خطبة الجمعة القادمة بعنوان : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ، لـ صوت الدعاة
بتاريخ 5 شوال 1446هـ ، الموافق 4 أبريل 2025م

خطبة الجمعة القادمة 4 أبريل 2025 م بعنوان : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ، لـ صوت الدعاة بتاريخ 5 شوال 1446هـ ، الموافق 4 أبريل 2025م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة لصوت الدعاة 4 أبريل 2025 بصيغة word بعنوان: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ، بصيغة word
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة لصوت الدعاة 4 أبريل 2025 بصيغة pdf بعنوان : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ pdf
عناصر خطبة الجمعة القادمة لصوت الدعاة 4 أبريل 2025 بعنوان : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ، كما يلي:
1- الرحمةُ والرأفةُ باليتيمِ.
2- إصلاحُ أحوالِ اليتيمِ والقيامُ على شئونِهِ.
3- فوائدُ رعايةِ اليتيمِ وكفالتِهِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 4 أبريل 2025 بعنوان : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ، كما يلي:
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ
5 شوال 1446هـ – 4 أبريل 2025م
صوت الدعاة
المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، القائلِ في كتابهِ العزيزِ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاح لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{، وأشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا ونبيَّنَا مّحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلّمْ وباركْ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ، ومَن تبعِهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ.
وبعد
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ، لـ صوت الدعاة
أولاً: الرحمةُ والرأفةُ باليتيمِ.
الدينُ الإسلاميُّ دينُ رحمةٍ، وكتابُهُ كلُّهُ رحمةٌ، ونبيُّهُ هو نبيُّ الرحمةِ، والرحمةُ تعنِي الرفقَ والرأفةَ، والرقةَ واللينَ، والعطفَ والعنايةَ والرعايةَ، ومِن محاسنِ الشريعةِ الإسلاميةِ أنّهَا اهتمتْ بالفئاتِ الضعيفةِ اهتمامًا عاليًا، وأولتهَا رعايةً فائقةً، وعنايةً خاصةً، ومِن تلك الفئاتِ الضعيفةِ (اليتامَى). ورعايةُ اليتيمِ وإصلاحُ شأنِهِ خلقٌ إنسانيٌّ وحضاريٌّ رفيعٌ دعتْ إليهِ جميعُ الشرائعِ السماويةِ، قالَ تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ … {، وقاَم بهذا الخُلقِ أنبياءُ اللهِ ورسلُهُ (عليهمُ السلامُ)، فهذا نبيُّ اللهِ زكريا (عليهِ السلامُ) يتنافسُ مع عُبَّادِ بني إسرائيلَ على مَن ينالُ شرفَ كفالةِ السيدةِ مريمَ (عليها السلامُ) بعدَ وفاةِ والدِهَا عمران، قال تعالى: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ{..
وفي السنةِ النبويةِ المطهرةِ ما يدلُّ على اهتمامِ النبيِّ ﷺ بأمرِ اليتيمِ، فحينمَا استُشهِدَ الصحابيُّ الجليلُ جعفرُ بنُ أبِي طالبٍ (رضي اللهُ عنه) يومَ مؤتةَ جاءت زوجُهُ إلى رسولِ اللهِ ﷺ، وجعلت تذكرُ مِن يُتمِ أولادِهَا وحاجتِهِم… إلخ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: (الْعَيْلَةَ -الفقرُ والفاقةُ والحاجةُ – تَخَافِينَ عَلَيْهِمْ وَأَنَا وَلِيُّهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟).
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ، لـ صوت الدعاة
ثانيـًا: إصلاحُ أحوالِ اليتيمِ، والقيامُ على شئونِهِ.
ولقد دعَا الإسلامُ إلى إصلاحِ جميعِ أحوالِ اليتامَى والقيامِ على شئونِهِم، فقالَ تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحَ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{، والمتدبرُ في الآيةِ الكريمةِ يرَى أنَّ التعبيرَ القرآنيَّ قد جاءَ بكلمةِ (إصلاحٍ) ليكونَ شاملًا لكلِّ وجوهِ العنايةِ والرعايةِ، فالإصلاحُ اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يحتاجُ إليهِ اليتيمُ، فقد يحتاجُ إلى المالِ فيكونُ الإصلاحُ برًّا وعطاءً ماديًّا، وربَّمَا يكونُ اليتيمُ غنيًّا فيحتاجُ إلى التقويمِ والتربيةِ، فيكونُ الإصلاحُ هنَا رعايةً وتربيةً، وقد يحتاجُ إلى مَن يتاجرُ لهُ في مالِهِ أو مَن يقومُ على شئونِ زراعتِهِ أو صناعتِهِ فيكونُ الإصلاحُ هو القيامُ بذلكَ، وقد لا يحتاجُ إلى هذا ولا ذاك، وإنّمَا تكونُ حاجتُهُ إلى العطفِ والحنوِّ والإحساسِ بمشاعرِ الأبوةِ فيكونُ الإصلاحُ بتوفيرِ ذلكَ لهُ، وقد يكونُ الإصلاحُ في تقويمِ زيغِهِ واعوجاجِهِ وتهذيبِ سلوكِهِ وأخلاقِهِ، وبهذا المعنَى الشاملِ للرعايةِ والكفالةِ جاءت النصوصُ القرآنيةُ والنبويةُ تحثنَا وتدعونَا إلى إصلاحِ أحوالِ اليتامَى، ورعايةِ شئونِهِم، ومِن ذلك :
1-الإصلاحُ والرعايةُ النفسيةُ لليتامَى، لقد نهَى الإسلامُ عن استذلالِهِم أو إهانتِهِم، أو احتقارِهِم؛ محافظةً على نفسيتِهِم، ورعايةً لمشاعرِهِم، فقالَ تعالى مخاطبًا نبيَّهُ ﷺ ومُعلمًا لأمتِهِ: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ }، أَي: لا تحقرهُ ولا تظلمهُ، ولا تستذلهُ، ولا تمنعهُ حقَّهُ الذي في يدِكَ، وكن لهُ كالأبِ الرحيمِ).
كذلك جعلَ القرآنُ الكريمُ إهانةَ اليتيمِ، وعدمَ إعطاءِهِ حقَّهُ، وعدمَ الإحسانِ إليهِ مِن صفاتِ المكذبينَ بدينِ اللهِ (عزَّ وجلَّ)، فقالَ تعالَى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُ الْيَتِيمَ {، أي: يدفعهُ دفعًا عنيفًا بجفوةٍ وأذَى، ويردهُ ردًا قبيحًا بزجرٍ وخشونةٍ إذا طلبَ منهُ شيئًا.
كذلك حثت السنةُ النبويةُ المطهرةُ على مراعاةِ نفسيةِ اليتامَى، ورفعِ معنوياتِهِم، والإحسانِ إليهِم، ومِن مظاهرِ ذلكَ المسحُ على رؤوسِهِم، فعن أبي أمامةَ (رضي اللهُ عنه) أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قالَ: (مَنْ أَحْسَنَ إِلَى يَتِيمَةٍ أَوْ يَتِيمِ عِنْدَهُ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ، وَقَرَنَ بَيْنَ أَصْبُعَيْهِ السَّبَابَةِ وَالْوُسْطَى).
وها هي أمُّ المؤمنينَ السيدةُ خديجةُ رضي اللهُ عنها تصفُ أخلاقَ النبيِّ ﷺ وتشيرُ إلى رعايةِ النبيِّ ﷺ للفئاتِ الضعيفةِ في مجتمعهِ ومنهُم الأيتامُ، فتقولُ: (أَبْشِرْ فَوَ اللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، فَوَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ ).
وعن عبدِ اللهِ بنِ جعفرٍ (رضي اللهُ عنهُ) قال: ( لو رأيتَني وقُثَمَ وعُبَيْدَ اللَّهِ ابنَي عبَّاسٍ ونَحنُ صبيانُ نَلعبُ, إذ مرَّ النَّبيُّ ﷺ علَى دابَّةٍ فقالَ : ارفعوا هذا إلَيَّ، قال : فحَملَني أمامَهُ وقالَ لقُثَمَ : ارفَعوا هذا إليَّ, فحملَهُ وراءَهُ, وَكانَ عُبَيْدُ اللَّهِ أحبُّ إلى عبَّاسٍ مِن قُثَمَ, فلمَّا استحَى من عمِّهِ أن حَملَ قُثَمًا وترَكَهُ، قالَ : ثمَّ مسحَ علَى رأسي ثلاثًا، وقالَ : كلَّما مسحَ اللَّهمَّ اخلُفْ جعفرًا في ولدِهِ.
2- الإصلاحُ والرعايةُ الاجتماعيةُ لليتامَى، قالَ تعالى واصفًا أهلَ الإيمانِ: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا {، فرعايةُ الأيتامِ وإصلاحُهُم ليستْ عملًا فرديًّا، بل هو واجبٌ مجتمعيٌّ، وثقافةٌ ينبغِي أنْ تسودَ، والمتأملُ في الآيةِ الكريمةِ يرَى أنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) لم يمتدحْ فعلًا فرديَّا، وإنَّمَا امتدحَ فعلًا جماعيًّا، حيثُ قالَ: {وَيُطْعِمُونَ} بصيغةِ الجمعِ.
وهذا نبيُّ اللهِ مُوسَى والعبدُ الصالحُ الخضرُ (عليهمَا السلامُ) يقدمانِ لنَا أنموذجًا عاليًا في رعايةِ الأيتامِ اجتماعيًّا، فيقومانِ ببناءِ جدارٍ آيلٍ للسقوطِ كان مِلكًا لغلامينِ يتيمينِ، وكان تحتهُ كنزٌ لهُمَا ، على الرغمِ مِن لؤمِ أهلِ القريةِ معهُمَا ومنعهمَا واجبُ الضيافةِ، قالَ تعالَى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزَ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} .
تابع/ خطبة الجمعة القادمة بعنوان : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ، لـ صوت الدعاة
وقد نعَى القرآنُ الكريمُ على مَن لم يكرمْ الأيتامَ ولم يحسنْ إليهِم، قالَ تعالى: {كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ}، أي : لا تحسنونَ إليهِم، ولا تعطونَهُم حقَّهُم. وقالَ نبيُّنَا ﷺ: ( خَيْرُ بَيْتِ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتُ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ، وَشَرُّ بَيْتِ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتُ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ).
3- الإصلاحُ والرعايةُ الماليةُ للأيتامِ: فقد أمرَ الإسلامُ بدفعِ نصيبهُم في الميراثِ إليهم، وحذَّرَ مِن تزييفِهِ أو تغييرِهِ، والطمعِ فيهِ، وبيَّنَ أنَّ هذا الفعلَ جرمٌ كبيرٌ، وإثمٌ عظيمٌ، قالَ تعالَى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كبيرًا }، فقد نزلتْ هذه الآيةُ في رجلٍ مِن غطفانَ كان معهُ مالٌ كثيرٌ لابنِ أخٍ لهُ يتيم، فلمَّا بلغَ اليتيمُ طلبَ المالَ فمنعَهُ عمُّهُ فخاصَمَهُ إلى النبيِّ ﷺ فنزلتْ الآيةُ ، وقالَ تعالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ في بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}.
وعن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنهُ أنَّ النبيَّ ﷺ قال: ( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ) – أي المهلكات، قالوا: يا رسولَ اللهِ وما هُنَّ؟ قال: (الشَّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ….)، كما ندبَ الإسلامُ الأوصياءَ على الأيتامِ بالتعففِ عن أموالِهِم إنْ كانوا أغنياءَ، وأمَّا إنْ كان الوصيُّ في حاجةٍ فليكنْ ما يأخذُهُ بالمعروفِ، أي بما يتعارفُ عليهِ بينَ الناسِ دونَ جورٍ أو طمعٍ، قالَ تعالَى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}، وقالَ سبحانَهُ: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} .
وحرصًا مِن الإسلامِ على اليتامَى أمرَ باختبارِهِم قبلَ دفعِ الأموالِ إليهِم، قالَ تعالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}. فإذا لم يكنْ للأيتامِ مالٌ فقد حثّنَا القرآنُ الكريمُ على إعطائِهِم مِن أموالِنَا ، وجعلَ ذلك لونًا مِن ألوانِ البرِّ، ومرتبةً عاليةً مِن مراتبِ الإيمانِ، قالَ تعالَى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ…}، وهكذا فقد نظرَ الإسلامُ الحنيفُ لليتامَى نظرةَ رعايةٍ، وعنايةٍ، وإصلاحٍ في كلِّ أحوالِهِم ، وكافةِ شئونِهِم.
أقولُ قولِي هذا وأستغفرُ اللهُ لِي ولكُم…
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين، سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين. إخوةَ الإسلامِ: إنَّ رعايةَ الأيتامِ، وكفالتَهُم، والقيامَ بشئونِهِم لهو عملٌ جليلٌ يعودُ بالنفعِ على الإنسانِ حالِ حياتِهِ، وبعدَ مماتِهِ.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ، لـ صوت الدعاة
ثالثـًا: فوائدُ رعايةِ اليتيمِ وكفالتِهِ.
1-لينُ القلبِ، وتيسيرُ الأمرِ: فعن أبي الدرداء رضي اللهُ عنه أنَّ رجلاً جاءَ إلى النبيِّ ﷺ يشكُو قسوةَ قلبِهِ، فقالَ لهُ: (أَتُحِبُّ أَنْ يلين قلبك ؟ فَقَالَ: نَعَمْ ، قَالَ : ارْحَمِ الْيَتِيمَ ، وَامْسَحْ رَأسَهُ ، وَأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُلَيِّنُ قَلْبَكَ، وَتَقْدِرُ عَلَى حَاجَتِكَ).
2- نماءُ المالِ وزيادتُهُ وتطهيرُهُ: قالَ تعالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} .
3- النجاةُ مِن عذابِ اللهِ في الآخرةِ: قالَ تعالَى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ۚ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكَ رَقَبَةِ * وَإِطْعَامُ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةِ.{
4-مرافقةُ النبيِّ ﷺ في الجنةِ: فعن سهلِ بنِ سعدٍ رضي اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال : ( أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا)، وفي روايةٍ: أنَّهُ ﷺ قال: (كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ) ، وأشارَ ﷺ بالسبابةِ والوسطَى، وعن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: ( أنا أَوَّلُ مَنْ يُفْتَحُ لَهُ بَابَ الْجَنَّةُ إِلا أَنَّهُ تَأْتِي امْرَأَةٌ تُبَادِرُنِي فَأَقُولُ لَهَا: مَا لَكِ وَمَنْ أَنْتِ ؟ ). فَتَقُولُ : أَنَا امْرَأَةٌ قَعَدْتُ عَلَى أَيْتَامٍ لِي.
إنّ تخصيصَ يومٍ لليتيمِ فكرةٌ نبيلةٌ ينبغِي أنْ نسعَى فيهِ جميعًا إلى إدخالِ السعادةِ والسرورِ علَى مَن فقدُوا آباءَهُم، وإشعارِهِم بأنَّهُم ليسُوا وحدَهُم في الحياةِ، وإنْ كان اللهُ (عزَّ وجلَّ) قد قدَّرَ عليهم فَقْدَ آبائِهِم فإنَّ هذا التقديرَ لا يخلُو مِن حكمةٍ، ويجبُ علينَا أنْ نجعلَهُم في قلوبِنَا، ومحلَّ رعايتِنَا واهتمامِنَا، مؤكدينَ أنَّ الأمرَ لا يقتصرُ على يومٍ واحدٍ في العامِ، وإنّمَا ذلكَ مِن بابِ الذكرَى لِمَن شغلتهُم الحياةُ عن هذا الواجبِ الإنسانِي والمجتمعِي.
أَيُّهَا المثري أَلا تَكْفُلُ مَنْ بَات مَحْرُومًا يَتِيمًا مُعْسِرَا
أَنْتَ مَا يُدْرِيكَ لَوْ رَاعَيْتَهُ رُبَّمَا رَاعَيْتَ بَدْرًا نَيْرَا
رُبَّمَا أَيْقَظْتَ سَعْدَا ثَابِتَا يُحْسِنُ الْقَوْلَ وَيَرْقَى الْمِنْبَرَا
رُبَّمَا أَيْقَظَتَ مِنْهُمْ خَالِدًا يَدْخُلُ الْغِيلَ عَلَى أُسْدِ الشَّرَى
لَمْ طَوَى الْمُؤْسُ نُفُوسًا لَوْ رَعَتْ مَنْبَتَا خِصْبًا لَصَارَتْ جَوْهَرًا
وإذا كنا نتحدثُ عن الأيتامِ ونوصِي بهِم وبإصلاحِهِم فإنَّ هذا لا يعنِي التقاعسَ مِن جانبِهِم والميلَ إلى السكونِ والدعةِ والراحةِ، بل على العكسِ مِن ذلك، فيجبُ أنْ يكونَ يتمُهُم هذا دافعًا لتفوقِهِم ونبوغِهِم وبلوغِهِم أعلَى المراتبِ، والمتتبعُ لسيرِ الأعلامِ والعظماءِ في تاريخِ الأممِ يرَى أنَّ كثيرًا منهُم عاشَ وتربَّى يتيمًا، وكان ذلك دافعًا لهُ على الترقِي والتفوقِ والنجاحِ، ويكفِي اليتيمُ شرفًا أنَّ الذي نشرَ الهدَى والرحمةَ في الناسِ وُلِدَ يتيماً ونشأَ وتربَّى وعاشَ يتيمًا ، فاليتمُ ليسَ نقمةً ولا يمنعُ مِن النجاحِ والتفوقِ، وخدمةِ المجتمعاتِ والأوطانِ، بل هو رحمةٌ مِن اللهِ ربِّ العالمين.
اللهُمَّ ألهمنَا حبَّ الفقراءِ والمساكين، وارزقنَا العطفَ على اليتامَى والأراملِ والمحتاجين.
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف