أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ ، للدكتور محمد حرز

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 10 رجب 1446هـ ، الموافق 10 يناير 2025م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 10 يناير 2025م بصيغة word بعنوان : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ ، للدكتور محمد حرز.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 10 يناير 2025م بصيغة pdf بعنوان : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ ، للدكتور محمد حرز.

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 10 يناير 2025م بعنوان : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ) .

 

أولًا: الإسلامُ دينُ الأخلاقِ.

ثانيًا: البشاشةُ مصيدةُ القلوبِ.

ثالثــــًا وأخيرًا: التَّعَايُشُ السِّلْمِيُّ بَيْنَ أَفْرَادِ المُجْتَمِعِ الوَاحِدِ ضَرُورَةٌ حَتْمِيَّةٌ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 10 يناير 2025م بعنوان : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ : كما يلي:

 

خطبة الجمعة القادمة/  وَلَكِنْ لِيَسَعْهُمْ منكم بَسْطُ الْوَجْهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ

د/ محمد حرز، بتاريخ 10 رجب 1446 هـ ، الموافق 10 يناير 2025 م.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الْأَخْلَاقَ مِنَ الدِّينِ، وَأَعْلَى بِهَا شَأْنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَرَفَعَ بِمَكَارِمِهَا أَقْوَامًا فَكَانُوا مِنَ الْمُتَّقِينَ، الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ الْقَلَمِ: 4، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ القائلُ: (اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَة تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ“( رواه أحمد والترمذي، ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 أَمَّا بَعْدُ، مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ :اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ التَّقْوَى فَرَبُّكُمْ أَحَقُّ أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى، وَيُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى، وَيُشْكُرَ فَلَا يُكْفَرَ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 102].

عبادَ الله: ((وَلَكِنْ لِيَسَعْهُمْ منكم بَسْطُ الْوَجْهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ بل إنْ شتَ بَسْطُ الْوَجْهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ مِن أخلاقِ الإسلامِ )) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا.

عناصرُ اللقاءِ:

أولًا: الإسلامُ دينُ الأخلاقِ.

ثانيًا: البشاشةُ مصيدةُ القلوبِ.

ثالثــــًا وأخيرًا: التَّعَايُشُ السِّلْمِيُّ بَيْنَ أَفْرَادِ المُجْتَمِعِ الوَاحِدِ ضَرُورَةٌ حَتْمِيَّةٌ.

أيُّها السادةُ: ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلي أنْ يكونَ حديثُنَا عن وَلَكِنْ لِيَسَعْهُمْ منكم بَسْطُ الْوَجْهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ بل إنْ شتَ بَسْطُ الْوَجْهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ مِن أخلاقِ الإسلامِ، وخاصةً و إِنَّ التَّعَايُشَ فِي المُجْتَمَعِ المُسْلِمِ مَعَ الآخَرِينَ -مُسْلِمِينَ كَانُوا أَوْ غَيْرَ مُسْلِمِينَ- ضَرُورَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ، وَحَاجَةٌ أَخْلَاقِيَّةٌ، وَالْمُتَتَبِّعُ لِنُصُوصِ الشَرْعِ يَجِدُ أَنَّ الشَّرِيعَةَ حَثَّتْ عَلَى التَّعَايُشِ مَعَ الآخَرِينَ، وَلَوْ كَانُوا مُخْتَلِفِينَ مَعَنَا فِي الدِّينِ؛ إِذْ لَا قِوَامَ لِلْحَيَاةِ إِلَّا بِذَلِكَ، وَلَا نُهُوضَ لِلْمُجْتَمَعِ إِلَّا بِهِ، قَالَ جلَّ وعلا :(لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[الممتحنة: 8. وخاصةً ونحنُ نعيشُ أزمةَ أخلاقٍ دمرتْ الأخضرَ واليابسَ مِن قيمِنَا ومبادئِنَا وأخلاقِنَا، وخاصةً ونحن نعيشُ وقتًا عجيبًا  فسدتْ فيهِ الأخلاقُ، وانتكستْ فيهِ الفطرةُ عندَ الكثيرينَ مِن الناسِ بسببِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعِي وغيرِهَا مِن إفسادٍ بينَ رجلٍ وزوجتِهِ ومِن مشاهداتٍ للخليعةِ وغيرِهَا ومِن قلةِ حياءٍ مِن النساءِ على مواقعِ التواصلِ الاجتماعِيِّ فتعرضُ مفاتنَهَا وجسدَهَا  لجلبِ الأموالِ، وصدقَ مَن قالَ (تموتُ الحرةُ ولا تأكلُ بثديِهَا )، وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا انعدمتْ فيهِ الأخلاقُ بينَ المؤمنينَ وانتشرَ فيهِ سوءُ الأخلاقِ بصورةٍ مخزيةٍ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، فنبيُّنَا هو نبيُّ الأخلاقِ، ودينُنَا هو دينُ الأخلاقِ، وشريعتُنَا هي شريعةُ الأخلاقِ، وقرآنُنَا هو قرآنُ الأخلاقِ، بل الغايةُ الأسمَى مِن بعثتِهِ ﷺ هي الأخلاقُ، فقالَ كما في حديثِ أبي هريرةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ : { بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ } رواه البخاري، فالمؤمنُ بلا شكٍ يريدُ أنْ يكونَ محبوبًا لدي الخالقِ محبوبًا لدي الخلقِ، يريدُ أنْ يكونَ وجيهًا في الدنيا ووجيهًا في الآخرةِ، يريدُ أنْ يؤتَي في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً ولا يكونُ هذا إلّا بفضلِ اللهِ تبارك وتعالى ثم بحسنِ خُلقٍ يرزقُهُ اللهُ تباركَ وتعالى العبدَ إيَّاه، ومِن ثَمَّ كان أعلَى  الناسِ منزلةً يومَ القيامةِ وسيّدُ ولدِ آدمَ وهو نبيُّ  الأخلاقِ ﷺ .

وأَحسنُ مِنكَ لم ترَ قطُّ عيني ** وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ

خلقتَ مبرأً مِنْ كلّ عيبٍ ** كأنكَ قدْ خلقتَ كما تشاءُ

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ ، للدكتور محمد حرز

أولًا: الإسلامُ دينُ الأخلاقِ.

أيُّها السادة: خُطْبَةُ الْيَوْمِ عَنْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْأَنْبِيَاءِ، وَخُلُقٍ مِنْ أَخْلَاقِ الصَّالِحِينَ الْأَتْقِيَاءِ، بِهَذِهِ الصِّفَةِ تُنَالُ الدَّرَجَاتُ، وَتُرْفَعُ الْمَقَامَاتُ، خُطْبَتُنَا عَنْ حُسْنِ الْخُلُقِ الَّذِي أَمَرَنا بِهِ الدينُ وتخلّقَ بهَا سيّدُ المرسلين ﷺ، والتعايش السلمي بين أفراد المجتمع على اختلاف عقائدهم والأخلاقُ الحسنةُ عنوانُ سعادةِ العبدِ وفلاحِهِ، وما استُجلبَ خيرٌ بمثلِ جميلِ الخصالِ ومحاسنِ الفعالِ، وكيفَ لا ؟ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَهَمِّيَّةِ حُسْنِ الْخُلُقِ: مَا كَانَ مِنْ دُعَاءِ نَبِيِّكُمْ ﷺ فِي صَلَاتِهِ، حَيْثُ كَانَ يَقُولُ: ( وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِى لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّى سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ). وكيف لا؟ المؤمِنُ الحَقُّ يَتَمَثَّلُ الأخلاقَ المَرضِيَّةَ في أقوَالِهِ من خِلالِ قَولِهِ تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾. ويَتَمَثَّلُ الأخلاقَ المَرضِيَّةَ في أفعَالِهِ من خِلالِ قَولِهِ تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾. وكيف لا ؟ وحسنُ الخُلقِ: صفةُ النبيينَ والمرسلينَ والصديقينَ والصالحينَ، ولِمَا لا وهي الغايةُ الأولَي مِن بعثتِهِ ﷺ ففي الحديثِ عن أبي هريرةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: ( إنما بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ)، فحسنُ الخُلقِ أثقلُ شيءٍ في الميزانِ يومَ القيامةِ، فعنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ) أخرجه أبو داود في سننه، وفي روايةٍ أُخري عنْ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ( إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ )، أي صاحبُ الخُلقِ الحسنِ لهُ أجرُ الصائمِ للهِ والمصلِّي للهِ ربِّ العالمين. بل إذا أردتَ أنْ تحجزَ لنفسِكَ مكانًا بجانبِ النبيِّ المختارِ في جنةِ النعيمِ حَسِّنْ أخلاقَكَ، فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: ( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَة فَسَكَتَ الْقَوْمُ فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا قَالَ الْقَوْمُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:“ أَحْسَنُكُمْ خُلُقًا ) رواه أحمد في مسنده. 

وكيف لا؟ وحسنُ الخُلقِ ثمرةٌ مِن ثمارِ الإيمانِ فلا إيمانَ بدونِ أخلاقٍ، ولا أخلاقَ بدونِ إيمانٍ. بل لا يكونُ المؤمنُ كاملَ الإيمانِ إلّا بحسنِ خُلقِهِ، لذا لمَّا سُئلَ النبيُّ ﷺ عن  أكملِ المؤمنينَ إيمانًا ماذا قال؟  فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:” أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا ” أخرجه أبو داود في سننه

بل قال ﷺ كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ” متفق عليه ، فكلُّ هذه أخلاقٌ حسنةٌ، مِن إكرامِ الضيفِ، وصلةِ الرحمِ، والقولِ الحسنِ، أو الصمتِ، فالإيمانُ تَجَسَّدَ في أخلاقٍ ومبادئَ وقيمٍ، حتى العباداتِ التي شرعَهَا اللهُ تبارك وتعالي مِن ثمرتِهَا الجانبُ الأخلاقِيُّ، فالصلاةُ مع أنَّهَا صلةٌ بينَ العبدِ وربِّهِ، إلَّا أنَّها تنهَى عن الفحشاءِ والمنكرِ، قالَ ربُّنَا: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} سورة العنكبوت (45)، بل حسنُ الخُلقِ سببٌ مِن أسبابِ دخولِ الجنةِ بل هو أكثرُ ما يدخلُ الجنةَ، لحديثِ أبى هريرةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ فَقَالَ:” تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ“ وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ فَقَالَ:” الْفَمُ وَالْفَرْجُ” أخرجه الترمذي في سننه، فحسنُ الخُلقِ سببٌ مِن أسبابِ دخولِ الجنةِ، بل إنَّ صاحبَ الخُلقِ الحسنِ في أعلَي درجاتِ الجنةِ لحديثِ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “ أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ ” أخرجه أبو داود في سننه. وكيف لا؟ و حسنُ الخُلقِ يجعلُ الإنسانَ مِن أحبابِ اللهِ، فمَن أنا ومَن أنت؟ لنكونَ مِن أحبابِ اللهِ جلَّ وعلا، فعن أسامةَ بنِ شريكٍ رضي اللهُ عنه قال: كُنَّا جلوسًا عندَ النبيِّ ﷺ كأنَّمَا على رؤوسِنَا الطير، ما يتكلمُ منَّا متكلمٌ إذ جاءَهُ أناسٌ فقالُوا: (مَنْ أَحَبُّ عِبَادِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ؟ قَالَ أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا)، لذا اهتمَّ الصحابةُ بحسنِ الخُلقِ وطلبهِ مِن اللهِ، فعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ: بَاتَ أَبُو الدَّرْدَاءِ اللَّيْلَةَ يُصَلِّي فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ: ” اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي، حَتَّى أَصْبَحَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، مَا كَانَ دُعَاؤُكَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ إِلا فِي حُسْنِ الْخُلُقِ، قَالَ: يَا أُمَّ الدَّرْدَاءِ، إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ يَحْسُنُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ حُسْنُ خُلُقِهِ الْجَنَّةَ، وَيَسُوءُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ سُوءُ خُلُقِهِ النَّارَ” (شعب الإيمان للبيهقي)، لذا نادَي النبيُّ ﷺ  قائلًا كما في حديثِ  أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ)رواه أبو داود  وللهِ درُّ القائلِ

صَـلاحُ أَمْـرِكَ لِلأَخْـلاقِ مَرْجِعُـهُ*** فَقَـوِّمِ النَّفْـسَ بِالأَخْـلاقِ تَسْتَقِـمِ

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ ، للدكتور محمد حرز

ثانيًا: البشاشةُ مصيدةُ القلوبِ.

أيُّها السادة: أُحدثُكُم في هذا العنصرِ عن سرٍّ مِن الأسرارِ، عن إحدَى لغاتِ هذا الجسدِ أُحدثُكُم عن المفتاحِ الأولِ للقلوبِ المغلقةِ، عن بَلْسَمِ الألمِ ودواءِ الحزنِ، أقصرِ طريقٍ إلى القلوبِ، وأقربِ بابٍ إلى النفوسِ، بل هي عبادةٌ يؤجرُ عليهَا المسلمُ. أُحدثُكُم عن السحرِ الحلالِ ترياقِ الحياةِ، وجمالِ الروحِ… أنتُم تمارسونَ هذه العبادةَ يوميًا في الصباحِ والمساءِ.إنّهَا الابتسامةٌ، دعوةٌ بلا حروفٍ، تغزو القلوبَ بلا استئذانٍ. إنّهَا الابتسامةُ حركةٌ بسيطةٌ تحدثُ في ومضةِ عينٍ، ولكن يبقَى ذكرُهَا دهرًا.الابتسامةُ تخرجُ مِن القلبِ و ترتسمُ على الشفاهِ فتنثرُ عبيرَ المودةِ، وتنشرُ نسائمَ المحبةِ وتستلُّ الضغينةَ والبغضاءَ لتحلَّ الألفةُ والإخاءُ، قال ابنُ عيينة (-رحمه الله-): “البشاشةُ مصيدةُ القلوبِ“..الابتسامةُ سرٌّ آسرٌ، وسلطانٌ قاهرٌ، أدركَ الطفلُ بفطرتِهِ البريئةِ سحرَهَا، فهو يبثُّهَا بينَ الحينِ والآخرِ، وأمامَ ابتسامةِ الطفلِ ينحنِي أقسَى الناسِ، وفي مواجهةِ ابتسامةِ الصبيِّ يرقُّ أغلظُ الناسِ. الابتسامةُ بَلْسَمُ الألمِ ودواءُ الحزنِ، والمبتسمونَ أحسنُ الناسِ مِزاجًا، وأهنؤهُم عيشًا، وأطيبُهُم نفسًا. ومِن أكبرِ تلكَ الوسائلِ التي استعملَهَا في دعوتِهِ، هي تلكُم الحركةُ التي لا تكلفُ شيئًا، ولا تستغرقُ أكثرَ مِن لمحةِ بصرٍ، تنطلقُ مِن الشفتينِ، لتصل إلى القلوبِ، عبرَ بوابةِ العينِ، فلا تسلْ عن أثرِهَا في سلبِ العقولِ، وذهابِ الأحزانِ، وتصفيةِ النفوسِ، وكسرِ الحواجزِ مع بنِي الإنسان! تلكُم هي الصدقةُ التي كانت تجرِي على شفتيهِ الطاهرتينِ، إنّهَا الابتسامةُ!!.إنّهَا الابتسامةُ التي لم تكنْ تفارقُ محيَا رسولِنَا في جميعِ أحوالِهِ، فلقد كان يتبسمُ حينمَا يُلاقِي أصحابَهُ، وإنْ وقعَ مِن بعضِهِم خطأٌ يستحقُّ التأديبَ، تبسّمَ في وجهِهِ، فهذا جريرُ –رضي اللهُ عنه- يقولُ -كمَا في الصحيحينِ-: ما حَجَبنِي رسولُ اللهِ منذُ أسملتُ، ولا رآنِي إلّا تَبَسَّمَ في وجهِي. ويأتِي إليهِ الأعرابِيُّ بكلِّ جفاءٍ وغلظةٍ، ويجذبهُ جذبةً أثرتْ في صفحةِ عنقِهِ، ويقولُ: يَا مُحَمَّدٌ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ! فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ، فَتبسّمَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ. بل لم تنطفئْ هذه الابتسامةُ عن محياهُ الشريفِ، وثغرهِ الطاهرِ حتى في آخرِ لحظاتِ حياتِهِ، وهو يودعُ الدنيَا يقولُ أنسٌ -كما في الصحيحينِ-: بينما الْمُسْلِمُونَ في صَلاَةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الإِثْنَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بَهُمْ لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلاَّ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ فِي صُفُوفِ الصَّلاَةِ. ثُمَّ تَبَسَّمَ! ولهذا لم يكن عجيبًا أنْ يملكَ قلوبَ أصحابِهِ، وزوجاتِهِ، ومَن لقيَهُ مِن الناسِ!. فهو القائلُ  كما في حديثِ أبي هريرةَ رضى اللهُ عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  ﷺ: إِنَّكُمْ لَا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ لِيَسَعْهُمْ منكم بَسْطُ الْوَجْهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ. أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

والإسلامُ أيُّها الاخيارُ دينُ الفطرةِ يحرصُ على رسمِ الابتسامةِ الدائمةِ على شفاهِ المسلمين، سُئِلَ عبدُ اللهِ بنُ عمرَ -رضي اللهُ عنه-: هل كان أصحابُ رسولِ اللهِ يضحكون؟ قال: نعم، والإيمانُ في قلوبِهِم أعظمُ مِن الجبلِ. ولقد جاءت آياتُ القرآنِ الكريمِ معبرةً عن الطبيعةِ البشريةِ وخصائِصِهَا، فقال تعالى: ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ﴾ [النجم: 43]، وقد وصفَ اللهُ سبحانَهُ وجوهَ المؤمنينَ يومَ القيامةِ بالضحكِ والاستبشارِ، قالَ تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ﴾[عبس: 38، 39] وقالَ جلَّ وعلا مخاطبًا حبيبَهُ المصطفَى العدنان: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].
ويقول عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللهِ) رواه الترمذي ، وتصفُ السيدةُ عائشةُ ـ رضي اللهُ عنها وهي أقربُ الناسِ لرسولِ اللهِ فتقولُ: ( كان ألينَ الناسِ، وأكرمَ الناسِ، وكان رجلاً مِن رجالِكُم إلّا أنّهُ كان ضحَّاكًا بسّامًا )، والابتسامةُ عبادةٌ وصدقةٌ، فـ “تبسمُكَ في وجهِ أخيكَ صدقة” (رواه الترمذي)، وما أكثرَ ما فرطنَا في هذه العبادةِ وما أكثرَ ما بخلنَا في هذه الصدقةِ، فهي السحرُ الحلالُ وهي إعلانُ الإخاءِ، وعربونُ الصفاءِ، ورسالةُ الودِّ، وخطابُ المحبةِ تقعُ على صخرةِ الحقدِ فتذيبهَا، وتسقطُ على ركامِ العداوةِ فتزيلهَا، وتقطعُ حبلَ البغضاءِ، وتطردُ وساوسَ الشحناءِ، وتغسلُ أدرانَ الضغينةِ، وتمسحُ جراحَ القطيعةِ…

 وإذا كان نبيُّ اللهِ سليمانُ -عليهِ السلامُ- قد تبسّمَ لنملةٍ صغيرةٍ في وادٍ مترامِي الأطرافِ عندمَا سمعهَا تحذرُ قومَهَا مِن جيشِهِ كما قال تعالى :(فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) [النمل:19].

 

فما أحوجنَا إلى تبسمِ الأخِ في وجهِ أخيهِ، والجارِ في وجهِ جارِهِ في زمنٍ طغتْ فيهِ المادياتُ والشهواتُ وقلتْ فيهِ الألفةُ وكثرتْ فيهِ الصراعاتُ، وما أحوجنَا إلى تبسمِ الرجلِ في وجهِ زوجتِهِ! والزوجةِ في وجهِ زوجِهَا في زمنٍ كثرتْ فيهِ المشاكلُ الاجتماعيةُ فلا ترَى إلّا عبوسَ الوجهِ وتقطيبَ الجبينِ وكأنّكَ في حلبةِ صراعٍ مِن أجلِ البقاءِ!!وما أحوجنَا إلى تلكَ الابتسامةِ مِن مديرٍ في وجهِ موظفيهِ فيكسبُ قلوبَهّم ويرفعُ مِن عزائِمِهِم بعيدًا عن العنجهيةِ والتسلطِ والكبرياءِ!!!

 ما أحوجنَا إلى البسمةِ وطلاقةِ الوجهِ وانشراحِ الصدرِ ولطفِ الروحِ ولينِ الجانبِ مِن عالمٍ ربانِيٍّ منصفٍ يسعِى لجمعِ الكلمةِ ووحدةِ الصفِّ، بدلاً مِن الفتاوَى الجائرةِ الظالمةِ في نبشِ فتنِ الطائفيةِ والمذهبيةِ، وتوسيعِ هوةِ الخلافِ والنزاعِ والشقاقِ، وتضليلِ الناسِ وتبديعِهِم وتفسيقِهِم بل والتعرضِ للعلماءِ والدعاةِ الربانيينَ بالغمزِ واللمزِ والاستطالةِ في أعراضِهِم!!ولنتخلقْ بأخلاقِ الإسلامِ وبأخلاقِ النبيِّ المختارِ

ومِمَّا زادنِي شرفًا وتيهًا **** وكدتُ بأخمُصِي أَطأٌ الثريَّا

دخولِي تحتَ قولِكَ: (يا عبادِي) **** وأنْ صيَّرتَ أحمدَ لِي نبيِّا

 أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم

الخطبةُ الثانية الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يُستعانُ إلّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ  …………………… وبعدُ

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ ، للدكتور محمد حرز

ثالثــــًا وأخيرًا: التَّعَايُشُ السِّلْمِيُّ بَيْنَ أَفْرَادِ المُجْتَمِعِ الوَاحِدِ ضَرُورَةٌ حَتْمِيَّةٌ.

أيُّها السادةُ: إِنَّ المُتَتَـبِّعَ لِسِيرَةِ النَّبِيِّ مُنْذُ مَقْدَمِهِ إِلَى المَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ يَجِدُهُ قَدْ عَزَّزَ هَذَا المَعْنَى جَيِّدًا وَأَكَّدَ عَلَيْهِ أَيَّمَا تَأْكِيدٍ، فَكُلُّنَا يَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِاللهِ عِنْدَ مَقْدَمِهِ إِلَى المَدِينَةِ كَانَتِ المَدِينَةُ خَلِيطًا مِنْ قَبَائِلَ مُتَنَافِرَةٍ، وَمَزِيجًا مِنَ المُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَاليَهُودِ، فَهُنَاكَ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ وَقَبَائِلُ اليَهُودِ الثَّلَاثَةُ: بَنُو قَيْنُقَاعَ، وَبَنُو النَّضِيرِ، وَبَنُو قُرَيْظَةَ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَيْهِمُ الْمُهَاجِرُونَ، وَمَعَ ذَلِكَ التَّنَوُّعِ وَالاخْتِلَافِ اسْتَطَاعَ النَّبِيُّ تَأْسِيسَ مُجْتَمَعٍ قَائِمٍ عَلَى التَّعَايُشِ السِّلْمِيِّ بَيْنَ أَفْرَادِهِ. فإنَّهُ أرسى مبدأَ المواطَنةِ، ولا شكَّ أنّنَا -اليومَ- في أشدِّ الحاجةِ إلى هذا المفهومِ، مفهومِ أنْ تعيشَ مع الآخرِ، مفهومِ المواطنةِ، مفهومِ قَبولِ الآخَرِ.

وَكَانَ مِنْ ضِمْنِ ذَلِكَ: مَا كُتِبَ فِي وَثِيقَةِ المَدِينَةِ الَّتِي كَتَبَهَا النَّبِيُّ مَعَ اليَهُودِ لِيَتِمَّ التَّعَايُشُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ اليَهُودِ حَتَّى يَسُودَ الأَمْنُ وَالسَّلَامُ النَّاسَ جَمِيعًا. وَكَانَ مِنْ ضِمْنِ مَا كُتِبَ فِي هَذِهِ الوَثِيقَةِ -كَمَا وَرَدَتْ فِي كُتُبِ المَغَازِي وَالسِّيَرِ-: “أَنَّ لِلْيَهُودِ دِينَهُمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ دِينَهُمْ، إِلَّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ فَإِنَّهُ لَا يُهْلِكُ إِلَّا نَفْسَهُ، وَأَنَّ عَلَى اليَهُودِ نَفَقَتَهُمْ وَعَلَى المُسْلِمِينَ نَفَقَتَهُمْ، وَأَنَّ بَيْنَهُمُ النَّصْرَ عَلَى مَنْ حَارَبَ أَهْلَ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، وَأَنَّ بَيْنَهُمُ النُّصْحَ وَالنَّصِيحَةَ وَالبِرَّ دُونَ الإِثْمِ وَأَنَّ النَّصْرَ لِلْمَظْلُومِ”. ونحن أبناءَ الشعبِ المصريِّ نسيجٌ واحدٌ لا نسمعُ للدعواتِ المغرضةِ التي تريدُ النيلَ مِن وحدتِنَا وأمنِنَا واستقرارِنَا ،نعيشُ على أرضٍ واحدةٍ  بينَنَا وطنٌ واحدٌ لكلٍّ منَّا حقُّ المواطنةِ والتعايشِ بسلمٍ وأمنٍ وأمانٍ.

عِبَادَ اللهِ: ولَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ اللهِ -جل وعلا- فِي وُقُوعِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ النَّاسِ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ قَدْ ذَكَرَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)[هود: 118-119].

فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَتَعَامَلَ مَعَ مَنِ اخْتَلَفْنَا مَعَهُ وَفْقَ مَا أَمْلَاهُ عَلَيْنَا شَرْعُنَا مِنْ خِلَالِ النُّصُوصِ القُرْآنِيَّةِ وَالأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَالسِّيرَةِ المَرْضِيَّةِ. فَالاخْتِلَافُ -وَإِنْ كَانَ وَاقِعًا- إِلَّا أَنَّنَا مَأْمُورُونَ بِإِزَالَةِ أَسْبَابِهِ وَالسَّعْيِ إِلَى رَفْعِهِ وَدَفْعِهِ.

عِبَادَ اللهِ :إِنَّ التَّعَايُشَ السِّلْمِيَّ بَيْنَ أَفْرَادِ المُجْتَمِعِ الوَاحِدِ ضَرُورَةٌ حَتْمِيَّةٌ لِأَيِّ مُجْتَمَعٍ يُرِيدُ الاسْتِقْرَارَ، وَلِأَيِّ بَلَدٍ يَطْمَحُ فِي دَيْمُومَةِ الأَمْنِ وَالأَمَانِ.وَضَرُورَةُ التَّعَايُشِ السِّلْمِيِّ يَجِبُ أَنْ يَحْمِلَ هَمَّهَا جَمِيعُ مَنْ يَعِيشُ عَلَى هَذِهِ الأَرْضِ، قَالَ تَعَالَى: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا)[الأنفال: 61]، فَعَلَيْهِمْ جَمِيعًا تَحَمُّلُ مَسْؤُولِيَّاتِهِمْ تُجَاهَ ذَلِكَ: الدُّعَاةُ وَالخُطَبَاءُ، المُعَلِّمُونَ وَالمُرَبُّونَ، المُوَاطِنُونَ وَالمَسْؤُولُونَ، الإِعْلَامِيُّونَ وَالسِّيَاسِيُّونَ، فَجَمِيعُنَا مُطَالَبُونَ بِأَنْ نَكُونَ عَلَى قَدْرِ المَسْؤُولِيَّةِ، فَنُرَاقِبَ كَلِمَاتِنَا وَمَقَالَاتِنَا، وَعِبَارَاتِنَا وَكِتَابَاتِنَا، فَالتَّسَاهُلُ فِي ذَلِكَ مُؤْذِنٌ بِحُصُولِ المَفَاسِدِ، فَكَمْ مِنْ كَلِمَةٍ جَرَّتَ إِلَى فَوْضَى!!، وَكَمْ مِنْ تَغْرِيدَةٍ شَحَنَتِ القُلُوبَ وَأَوْغَرَتِ الصُّدُورَ!!. وتعزيزُ التعايشِ السلمِي وإشاعةُ التراحمِ بينَ الناسِ ونبذُ العنفِ والتطرفِ بكلِّ صورهِ ومظاهرهِ، خلق من أخلاق الإسلام وبه تعامل نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم  قال جلَّ وعلا مخاطبا إياه (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ))وكذلك نشرُ ثقافةِ الحوارِ الهادفِ بينَ أتباعِ الأديانِ والثقافاتِ لمواجهةِ المشكلاتِ وتحقيقِ السلامِ بينَ مكوناتِ المجتمعاتِ الإنسانيةِ وتعزيزِ جهودِ المؤسساتِ الدينيةِ والثقافيةِ في ذلك. لذا  أوجبَ الإسلامُ حُسنَ العشرةِ وصلةَ الرحمِ حتى مع الاختلافِ في الدينِ، فقد أمرَ اللهُ بحسنِ الصحبةِ للوالدينِ وإنْ جهدَا في ردِّ ابنهِمَا عن التوحيدِ إلى الشركِ، فإنّ ذلكَ لا يقطعُ حقَّهمَا في بِرِّهِ وحُسْنِ صحبتِهِ، فقالَ تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)[لقمان: 15].وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: “قَدِمَتْ أُمِّي -وَهِيَ مُشْرِكَةٌ- فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمُدَتُهُمْ مَعَ أَبِيهَا، فَاسْتَفتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ: “نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ” (متفق عليه).ويكفِي مثالًا في قمةِ التعايشِ بالإحسانِ جوازُ الزواجِ بالكتابيةِ مِن اليهودِ والنصارى والعيشُ تحتَ سقفٍ واحدٍ في وئامٍ ومحبةٍ جبليةٍ، فما أحوجنَا إلى  سلامٍ مع النفسِ ومع الأسرةِ ومع الجيرانِ بل ومع المجتمعِ كلِّهِ بل ومع المجتمعِ الدولِي كلِّهِ لننعمَ في الدنيا ولنسعدَ في الآخرةِ، لنعيشَ حياةً طيبةً  وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا ضاعَ فيهِ السلامُ والراحةُ والاستقرارُ والطمأنينةُ في المجتمعات ، بسببِ الطمعِ والجشعِ والأنانيةِ وحبِّ الذاتِ وعدمِ احترامِ الآخر، ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ العليِّ العظيمِ، فكلُّنَا في حاجةٍ إلى سلامٍ واستقرارٍ ولا يتأتًّى هذا إلّا لأصحابِ النفوسِ الزكيّة الصافية، التي لا تعرفُ سوى طريق الخيرِ والحقِّ، وأصحابِ العقولِ الواعية التي تفهمُ سننَ اللهِ (عزّ وجلّ) في كونهِ، فتؤمنُ بحقِّ التنوعِ والاختلافِ، واحترامِ آدميةِ الإنسانِ كإنسانٍ بغضِّ النظرِ عن دينهِ أو عِرقهِ أو جنسهِ أو لغتهِ أو لونهِ، وخاصةً وأنَّ الأممَ على اختلافِهَا تحتاجُ إلى السلامِ، فالبشرُ لا يمكنُ لهم الحياةُ في محيطٍ يفتقدُ السلامَ والأمنَ، والأمةُ الإسلاميةُ كغيرِهَا مِن الأممِ تعدُّ السلامَ مِن أهمِّ المطالبِ الأساسيةِ والضروريةِ لوجودِهَا واستمرارِهَا. وكيف لا ؟ ودينُنَا هو دينُ السلامِ ، ونبيُّنَا هو نبيُّ السلامِ، وشريعتُنَا هي السلامُ، وقرآنُنَا هو قرآنُ السلام ،واللهُ جلَّ وعلَا هو السلامُ ، والجنةُ هي دارُ السلامِ ، وتحيتُنَا هي السلامُ، وشعارُ أهلِ الإيمان : السلامُ. وحاجةُ الإنسانيَّةِ إلى السلامِ غرِيزةٌ فِطريَّة، وضرورةٌ بشريَّة، ومصلَحةٌ شرعيَّة؛ إذ لا بِناءَ ولا إعمار، ولا رُقِيَّ ولا ازدِهار، ولا تنمِيةَ ولا ابتِكارَ إلَّا بالسلامِ، وضِدّهُ الدَّمارُ والخرابُ والهلاكُ والبَوَارُ.….يا ربِّ سلِّم 
فاللهَ اللهَ في السلامِ،  اللهَ اللهَ في الإسلامِ !!

أنا مُسلمٌ والسِّلمُ فِي وِجْدَانِي *** سِلْمًا مِن الإرهابِ والعُدْوَانِ

رَبِّي السَّلامُ تقَدَّسَتْ أسمَاؤُهُ *** ذُو الفَضلِ والإكرامِ والإحسَانِ

فاللهَ اللهَ في المواطنةِ، اللهَ اللهَ في التعايشِ السلمِي، اللهَ اللهَ في المحافظةِ على مصرِنَا العزيزةِ الغاليةِ، اللهَ اللهَ في المحافظةِ على وحدتِهَا وأمنِهَا واستقرارِهَا !

مصرُ الكنانةُ ما هانتْ على أحدٍ*** اللهُ يحرسُها عطفًا ويرعَاها

ندعوكَ يارب أن تحمى مرابعَها *** فالشمسُ عينٌ لها والليلُ نجواهَا

مَن شاهَدَ الأرْضَ وأَقْطَارَها *** والنَّاسَ أنـواعًا وأجناسًا

ولا رأى مِصْـرَ ولا أهلها *** فما رأى الدنيا ولا الناسَ

حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين. وحفظَ اللهُ فلسطينَ مِن كلِّ سوءٍ وشرٍّ.

                                              كتبه العبدُ الفقيرُ إلى عفوِ ربِّهِ        

                                                      د/ مُحمد حرز

                                             إمام وخطيب بوزارة الأوقاف

                                     ومدرس بكلية التربية الأساسية.. جامعة الكويت

 

_______________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »