خطبة الجمعة القادمة بعنوان (كيف نستعيد قيمنا وأخلاقنا الجميلة) ، للشيخ كمال المهدي
خطبة الجمعة القادمة بعنوان (كيف نستعيد قيمنا وأخلاقنا الجميلة) بتاريخ 1 من صفر ١٤٤٢ هـ الموافق 18 سبتمبر ٢٠٢٠م
لتحميل خطبة الجمعة القادمة word : كيف نستعيد قيمنا وأخلاقنا الجميلة ، للشيخ كمال مهدي
لتحميل خطبة الجمعة القادمة pdf : كيف نستعيد قيمنا وأخلاقنا الجميلة ، للشيخ كمال مهدي
ولقراءة الخطبة كما يلي:
خطبة الجمعة القادمةبعنوان (كيف نستعيد قيمنا وأخلاقنا الجميلة) بتاريخ٩/١٨/ ٢٠٢٠م
***
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد : أحبتي في الله :
إنها أزمة بل أكبر أزمة بل هي مصدر كل أزمة ترى ما هي هذه الأزمة؟
(إنها أزمة الأخلاق)
التي تعد من أشد الأزمات التي تمر بها البلاد فتعالوا بنا لنناقش هذه الأزمة ونرى كيف يكون علاجها كي نستعيد أخلاقنا الجميلة وقيمنا النبيلة..
وبدايةً أقول : أن الأخلاق جزء وثيق من الإيمان : فإتمام الأخلاق وصلاحها من أهم مقاصد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فهو القائل: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صالح الأَخْلاَقِ) رواه الإمام أحمد في مسنده عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه.
فبعثته صلى الله عليه وسلم تهدف إلى إتمام مكارم الأخلاق قبل كلّ شيء، ويؤكد هذا القول ما رواه الإمام أحمد من جواب الصحابي الجليل،جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يوم كان في الحبشة، والنجاشي يسأله عن حقيقة هذاالدين، فيقول:
أيّها الملك،لقد كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام ونأكل الميتة،ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله عز وجل لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دون الله من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء.
لقد لخّص الدّين كلّه في هذه الجملة التي عنوانها الكبير: ( مكارم الأخلاق) ، وقد تلخّص الدّين كلّه في صفوة الخلق محمد ﷺ، ذلك الإنسان الكامل الذي أثنى عليه ربّه بأرقى ما فيه فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
*ولقد عنيَ الإسلام بالأخلاق منذ بزوغ فجره وإشراقة شمسه.
فقد ذكر الله تعالى في كتابه عددًا من الأخلاق الحسنة وأمر المسلم بالتخلق بها، وذكركذلك الأخلاق السيئة وأمر بالإنتهاء عنها ، قال تعالى:(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ) [النحل: ٩٠]
*فالأخلاق الحسنة هي صفة المسلم وسمته العام، فالإنسان شكل ومضمون؛ والأخلاق هي المضمون الذي تنعكس صورته على تصرفات الإنسان واعتقاداته،
والأخلاق لهاأهمية في حياة المسلم وآخرته ولها مكانة عالية، بلغت بصاحبها أن كان الأقربَ والأحبّ لصاحب الخلُق العظيم نبيّنا محمّد، يقول -عليه الصلاة والسلام-: “إنّ من أحبِّكم إليّ وأقربِكم منّي مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا”. رواه البخاري.
*ولقد كانت الأخلاق في حياة المسلمين سببًا رئيسًا لعزتهم وقوتهم ومنعتهم وسعادتهم، فعاشوا فيما بينهم حياة يسودها الحب والتعاون والإحترام المتبادل، فأسسوا حضارة بهرت العالم؛ ذلك أن أي حضارة لا تقوم إلا على دعامتين: علمية وأخلاقية، علمية تنتج التطور والازدهار والرقي السياسي والاقتصادي والعلمي والاجتماعي، وأخلاقية ينتج عنها الأمانة والإخلاص والإتقان والشعور بالمسؤولية وتقديم النفع وحب الخير، فإذا ما ذهبت هاتان الدعامتان أو إحداهما انهارت الحضارات وتفككت المجتمعات وحلّ البلاء بأهلها.
وصدق القائل :-
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت * فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا..
!! وأدرك هذه الحقيقة أيضًا أحد كتاب النصارى واسمه “كوندي” حيث قال: “العرب هووا عندما نسوا فضائلهم التي جاؤوا بها، وأصبحوا على قلب متقلب يميل إلى الخفة والمرح والاسترسال بالشهوات”.
وصدق الله العظيم القائل: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) [الإسراء:١٦].
* وفي معركة اليرموك أرسل أحد قادة جيش الروم واسمه القُبُقلار، رجلاً من قضاعة يقال له ابن هزارف، فقال له: ادخل في هؤلاء القوم -يعني المسلمين- فأقم فيهم يوماً وليلة ثم ائتني بخبرهم، فدخل ابن هزارف في جيش المسلمين، فأقام فيهم يوماً وليلة، ثم رجع إلى قائد الروم، فقال له القائد: ما وراءك؟! قال: بالليل رهبان، وبالنهار فرسان، ولو سرق فيهم ابن ملكهم قطعوا يده، ولو زنى رُجم لإقامة الحق فيهم. فقال القائد: لئن كنت صدقتني لبطن الأرض خير من لقاء هؤلاء على ظهرها، ولوددت أن حظي من الله أن يخلي بيني وبينهم، فلا ينصرني عليهم، ولا ينصرهم عليّ.
*بل انظر إلى أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- خليفة المسلمين يستشعر أهمية الأخلاق في حياة المسلمين ولو كانوا في حرب مع عدوهم لأهميتها وأثرها وارتباطها بالجزاء والحساب، فقد أوصى أسامة بن زيد حين بعثه قائداً لجيش إلى الشام: “لا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً وتحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة، ولا بقرة، ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له”.
يا لعظمة هذه الأخلاق والقيم النبيلة! فماذا نقول اليوم لمن ساءت أخلاقهم وفسدت أفعالهم؟! يستحلون دماء المسلمين وأعراضهم، قتل وخطف وتعدٍ وظلم وتخويف وقطع طريق ، أين ستذهبون من أعمالكم عندما تقفون بين يدي الله ولا حجة لكم؟
وإذا نظرنا لحالنا اليوم للأسف الشديدغابت قيم كثيرة من قلوبنا.
فالفترة الأخيرة تشهد حالة من التدهور الأخلاقي، وظهور بعض العادات المستجهنة، كالبلطجة، التحرش ،وغير ذلك مما يهدد منظومة القيم،”
* إنّنا نعيش اليوم في مجتمعنا أزمة حقيقيّة، أزمة لا يعلم عواقبها إلاّ الله تعالى، ليست أزمة اقتصاديّة، ولا أزمة سياسيّة، ولكن الأزمة الأعظم في هذا الخضمّ كلّه هي أزمة غياب الأخلاق، نعم إنّنا نعيش اليوم أزمة أخلاقية خطيرة قد مسّت الجميع دون استثناء، على مستوى الأسرة وعلى مستوى الشارع وعلى مستوى العمل وعلى كافة المستويات.
فالشارع لم يعد ذلك الشارع الذى كانت تحكمه أخلاقيات وثوابت وقيم لا وجود لها الآن، وهذه ليست مجتمعاتنا التى كانت تحكمها ثوابت أخلاقية ودينية وسلوكية، فلم نكن بهذه الفوضى ولا هذه القسوة التى تهدد استقرار الوطن.
فالكثير من الناس يصلون ويصومون ويقرؤون القرآن ويملؤون المساجد، ثم يخرجون للتباغض والتنازع والتحاسد فيما بينهم، يقوم الكثير بالشعائر دون خشوع وتدبر، ودون استشعار لعظمة الله، فتسوء أخلاقهم وسلوكياتهم في البيت والسوق وفي الوظيفة ومع الجيران؛
*ولو رجعنا إلى الوراء في زمن مضى كان الابن لا يستطيع أن يتجاوز عتبة البيت كل صباح متوجها إلى عمله دون ينحنى ليقبل يد أبيه وأمه، أما اليوم فحدِّث ولا حرج عن إساءات وإهانات يتعرض لها الوالدين.
وفى ما مضى أيضا كان الطالب لا يستطيع المرور من أمام بيت مُعلِّمِه ليس خشية منه بل احتراما وتقديرا له ولدروه، ولكن اليوم للأسف لم يعد هناك احترام من الطالب لمُعلِّمِه.
فلم يعد يحترم الصغير الكبير ولا يُبجل الاخ أخيه ولا الإبن يراعى مشاعر أبيه وكبر سنه إلا من رحم ربى
* فهل أزمة الأخلاق مسألة دينية فقط يكفى لمواجهتها تجديد الخطاب الدينى أو التركيز على الجانب الأخلاقى؟
قطعًا الأزمة أكبر من أن يحلها الخطاب الدينى فقط، لكنه عنصر مؤثر فى علاجها، لأن هناك أسبابًا أخرى لانهيار الأخلاق. هو اختلال المؤسسات الاجتماعية، التي تتمثل في الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام، والبعد عن الدين.
!!! فكيف نستعيد أخلاقنا وقيمنا وما هي الطرق لاستعادة الأخلاق الجميلة والقيم النبيلة التي افتقدناها؟
!! إن استعادة منظومة القيم الاخلاقية يكون أولا عن طريق (الأسرة) بحرصها علي تربية النشء علي أسس الدين والقدوة الحسنة حيث تشير الدراسات إلي أن تعلم الأطفال يكون عن طريق المحاكاة والتقليد الذي يكون لها دور فعال في تلقي القيم التي تكون من ثوابت الفرد في حياته.
إذاً المخرج الأول والأهم لإعادة الأخلاق هو الأسرة، باعتبارها مؤسسة التنشئة التعليمية الأولى في المجتمع، ويجب أن تتماسك ويعود الأب بصورته القوية كما كان من قبل، من رقابة ومتابعة للأبناء؛ لأن الابن يتقمص قيم أبيه ويسير عليها طوال حياته.
**ثم بعدالأسرة تأتي (المدرسة) مباشرة لدعم القيم الفاضلة في نفوس الأجيال، من خلال الإهتمام بتدريس مادة التربية الدينية التي تحتوي على الأخلاق الفاضلة وغرس هذه الأخلاق في نفوس الطلاب.
**ويأتي بعد ذلك (الإعلام).
فبدلا من تلك المواد التي تقدم عبر الشاشة الفضية، مثل أفلام الأكشن والحركة التي تمجد قوة أخذ الحق وغير الحق بالذراع وفرض السيطرة ومقاومة السلطات والخروج على القانون وكذا الموضوعات والسلوكيات الخليعة التي يشاهدها كثير من الشباب على الإنترنت وأدوات التواصل الاجتماعي. عليه أن يعرض ما يغرس القيم والأخلاق في نفوس الناس.
**إذا قامت كل الجهات السابقة بدورها الحقيقي، وكانت هناك توعية جادة للنشء والشباب للاستمساك بصحيح الدين وتفعيله، فبالتالي يمكن استعادة الأخلاقيات الغائبة للمجتمعات مرة أخرى.
وختاما أقول :-
!!ما أحوجنا في هذه الأيام إلى أخلاق الإسلام في زمن طغت فيه المادة وضعفت فيه القيم.
!!ما أحوجنا إلى أخلاق الإسلام ونحن نرى التقاطع والتدابر والتحاسد على أبسط الأمور وأتفه الأسباب.
!! ما أحوجنا إلى أخلاق الإسلام وتوجيهاته ونحن نرى قطيعة الرحم وضعف البر والصلة وانعدام النصيحة وانتزاع الرحمة والحب والتآلف بين كثير من الأبناء والآباء والجيران والإخوة وبين أفراد المجتمع الواحد.
!! ما أحوجنا إلى أخلاق الإسلام وتوجيهاته لتستقيم أمورنا وتنصلح أحوالنا وتضبط تصرفاتنا ويكتمل إيماننا.
نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
**
كتبه:- الشيخ/ كمال السيد محمود محمد المهدي
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية