خطبة الجمعة القادمة 11 أكتوبر : رحم اللَّه رجلًا سمحًا ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 11 أكتوبر 2024 م بعنوان : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 8 ربيع الآخر 1446هـ ، الموافق 11 أكتوبر 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 11 أكتوبر 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 11 أكتوبر 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 11 أكتوبر 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة 11 أكتوبر 2024 م بعنوان : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا ، للدكتور محروس حفظي :
(1) السماحةُ مقصدٌ مِن مقاصدِ الدينِ الحنيفِ.
(2) السماحةُ في المعاملاتِ واجبُ الوقتِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 11 أكتوبر 2024 م بعنوان : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
«رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا»
بتاريخ 8 ربيع الثاني 1445 هـ = الموافق 11 أكتوبر 2024 م
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، أمَّا بعدُ ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 11 أكتوبر : رحم اللَّه رجلًا سمحًا
(1) السماحةُ مقصدٌ مِن مقاصدِ الدينِ الحنيفِ:
المستقرىءُ لأوامرِ الشارعِ الحكيمِ ونواهيهِ يجدُ أنَّ جلّهَا مبنيةٌ على السماحةِ والتيسيرِ حتى قعَّدَ الفقهاءُ قواعدَ عظيمةً منهَا«المشقةُ تجلبُ التيسيرَ»، و«إذَا ضاقَ الأمرُ اتَّسعَ»، حيثُ استخلصوهَا مِن آيِ الذكرِ الحكيمِ وأحاديثِ النبيِّ الأمينِ، قالَ ربُّنَا:﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾، وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ» (الطبراني) .
لقد تميزتْ الشريعةُ بالسماحةِ والسهولةِ، وتلمسُ ذلكَ واضحاً جليّاً في بابِ “الزواجِ” مثلاً حيثُ يسّرَ مهرَهُ ولم يشدد في تكاليفِهِ، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ أَعْظَمَ النِّكَاحِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مَؤُونَةً» (النسائي) بل وعدَ ذلكَ بالفرجِ والرزقِ الوفيرِ فقالَ تعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ﴾ وهكذا في باقِي التكاليفِ والعباداتِ، وصدقَ اللهُ في وصفِ سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ حيثُ قال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ .
إنَّ الرسالةَ المحمديةَ سهلةُ التطبيقِ، واضحةُ الفهمِ، فلم يجعلْ اللهُ مشقةً على عبادِهِ، وأمرَهُم بالرفقِ في أمرِهِم كلِّهِ، فعن أبي هريرةَ عن النبيِّ ﷺ قال: «إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أحَدٌ إلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وقَارِبُوا، وأَبْشِرُوا، واسْتَعِينُوا بالغَدْوَةِ والرَّوْحَةِ وشيءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ» (البخاري)، لكنْ هذه كلُّهُ يحتاجُ إلى حسنِ الفهمِ، والقصدِ في العملِ.
إنَّ مفهومَ السماحةِ الذي جاءَ بهِ الإسلامُ هو فوقَ مفهومِ الإنسانيةِ، وحقوقِ الإنسانِ الذي رفعَ شعارَهُ الغربُ، وقد جسَّدَ ذلكَ سيدُنَا ﷺ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:«إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» (مسلم).
لقد شملتْ السماحةُ كلَّ أمورِ الحياةِ ولم تقتصرْ على أمرِ البيعِ والشراءِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ سَمْحَ البَيْعِ، سَمْحَ الشِّرَاءِ، سَمْحَ القَضَاءِ» (الترمذي) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «دَخَلَ رَجُلٌ الْجَنَّةَ بِسَمَاحَتِهِ، قَاضِيًا وَمُتَقَاضِيًا» (أحمد) .
السماحةُ إحدَى صفاتِ النبيِّ ﷺ التي تحلَّى واتصفَ بهَا، يُدرِكُ ذلكَ كلُّ مَنْ صاحبَهُ وخالطَهُ، فعن جريرِ بنِ عبدِ اللهِ البجلِي رضي اللهُ عنه: «مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلَا رَآنِي إِلَّا ضَحِكَ» (مسلم)، وقال هندُ بنُ أبِي هالةَ رضي اللهُ عنه: “كان رسولُ اللهِ ﷺ دائمَ الْبِشْرِ، سهلَ الخُلُقِ، لَيِّنَ الجانبِ” (الشمائل).
لقد رغبَّ الإسلامُ في السماحةِ، وبيّنَ أنَّ مَن يتصفُ بهَا تكونُ سببًا في دخولِ الجنةِ، جاءَ في الحديثِ: “… ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ: انْظُرُوا فِي النَّارِ هَلْ فِيهَا مِنْ أَحَدٍ عَمِلَ خَيْرًا قَطُّ، فَيَجِدُونَ فِي النَّارِ رَجُلًا، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ عَمِلْتُ خَيْرًا قَطُّ، فَيَقُولُ: لَا غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أُسَامِحُ النَّاسَ فِي الْبَيْعِ، فَيَقُولُ اللَّهُ: اسْمَحُوا لِعَبْدِي كَإِسْمَاحِهِ إِلَى عَبِيدِي” (ابن حبان) .
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 11 أكتوبر : رحم اللَّه رجلًا سمحًا
(2) السماحةُ في المعاملاتِ واجبُ الوقتِ:
الإنسانُ فطرَ على حبِّ المالِ والدنيَا كما قالَ سبحانَهُ: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾ لكنَّ الشارعَ الحكيمَ أمرَ العبدَ أنْ يجاهدَ نفسَهُ أثناءَ تعاملِهِ مع الدنيا التي زيّنهَا لهُ، وجبلَهُ على محبتِهَا، وأنْ يجعلَهَا في يدِهِ لا في قلبِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا أَنَا وَالدُّنْيَا إِنَّمَا أَنَا وَالدُّنْيَا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» (ابن ماجه) .
ينبغي على العاقلِ أنْ يكونَ متسامحاً في بيعِهِ وشرائِهِ، وأنْ يعذرَ المعسرَ بالثمنِ فيؤجلَ إلى وقتِ يسارِهِ؛ لأنَّ هذا يجلبُ لهُ الرحمةُ والخيرُ عاجلاً وآجلاً، وقد دعَا رسولُ اللهِ ﷺ لفاعلِ ذلكَ بالخيرِ والرحمةِ، فعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى، سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى» (البخاري) .
ولهذا تعاملَ الجيلُ الأولُ بهذه السماحةِ والسهولةِ فباركَ اللهُ لهم في مالِهم فهذا عثمانُ بنُ عفان – رضي اللهُ عنه – عندما ابتاعَ حائطًا – حديقةً – مِن رجلٍ فساومَهُ حتى قاومَهُ عن الثمنِ الذي رضي بهِ البائعُ فقالَ عثمانُ: أرنَا يدكَ، فقال الرجلُ: لا أبيعكَ حتى تزدنِي عشرةَ آلافٍ فزادَهُ عثمانُ بنُ عفان ليستوجبَ بشارةَ سيدِنَا ﷺ عن عَطَاء بْن فَرُّوخ، مَوْلَى الْقُرَشِيِّينَ «أَنَّ عُثْمَانَ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ أَرْضًا فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ، فَلَقِيَهُ فَقَالَ لَهُ: مَا مَنَعَكَ مِنْ قَبْضِ مَالِكَ، قَالَ: إِنَّكَ غَبَنْتَنِي فَمَا أَلْقَى مِنَ النَّاسِ أَحَدًا إِلَّا وَهُوَ يَلُومُنِي، قَالَ: أَوَ ذَلِكَ يَمْنَعُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاخْتَرْ بَيْنَ أَرْضِكَ وَمَالِكَ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَدْخَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّةَ رَجُلًا كَانَ سَهْلًا مُشْتَرِيًا وَبَائِعًا وَقَاضِيًا وَمُقْتَضِيًا» (أحمد، وسنده حسن لغيره).
وتلك السماحةُ هي التي نشرتْ الإسلامَ في ربوعِ المعمورةِ شرقًا وغربًا، إذ دخلَ في هذا الدينِ الحنيفِ شعوبٌ بكاملِهَا طواعيةً دونَ إجبارٍ، لمَّا رأوا القدوةَ الحسنةَ مرتسمةً في أخلاقِ هؤلاء التجارِ، وحسنِ تعاملِهِم، وما عُرِفَ عنهم مِن الأمانةِ ونظافةِ اليدِ والوفاءِ بالعهدِ … إلخ .
تابع / خطبة الجمعة القادمة 11 أكتوبر : رحم اللَّه رجلًا سمحًا
أولاً: ومِمّا يدلُّ على السماحةِ: “القناعةُ في الربحِ، وتجنبُ الطمعِ الزائدِ”؛ لأنَّ اللهَ قسّمَ الأرزاقَ بينَ الناسِ بشكلٍ متفاوتٍ، لكنْ مهمَا أُوتِيَ الإنسانُ مِن رزقٍ تجدهُ لا يقنعُ برزقِهِ على الرغمِ مِن كثرتِهِ، لذا يجبُ أنْ يتحلَّى البائعُ بالقناعةِ، وأنْ يكونَ ربحُهُ ربحاً واقعيّاً لا تجاوزيّاً، فقد يكسبُ في السلعةِ مكسباً هائلاً ومع ذلك لا يبيعُ بل ينتظرُ رجاءَ أنْ يزيدَ السعرَ أكثر؛ لذا عليهِ أنْ يوقنَ أنَّ الذي يتحصلُ عليهِ مِن ربحٍ طيبٍ لا ضررَ فيهِ بالآخرينَ هو الأبقَى، وليضع البائعُ نفسَهُ مكانَ المشترِي أيرضَى ذلكَ لنفسِهِ؟! عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:«لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (متفق عليه)، والرضَا بمَا قُسِمَ أحدُ أهمِّ الأسبابِ المعينةِ على هدوءِ النفسِ، وتجنبِ الأمراضِ الظاهرةِ والباطنةِ، قالَ ﷺ: «أَنَّ اللَّهَ يَبْتَلِي عَبْدَهُ بِمَا أَعْطَاهُ، فَمَنْ رَضِيَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ، بَارَكَ اللَّهُ لَهُ فِيهِ، وَوَسَّعَهُ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ لَمْ يُبَارِكْ لَهُ» (أحمد)، ولذا حرّمَ الإسلامُ الاحتكارَ، واستغلالَ حاجةِ الناسِ، ولمّا كانت نيتُهُ خبيثةٌ، وطويتُهُ مريضةٌ بشَّرَهُ ﷺ بالإفلاسِ المادِي والمعنوِي قال ﷺ، يَقُولُ:«مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ، ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ» (ابن ماجه)، فالإنسانُ مهمَا اكتسبَ مِن المالِ الحرامِ، ومهمَا ارتفعَ رصيدُهُ منه فهو إلى زوالٍ وبوارٍ، وما ربحَهُ هذا إلّا جذوةٌ مِن لهيبٍ وقَبَسٌ مِن نارٍ، يتأججُ في بطنهِ، أمَّا التاجرُ الأمينُ الصدوقُ يعلمُ أنَّ ما عندَ اللهِ لا يُنالُ إلَّا بطاعتهِ فعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:«قَامَ النَّبِيُّ ﷺ فَدَعَا النَّاسَ، فَقَالَ: هَلُمُّوا إِلَيَّ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ فَجَلَسُوا فَقَالَ: هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ جِبْرِيلُ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّهُ لَا تَمُوتُ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا، وَإِنْ أَبْطَأَ عَلَيْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَأْخُذُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ» (الْبَزَّار)، وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ، وَالصِّدِّيقِينَ، وَالشُّهَدَاءِ» (الترمذي حسنه) .
لقد توعدَ رسولُنَا هؤلاءِ الذينَ نسُوا اللهَ فأنساهُم أنفسَهُم، وراحُوا يكنزونَ المالَ الحرامَ بأنّهُ سيكونُ زادَهُم إلى النارِ، فعن رِفَاعَةَ «أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ إِلَى المُصَلَّى، فَرَأَى النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ، فَاسْتَجَابُوا لِرَسُولِ اللَّهِ، وَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إِلَيْهِ، فَقَالَ: «إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ فُجَّارًا، إِلَّا مَنْ اتَّقَى اللَّهَ، وَبَرَّ، وَصَدَقَ» (الترمذي وحسنه) .
إنَّ التاجرَ الحقيقيَّ هو الذي يتخذُ مِن تجارتِهِ سبيلاً لمرضاةِ اللهِ، فيصيرُ المالُ عبداً لهُ تحتَ قدميهِ لا أنْ يكونَ هو عبداً للمالِ، فيذهبُ يجمعُهُ مِن حلٍّ أو حرامٍ، لا يراعِي فيهِ حقَّ الفقيرِ والمسكين، فعن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ:«تعسَ عبدُ الدينارِ، والدرهمِ، والقطيفةِ، والخميصةِ، إنْ أعطيَ رضيَ، وإنْ لم يعطَ لم يرضَ» (البخاري) .
ومِن أعظمِ أبوابِ السماحةِ في المعاملاتِ “التيسيرُ على المدينِ المعسرِ” وهو مبدأٌ عظيمٌ جاءَ بهِ الإسلامُ رحمةً بحالِهِ، وتقديرًا لظروفِهِ، وهو مِن أهمِّ أبوابِ التكافلِ الاجتماعِي بينَ أبناءِ المجتمعِ الواحدِ حيثُ يجعلُهُ وحدةً متينةً، تقومُ على الحبِّ والوئامِ والتعاونِ والتراحمِ، قال تعالى:﴿وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، فضلاً عما ينتظرُهُ مِن الأجرِ والثوابِ عندَ اللهِ، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ، طَلَبَ غَرِيمًا لَهُ فَتَوَارَى عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ، فَقَالَ: إِنِّي مُعْسِرٌ، فَقَالَ: آللَّهِ؟ قَالَ: آللَّهِ؟ قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ» (مسلم) وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ غَرِيمِهِ، أَوْ مَحَا عَنْهُ، كَانَ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (سنن الدارمي) .
وليثقْ العبدُ أنَّ اللهَ – عزَّ وجلَّ- سيرحمُهُ كما يرحمُ عبيدَهُ؛ فالجزاءُ مِن جنسِ العملِ، فعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ، وَكَانَ مُوسِرًا، فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ»، قَالَ: ” قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، تَجَاوَزُوا عَنْهُ” (مسلم).
أينَ مُن يقبلُ عثراتِ الخلقِ ويسامحُهُم؟! عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ، أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (ابن حبان) .
تابع / خطبة الجمعة القادمة 11 أكتوبر : رحم اللَّه رجلًا سمحًا
لقد جاءَ الإسلامُ وقضَى على الجاهليةِ الأولَى التي كانتْ مِن مظاهرِهَا التعاملُ بالربَا بحيثُ لو تأخرَ المدينُ أرهقَهُ الدائنُ بالزيادةِ عليهِ، وهذه هي الإنسانيةُ المتحضرةُ في أبهَى صورِهَا حيثُ أعلنَ اللهُ الحربَ على فاعلِ ذلكَ فقالَ تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾،﴿وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾، فتنبهْ واحذرْ.
ثانياً: وكذا مِن السماحةِ “الالتزامُ بالعهودِ والعقودِ والوفاءُ بهَا” حيثُ أمرَنَا ربُّنَا عزَّ وجلَّ في كتابهِ بالوفاءِ بالعهودِ والمواثيقِ فقالَ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾، وقال: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ أن الْعَهْدَ كان مَسْئُولاً﴾، كلُّ ذلكَ مِن أجلِ رفعِ الحرجِ، ومنعِ إدخالِ الأذىَ على الناسِ؛ إذ العالمُ يشهدُ تغيراً وتحولاً اقتصادياً لا مثيلَ لهُ في تاريخِ البشريةِ، فالتأخيرُ في المواعيدِ قد يترتبُ عليهِ خسائرٌ فادحةٌ وأضرارٌ كبيرةٌ فأوجبَ دينُنَا احترامَ العهودِ ووصَّى بها في قرآنهِ فقالَ: ﴿وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، والإنسانُ إذا كانت نيتُهُ معقودةٌ على الوفاءِ بالشروطِ والمواعيدِ فإنَّ اللهَ ييسرُ لهُ السُّبلَ، ويمهدُ لهُ الطريقَ، ويذللُ لهّ العقبات، فعن أبي هريرةَ عن النبيِّ ﷺ قال: «مَن أخذَ أموالَ الناسِ يريدُ أداءَهَا أدَّى اللهُ عنهُ، ومَن أخذَ يريدُ إتلافَهَا أتلفَهُ اللهُ» (البخاري)، وليس هذا ضرباً مِن الخيالِ بل في الواقعِ – قديماً وحديثاً – ما يعضدُ ذلك ويقوّيهِ، فعن أبي هريرةَ عن النبيِّ ﷺ: «أنَّ رجلًا مِن بنِي إسرائيلَ سألَ بعضَ بنِي إسرائيلَ بأنْ يسلفهُ ألفَ دينارٍ، فدفعَهَا إليهِ فخرجَ في البحرِ، فلم يجدْ مركباً، فأخذَ خشبةً، فنقرَهَا، فأدخلَ فيها ألفَ دينارٍ، فرمَى بها في البحرِ، فخرجَ الرجلُ الذي كانَ أسلفَهُ، فإذا بالخشبةِ، فأخذَهَا لأهلهِ حطباً، فلما نشرِهَا وجدَ المالَ» (البخاري).
ينبغِي على العبدِ أنْ يؤدِّي ما عليهِ بطيبِ نفسٍ، ويُعجِّلُ بالقضاءِ ولا يماطلُ في الحقوقِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ سِنٌّ مِنَ الإِبِلِ، فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ ﷺ: «أَعْطُوهُ»، فَطَلَبُوا سِنَّهُ، فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلَّا سِنًّا فَوْقَهَا، فَقَالَ:«أَعْطُوهُ»، فَقَالَ: أَوْفَيْتَنِي وَفَى اللَّهُ بِكَ، قَالَ ﷺ:«إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» (البخاري).
ثالثاً: ومِن مُقتضَى السماحةِ “أنْ يُتَجَنَّبَ التطفيفُ في الكيلِ والميزانِ” فقد جُعِلَ مَن يفعلُ ذلكَ كأنَّهُ لا يؤمنُ بيومِ البعثِ؛ إذ لو كان يعتقدُ أنَّ هناكَ حساباً لمَا أقدمَ على فعلِ ذلك قال تعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ﴾، وقد كان هذا الداءُ مِن أهمِّ الأمراضِ التي بُعِثَ شعيبٌ عليهِ السلامُ كي يعلاجَهَا في قومِهِ حيثُ استشرتْ وانتشرتْ بصورةٍ لا مثيلَ لهَا في تاريخِ البشريةِ فقالَ تعالَى: ﴿وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ * وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾، وعندمَا رأَى ﷺ رجلاً يزنُ أمرَهُ أنْ يعدلَ فعَنْ سُوَيْدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: جَلَبْتُ أَنَا وَمَخْرَمَةُ الْعَبْدِيُّ بَزًّا مِنْ هَجَرَ، فَجَاءَنَا النَّبِيُّ ﷺ فَسَاوَمَنَا بِسَرَاوِيلَ، وَعِنْدِي وَزَّانٌ يَزِنُ بِالْأُجْرَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِلْوَزَّانِ: «زِنْ وَأَرْجِحْ» (أبو داود) .
أخي الحبيب: الإسلامُ في جانبِ المعاملاتِ الماليةِ ربطَهَا بسياجِ التقوَى وعدمِ نسيانِ اليومِ الآخرِ حتى يبقَى الضميرُ الإنسانِيُّ حيّاً مراقباً اللهَ في جميعِ تعاملاتِهِ، وقد رسَّخَ هذا المعنَى رسولُنَا ﷺ في كثيرٍ مِن أحاديثِهِ، وبيّنَ أنّْ اللهَ قد ضمنَ للإنسانِ رزقَهُ وكسبَهُ فلا يستعجلهُ بالحرامِ فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:«إِنَّ الرِّزْقَ لَيَطْلُبُ الْعَبْدَ كَمَا يَطْلُبُهُ أَجَلُهُ» وفي رواية:«أَكْثَرَ مِمَّا يَطْلُبُهُ أَجْلُهُ» (الْبَزَّارُ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ) .
تابع / خطبة الجمعة القادمة 11 أكتوبر : رحم اللَّه رجلًا سمحًا
وتلمسُ ذلكَ جليّاً وعمليّاً في حياةِ الصحبِ الكرامِ – رضي اللهُ عنهم- فوقعَ قحطٌ على عهدِ الصديقِ رضي اللهُ عنه فاجتمعَ الناسُ إليهِ فقالوا: “السماءُ لم تمطرْ والأرضُ لم تنبتْ والناسُ في شدةٍ شديدةٍ، فقال أبو بكرٍ: انصرفُوا واصبروا فإنّكُم لا تمسونَ حتى يفرجَ اللهُ الكريمُ عنكم، قال: فمَا لبثنَا أنْ جاءَ أجراءُ عثمانَ مِن الشامِ، فجاءتْهُ مائةُ راحلةٍ بُرًّا- أو قال طعامًا- فاجتمعَ الناسُ إلى بابِ عثمانَ فقرعُوا عليهِ البابَ، فخرجَ إليهم عثمانُ في ملأٍ مِن الناسِ فقالَ: ما تشاءون؟ قالوا: الزمانُ قد قحطَ، والناسُ في شدةٍ شديدةٍ، وقد بلغنَا أنَّ عندكَ طعامًا، فبعنَا حتى نوسعَ على فقراءِ المسلمينَ، فقال عثمانُ: حبًّا وكرامةً، ادخلُوا فاشتروا، فدخلَ التجارُ فإذا الطعامُ موضوعٌ في دارِ عثمانَ، فقال: يا معشرَ التجارِ، كم تربحوننِي على شرائِي مِن الشامِ؟ قالوا: للعشرةِ اثنَا عشر. قال عثمانُ: قد زادونِي، قالوا: للعشرةِ خمسةَ عشرَ، قال عثمانُ: قد زادونِي، قال التجارُ: يا أبا عمرُو، ما بقيَ بالمدينةِ تجارٌ غيرُنَا فمَن زادَكَ؟ قال: زادنِي اللهُ بكلِّ درهمٍ عشرةَ، أعندَكُم زيادةٌ؟ قالوا: اللهُمَّ لا، قال: فإنِّي أشهدُ اللهَ أنِّي قد جعلتُ هذا الطعامَ صدقةً على فقراءِ المسلمين” .
أخي الكريم: استحضرْ الآخرةَ في تعاملِكَ فهي الباقيةُ المنجيةُ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: “مَنْ كَانَ هَيِّنًا لَيِّنًا قَرِيبًا حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ” (الحاكم وصححه)، ارحمْ الضعفاءَ، وتسامحْ مع أصحابِ الحاجاتِ لعلَّ اللهَ يعفُو عنكَ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اسْمَحْ، يُسْمَحْ لَكَ» (أحمد) .
نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان
د / محروس رمضان حفظي عبد العال
مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف