ، وبناءَ الجسورِ والقناطرِ، وإنشاءَ المظلاتِ، وإقامةَ دورِ العلاجِ والاستشفاءِ… الخ، وكلَّ ما تدعُو إليهِ الحاجةُ وظروفُ الحياةِ ومتغيراتُهَا ومستجداتُهَا مِمَّا يوافقُ الشرعَ وينفعُ الناسَ، ويكونُ ملكًا للمجتمعِ ككلٍّ .

تابع /  خطبة الجمعة القادمة 15 نوفمبر : المال العام وحرمة التعدي عليه

ثالثًا: التوعيةُ المجتمعيةُ واجبٌ دينيٌّ ووطنيٌّ: لقد أوجبَ دينُنَا على المسلمِ رعايةَ بيتِه وأولادِه، وبيَّنَ أنَّهُ سيسألُ عنهم يومُ القيامةِ، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ:«أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ..» (متفق عليه)، وقالَ تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ﴾، وعلي هذا فالأسرةُ مسؤولةٌ عن توعيةِ أولادِهَا بأهميةِ هذه الممتلكاتِ، وضرورةِ عدمِ العبثِ بهَا، فدينُنَا يحثُّنَا على ذلك، والدولةُ أنشأتْ المدارسَ والمكتباتِ العامةَ والمستشفياتِ والحدائقَ وغيرَهَا لخدمةِ الجميعِ، لذلك يجبُ أنْ نربيَ أولادَنَا على وجوبِ صيانتِهَا وعدمِ إتلافِهَا وتشويهِهَا، وإلّا قلّتْ الاستفادةُ منهَا، وبعد ذلك يأتِي دورُ المدرسةِ في تكملةِ ما بدأتْهُ الأسرةُ فيتعودُ الابنُ على التعاملِ مع الممتلكاتِ العامةِ على أنَّهَا ملكٌ خاصٌّ فيحافظُ عليها أينما وجدتْ، ولوسائلِ الإعلامِ المرئيةِ والمسموعةِ والمقروءةِ دورٌ أيضًا في ذلك، وكذا مؤسساتُ المجتمعِ المدنِي عن طريقِ توعيةِ المواطنينَ وتثقيفِهِم بضرورةِ المحافظةِ على المرافقِ العامةِ مِن خلالِ نشرِ اللافتاتِ واللوحاتِ في الأماكنِ العامةِ المختلفةِ، وتقديمِ النصحِ والإرشادِ للآخرينَ إذا ما قامُوا بأعمالٍ منافيةٍ للذوقِ العامِّ، وهكذا لا بدَّ مِن تكاتفِ الجميعِ في سبيلِ الحفاظِ على مقدراتِ وطنِنَا الغالِي.

لقد ربَّى رسولُنَا ﷺ جيلَ الصحابةِ الأوائل على هذه الأخلاقِ، فنشرُوا الأمنَ والأمانَ، وقيمَ الإصلاحِ بينَ الأنامِ، فعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: «كَانَ مُعَيْقِيبٌ عَلَى بَيْتِ مَالِ عُمَرَ فَكَنَسَ بَيْتَ الْمَالِ يَوْمًا، فَوَجَدَ فِيهِ دِرْهَمًا فَدَفَعَهُ إِلَى ابْنٍ لِعُمَرَ قَالَ مُعَيْقِيبٌ ثُمَّ انْصَرَفْتُ إِلَى بَيْتِي فَإِذَا رَسُولُ عُمَرَ قَدْ جَاءَنِي يَدْعُونِي فَجِئْتُ، فَإِذَا الدِّرْهَمُ فِي يَدِهِ فَقَالَ لِي: وَيْحَكَ يَا مُعَيْقِيبُ أَوَجَدْتَ عَلِيَّ فِي نَفْسِكَ شَيْئًا؟ قَالَ: قُلْتُ مَا ذَاكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ:أَرَدْتَ أَنْ تُخَاصِمَنِي أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ فِي هَذَا الدِّرْهَمِ» (الورع لابن أبي الدنيا).

 وأُثِرَ أيضاً عن عمرَ بنِ الخطابِ: “أنّهُ لمَّا أُتِيَ بكنوزِ كسرَى، ووُضعَتْ في مسجدِ النبيِّ ﷺ غطيتْ حتى إنَّ المسجدَ تلألأَ مِن كثرةِ الكنوزِ والأموالِ، فلمَّا دخلَ عمرُ إلى صلاةِ الفجرِ، ورأَى ذلكَ، بكَى، قالوا: يا أميرَ المؤمنين! ما يُبكيكَ في يومٍ أعزَّ اللهُ فيهِ الإسلامَ والمسلمينَ؟! قال: إنَّ أُناساً أدُّوا هذا لأمناء”.

فعلينَا أنْ نعززَ قيمَ الولاءِ والانتماءِ للوطنِ، وأنْ نعمقَ الشعورَ بالمسئوليةِ تجاهَ المالِ العامِّ، وننشرَ ثقافةَ النزاهةِ والشفافيةِ مصداقاً لقوله تعالى: ﴿فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ﴾ .

رابعًا: النهيُ عن التزويرِ بكلِّ أشكالِهِ: يعدُّ التزويرُ بكلِّ أنواعِهِ قولًا وفعلًا محرمًا وجرمًا شنيعًا بل مِن أكبرِ الكبائرِ فعن أَبِي بَكْرَةَ قال ﷺ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ ثَلَاثًا الْإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ – أَوْ قَوْلُ الزُّورِ -» وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مُتَّكِئًا، فَجَلَسَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ» (متفق عليه).

إنَّ الذي يباشرُ التزويرَ في الوثائقِ الرسميةِ، ويتلاعبُ بالأوراقِ والمستنداتِ في المعاملاتِ المختلفةِ وكذا مَن يساعدُهُ ويُقرّهُ يشملُهُ وعيدُ المصطفَى ﷺ؛ لِمَا يترتبُ عليهِ مِن ضياعِ الحقوقِ، ونشرِ الفوضَى في المجتمعِ، ومخالفةِ القوانين الموضوعةِ لتنظمَ حياةَ الناسِ، وتحفظَ عليهم حقوقَهُم، ولهذا حرصَ الإسلامُ على إيقاظِ الضميرِ الإنسانِي، وتقويةِ جانبِ المراقبةِ للهِ فهَا هو سيدُنَا ﷺ يُعلمُنَا كيفَ نتعاملُ فيمَا بينَنَا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» (مسلم) .

إنَّ الذي يتعدَّى على المالِ العامِّ لن يقبلَ اللهُ منهُ صدقتَهُ ولو عظمَتْ، قال رَسُولَ اللهِ ﷺ: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ» (مسلم)، ولأن هذا العمل يتنافى مع أخلاق أهل الإيمان فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «…، وَلَا تَجْتَمِعُ الْخِيَانَةُ وَالْأَمَانَةُ جَمِيعًا» (أحمد) .

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 15 نوفمبر : المال العام وحرمة التعدي عليه

(3) صورٌ مِن الاعتداءِ على الملكِ العامِّ، والحقِّ العامِّ:

هناك صورٌ متعددةٌ للتعدِّي على المالِ العامِّ ولكننِي أسلطُ الضوءَ على بعضٍ منهَا في عُجالَةٍ سريعةٍ، وإليكُم بيانُهَا:

أولًا: الاختلاسُ، والتربحُ مِن الوظيفةِ: وهو استيلاءُ العاملينَ في مكانٍ مَا على ما في أيديهِم مِن أموالٍ نقديَّةٍ دونَ سندٍ قانونِيٍّ أو شرعِيٍّ، وهو جنايةٌ في جميعِ صورِهِ، وهو أشدُّ حرمةً مِن أخذِ المالِ الخاصِّ؛ لأنَّ الاختلاسَ اعتداءٌ على حقوقِ المجتمعِ كلِّه، وأنَّ أخذَ المالِ الخاصِّ اعتداءٌ على حقِّ فردٍ واحدٍ، والمالُ الخاصُّ لهُ مَن يحميه، أمَّا المالُ العامُّ فحمايتُهُ مسؤوليةُ المجتمعِ كلِّه، عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ أَسْوَدُ مِنَ الْأَنْصَارِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَكَ، قَالَ: «وَمَا لَكَ؟» قَالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «وَأَنَا أَقُولُهُ الْآنَ مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ، وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى» (مسلم) .

إنَّ الموظفَ المعينَ أيُّها الأحبابُ مؤْتمنٌ على هذا المالِ فإنْ أخَذَ منه شيئًا، فلا شكَّ أنَّه يُعَرِّضُ نفسَهُ لسَخَطِ اللهِ، وهو مِن صورِ الخيانةِ المذكورةِ في قولِهِ تعالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ وعَنْ خَوْلَةَ الأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ، يَقُولُ: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ» (البخاري) .

قال ابنُ حجرٍ رحمَهُ اللهُ: “أي: يتصرفونَ في مالِ المسلمينَ بالباطلِ” أ.ه.(فتح الباري) .

وفي موقفٍ عمليٍّ يبيِّنُ نبيُّنَا ﷺ لأصحابِه أنَّ مَن يستغلُّ مكانَهُ الذي استأمنَهُ اللهُ عليهِ، ويتعاملُ بالرُّشَا والمجاملاتِ على حسابِ الآخرين سينقلبُ ذلك عليهِ في دنياهُ وأُخراهُ، فقد استعملَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً مِنْ بَنِي أَسْدٍ، يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْلتببِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ «فَلَمَّا قَدِمَ، قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، فَقَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، قَالَ سُفْيَانُ أَيْضًا: فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي، يَقُولُ: هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي، فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا» (البخارى) .

ثانيًا: عدمُ إتقانِ العملِ، وإضاعةُ الوقتِ:  وهذا ناتجٌ عن ضعفِ الإيمانِ باللهِ تعالَى وعدمِ مراقبتِه؛ إذ الإتقانُ ثمرةٌ مِن ثمراتِ المراقبةِ للهِ، وأنَّ ما نقومُ بهِ مِن عملٍ، فإنَّ اللهَ مطلعٌ عليهِ إنْ خيرًا فخير، وإنْ شرًّا فشر، فالمسلمُ الحقُّ هو الذي لا يراقبُ مديرَهُ ولا رئيسَهُ في العملِ، بل يراقبُ اللهَ ، وتلك هي المراقبةُ الذاتيةُ: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ .

 إنَّ الإتقانَ صفةٌ مِن صفاتِ ربِّنَا – عزَّ وجلَّ- فهو الذي أتقنَ كلَّ شيءٍ خلقَهُ وأحسنَهُ ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ ومَن يتأملْ مخلوقاتِه يعرفْ أنَّهُ ﴿أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى﴾، ومِن هنا ندركُ أنَّ إتقانَ العملِ والوصولَ بهِ إلى أعلَى درجاتِ الجودةِ، وأرقَى متطلباتِ الإنتاجِ، بما يسمحُ للمنتجِ بالوفاءِ بحاجةِ البشرِ ويمكّنهُ مِن غزوِ الأسواقِ لهو مقصدٌ شرعيٌّ حثّنَا عليه دينُنَا، وأمرَ بهِ نبيُّنَا فقالَ ﷺ:«إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ» (شعب الإيمان)، ولكي يُنَمَّى خلقُ المراقبةِ لدَى العبدِ أخبرَ ربُّنَا – عزَّ وجلَّ- أنَّ أعمالَنَا ستعرضُ عليهِ ليحاسبَنَا عليهَا فقالَ: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، وهذا مِن شأنِه أنْ يحييَ الضميرَ، ويزيدَ إحساسَنَا بالمسئوليةِ، فعلينَا أنْ نُراقبَ اللهَ في أعمالِنَا، ولنعلمْ أنَّ أفعالَنَا مسجلةٌ ومُحصاةٌ، وأفضلهَا هي التي تكونُ على عينِ صاحبِهَا في كافةِ مراحلِ الإنتاجِ؛ لأنَّه عندما تغيبُ الرقابةُ يحدثُ الخللُ والفسادُ الذي يؤثر سلباً على المجتمع ككل؛ ولذا كان فاعل ذلك خائناً للأمانة التي وسدت إليه فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» (مسلم)، فيا حبذَا لو أتقنَ الإنسانُ عملَهُ، وشاعَ عنهُ أنَّهُ رائدُهُ، وأنّهُ علامةٌ مسجلةٌ فيهِ، بدلَ تهربهِ وتفلتهِ مِمّا يجعلُهُ في عِدادِ الفاشلين، وتضعُهُ في نطاقِ المقصرينَ، ولن يفلتَ عن عقابِ أحكمِ الحاكمين.

ثالثًا: إهمالُ المالِ العامِّ وإضاعتُهُ: ولا يحافظ ُعليهِ مِمّا يتسببُ بإتلافِه أو إضاعتِه فكم مِن أموالٍ تعرضتْ للنهبِ والسرقةِ والتلفِ بسببِ إهمالِ الموظفِ المسؤولِ عنهَا ألَا يعلمُ هذا الغافلُ أنَّ الإسلامَ حرّمَ بل جرَّمَ التعدِّي على الأموالِ العامةِ سواءٌ بالسرقةِ منهُ أو بإتلافِه وإهلاكِه قال اللهُ حكايةً عن إخوةِ يوسفَ عليه السلامُ: ﴿قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ﴾ .

ويدخلُ في ذلك قطعًا سرقةُ الكهرباءِ والمياهِ بحجٍ واهيةٍ يزينُهَا الشيطانُ لأصحابِهَا فيحللُ لهم السرقةَ، قال ﷺ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ» (متفق عليه)، بل إنَّ سرقةَ الشيءِ القليلِ قد تجلبُ للإنسانِ الطردَ مِن رحمة ربِّهِ سبحانَه، قال ﷺ: «لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» (متفق عليه)، وقد نصَّتْ كلمةُ فقهاءِ المسلمين على جعلِ المالِ العامِّ بمنزلةِ مالِ اليتيمِ في وجوبِ المحافظةِ عليهِ، وشدةِ تحريمِ الأخذِ منه، والحرصِ الشديدِ على صرفِهِ في مصارفِهِ الحقيقيةِ التي تقتضيهَا المصالحُ، وعلى عدمِ التهاونِ في صرفِه، بأيِّ وجهٍ مِن وجوهِ التفريطِ.

تابع /  خطبة الجمعة القادمة 15 نوفمبر : المال العام وحرمة التعدي عليه

الخلاصةُ: يفترضُ على الإنسانِ أنْ يتحرَّى الحلالَ، وأنْ يمتنعَ عن الحرامِ، بكلِّ صورةٍ مِن الصورِ حتى ولو كان مِن بابِ الشبهاتِ، فعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «… يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ» (الترمذي وحسنه) .

يجبُ على كلِّ مَنْ سوَّلَتْ لهُ نفسُه، فأخَذَ مالًا مِن المالِ العامِّ بأيِّ طريقةٍ مِن الطرائقِ أنْ يرجعَ إلى ربِّه، وأنْ يتوبَ إلى خالِقِه قبلَ المماتِ، وأنْ يتخلَّصَ مِن هذا المالِ الحرامِ بإعادتِهِ إلى خزينةِ الدولةِ، فعَنْ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» (ابن ماجه)، وكذا مَن أتلفَ شيئًا مِن المالِ العامِّ أنَّه يضمنُهُ قال ﷺ:«مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللهِ؟قَالَ: وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» (مسلم).

ولْيَتَعَاوَنْ الجميعُ في حفظِ المالِ العامِّ بكلِّ وسيلةٍ ممكنةٍ، وليحذرُوا مِن التهاونِ في ذلك قالَ ربُّنَا: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾، وليعلمْ مَنْ تُسَوِّلُ لهُ نفسُهُ بأيِّ نوعٍ مِن أنواعِ الفسادِ أنَّهُ وإنْ غابَ عن أعينِ البشرِ فليعلمْ أنَّ اللهَ مُطَّلِعٌ على سِرِّهِ وعلانِيَتِهِ فتذكَّرُوا قولَهُ سبحانَهُ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِبَعْضِ جَسَدِي فَقَالَ: «اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، وَكُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» (أحمد) .

فلا تحتقرنَّ أخِي الكريم شيئاً يدخلُ بيتكَ مِن بيتِ مالِ المسلمينَ، ولا تستعملْ شيئاً إلّا ما كانَ في مصلحةِ، عملِكَ، وفي خدمةِ واجبِكَ الذي ائتمنَكَ عليهِ وليُّ الأمرِ؛ لأنَّ هذا قد يحجبُ عنكَ رسولَ اللهِ يومَ القيامةِ حيثُ تظهرُ طائفةٌ مِن الخلقِ تفوحُ فضائحُهُم، وتظهرُ كبائرُهُم فعن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ ﷺ، فَذَكَرَ الغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ، قَالَ: “لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ، عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، وَعَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ، وَعَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ، أَوْ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ” (متفق عليه) .

نسألُ اللهَ أنْ يفرجَ كروبَنَا، وأنْ يزيلَ همومَنَا، وأنْ يذهبَ أحزانَنَا، ونسألُكَ يا اللهُ أنْ تجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ توفقَ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.

                                          كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان

                                          د / محروس رمضان حفظي عبد العال

                             مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »