أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : مفهوم العمل الصالح وفضائل العشر للدكتور مسعود عرابي

خطبة الجمعة القادمة 16 يوينو 2023م بعنوان : مفهوم العمل الصالح وفضائل العشر للدكتور مسعود عرابي، بتاريخ  27 ذو القعدة 1444هـ ، الموافق 16 يونيو 2023م

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 16 يونيو 2023م بصيغة word بعنوان : مفهوم العمل الصالح وفضائل العشر ، للدكتور مسعود عرابي

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 16 يونيو 2023م بصيغة pdf بعنوان : مفهوم العمل الصالح وفضائل العشر ، للدكتور مسعود عرابي

عناصر خطبة الجمعة القادمة 16 يونيو 2023م ، بعنوان : مفهوم العمل الصالح وفضائل العشر ، للدكتور مسعود عرابي.

 

أولًا: مفهومُ العمــــلِ الصالحِ.

ثانيًا: فضائلُ عشــرِ ذي الحجـةِ.

ثالثًا: ثمراتُ العملِ الصالحِ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 16 يونيو 2023م ، بعنوان : مفهوم العمل الصالح وفضائل العشر ، للدكتور مسعود عرابي ، كما يلي:

 

مفهومُ العملِ الصالحِ وفضائلُ العشــرِ

الْحَمدُ للهِ الذى علّمَ الإنسانَ مَا لم يعلمْ، وَأكْرمَ نبيَّهُ الأميَّ بإعجازِ الْبَيَانِ، وأفحمَ المعاندينَ بِمَا أوحَى إِلَيْهِ مِن الْقُرْآنِ، وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ مُحمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ، سيّدُ الأنبياءِ والمرسلين، اللهُمَّ صلّ وسلمْ عليهِ وعلى آلِ بيتهِ الطيبين الطاهرين، وعلى أَصْحَابهِ الأكرمين، وعلى أزواجهِ المنزهاتِ عن الرجسِ أُمَّهَاتِ الْمُؤمنِينَ، وعَلى التَّابِعين لَهُم بإحسان إِلَى يَوْمِ الدَّين، وعلينَا معهُم برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمين.

ياربِّ هيىءْ لنَا مِن أمـرِنَا رشـدًا … وَاجعَل معونتَكَ الْحُسنَى لنَا مدَدًا

وَلَا تكـلنَا إِلَى تَدْبِيـرِ أَنْفُسنَا … فَالْعَبْدُ يعجـــــــــــــــــزُ عَن إصْلَاحِ مَا فسـدَا

وبعــدُ…، فإنّ خطبتنَا بعونِ اللهِ ومددهِ وتوفيقهِ ورعايتهِ تدورُ حولَ هذه العناصرِ:

أولًا: مفهومُ العمــــلِ الصالحِ.

ثانيًا: فضائلُ عشــرِ ذي الحجـةِ.

ثالثًا: ثمراتُ العملِ الصالحِ.

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : مفهوم العمل الصالح وفضائل العشر

 مفهومُ العملِ الصالحِ.

الإسلامُ دينُ نشاطٍ وعملٍ، يسعى إلى تحقيقِ العزةِ للمسلمين، ويغرسُ في نفوسهِم التفاؤلَ والأملَ، ويرفعُ ذكرَهُم في الدنيا والآخرةِ متى أخذُوا بالجادةِ، وحادُوا عن التخاذلِ والكسلِ، فوضعَ لهم الحقُّ سبحانه وتعالى المنهجَ المبينَ، ودلّهُم على طريقِ اليقينِ، وزودَهُم بالعلومِ التي متى أخذُوا بها سادُوا، وعمّرُوا الأرضَ واستفادُوا وأفادُوا، وأنقذُوا البشريةَ مِن مغبةِ الانحرافِ، وحافظُوا على المبادئِ الساميةِ والقيمِ العاليةِ مِن الضياعِ والانجرافِ، فبعثَ اللهُ تعالى نبيَّهُ ﷺ رحمةً للعالمين، وهدايةً للناسِ أجمعين، وجعلَ دعوتَهُ تصدحُ في الآفاقِ، وقضى بها على كلِّ مظاهرِ الخلافِ والشقاقِ والنفاقِ، وتمّمَ به صلواتُ ربي وسلامُه عليه مكارمَ الأخلاقِ.

والعملُ المعنيُّ بالحديثِ، الذي يحققُ للمسلمين حياةَ السعادةِ، ويجعلُهُم في الآخرةِ مِن الفائزين بالحسنى وزيادة، هو العملُ الصالحُ، ومقصودُهُ، الامتثالُ لأوامـرِ اللهِ تعالى، واجتنابُ نواهيهِ، والإخلاصُ له فيه، المقرونُ بنقاءِ السريرةِ، وصفاءِ النيةِ، والمتخلّي فيه عن الرياءِ والسمعةِ، والمتحلّي فيه بهدي سيدِ الأنامِ، رسولِ اللهِ مُحمدٍ عليه الصلاةُ والسلامُ، فمتى جاءَ العملُ على هذا النحـو، فهو العملُ الصالحُ المنشودُ، المتبوعُ بالأجرِ الوافرِ الغيرِ محدودٍ، المتحققُ به الموعود، والذي ينالُ به صاحبُهُ المقامَ المحمودَ، وتأتي به البشرياتُ مِن خالقِ الوجودِ، القائلِ في كتابهِ العزيزِ: ﴿ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْـراً حَسَناً ﴾. [ الكهف، 18 ].

التبشيرُ، هو الإخبارُ بِمَا يسرُّ ولا يضرُّ، والصالحاتُ هي الأعمالُ التي يُقصدُ بها وجهُ اللَّهِ، وطلبُ الخيرِ والنفعِ، وأنَّه تعالى ذكرَ الأعمالَ الصالحةَ، ولم يذكرْ الإيمانَ؛ لأنَّه مِن أعمالِ القلوبِ، فهو داخلٌ في العملِ الصالحِ، وذكرَ سبحانَهُ الجزاءَ، فقالَ: ﴿ أَجْــرًا حَسَنًا ﴾. تكرَّمَ اللَّهُ تعالى على البشرِ فسمّى الجزاءَ أجرًا، وكأنَّهُ ثمنٌ للعملِ الصالحِ، مع أنّ الهدايةَ مِن فضلِ اللَّهِ ورحمتهِ، وهي إشارةٌ إلى أنّ اللَّهَ كريمٌ حليمٌ، يمنُّ بالخيرِ ويُجازِي عليه. [ زهرة التفاسير].

تابع / خطبة الجمعة القادمة بعنوان : مفهوم العمل الصالح وفضائل العشر

والضابطُ الذي ينبغي أنْ يكونَ عليه العبدُ حالَ القيامِ بالعملِ الصالحِ، حتى يحظَى بالقبولِ، هو كمالُ التفويضِ للهِ تعالى، وحسنُ التوكلِ عليهِ، وألا يتعجلَ بنتائجِ هذا العملِ، وأنْ يحسنَ الظنَّ باللهِ، ويرجُو معهُ الثوابَ وتحقيقَ الرجاءِ والأملِ، فعندَ النسائِي وغيرِه، قالَ قَيْسُ بْنُ عَبَّادٍ: صَلَّى عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ بِالْقَوْمِ صَلَاةً أَخَفَّهَا، فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوهَا، قَالَ: أَلَمْ أُتِمَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: أَمَّا إِنِّي دَعَوْتُ فِيهَا بِدُعَاءٍ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَدْعُو بِهِ « اللهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتِكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الْإِخْلَاصِ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ، وَبَرَدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءٍ مُضِرَّةٍ، وَفِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ ».

وينبغي أنْ يكونَ المرءُ على يقينٍ أنَّ العملَ الصالحَ وحدَهُ لا يبلغُ به المنازل، وإنْ نالَ السعادةَ في دنياه، وفازَ بالجنةِ في أخراه، إنّمَا هو فيضُ عطاءٍ مِن اللهِ، يمنحهُ لمَن يشاءُ مِن عبادهِ، فمَن عُوقِبَ فبعدلِه، ومَن فازَ منهم بالجنةِ فبفضلهِ .. أخرجَ الحاكمُ في المستدركِ، والبيهقيُّ في الشعبِ، مِن حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ ـــ رضي الله عنهما ــــ قال: خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: خَرَجَ مِنْ عِنْدِي خَلِيلِي جِبْرِيلُ آنِفًا فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنَّ لِلَّهِ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ، عَبَدَ اللَّهَ تَعَالَى خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ فِي الْبَحْرِ، وَأَخْرَجَ اللَّهُ ـــ تَعَالَى ـــ لَهُ عَيْنًا عَذْبَةً بِعَرْضِ الْأُصْبَعِ تَبَضُّ بِمَاءٍ عَذْبٍ، فَتَسْتَنْقِعُ فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ، وَشَجَرَةَ رُمَّانٍ تُخْرِجُ لَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ رُمَّانَةً، فَتُغَذِّيهِ يَوْمَهُ، فَإِذَا أَمْسَى نَزَلَ فَأَصَابَ مِنَ الْوضُوءِ، وَأَخَذَ تِلْكَ الرُّمَّانَةَ، فَأَكَلَهَا، ثُمَّ قَامَ لِصَلَاتِهِ، فَسَأَلَ رَبَّهُ ـــ عَزَّ وَجَلَّ ـــ عِنْدَ وَقْتِ الْأَجَلِ أَنْ يَقْبِضَهُ سَاجِدًا، وَأَنْ لَا يَجْعَلَ لِلْأَرْضِ وَلَا لِشَيْءٍ يُفْسِدُهُ عَلَيْهِ سَبِيلًاً، حَتَّى بَعَثَهُ وَهُوَ سَاجِدٌ، قَالَ: فَفَعَلَ، فَنَحْنُ نَمُرُّ عَلَيْهِ إِذَا هَبَطْنَا، وَإِذَا عَرَجْنَا، فَنَجِدُ لَهُ فِي الْعِلْمِ أَنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ـــ عَزَّ وَجَلَّ ـــ فَيَقُولُ لَهُ الرَّبُّ: أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، فَيَقُولُ: رَبِّ بَلْ بِعَمَلِي، فَيَقُولُ الرَّبُّ: أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، بَلْ بِعَمَلِي، فَيَقُولُ الرَّبُّ: أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، فَيَقُولُ: رَبِّ بَلْ بِعَمَلِي، فَيَقُولُ اللَّهُ ــــ عَزَّ وَجَلَّ ـــ لِلْمَلَائِكَةِ: قَايِسُوا عَبْدِي بِنِعْمَتِي عَلَيْهِ وَبِعَمَلِهِ، فَتُوجَدُ نِعْمَةُ الْبَصَرِ قَدْ أَحَاطَتْ بِعِبَادَةِ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ، وَبَقِيَتْ نِعْمَةُ الْجَسَدِ فَضْلًا عَلَيْهِ، فَيَقُولُ الله تعالى: أَدْخِلُوا عَبْدِي النَّارَ قَالَ: فَيُجَرُّ إِلَى النَّارِ، فَيُنَادِي: رَبِّ بِرَحْمَتِكَ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: رُدُّوهُ فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَقُولُ: يَا عَبْدِي، مَنْ خَلَقَكَ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا؟ فَيَقُولُ: أَنْتَ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: كَانَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِكَ أَوْ بِرَحْمَتِي؟ فَيَقُولُ: بَلْ بِرَحْمَتِكَ. فَيَقُولُ: مَنْ قَوَّاكَ لِعِبَادَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ؟ فَيَقُولُ: أَنْتَ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْزَلَكَ فِي جَبَلٍ وَسَطَ اللُّجَّةِ وَأَخْرَجَ لَكَ الْمَاءَ الْعَذْبَ مِنَ الْمَاءِ الْمَالِحِ، وَأَخْرَجَ لَكَ كُلَّ لَيْلَةٍ رُمَّانَةً، وَإِنَّمَا تَخْرُجُ مَرَّةً فِي السَّنَةِ، وَسَأَلْتَنِي أَنْ أَقْبِضَكَ سَاجِدًا، فَفَعَلْتُ ذَلِكَ بِكَ؟ فَيَقُولُ: أَنْتَ يَا رَبِّ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَذَلِكَ بِرَحْمَتِي وَبِرَحْمَتِي أُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ، أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ، فَنِعْمَ الْعَبْدُ كُنْتَ، يَا عَبْدِي، فَيُدْخِلُهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ، قَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّمَا الْأَشْيَاءُ بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، يَا مُحَمَّدُ.

تابع / خطبة الجمعة القادمة بعنوان : مفهوم العمل الصالح وفضائل العشر

فالعملُ الصالحُ وحدَهُ لا يبلغُ بالعبدِ المنازل، إنّما بالفضلِ يتحققُ لهُ الرجاء، وتعمُّه السعادةُ والرخاءُ، وينفرجُ كلُّ ضيقٍ، ويتسعُ لهُ كلُّ طريقٍ، ففي الصحيحين: قال رسولُ اللهِ ﷺ: « لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ ». قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: « وَلاَ أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ، سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاغْدُوا وَرُوحُوا، وَشَيْءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ، وَالقَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا ».

قالَ ابنُ رجبٍ الحنبلي: مَن اجتهدَ بالتقرُّبِ إلى اللهِ بالفرائضِ، ثمَّ بالنوافلِ، قَرَّبَهُ إليه، ورقَّاهُ مِن درجةِ الإيمانِ إلى درجةِ الإحسانِ، فيصيرُ يَعبُدُ اللهَ على الحضورِ والمراقبةِ كأنَّهُ يراهُ، فيمتلئُ قلبُهُ بمعرفةِ اللهِ تعالى، ومحبَّتهِ، وعظمتهِ، وخوفهِ، ومهابتهِ، وإجلالهِ، والأُنسِ به، والشَّوقِ إليه، حتّى يصيرَ هذا الذي في قلبهِ مِن المعرفةِ مشاهدًا له بعينِ البصيرةِ. [ جامع العلوم والحكم].

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : مفهوم العمل الصالح وفضائل العشر

 فضائلُ عشرِ ذي الحجةِ.

ومِن جميلِ فضلِ اللهِ تعالى على عبادِه، أنْ عمَّهُم على مدارِ الأوقاتِ، بالعديدِ مِن النفحاتِ، والأعمالِ المباركاتِ، ومواسمِ الطاعاتِ، متى اغتنموهَا، نالُوا بها مِن فيضِ العطاءِ، وعَظُمَ حظهُم مِن الكرمِ والسخاءِ، وحصّلُوا مِن الأجرِ أضعافَ ما عملُوا، وحقّقُوا مِن الرجاءِ أتمَّ مِمّا أملوا، فاغتنمُوا عبادَ الله نفحاتِ ربِّكُم، واقبلُوا هديتَهُ، قال رسولُ اللهِ ﷺ: « إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي أَيَّامِ الدَّهْرِ نَفَحَاتٌ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ نَفْحَةٌ فَلَا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا». [ المعجم الأوسط، للطبراني ].

ومِن هذه النفحاتِ التي وهبَهَا الحقُّ للخلقِ هذه العشرُ، التي يضاعفُ فيها الأجر، ويعظمُ فيها

العطاء، حتى أصبحَ العملُ فيها لا يعدلهُ عمل، ولا يجارِيه أجر، حتى زادَ عن أجرِ الشهيدِ، الذي له مِن الأجرِ ما يطربُ الأسماع، ويرققُ الطباع، ويقمعُ الأطماع، ويدفعُ الخلقَ إلى التسابقِ في نيلِ هذا الأجرِ، فأجرُ الشهيدِ مغفرةٌ للذنوبِ عندَ أولِ قطرةٍ مِن دمهِ، ويشفعُ في أهلِ بيتهِ، ويؤمنُ مِن الفزعِ، ويرى مقعدَهُ في الجنةِ، وروحهُ في حواصلِ الطيرِ تسبحُ في رياضِ الجنةِ تردُ أنهارَهَا، وتأكلُ مِن ثمارِهَا، ثم تأوي إلى قناديلَ تحت العرشٍ، والعجيبُ أنّهُم أحياءٌ عندَ ربِّهِم يرزقون، والأعجبُ أنَّ العملَ في عشرِ ذي الحجةِ يفضلُ هذا الفضل، ويربُو على هذا الأجرِ، ولا عدلَ لهُ إلّا شهيدٌ مِن نوعّ خاص، خرجَ بمالهِ، ونفسِه فلم يرجعْ مِن ذلك بشيءٍ، فكم هي منحةٌ مباركةٌ، ونفحةٌ مرضيةٌ مِن ربِّ البريةِ، قال رسولُ اللهِ ﷺ: « مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ ». يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: « وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ ». [ البخاري وأبو داود ].

واستدلَ به على فضلِ صيامِ عشرِ ذي الحجةِ لاندراجِ الصومِ في العملِ…، والذي يظهرُ أنَّ السببَ في امتيازِ عشرِ ذي الحجةِ لمكانِ اجتماعِ أمهاتِ العبادةِ فيهِ وهي الصلاةُ والصيامُ والصدقةُ والحجُّ ولا يتأتّى ذلك في غيرِهَا. [ فتح الباري لابن حجر].

ومِن عظيمِ مكانتِهَا، أنَّ فيها يومَ عرفةَ، وهو اليومُ الذي يتجلّى فيه اللهُ تعالى على عبادِه بالرحماتِ، ويعتقُ فيه مِن النيران بما لا يعدلهُ يومٌ مِن أيامِ السنةٍ كلِّهَا، فعندَ مسلمٍ مِن حديثِ عائشةَ ـــ زوجِ رسولِ اللهِ ﷺ قالت: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: « مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟ ». 

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ــــ رضي الله عنه ـــــ قَالَ: وَقَفَ النَّبِيُّ ﷺ بِعَرَفَاتٍ، وَكَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تؤوب، فَقَالَ يَا بِلَالُ أَنْصِتْ لِيَ النَّاسَ، فَقَامَ بِلَالُ فَقَالَ: أَنْصِتُوا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَنَصَتَ النَّاسُ، فَقَالَ: مَعَاشِرَ النَّاسِ أَتَانِي جِبْرِيلُ آنِفًا، فَأَقْرَأَنِي مَنْ رَبِّيَ السَّلَامَ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ غَفَرَ لِأَهْلِ عَرَفَاتٍ، وَأَهْلِ الْمَشْعَرِ، وَضَمِنَ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ. فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا لَنَا خَاصٌّ. فَقَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَلِمَنْ أَتَى بَعْدَكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَقَالَ عُمَرُ: كَثُرَ خَيْرُ اللَّهِ وَطَابَ. [ التمهيد، لابن عبد البر ]. وأيُّ فضلٍ أعظمُ مِن أنْ يتحملَ اللهُ التبعاتِ عن خلقهِ ويعتقَهُم مِن النارِ، ذلك فضلُ اللهِ يؤتيهِ مَن يشاءُ.

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : مفهوم العمل الصالح وفضائل العشر

ثمراتُ العملِ الصالحِ.

للعملِ الصالحِ ثمراتٌ كثيرةُ النفعِ، جليلةُ القدرِ، يجنيهَا صاحبُ العملِ الصالحِ في العاجلِ والآجلِ، فمِن ثمراتِ العملِ الصالحِ المعجلةِ في الدنيا، محبةٌ يقذفُهَا اللهُ تعالى في قلوبِ الخلقِ، لا يبلغُهَا العمل، بل هي قدرٌ زائدٌ على قدرِ العملِ، إنّما هي منحةٌ يفوزُ بها العبدُ، لما حسنتْ نيتُه، وطابتْ سريرتُه، وعزّ عندَ خالقهِ، ومِن هذه الثمراتِ العاجلةِ للعملِ الصالحِ سترُ العيوبِ عن أعينِ الخلقِ، وظهورُ العبدِ مكرمٌ بينَ عبادِ اللهِ، ولو شاءَ لهتَكَ سترَهُ، وأظهرَ عيبَهُ، لكنّ الحسناتِ يذهبنَ السيئات، وهما مِن أجلِّ نعمِ اللهِ على عبادِهِ التي تستوجبُ الشكرَ، سُئِلَ بعضُهُم كيف أصبحت؟ قَالَ: أَصْبَحْتُ بَيْنَ نِعْمَتَيْنِ لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ ذُنُوبٌ سَتَرَهَا اللَّهُ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُعَيِّرَنِي بِهَا أَحَدٌ، وَمَوَدَّةٌ قَذَفَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ لَمْ يَبْلُغْهَا عَمَلِي. [ الشكر لابن أبي الدنيا ].

ومِن ثمراتِ العملِ الصالحِ، حسنُ الخاتمةِ: إنَّ مِن ثمراتِ الأعمالِ الصالحاتِ، أنْ يرزقَ اللهُ صاحبَهَا حسنَ الخاتمةِ عندَ الممات، فعندَ الترمذِي وغيرِه، مِن حديثِ أَنَسٍ ــــ رضي اللهُ عنه ـــ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ» فَقِيلَ: كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: « يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ المَوْتِ ».

ومِن ثمراتِ العملِ الصالحِ، أنَّه تأتيهِ البشارةُ عندَ الموتِ بالجنةِ التي وعدَهُ اللهُ بها متى عملَ صالحًا، فلمَّا استقامَ على الصلاحِ، نالَ الفلاحَ، قالَ تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [ فصلت: 30].

ويؤمَّنُ بالعملِ الصالحِ مِن عذابِ القبرِ، فالجزاءُ مِن جنسِ العملِ، فمتَى أمنَ الناسُ مِن شرورِ العبدِ في الدنيا، أمّنَهُ اللهُ مِن العذابِ عندَ أوّلِ منازلِ الآخرةِ، فعندَ الحاكمِ، قال رسولُ اللهِ ﷺ: « إنَّ الميتً إذا وُضعَ في قبرِه، إنّه يسمعُ خفقَ نعالِهِم حين يولونَ مدبرين، فإنْ كان مؤمنًا، كانت الصلاةُ عندَ رأسهِ، وكان الصيامُ عن يمينِه، وكانت الزكاةُ عن شمالِه، وكان فعلُ الخيراتِ مِن الصدقةِ، والصلاةِ، والمعروفِ، والإحسانِ إلى الناسِ عند رجليهِ، فيُؤتَى مِن قبلِ رأسهِ، فتقولُ الصلاةُ: ما قِبَلِي مدخَلٌ، ثم يُؤتَى مِن قبلِ يسارهِ، فتقولُ الزكاة: ما قِبَلِي مدخَلٌ، ثم يؤتَى مِن قِبَل رجليهِ، فيقولُ فعلُ الخيراتِ مِن الصدقةِ والصلاةِ والمعروفِ والإحسانِ إلى الناسِ: ما قبلِي مدخلٌ، فيقولُ له: اجلسْ، فيجلسُ قد مثلتْ لهُ الشمسُ وقد أذنتْ للغروبِ، فيقَالُ لهُ: أرأيتُكَ هذا الذي كان قبلَكُم ما تقولُ فيه، وماذا تشهدُ عليهِ؟ فيقولُ: دعونِي حتى أصلِّيَ، فيقولان: إنك ستفعلُ، أخبرنَا عما نسألُكَ عنه، أرأيتُكَ هذا الرجلُ الذي كان قبلَكُم ماذا تقولُ فيه، وماذا تشهدُ عليهِ؟ قال: فيقولُ: محمدٌ؟ أشهدُ أنَّهُ رسولُ اللهِ ﷺ، وأنّهُ جاءَ بالحقِّ مِن عندِ الله، فيقالُ له: على ذلك حَييتَ، وعلى ذلك متَّ، وعلى ذلك تبعثُ إنْ شاءَ اللهُ، ثم يُفتَحُ له بابٌ مِن أبوابِ الجنةِ، فيُقالُ له: هذا مقعدُكَ منها، وما أعدَّ اللهُ لك فيها، فيزدادُ غبطةً وسرورًا، ثم يُفتَحُ له بابٌ مِن أبوابِ النارِ، فيقالُ له: هذا مقعدُكَ وما أعدَّ اللهُ لك فيها لو عصيتَهُ، فيزدادُ غبطةً وسرورًا، ثم يفسحُ له في قبرهِ سبعون ذراعًا، وينوَّرُ له فيه، ويُعادُ الجسدُ لما بُدئَ منه، فتُجعلُ نسَمتهُ في النَّسَمِ الطيبِ، وهي طيرٌ تُعلَّقُ في شجرِ الجنةِ». فذلك قولُه: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخرة ﴾ [ إبراهيم: 27]. 

تابع / خطبة الجمعة القادمة بعنوان : مفهوم العمل الصالح وفضائل العشر

ومِن أعظمِ ثمراتِ الأعمالِ الصالحاتِ، أنّ اللهَ أعدَّ لهم في الآخرةِ ما لا عينٌ رأتْ ولا أذنٌ سمعتْ ولا خطرَ على قلبِ بشر، ففي الصحيحين مِن حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ـــــ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـــــ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : قَالَ اللَّهُ « أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ». ثم تتوجُ دارُ النعيمِ برؤيةِ اللهِ تعالى، وهو أعظمُ شيءٍ ينالهُ العبدُ المؤمنُ، فاللذين أحسنُوا الحسنى، وهي الجنةُ، ولهم فوقَ هذه الحسنى زيادةٌ هي رؤيةُ اللهِ عزّ وجلّ، ولا شيءَ أعظمُ مِن هذه الزيادةِ، فالدنيا ساعةٌ اجعلها طاعةً، والنفسُ الطماعةُ عودهَا القناعةَ وذكرهَا بالموتِ في كلِّ ساعةٍ.

       اللهم أعنَّا على ذكرِكَ وشكرِكَ وحسنِ عبادتِكَ، واستعملنَا ولا تستبدلنَا، ووفقنَا لعملٍ صالحٍ ثم اقبضنَا عليه، ووفقْ اللهُمّ ولاةَ أمورِنَا إلى ما فيه صلاحُ البلادِ والعبادِ، واجعلْ بلدنَا مصرَ أمنًا أمانًا وسائرَ بلادِ المسلمين .. اللهم آمين .. اللهم أمين!

بقلم/ مسعود عرابي .. عضو هيئة تدريس بجامعة الأزهر .. وخطيب مكافأة.

_____________________________________

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »