خطبة الجمعة القادمة للدكتور مسعود عرابي بعنوان : الصوم وأثره في تربية النفس
خطبة الجمعة القادمة 31 مارس 2023م بعنوان : الصوم وأثره في تربية النفس ، للدكتور مسعود عرابي، بتاريخ 9 رمضان المبارك 1444هـ ، الموافق 31 مارس 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 31 مارس 2023م بصيغة word بعنوان : الصوم وأثره في تربية النفس ، للدكتور مسعود عرابي
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 31 مارس 2023م بصيغة pdf بعنوان : الصوم وأثره في تربية النفس ، للدكتور مسعود عرابي
عناصر خطبة الجمعة القادمة 31 مارس 2023م ، بعنوان : الصوم وأثره في تربية النفس ، للدكتور مسعود عرابي.
أولًا: الصومُ هديَّةُ الحقِّ للخلقِ.
ثانيًا: في عبادةِ الصومِ حياةٌ للروحِ وتزكيةٌ للنفسِ.
ثالثًا: بالصومِ تتبادلُ المشاعرُ وتتلاقَى الأرواحُ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 31 مارس 2023م ، بعنوان : الصوم وأثره في تربية النفس ، للدكتور مسعود عرابي ، كما يلي:
الصومُ وأثرُهُ في تربيةِ النفسِ
الحمدُ للهِ الذي خلقَ خلقَهُ أطوارًا، وصرفَهُم في أطوارِ التخليقِ كيف شاءَ عزةً واقتدارًا، وأرسلَ الرسلَ إلى المكلفينَ إعذارًا منهُ وإنذارًا، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهَ، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا مُحمدًا عبدهُ ورسولُهُ نبيُّ الهدَى والرحمةِ والهادِي إلى الصراطِ المستقيمِ. وبعـــــــدُ،،،،
أيُّها الأحبابُ خطبتُنَا هذه بعونِ اللهِ ومــددهِ وتوفيقهِ ورعايتهِ تدورُ حــولَ هذه العناصـــرِ:
أولًا: الصومُ هديَّةُ الحقِّ للخلقِ.
ثانيًا: في عبادةِ الصومِ حياةٌ للروحِ وتزكيةٌ للنفسِ.
ثالثًا: بالصومِ تتبادلُ المشاعرُ وتتلاقَى الأرواحُ.
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة
أولًا: الصومُ هديَّةُ الحقِّ للخلقِ.
كلُّ العباداتِ التي كلفَ اللهُ ـــــ عزَّ وجلَّ ـــــ بها خلقَهُ فيها مِن المعاني الروحيةِ والقيمِ الإنسانيةِ ما تزكُو بهِ النفسُ، ويطمئنُ إليهِ القلبُ، وتستريحُ معهُ الجوارحُ، والصومُ كغيرهِ مِن العباداتِ، فيهِ مِن المنحِ الربانيةِ والحكمِ المرئيةِ ما يعجزُ الخلقُ عن عدِّهِ وحدِّهِ، ومِن هذه النفحاتِ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ فتحَ لعبادهِ أبوابَ الجنانِ، وأغلقَ لهم فيهِ أبوابَ النيرانِ، وسلسلَ لهم الشياطين، ففي الصحيحينِ، قال رسولُ اللهِ ﷺ: « إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِين ».
قال ابنُ بطال: يُسلسلُون على الحقيقةِ، فيقلُّ أذاهُم ووسوستُهُم ولا يكونَ ذلك منهم كمَا هو في غيرِ رمضانَ، وفتحُ أبوابِ الجنةِ على الحقيقةِ، أو يكونُ المعنَى فتحَ اللهُ فيهِ على العبادِ مِن الأعمالِ التي تستوجبُ الجنةَ مِن الصلاةِ والصيامِ وتلاوةِ القرآنِ، وأنَّ الطريقَ إلى الجنةِ في رمضانَ أسهلُ، والأعمالَ فيهِ أقربُ إلى القبولِ، وكذلك أبوابُ النارِ تغلقُ بما قطعَ عنهم مِن المعاصِي، وتركِ الأعمالِ المستوجبِ بها النار، ولقلةِ ما يوآخذُ اللهُ العبادَ بأعمالِهم السيئة، يستنقذُ منها ببركةِ الشهرِ أقوامًا، ويهبُ المسيءَ للمحسنِ، ويتجاوزُ عن السيئاتِ.[شرح صحيح البخاري].
ومِن المنحِ الربانيةِ التي أتحفَ ربُّنَا سبحانَهُ وتعالَى بهَا عبادَهُ الصائمين، أنَّه جعلَ لهم الصومَ كفارةً للذنوبِ، متى صامُوا الشهرَ إيمانًا واحتسابًا، ففي الصحيحينِ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ».
إيمانًا أي: تصديقًا بما جاءَ بهِ نبيُّنَا ﷺ معتقدًا بفرضيتهِ، واحتسابًا أي: طالبًا الثوابَ مِن اللهِ تعالى، مخلصًا لهُ، لا خوفَ مِن الناسِ، ولا الاستحياءَ منهم، ولا قصدًا للسمعةِ والرياء. وقِيل: الاحتسابُ: الصبرُ على المأمورِ بهِ. والبعدُ عن المنهِي عنه، طيبةٌ بذلك نفسُهُ، غير كارهةٍ له، ولا مستثقلٌ لصيامهِ، ولا مستطيلٌ لأيامهِ. [ مرقاة المفاتيح ]
ثم تمَّمَ لهم الفضلَ وأغدقَ عليهم العطاءَ، فجعلَ مِن جليلِ قدرِ هذه العبادةِ أنَّه تعالَى أخفَى ثوابَهَا وعظيمَ أجرِهَا على كافةِ الخلقِ ولو كان نبيًّا مرسلًا أو ملكًا مقربًا، ففي الصحيحينِ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: « كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ ـــ عَزَّ وَجَلَّ ـــ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْــــرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ ». ونسبةُ الأجرِ إلى اللهِ تعالَى يدلُّ على أنَّ الصيامَ لا يعلمُ قدرَ مضاعفةِ ثوابهِ إلّا اللهُ ـــ عزَّ وجلَّ ـــ؛ لأنَّه أفضلُ أنواعِ الصبرِ، وهو فريضةٌ ظاهرُهَا العذابُ، وباطنُهَا الرحمةُ. [جامع العلوم والحكم].
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة
ثانيًا: في عبادةِ الصومِ حياةٌ للروحِ وتزكيةٌ للنفسِ.
عبادةُ الصومِ فيها مِن التربيةِ الروحيةِ والتزكيةِ النفسيةِ ما فيها، فالصومُ غرسٌ للقيمِ وتدريبٌ على الآدابِ، ولعلَّ مِن تجلياتِ هذه العبادةِ على البشريةِ، والسموِّ بها إلى أعلَى المراتبِ الأخلاقيةِ، أنَّها جامعةٌ لكلِّ أنواعِ الصبرِ، فالصبرُ أنواعٌ، صبرٌ على الطاعةِ، وصبرٌ عن المعصيةِ؛ لأنَّ العبدَ يتركُ شهواتِهِ للهِ ونفسهُ قد تنازعهُ إليهَا، وفيهِ صبرٌ على الأقدارِ المؤلمةِ بمَا قد يحصلُ للصائمِ مِن الجوعِ والعطشِ، وكان النبيُّ ﷺ يُسمِّي شهرَ الصيامِ شهرَ الصبرِ. [جامع العلوم والحكم].
وعند الترمذِي وغيرهِ، قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «وَالصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ» والصبرُ هو الحاكمُ للأخلاقِ، السامِي بالأرواحِ، الرافعُ للشخصِ عن الدنايَا، حتّى قالَ الحقُّ سبحانَهُ وتعالَى في جزاءِ الصابرينَ المحتسبين: ﴿إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾. [الزمر، 10]. وهذا يحتملُ أنَّ الصابرَ يوفَّى أجرهُ، ولا يُحاسبُ على أعمالهِ، فهو مِن الذين يدخلونَ الجنةَ بغيرِ حسابٍ، أو أنَّ أجرَ الصابرينَ بغيرِ حصرٍ بل أكثر مِن أنَّ يحصرَ بعددٍ أو وزنٍ.
وَالصَّوْمُ يَقْمَعُ الشَّهَوَاتِ، فَيَتَيَسَّرُ بِهِ الْكَفُّ عَنِ الْمَحَارِمِ، وَهُوَ شَطْرُ الصَّبْرِ، لِأَنَّهُ صَبَرٌ عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَيَبْقَى وَرَاءَهُ الصَّبْرُ عَلَى الْمَشَاقِّ، وَهُوَ تَكَلُّفُ الْأَفْعالِ الْمَأْمُورِ بِهَا، فَهُمَا صَبْرانِ: صَبْرٌ عَنْ أَشْيَاءَ، وَصَبْرٌ عَلَى أَشْيَاءَ، وَالصَّوْمُ مُعِينٌ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَهُوَ إِذًا نِصْفُ الصَّبْرِ. [شعب الإيمان ].
ومِن ثَمّ حرصَ الإسلامُ على أنْ تُؤدّي عبادةُ الصومِ ثمرتَهَا، وأنَّ حكمتهَا أسمَى مِن أنْ تكونَ شعورًا بالجوعِ والعطشِ وحرمانِ النفسِ مِن المباحاتِ، بل لها حكمٌ كامنةٌ لابُدّ أنْ تتحققَ، هي السمُو بالأخلاقِ، وغذاءُ الروحِ، والبعدُ عن الفواحشِ، فعندَ البخارِي، قال رسولُ اللهِ: « مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ». وعندَ أحمدَ وغيرهِ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَصُومُوا يَوْمًا وَلَا يُفْطِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى آذَنَ لَهُ، فَصَامَ النَّاسُ فَلَمَّا أَمْسَوْا جَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَيَقُولُ: ظَلْتُ مُنْذُ الْيَوْمِ صَائِمًا، فَأْذَنْ لِي فَلَأُفْطِرْ، فَيَأْذَنُ لَهُ، وَيَجِيءُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ ذَلِكَ فَيَأْذَنُ لَهُ، حَتَّى جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَتَاتَيْنِ مِنْ أَهْلِكَ ظَلَّتَا مُنْذُ الْيَوْمِ صَائِمَتَيْنِ فَأْذَنْ لَهُمَا فَلْيُفْطِرَا، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « مَا صَامَتَا، وَكَيْفَ صَامَ مَنْ ظَلَّ يَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ، اذْهَبْ فَمُرْهُمَا أَنْ كَانَتَا صَائِمَتَيْنِ أَنْ يَسْتَقِيئَا ». فَفَعَلَتَا، فَقَاءَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَقَةً، فَأُتِيَ النَّبِيَّ ﷺ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « لَوْ مَاتَتَا وَهُمَا فِيهِمَا لَأَكَلَتْهُمَا النَّارُ».
فيهِ دليلٌ على أنَّ الصيامَ إمساكٌ عن الرفثِ وقولِ الزورِ، كما يمسكُ عن الطعامِ والشرابِ، وإنْ لم يُمسكْ عن ذلك فقد نقصَ صيامُهُ وتعرضَ لسخطِ ربِّهِ وتركَ قبولهُ منهُ. [شرح بن بطال].
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة
ثالثًا: بالصومِ تتبادلُ المشاعرُ وتتلاقَى الأرواحُ.
مِن مزايَا الصومِ أنَّ فيهِ شعورٌ بالحرمانِ مع القدرةِ على تلبيةِ الرغباتِ، لكنّ الحقَّ سبحانَهُ وتعالَى جعلَ تَعَبُّدَ الأغنياءِ وأهلِ القدرةِ على العطاءِ بالحرمانِ جبرًا كي يشعرُوا بالفقيرِ الذي يعجزُ عن تلبيةِ حاجاتهِ، فلا يشعرُ بمرارةِ الحرمانِ إلّا مًن جربَهَا.
فالصومٌ مُوجِبٌ لِلرَّحْمَةِ وَالْعَطْفِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَإِنَّهُ لَمَّا ذَاقَ أَلَمَ الْجُوعِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ تذَكَرَ مَنْ هَذَا حاله فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ، فَتُسَارِعُ إلَيْهِ برِّقَّةُ قلبه عَلَيْهِ، وَالرَّحْمَةُ حَقِيقَتُهَا فِي حَقِّ الْإِنْسَانِ، فَيُسَارِعُ لِيدَفْعِ عَنْهُ الألم بِالْإِحْسَانِ، فَيَنَالُ مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حُسْنِ الْجَزَاءِ، وفي الصوم مُوَافَقَةُ الْفُقَرَاءِ بِتَحَمُّلِ مَا يَتَحَمَّلُونَ أَحْيَانًا، وَفِي ذَلِكَ رَفْعُ حَالِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا حَكَى بِشْرٌ الْحَافِيُّ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فِي الشِّتَاءِ فَوَجَدَهُ جَالِسًا يَرْعُدُ وَثَوْبُهُ مُعَلَّقٌ عَلَى الْمِشْجَبِ. فَقَالَ لَهُ: فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ يُنْزَعُ الثَّوْبُ؟ وَمَعْنَاهُ، فَقَالَ: يَا أَخِي الْفُقَرَاءُ كَثِيرٌ، وَلَيْسَ لِي طَاقَةُ مُوَاسَاتِهِمْ بِالثِّيَابِ فَأُوَاسِيهِمْ بِتَحَمُّلِ الْبَرْدِ كَمَا يَتَحَمَّلُونَ. [ فتح القدير لابن الهمام ].
فتتجلَّى سماحةُ الإسلامِ في هذه العبادةِ بأبهَى صورِهَا، والتي مِن عظيمِ ما فيهَا، وجمالِ ما فيهَا، كما في مسلمٍ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ».
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَسُوءهُ مَا يَسُوءُ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ، وَيُحْزِنُهُ مَا يُحْزِنُهُ، ويَسُرُّهُ مَا يَسُرُّ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ، وَيُرِيدُ لِأَخِيهِ الْمُؤْمِنِ مَا يُرِيدُهُ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ، وَهَذَا كُلُّهُ إِنَّمَا يَأْتِي مِنْ كَمَالِ سَلَامَةِ الصَّدْرِ مِنَ الْغِلِّ وَالْغِشِّ وَالْحَسَدِ، فَإِنَّ الْحَسَدَ يَقْتَضِي أَنْ يَكْرَهَ الْحَاسِدُ أَنْ يَفُوقَهُ أَحَدٌ فِي خَيْرٍ، أَوْ يُسَاوِيَهُ فِيهِ، لِأَنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يَمْتَازَ عَلَى النَّاسِ بِفَضَائِلِهِ، وَيَنْفَرِدَ بِهَا عَنْهُمْ، وَالْإِيمَانُ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنْ يُشْرِكَهُ الْمُؤْمِنُونَ كُلُّهُمْ فِيمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْخَيْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ. [ جامع العلوم والحكم ].
وفي الصيامِ تدريبٌ عمليٌّ على هذه العبادةِ التي أرادَهَا اللهُ لعبادهِ،، وبيّنَ أنَّ الدارَ الآخرةَ للذينَ لا يريدونَ علوًّا في الأرضِ ولا فسادًا بينَ الخلقِ، فقالَ تعالى: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾. [ القصص، 83].
يُخْبِرُ الله ـــ تَعَالَى ــــ أَنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَنَعِيمَهَا الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، جَعَلَهَا لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَوَاضِعِينَ الَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ أَيْ: تَرَفُّعًا عَلَى خَلْقِ اللَّهِ وَتَعَاظُمًا عَلَيْهِمْ وَتَجَبُّرًا بِهِمْ وَلَا فَسَادًا فِيهِمْ. [تفسير ابن كثير].
والصومُ يحققُ الشعورَ بالفقيرِ، سَأَلَ الْمَأْمُونُ عَلِيًّا بْن مُوسَى الرِّضَا: أَيُّ شَيْءٍ فَائِدَةُ الصَّوْمِ فِي الْحِكْمَةِ؟ فَقَالَ: عَلِمَ اللَّهُ مَا يَنَالُ الْفَقِيرُ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ فَأَدْخَلَ عَلَى الْغَنِيِّ الصَّوْمَ لِيَذُوقَ طَعْمَ الْجُوعِ ضَرُورَةً حَتَّى لا يَنْسَى الْفَقِيرَ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ. فَقَالَ الْمَأْمُونُ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ لا كَتَبْتُ هَذَا إِلا بِيَدِي!
وَلِلصَّوْمِ آدَابٌ يَجْمَعُهَا: حِفْظُ الْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ وَحِرَاسَةُ الْخَوَاطِرِ الْبَاطِنَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَلقَّى رَمَضَانُ بِتَوْبَةٍ صَادِقَةٍ وَعَزِيمَةٍ مُوَافِقَةٍ. وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ النِّيَّةِ وَهِيَ لازِمَةٌ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، وَلا بُدَّ مِنْ مُلازَمَةِ الصَّمْتِ عَنِ الْكَلامِ الْفَاحِشِ وَالْغِيبَةِ فَإِنَّهُ مَا صَامَ مَنْ ظَلَّ يَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ، وَكَفُّ الْبَصَرِ عَنِ النَّظَرِ إِلَى الْحَرَامِ، وَيَلْزَمُ الْحَذَرَ مِنْ تِكْرَارِ النَّظَرِ إِلَى الْحَلالِ. [ التبصرة لابن الجوزي ].
فالصومُ له أثرٌ في تربيةِ النفسِ، وليس مجردَ امتناعٍ عن طعامٍ وشرابٍ، فأحيُوا هذه العبادةَ، واجعلُوا مِن حكمتِهَا منهجَ حياةٍ يتألفُ بهِ الناسُ، ويتعايشُ في كنفهِ الفقراءُ بجانبِ الأغنياءِ، وألّا ينسُوا إخوانَهُم الفقراء، فمَا شُرعتْ هذه العبادةُ إلا ليشعرَ الأغنياءُ بألمِ الحرمانِ، فأحبُّ الأعمالِ سرورٌ تدخلُهُ على مسلمٍ، ودفعُ الجوعِ والفقرِ والحرمانِ أعظمُ ما يدخلُ السرورَ على الناسِ.
اللهم اجعلْ هذا الشهرَ الكريمَ فاتحةَ خيرٍ وبركةٍ على عبادِك، وأغدقْ علينَا العطاءَ مِن خزائنِكَ التي لا تنفد، وفضلِكَ الذي لا ينقطعُ عن خلقِكَ.. اللهم وفقْ شعبَ مصرَ وقادتهَا إلى رضوانِك .. والنجاةِ مِن نيرانِك .. والعملِ بمَا يُرضيكَ يا ربَّ العالمين.
بقلم: مسعود عرابي .. عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف