خطبة الجمعة القادمة للشيخ عبد الناصر بليح 3 يناير: أسباب الفوز بمعية الله تبارك وتعالي
خطبة الجمعة القادمة للشيخ عبد الناصر بليح 3 يناير 2020: أسباب الفوز بمعية الله تبارك وتعالي ، بتاريخ: 8 جماد أول 1441هـ – 3 يناير 2020م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة للشيخ عبد الناصر بليح : أسباب الفوز بمعية الله تبارك وتعالي :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة للشيخ عبد الناصر بليح : أسباب الفوز بمعية الله تبارك وتعالي ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة للشيخ عبد الناصر بليح : أسباب الفوز بمعية الله تبارك وتعالي ، بصيغة pdf أضغط هنا.
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة للشيخ عبد الناصر بليح : أسباب الفوز بمعية الله تبارك وتعالي : كما يلي:
عناصر خطبة الجمعة القادمة للشيخ عبد الناصر بليح : أسباب الفوز بمعية الله تبارك وتعالي :
معية الله الخاصة:”
متى يكون الله معنا؟
التقوي والإحسان
الصبر
ذكر الله عزوجل
طاعة الله ورسوله بإقامة الفرائض
الدعاء والتضرع
التوكل علي الله
تَحْقِيقُ الْعُبُودِيَّةِ للهِ
الحمد لله رب العالمين إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له: “يقول الحق وهو يهدي السبيل”.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل مبلغاً عن رب العزة سبحانه وتعالي: “أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني ..” اللهم صلاة وسلاماً عليك يا سيدي يا رسول الله وعلي آلك وصحبك وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد فيا جماعة الإسلام
يقول الله تعالى: “يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرُ”(الحديد/4).فالله رقيب علينا، شهيد على أعمالنا أينما كنا في بر، أو بحر، أو جو، أو ليل، أو نهار، أو حضر، أو سفر، أو بيت، أو قفر”(يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُم”( الأنعام/3).:” يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ”(غافر/19).
:”سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ”(الرعد/1). هذه معية الله العامة.
معية الله الخاصة:”
ــــــــــــــــــــــــــ
أما معيته الخاصة فهو مع المؤمنين بنصره وتأييده كما قال لموسى وهارون: “إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى”( طه/46).
وهو مع المتقين، ومع المحسنين، ومع الصابرين، ومع الذاكرين, ومع المؤمنين, ومع السائلين .. فمن يتق الله يكن معه، ومن يكن الله معه فمعه الفئة التي لا تغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل، قال بعض السلف لأخيه: “إن كان الله معك فمن تخاف، وإن كان عليك فمن ترجو؟”، وقيل :” أن كان الله معك فمن عليك وإن كان عليك فمن معك ” وهذه هي المعية التي يدافع الله بها عن المؤمنين، وهي المعية التي كان الله بها مع نبيه صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه في الغار: “يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّه معنا”(التوبة/40).وهي معية النصرة والتأييد، مؤنسة مطمئنة، مذهبة للخوف، والوجل، والرعب.
متى يكون الله معنا؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ! إِنَّ مَعِيَّةَ اللهِ هَذِهِ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّتِي يُنْعِمُ بِهَا عَلَى عَبْدِهِ، وَلَكِنْ لِهَذِهِ النِّعْمَةِ أَقْوَالٌ وَأَعْمَالٌ هِيَ السَّبَبُ الَّذِي تُنَالُ بِهِ. وهي كثيرة منها:”
التقوي والإحسان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَمِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَتَحَصَّلُ الْعَبْدُ بِهَا عَلَى مَعِيَّةِ اللهِ الْخَاصَّةِ: التَّقْوَى وَالْإِحْسَانُ؛ فَإِذَا وُجِدَتِ التَّقْوَى أَوْ غَيْرُهَا مِنْ أَسْبَابِهَا فِي شَخْصٍ كَانَ اللهُ مَعَهُ.: “إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ”(النحل/128).
وَالتَّقْوَى هِيَ وَصِيَّةُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ: “وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ”(النساء/131)التَّقْوَى: هِيَ أَنْ تَتَّقِيَ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ بِفِعْلِ المَأْمُورِ وَتَرْكِ المَحْظُورِ.. فَهَذِهِ تَقْوَى اللهِ.
عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ فِي فِعْلِ أَمْرِهِ=وَتَجْتَنِبُ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَتَبْعُدُ
وَكُنْ مُخْلِصًا للهِ وَاحْذَرْ مِنَ الرِّيَا=وَتَابِعْ رَسُولَ اللهِ إِنْ كُنْتَ تَعْبُدُ
تَوَكَّلْ عَلَى الرَّحْمَنِ حَقًّا وَثِقْ بِهِ=لِيَكْفِيكَ مَا يُغْنِيكَ حَقًّا وَتَرْشُدُ
تَصَبَّرْ عَنِ الْعِصْيَانِ وَاصْبِرْ لِحُكْمِهِ=وَصَابِرْ عَلَى الطَّاعَاتِ عَلَّكَ تَسْعَدُ
والتقوي هي وسيلة العلم ووسيلة الرزق ووسيلة البركة ووسيلة صلاح الحال ووسيلة النصر وخير زاد تأخذه معك للآخرة وخير ميراث تتركه لأولادك ..
وَالْإِحْسَانُ مِنْ أَسْبَابِ الْفَوْزِ بِمَعِيَّةِ اللهِ الْخَاصَّةِ؛ وَهُوَ: “أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ”.
وَالْإِحْسَانُ فِي الْأَصْلِ نَوْعَانِ: إِحْسَانٌ فِي عِبَادَةِ الْخَالِقِ الْعَظِيمِ. وَإِحْسَانٌ فِي حُقُوقِ الْخَلْقِ؛ وَهُوَ نَوْعَانِ:
– إِحْسَانٌ وَاجِبٌ: وَهُوَ أَنْ تَقُومَ بِحُقُوقِهِمُ الْوَاجِبَةِ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ؛ كَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَالْإِنْصَافِ فِي جَمِيعِ الْمُعَامَلَاتِ، ويَدْخُلُ فِي هَذَا النَّوْعِ الْإِحْسَانُ إِلَى الْبَهَائِمِ، ثُمَّ الْإِحْسَانُ فِي الْقَتْلِ كَذَلِكَ، وفِي الذَّبْحِ كَذَلِكَ، كَمَا أَمَرَ الرَّسُولُ صلي الله عليه وسلم بِأَمْرِ اللهِ.
– وَالْإِحْسَانُ الْمُسْتَحَبُّ: هُوَ مَا زَادَ عَلَى الْوَاجِبِ مِنْ بَذْلِ نَفْعٍ مَالِيٍّ، أَوْ بَدَنِيٍّ، أَوْ نَفْعٍ عِلْمِيٍّ. وَمِنْ أَجَلِّ أَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ: الْإِحْسَانُ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ .وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْإِحْسَانِ فِي عِبَادَةِ اللهِ: فَأَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ”.
عِبَادَ اللهِ! أَهْلُ الْإِحْسَانِ هُمُ الصَّفْوَةُ، وَهُمُ الْخُلَّصُ مِنْ عِبَادِ اللهِ الْمُؤْمِنِينَ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
:”إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ”(النحل: 128).
فالله مع المتقين وهم الذين عظموا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه .. والذين هم محسنون هم اهل الشفقة والرحمة والإحسان علي خلق الله ..ومعني أن الله مع هؤلاء أي أنه يتولاهم بالحماية والرعاية والإحسان والهداية وصلاح الأحوال ..
ومن كان الله معه فقد ربح كل شيء ومن طرده الله من معيته فقد خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين”
الصبر:”
ــــــــــــــــــ
وَمِنَ الْأَسْبَابِ الْعَظِيمَةِ لِتَحْصِيلِ مَعِيَّةِ اللهِ:
الصَّبْرُ؛ قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-:”وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”(الأنفال/46).
وَالصَّبْرُ حَبْسُ النَّفْسِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ، وَحَبْسُهَا عَنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، وَحَبْسُهَا عَنِ التَّسَخُّطِ عَلَى أَقْدَارِ اللهِ؛ سَوَاءٌ بِاللِّسَانِ، أَوْ بِالْقَلْبِ، أَوْ بِالْجَوَارِحِ.
وَأَفْضَلُ أَنْوَاعِ الصَّبْرِ:
الصَّبْرُ عَلَى طَاعَةِ اللهِ، ثُمَّ عَنْ مَعْصِيَةِ اللهِ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا اخْتِيَارًا: إِنْ شَاءَ الْإِنْسَانُ فَعَلَ الْمَأْمُورَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ الْمُحَرَّمَ وَإِنْ شَاءَ مَا تَرَكَهُ، ثُمَّ عَلَى أَقْدَارِ اللهِ؛ لِأَنَّ أَقْدَارَ اللهِ وَاقِعَةٌ شِئْتَ أَمْ أَبَيْتَ، فَإِمَّا أَنْ تَصْبِرَ صَبْرَ الْكِرَامِ، وَإِمَّا أَنْ تَسْلُوَ سُلُوَّ الْبَهَائِمِ.
وَالصَّبْرُ دَرَجَةٌ عَالِيَةٌ لَا تُنَالُ إِلَّا بِشَيْءٍ يُصْبَرُ عَلَيْهِ، أَمَّا مَنْ فُرِشَتْ لَهُ الْأَرْضُ وُرُودًا، وَصَارَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَى مَا يُرِيدُ؛ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَنَالَهُ شَيْءٌ مِنَ التَّعَبِ النَّفْسِيِّ أَوِ الْبَدَنِيِّ الدَّاخِلِيِّ أَوِ الْخَارِجِيِّ. وَلِهَذَا جَمَعَ اللهُ لنبيه صلي الله عليه وسلم بَيْنَ الشُّكْرِ وَالصَّبْرِ. فَالشُّكْرُ: كَانَ يَقُومُ حَتَّى تَتَوَرَّمَ قَدَمَاهُ؛ فَيَقُولُ: “أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟!).وَالصَّبْرُ: صَبْرٌ عَلَى مَا أُوذِيَ، فَقَدْ أُوذِيَ مِنْ قَوْمِهِ وَمِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ صَابِرٌ.
ذكر الله عزوجل :
ـــــــــــــــــــــــــــ
وَمِنْ أَسْبَابِ الْفَوْزِ بِمَعِيَّةِ اللهِ -تَعَالَى- الْخَاصَّةِ: ذكره والانشغال به دائماً قال تعالي:
“فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ” وعن أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم :
“إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي -أَوْ قَالَ: إِذَا ذَكَرَنِي-.
إذا كان الله معك فمن عليك؟
فالمعية تحتاج إلي معية بمعني:”
الذكر يحتاج إلي ذكر “فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ “:
” أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني” والنصر يحتاج إلي نصر :
” إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ “.
والتوبة تحتاج إلي توبة :
” ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ”.
والمغفرة تحتاج إلي استغفار: ” فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا “.
والاستجابة تحتاج إلي دعاء: ” وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ”
والحب يحتاج إلي حب:
“فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ..”
والحفظ يحتاج إلي حفظ :
” يا غلام احفظ الله يحفظك “.
والمعرفة تحتاج إلي معرفة :
” تعرف إلي الله في الرخاء يعرفك في الشدة”.
طاعة الله ورسوله بإقامة الفرائض:”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيها الناس: “وَمِنْ أَسْبَابِ الْفَوْزِ بِمَعِيَّةِ اللهِ -تَعَالَى- الْخَاصَّةِ: نَصْرُهُ -سُبْحَانَهُ- بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عنِ الْمُنْكَرِ؛ قَالَ تَعَالَى: “وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ”. مَا دَامَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْصُرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مَنْ يَنْصُرُهُ لَا مَحَالَةَ.: “الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ”(الحج: 41).
الدعاء والتضرع:
ـــــــــــــــــــــــــ
عباد الله : “وَمِنَ الْأَسْبَابِ -أَيْضًا-: الدُّعَاءُ وَالتَّضَرُّعُ لَهُ سُبْحَانَهُ؛ قَالَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ”(البقرة: 186).وَقَالَ تَعَالَى: “أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ”(النمل/62).
مَنْ هَذَا الْعَظِيمُ الَّذِي يُجِيبُ الْمَكْرُوبَ الْمَجْهُودَ إِذَا دَعَاهُ، وَيَكْشِفُ الضُّرَّ النَّازِلَ بِهِ؟!!
عِبَادَ اللهِ! عَلَيْنَا أَنْ نَدْعُوَ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَنْ نَعْلَمَ أَنَّ هَذَا هُوَ أَشْرَفُ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْعِبَادَةِ، يَتَعَبَّدُ بِهِ الْعَبْدُ الصَّالِحُ لِرَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا-؛ كَمَا قَالَ صلي الله عليه وسلم: “الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ”.
فَعَلَيْنَا أَنْ نَتَوَجَّهَ دَائِمًا وَأَبَدًا إِلَى اللهِ وَأَنْ نُخْلِصَ الْقُلُوبَ لَهُ، وَأَنْ نَكُونَ مُوَحِّدِينَ؛ حَتَّى يَسْتَجِيبَ لَنَا رَبُّنَا رَبُّ الْعَالَمِينَ.
التوكل علي الله:”
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
إخوة الإيمان والإسلام : “وَمِنَ الْوَسَائِلِ لِنَيْلِ مَعِيَّةِ اللهِ: التَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-؛ فَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فِي أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ؛ بِأَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى اللَّهِ فِي جَلْبِ مَا يَنْفَعُهُ وَدَفْعِ مَا يَضُرُّهُ، وَيَثِقَ بِهِ فِي تَسْهِيلِ ذَلِكَ، فَهُوَ كَافِيهِ الْأَمْرَ الَّذِي تَوَكَّلَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ فِي كَفَالَةِ الْغَنِيِّ الْقَوِيِّ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ، فَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى الْعَبْدِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-:”وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ”(الطلاق: 2-3).وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ فَيَعْمَلْ بِمَا أَمَرَهُ وَيَجْتَنِبْ مَا نَهَاهُ عَنْهُ؛ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ مَخْرَجًا وَمَخْلَصًا مِنْ هُمُومِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَيَرْزُقْهُ دَوَامًا، وَيُيَسِّرْ لَهُ أَسْبَابَ الرِّزْقِ مِنْ حَيْثُ لَا يَخْطُرُ عَلَى بَالِهِ وَلَا يَكُونُ فِي حُسْبَانِهِ. وَمَنْ يَكِلْ أَمْرَهُ إِلَى اللهِ، فَهُوَ كَافِيهِ مَا أَهَمَّهُ فِي الدَّارَيْنِ.
تَحْقِيقُ الْعُبُودِيَّةِ للهِ:”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عباد الله: ” وَمِنْ وَسَائِلِ تَحْصِيلِ مَعِيَّةِ اللهِ تَحْقِيقُ الْعُبُودِيَّةِ للهِ قَالَ تَعَالَى:”َلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ”(الزمر/36)؟بَلَى كَافٍ! وَتَكُونُ الْكِفَايَةُ عَلَى قَدْرِ الْعُبُودِيَّةِ؛ فَمَنْ جَاءَ بِعُبُودِيَّةٍ كَامِلَةٍ فَلَهُ مِنَ الْكِفَايَةِ بِحَسَبِهَا، وَمَنْ جَاءَ بِعُبُودِيَّةٍ نَاقِصَةٍ فَبِحَسَبِ ذلك تَكُونُ الْكِفَايَةُ.
تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعباد الله : “وَمِنْ أَعْظَمِ سُبُلِ الْفَوْزِ بِمَعِيَّةِ اللهِ الْخَاصَّةِ: تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ؛ قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: “وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ”(الأنبياء: 87-88).
وَضَعْ فِي ذَاكِرَتِكَ -أَيُّهَا الْمُتَلَقِّي لِكَلَامِ رَبِّكَ- قِصَّةَ يُونُسَ بْنِ مَتَّى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- صَاحِبِ الْحُوتِ، حِينَ انْصَرَفَ عَنْ قَوْمِهِ مُغَاضِبًا لَهُمْ؛ مِنْ أَجْلِ دِينِ رَبِّهِ، ضَائِقًا صَدْرُهُ بِعِصْيَانِهِمْ، دُونَ أَنْ نَأْمُرَهُ بِفِرَاقِهِمْ.
وَظَنَّ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُ أَنْ لَنْ نُضَيِّقَ عَلَيْهِ؛ عِقَابًا لَهُ عَلَى تَرْكِ قَوْمِهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِنَا، فَابْتَلَاهُ اللهُ بِشِدَّةِ الضِّيقِ وَالْحَبْسِ، وَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ فِي الْبَحْرِ.
فَنَادَى رَبَّهُ فِي الظُّلُمَاتِ -ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَظُلْمَةِ الْبَحْرِ، وَظُلْمَةِ جَوْفِ فَمِ الْحُوتِ- تَائِبًا مُعْتَرِفًا بِذَنْبِهِ بِتَرْكِهِ الصَّبْرَ عَلَى قَوْمِهِ؛ قَائِلًا: لَا إِلَهَ مَعْبُودٌ بِحَقٍّ فِي الْوُجُودِ كُلِّهِ إِلَّا أَنْتَ، تَنَزَّهْتَ عَنْ كُلِّ شَرِيكٍ، وَعَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِرُبُوبِيَّتِكَ وَإِلَاهِيَّتِكَ.
أُؤَكِّدُ اعْتِرَافِي بِذَنْبِي؛ إِذْ ذَهَبْتُ مُغَاضِبًا قَوْمِي الَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لِي قَبْلَ أَنْ تَأْذَنَ لِي بِانْصِرَافِي عَنْهُمْ.
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ دُعَاءَهُ، وَخَلَّصْنَاهُ مِنْ تِلْكَ الظُّلُمَاتِ، وَقَدَّرْنَا أَنْ يَلْفِظَهُ الْحُوتُ عَلَى الْيَابِسَةِ قَرِيبًا مِنْ شَاطِئِ الْبَحْرِ، فَفَعَلَ.
وَمِثْلُ هَذَا التَّخْلِيصِ مِنَ الْغَمِّ، نُخَلِّصُ سَائِرَ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ كَامِلِي الْإِيمَانِ مِنَ الْكُرُوبِ، ضِمْنَ سُنَّتِنَا فِي تَصَارِيفِنَا بِعِبَادِنَا إِذَا دَعَوْنَا وَاسْتَغَاثُوا بِنَا.
هَذِهِ الدَّعْوَةُ الْمُبَارَكَةُ الَّتِي دَعَا بِهَا يُونُسُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا.
وَكَذَلِكَ يُفَرِّجُ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، حَتَّى إِنَّ الْإِنْسَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى هَذِهِ الدَّعْوَةِ عِنْدَ الْكَرْبِ الْتِفَاتًا خَاصًّا، فَإِنَّهُ إِذَا دَعَا بِهَا ثُمَّ لَمْ يُفَرَّجْ عَنْهُ وَلَمْ يُنَجِّهِ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقِفَ طَوِيلًا مَعَ إِيمَانِهِ؛ لِأَنَّ اللهَ جَعَلَ نَجَاةَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا أَخَذُوا بِهَذِهِ الدَّعْوَةِ الصَّالِحَةِ الْمُبَارَكَةِ.. جَعَلَ هَذِهِ النَّجَاةَ كَنَجَاةِ يُونُسَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمَّا دَعَا بِهَا وَهُوَ فِي بَاطِنِ الْحُوتِ.
الْإِيمَانُ يُنَجِّي مِنَ الْأَهْوَالِ وَالشَّدَائِدِ:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: “وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ”(الأنبياء/88).أَيْ: إِذَا وَقَعُوا فِي الشَّدَائِدِ؛ لِإِيمَانِهِمْ بِرَبِّهِمْ..
وَمِنْ أَعْظَمِ سُبُلِ تَحْصِيلِ مَعِيَّةِ اللهِ الْخَاصَّةِ:
الجَدَّ وَالاجْتَهَادَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ، فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الْهِدَايَةِ وَالْمَعُونَةِ عَلَى تَحْصِيلِ مَطْلُوبِهِ أُمُورٌ إِلَهِيَّةٌ، خَارِجَةٌ عَنْ مُدْرَكِ اجْتِهَادِهِ، وَتُيَسِّرُ لَهُ أَمْرَ الْعِلْمِ، فَإِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ مِنَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَلْ هُوَ أَحَدُ نَوْعَيِ الْجِهَادِ الَّذِي لَا يَقُومُ بِهِ إِلَّا خَوَاصُّ الْخَلْقِ؛ وَهُوَ الْجِهَادُ بِالْقَوْلِ وَاللِّسَانِ لِلْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، وَالْجِهَادُ عَلَى تَعْلِيمِ أُمُورِ الدِّينِ، وَعَلَى رَدِّ نِزَاعِ الْمُخَالِفِينَ لِلْحَقِّ، وَلَوْ كَانُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ تَعَالَى:
“وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ”(العنكبوت/69).وَالَّذِينَ جَاهَدُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ أَجْلِنَا بِالصَّبْرِ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَمُخَالَفَةِ الْهَوَى، وَجَاهَدُوا الْمُشْرِكِينَ بِالصَّبْرِ عَلَى أَذَاهُمْ، وَاتِّخَاذِ السُّبُلِ لِلْهِجْرَةِ وَالْفِرَارِ بِدِينِهِمْ؛ لَنُوَفِّقَنَّهُمْ إِلَى سُبُلِ نَجَاتِهِمْ وَسَلَامَتِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ، وَتَيْسِيرِ طُرُقِ هِجْرَةٍ آمِنَةٍ مَعَهَا تَأْمِينُ رِزْقِهِمْ وَمَعَاشِهِمْ.: “وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ” مُصَاحِبٌ لَهُمْ بِالنَّصْرِ وَالْمَعُونَةِ وَالتَّأْيِيدِ.
فإنَّ ثقة العبد بربِّه ويقينه بأنه – سبحانه – المتولي لأموره، وأنه – تعالى – سائقُ كلِّ خير، وكاشفُ كل ضر لا تتركه نهبًا للوساوس والأوهام، ولا تلقيه في بيداء اليأس من روح الله، أو ظلمة القنوط من رحمة الله؛ بل تجعله يضرع إلى الله تعالى –عند كلِّ نازلة، ويستجير به عند كل مصيبة، ويشكره ويذكُره، ويحمده عند كلِّ نعمة ورحمة، فيتَّجه إلى الله في سائر أحواله، داعيًا متضرعًا موقنًا بالإِجابة، منتظرًا للفرج من الله، لا يتَّجه إلى غيره، ولا يُنزل حاجتَه بسواه:
“أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ”(النمل: ٦٢).فيتذكَّر ربَّه في كلِّ أحواله ذاكرًا وشاكرًا على السرَّاء، وصابرًا ضارعًا منتظرًا للفرج عند الضرَّاء، ويسأل الله أن يجود عليه بحفظ النعماء، والعافية من البلاء، واللطف في القضاء؛ غير أن هذا الأمر يختص به المؤمن دون غيره؛ فَعَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: “قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ! وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ”(مسلم)
الخطبة الثانية من خطبة الجمعة القادمة :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله وكفي وصلاة علي النبي المصطفي.. أما بعد: فيا جماعة الإسلام :
إن معية الله لها أهمية كبيرة في حياة الإنسان؛ فإن إحساس المؤمن بحفظ الله له، ويقينه أنَّ الله معه؛ يَسمعه إذا شكا، ويُجيبه إذا دعا، ويأخذ بيده إذا كبا، ويمدُّه إذا ضعُف، ويعينه إذا احتاج، ويلطف به إذا خاف، كلُّ ذلك من أسباب ارتياح النفس وانشراح الصدر، وطمأنينة القلب وتيسير الأمر، وطيب العاقبة في العاجل والآجل. وقد رأينا متى يكون الله معنا؟ فكل من اتصف بالإيمان أو الإحسان أو التقوى أو الصبر أو التوكل.. فإن الله معهم ينصرهم، ويحفظهم، ويؤيدهم، ويوفقهم، ومعية الله أثمن شيء على الإطلاق، أن يكون الله معك، كن مع الله ترى الله معك.
ومعية الله سبحانه وتعالى أعظم معية، فهناك من يتفاخر بمعية العظماء والكبراء والمشاهير ، يحتمي بهم ويلوذ بهم ، هؤلاء هم من أعمتهم دنياهم عن آخرتهم وغرهم سلطان البشر عن رب الأرباب وتغافلوا بمعية الناس عن معية رب الناس إذا أطعناه، وتركنا معصيته، وأقبلنا عليه، وناشدناه، واستغثنا به، وتوكلنا عليه: “ولن يضيعني الله أبداً”، والنبي صلى الله عليه وسلم كان مع ربه فكان الله معه، وكذلك قال موسى: “إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِين”(الشعراء/62).
أمثلة لمعية الله لأوليائه:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عباد الله : “وهذه المعية لها أمثلة كثيرة، ومن ذلك ما يراه المطالع لأسباب نزول آيات القرآن: – فإنه لما اتهم المنافقون عائشة رضي الله عنها البريئة الطاهرة قالت: “فبت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، وقد بكيت ليلتين ويوماً حتى أظن أن البكاء فالق كبدي، والنبي صلى الله عليه وسلم يمكث شهراً لا يوحى إليه ويقول: “فإن كنت بريئة فسيبرئك الله” وهكذا تستعين بقول الله: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ”(يوسف:18).لكن ما كان الله ليترك الصديقة على ما هي عليه من الحزن والكآبة؛ لأن معيته لهذه المؤمنة تقتضي أن ينصرها ولو بعد حين، فأنزل الله تعالى قوله: إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ”(النور/11). فرفعها الله بهذه الآيات التي تتلى إلى قيام الساعة، شاهدة على براءة الصديقة بنت الصديق، وأن الله كان معها..
وقد كان الله مع الصبي زيد بن أرقم حين سمع عبد الله بن أبي يقول:
“لئن رجعنا المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل”، وبلغ الكلمة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن مثل هذه الكلمة الخطيرة لا بد أن تُنقل، لكن لم يكن معه من يشهد له، وظن قومه أنه غفل ونقل ما لم يحصل؛ فلم يصدقوه، فخفق برأسه من الهم ما ذكره بقوله: “فأصابني همٌّ لم يصبني مثله قط” فأنزل الله عز وجل: “هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ”(المنافقون:7).إلى قوله: “يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ”(المنافقون:8). فأرسل إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها عليَّ ثم قال: “إن الله قد صدقك يا زيد” فكان الله مع الصبي الذي كان حريصاً على مصلحة أهل الإسلام.
وهذا الصحابي هلال بن أمية رضي الله عنه الذي رجع من أرضه عشاءً، وكان يعمل في الزرع فوجد عند امرأته رجلاً أجنبياً، كارثة كبيرة، ومصيبة عظيمة، فرأى بعينيه، وسمع بأذنيه، وكان قد نزل قوله: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) سورة النور:4، فلو تكلم الآن تكلم بأمر عظيم سيجلد عليه، ولو سكت سيسكت على غيظ وحنق وشدة، فذهب وتكلم، وكره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك واشتد عليه، واجتمعت الأنصار وقالوا: الآن يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال بن أمية، فقال هلال:
والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجاً، والله يعلم إني لصادق، ووالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه حد القذف؛ لأنه اتهم المرأة وليس عنده بينة، وهو صادق عند نفسه؛ فجاء المخرج من الله؛ لأن الله مع الصادقين، وأنزل الله: “وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ”(النور:6).الآيات، فجاء المخرج، وصارت هذه القضية، وعرف حكم الملاعنة، ولم يكن الله سبحانه ليتخلى عن أوليائه الصادقين في الأزمات الشداد.
ومن ذلك المرأة الضعيفة خولة بنت ثعلبة التي نطق زوجها بالظهار:
وصارت معلقة لا زوجة، ولا مطلقة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الرجل إذا قال لامرأته: أنت عليَّ كظهر أمي حرمت عليه، فكان أول من ظاهر في الإسلام أوس بن الصامت فأتت امرأته خولة بنت ثعلبة رسول الله صلى الله عليه وسلم تشتكي وتقول: يا رسول الله أكل شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبر سني، وانقطع ولدي، ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك، فما برحت حتى نزل الفرج من السماء من السميع البصير، وجاء قوله تعالى:
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ”(المجادلة/1). إلى قوله: “وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ”(المجادلة3). الآيات، قالت عائشة: تبارك الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت خولة بنت ثعلبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في ناحية البيت تشكو زوجها فكان يخفى عليَّ بعض كلامها، فما برحت حتى أنزل الله هذه الآيات. فالله مع المؤمنين لا يتخلى عنهم، وهذه المرأة في الأزمة النفسية، والحالة الصعبة تشكو إلى الله: “أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ”(المجادلة/7).
وهذا الصحابي الجليل ابن أم مكتوم:
الذي كان ضريراً، ابتلاه الله بفقد البصر لما نزل قول الله تعالى: لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِين َوَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ”(النساء/95).فجاء ابن أم مكتوم الأعمى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمليها على زيد بن ثابت وهو من كتبة الوحي، وسمع الآية، فقال: يا رسول الله فما تأمرني فإني رجل ضرير البصر، ولو أستطيع الجهاد لجاهدت، وفي رواية: إني أحب الجهاد في سبيل الله، لكن بي من الزمانة – أي: المرض المزمن والعاهة المستديمة – ما ترى، ذهب بصري، فنزلت كلمتان: “غير أولي الضرر” وأضيفت في الآية، فأصبحت: لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ”(النساء/95).
ولما اشتدت المحنة على كعب بن مالك، وقوطع خمسين يوماً، وتركته زوجته بأمر النبي صلى الله عليه وسلم حين تخلف عن الجهاد دون عذر، لكن الله مع المؤمنين، وهذا الرجل كان صادقاً، واعترف، وصارت العقوبة بهذه المقاطعة الشديدة الوقع على نفسه، لم يكن الله عز وجل ليتخلى عن هذا الرجل وصاحبيه: “وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أي: اعتقدوا أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) سورة التوبة:118، نزل الفرج.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام لكعب: “أبشر بخير يوم مرَّ عليك منذ ولدتك أمك”.
الدعاء:”
__________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع